جمانة حزبون- مستشارة تربويّة ومحاضرة جامعيّة- فلسطين
جمانة حزبون- مستشارة تربويّة ومحاضرة جامعيّة- فلسطين
2022/11/11

برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟

تلعب إدارة المدرسة ورؤيتها التربويّة، المتضمّنة لسياساتها، دورًا محوريًّا في تحديد طبيعة عمليّة التعلّم والتعليم فيها لمختلف المراحل التعليميّة، وذلك من حيث مركزيّة عمليّة التعلّم؛ أي مركزيّة تتحاور بين المتعلّم والمربّي. يترتّب على هذا الأمر تحديد أساليب واستراتيجيّات التعلّم والتعليم المتّبعة، وطبيعة البيئة المادّيّة في الصفوف، من حيث تنظيمها وتجهيزاتها وطبيعة الموادّ التربويّة المتوفّرة فيها، بما ينسجم مع أعمار الطلبة ضمن كلّ مرحلة تعليميّة، ومتطلّبات التعلّم والتعليم المنسجمة معها.

كما أنّ إدارة المدرسة وسياساتها تُحدّد دور المربّي ومتطلّباته في كلّ مرحلة تعليميّة، بما يتناسب مع المادّة الدراسيّة خاصّته ومقرّراتها. وكلّما اتّجهت سياسات المدرسة نحو مركزيّة دور المتعلّم في تعلّمه، سيساعد ذلك في تكوين متعلّم نشط يكتسب المعرفة ذاتيًّا، والمربّي كميسّر لهذا التعلّم، وسيساعد ذلك في تحقيق الجوّ الملائم لعمليّة تعلّم فعّالة ومتكاملة.

 

بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟

عندما اضطررنا للقيام بالتعليم عن بُعد خلال جائحة كورونا، حاولت قدر الإمكان المحافظة على محوريّة عمليّة التعلّم لا التعليم؛ بمعنى جعل الطلبة مركزًا لهذه العمليّة. ولتحقيق ذلك، تم توظيف مجموعة من الأساليب والتقنيّات المنسجمة معها، مثل: التعلّم من خلال المشروع، والتعلّم من خلال البحث العلميّ، والتعلّم من خلال تنفيذ أنشطة تطبيقيّة في البيئة المحيطة، سواء المادّيّة أو الطبيعيّة أو البشريّة، بما ينسجم مع المحتوى المراد تعلّمه وغيرها.

تنسجم هذه التقنيّات والأساليب مع فلسفتي التربويّة الشخصيّة، خاصّة في مجال التعليم الجامعيّ، ولذلك تم توظيفها خلال التعلّم الوجاهيّ ما قبل وبعد التعلّم عن بُعد.

 

كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟

أُخاطبها انطلاقًا من كون عمليّة التعلّم والتعليم تسعى لتنمية مختلف الجوانب النمائيّة للطلبة، وتنسجم مع حاجاتهم وميولهم والفروقات الفردّيّة بينهم. لهذا، يجب إتاحة المجال لهم ضمن الأنشطة المنهجيّة وغير المنهجيّة لتنمية ميولاتهم الفنّيّة والموسيقيّة والرياضيّة وغيرها، إذ أتيح للطلبة فرصًا لتخطيط وتنفيذ أنشطة تطبيقيّة إبداعيّة على المحتوى، بتوظيف ميولهم المتنوّعة، ما يشكّل محورًا أساسيًّا في فلسفتي التربويّة لإعداد مربّين المستقبل عبر تعلّمهم الجامعيّ، فيتم تأهيلهم لتنفيذ التعلّم المبدع المنسجم مع المتعلّم واهتماماته.

 

هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟

إحدى الشروط الهامّة والمحوريّة للمعلّم الناجح هي مساهمته في تطوير ذاته المهنيّة والتأمّل المستمرّ بها، ذلك لتطوير ممارساته التربويّة بما ينسجم ومتطلّبات العصر وحاجات الطلبة النمائيّة، وتقديم المحتوى الدراسيّ بشكل منسجم معها.  هنالك عدّة عوامل أخرى ضروريّة لتحقيق النجاح في مهنة التعليم، من أبرزها رغبة المعلّم الداخليّة بمهنة التعليم، وفلسفته التربويّة لدوره مقابل دور المتعلّم، والإعداد الأكاديميّ والجامعيّ المناسب والمرحلة التي يدرّسها، وغيرها.

 

ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟

حدثت تغيّرات متعدّدة عند الطلبة بعد تجربة التعلّم عن بُعد، من أبرزها اعتماد الطالب على ذاته خلال عملية التعلّم، فأصبح متعلّمًا نشطًا يستنتجُ المعرفة بمختلف أشكالها، ذاتيًّا، عبر البحث والتحرّي من مصادر متنوّعة، بينما كان المربّي ميسّرًا له خلال هذه العمليّة. كما طوّر الطالب مهارات الاتصال والتواصل عن بُعد، واستكشف نفسه "كيف يتعلّم" (أو ما يسمّى بالمهارات فوق المعرفيّة)، وما هي نقاط القوّة لديه، والأبعاد التي تحتاج لتطوير في مختلف الموادّ الدراسيّة وغيرها. وأعتقد أنّ هذه مكاسب كبيرة حقّقناها مع الطلبة يجب استمرار توظيفها خلال عمليّة التعلّم الوجاهيّ، إذ ستكون نتائجها أفضل وأقوى أثرًا.

 

من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟

الطالب الشغوف بالتعلّم هو الطالب المدفوع ذاتيًّا من داخله لتحقيق هذا التعلّم، والمتحمّس والمستمتع فيه. وهو المتعلّم المستمرّ داخل المؤسّسة التعليميّة وخارجها دون الحاجة لمحفّزات ومعزّزات خارجيّة، فيوظّف هذا الشغف عندما يكون الطالب محورًا للعمليّة التعليميّة، عبر تنفيذ أنشطة تفاعليّة يكتسب من خلالها المعرفة ذاتيًّا. ويكون التخطيط للتعلّم من قبل المربّي بما ينسجم مع هذا التوجّه التربويّ، وبما يتناسب مع حاجات وميول الطلبة وإمكانيّاتهم، مع مراعاة الفروقات الفرديّة بينهم.

 

ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟

يعتبر الزيّ الموحّد للطلبة شكل من أشكال الانضباط والالتزام المدرسيّ الظاهريّ. فلا مانع من ارتداء الطلبة الزيّ الموحّد، لكن يجب أن يكون مريحًا، ومتناسبًا مع أعمار الطلبة ضمن كلّ مرحلة دراسيّة وحاجاتهم الجسمانيّة الحركيّة، ومتناسبًا مع حالة الطقس ومتطلّبات حياتهم المدرسيّة بكلّ أشكالها، وأن لا يشكّل تميُّزًا ما بين الجنسين، ويخلو من أي أشكل التحيُّزات الثقافيّة، والدينيّة، والاجتماعيّة... إلخ، كما يجب أن يكون غير مكلف، لئلّا يشكل عبئًا مادّيًّا على أولياء أمور الطلبة.

 

ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسي؟

في سياق التعليم الجامعيّ، يفترض أن يكون تعلّم الطالب ممتع بالنسبه له ومدفوع داخليًّا نحوه. لذلك، دائما أجعل المتعلّم مركزًا للتعلّم، يحدّد آليّاته الخاصّة لتعلّم المحتوى، بحيث تتاح له فرص الإبداع والابتكار انطلاقًا منه. فكلّما أتيح هذا النوع من التعلّم الموجّه ذاتيًّا، والميسّر بالتعليمات والإرشادات من المحاضر، كلّما حقّق المتعلّم رفاهًا في تعلّمه.

 

ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟ 

أسعى دائما للمشاركة ضمن أي مؤتمرات أو ورش عمل أو ندوات أو مجتمعات تعلّم متنوّعة ذات علاقة بتخصّصي في سياق التعليم الجامعيّ والتدريب. كما أتابع بشكل مستمرّ الدراسات والأبحاث بهذا الخصوص، بالإضافة للمشاركة بنشر مقالات وأبحاث تربويّة بهذا المجال.

 

بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟ 

من يريد أن يصبح معلّمًا يجب أن يكون راغبًا حقيقيًّا من داخله بهذه المهنة، وعليه أن يكون واعيًا لمتطلّباتها وتحدّياتها المختلفة، وأن يعلم بأنّ هذه المهنة رسالة إنسانيّة بحدّ ذاتها، ومسؤوليّة كبيرة عن تربية وتعلّم أفراد المجتمع، وبالتالي بناء المجتمع ككلّ في المستقبل. فعندما يتحقّق ذلك، يستطيع الفرد أن يسير قدمًا لتطوير ذاته المهنيّة كمعلّم متمكّن في المجال العلّميّ الذي يختاره.