تمكين المعلّمين في عصر الذكاء الاصطناعيّ: خارطة طريق القائد
تمكين المعلّمين في عصر الذكاء الاصطناعيّ: خارطة طريق القائد
دلال حمودة | مديرة المرحلة الثانويّة في مدرسة دوليّة - قطر

أثّر ظهور الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، وأصبح محلّ نقاش في المحادثات المنعقدة حول الاضطرابات المتّصلة بالتعلّم اليوم. ناقش Gates (2023) في البثّ الصوتي Unconfuse Me رؤيته حول الذكاء الاصطناعيّ في التعليم، ووصفه بـ"معلّم المدرسة الثانويّة الرائع"، فهو لا يحلّ محلّ المعلّمين، بل يدعمهم ويجعلهم "مركز الفصل الدراسيّ". أصبح هذا الرأي شائعًا، ولكنّه يتطلّب دورًا واضحًا للمعلّمين في عمليّة صناعة القرار. ولمّا كان الشيء الوحيد الثابت في الوجود هو التغيير، فلا بدّ من أن يطال التغيير المجال الأهمّ في الحياة، وهو التعليم.  

 

من هنا، يجب على جميع المعنيّين بالتعليم أن يسعوا جاهدين إلى فهم التغيير الحاصل فيه وتأثيره وتوقّعه والاستعداد له. ذلك مسعى معقّد ومليء بالتحدّيات، ويتطلّب مشاركة صنّاع القرار وأصحاب المصلحة، وغالبًا ما يكون محفوفًا بالتوتّر. ففي العديد من المنصّات الرئيسة التي تناقش التعليم اليوم، بدأ صانعو السياسات والخبراء بإعادة تعريف الغرض من التعليم اليوم. هذه نقطة بداية مهمّة، والتعريف الذي أتبنّاه يُختصَر في أنّنا نعلِّم لضمان قدرة الأجيال القادمة على التطوّر والابتكار في رحلتنا المشتركة، للإسهام في مستقبل أفضل، وأكثر سلامًا واستدامة وعدالة.   

 

في هذا المقال، نسلّط الضوء على مجال محدّد للغاية، يتمثّل في ما قد يعنيه هذا المسعى من التطوّر والابتكار بالنسبة إلى المعلّمين، ولا سيّما في ما يتعلّق بالتطوير المهنيّ، مركّزين في ذلك على الخطوات اللازمة لتحقيق التغيير المرجوّ في العمليّة التعليميّة، من ناحية توظيف الذكاء الاصطناعيّ، ودور المعنيّين بالتعليم في المدارس في تمكين المعلّمين من تحقيق ذلك.  

 

الذكاء الاصطناعيّ في التعليم بين الواقع والمأمول 

دائمًا ما تُكلَّف المدارس والمعلّمون بمهمّة "التعليم من أجل المستقبل"، أي التعليم وفق المُتوقَّع. لكن، ما معنى ذلك بالنسبة إلى المعلّمين، من حيث تعلّمهم واستعدادهم؟ تتطلّب هذه المهمّة من المعلّمين الوثوق بما يقدّمونه وإدراكهم نتائجه، كما يتطلّب تمكين المعلّمين. ومع ذلك، عندما يتعلّق الأمر بالتكنولوجيا والأدوات التعليميّة، غالبًا ما يُحدَّد ما على المعلّمين فعله، بدلًا من تمكينهم، ويُركَّز على الأداة، بدلًا من المنهجيّة التعليميّة. وبالتالي، تصبح التكنولوجيا الجديدة تجربة فاشلة، بدلًا من أن تسهم في تحسين جودة التعلّم. أجرى Celik وآخرون (2022) مراجعة شاملة للبحوث المعنيّة بمستقبل الذكاء الاصطناعيّ، والتحدّيّات التي يفرضها أمام المعلّمين، معتبرين أنّ إدماج الذكاء الاصنطاعيّ الناجح يقتضي من أصحاب المصلحة، ولا سيّما المعلّمين، المشاركة في إنشائه وتطويره ودمجه.  

اتّفق مختلف الخبراء والمعلّمين الذين شاركوا في مؤتمر WISE 11 الأخير الذي عُقِد في الدوحة، بعنوان: "الطلاقة الإبداعيّة: ازدهار الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعيّ"، على شيء واحد، وهو أنّ الذكاء الاصطناعيّ لن يحلّ محلّ المعلّمين، ولكنّه سيجعل خرّيجي المستقبل مستهلكين سلبيّين أو منتجين إبداعيّين. وأشار Hamilton وآخرون (2023) إلى أنّه مع تزايد قدرة الذكاء الاصطناعيّ على تنفيذ العمليّات العقليّة، قد يضعف حافزنا على التعلّم والنموّ، معتبرين أنّ الخطر الجسيم يكمن في أن نصبح غير متعلّمين، ومنفصلين عن المستقبل. هذا توقّع قاتم، لكن تمكننا رؤية ذلك يحدث بالمعطيات الحاليّة. ومن هنا، يكون من دورنا، كوننا قادة مدرسيّين، معالجة ذلك، بدءًا من الاعتراف بأنّ النتيجة تعتمد في المقام الأوّل على المعلّمين أنفسهم، وكيفيّة استخدامهم التكنولوجيا، وصولًا إلى وضع خارطة طريق تدعم تحويلهم إلى أصحاب قرار في كيفيّة الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ، لإحداث تحويل بالتعلّم والتعليم في مدارسنا. 

 

الخطوة الأولى: تثقيف المعلّمين 

على القادة التفكير في كيفيّة إشراك أعضاء هيئة التعليم في نقاش مفتوح حول المشهد المتغيّر، والدور الذي يؤدّيه الذكاء الاصطناعيّ فيه. كما تجب معالجة المخاوف التي قد تعتري المعلّمين، وعدم رغبتهم في النظر في التغيّرات التي تحدث بالضرورة، ثمّ توظيف التطوير المهنيّ لإثارة حماس المعلّمين، بالشراكة بينهم والمدرّبين المتمرّسين في مجال التكنولوجيا في ورش العمل. يمكن التعاون مع مؤسّسة معيّنة، أو اختيار دورة، أو برنامج متاح بالفعل يلبّي احتياجات مؤسّستك، بدءًا من تدريس تاريخ الذكاء الاصطناعيّ، وتطوّره إلى النظر في كيفيّة عمله، وتعلّم كيفيّة استخدامه، حتّى تصبح جزءًا من تطويره. في كازاخستان، أشار وزير العلوم والتعليم العالي Sayasat (2023) إلى أنّ شراكتهم مع Coursera؛ لتوفير التطوير المهنيّ للمعلّمين في مجال الذكاء الاصطناعيّ في البلاد، كانت سببًا رئيسًا في دمج أدوات الذكاء الاصطناعيّ في التعلّم دمجًا ناجحًا، ومشاركة المعلّمين والطلّاب باستخدامها استخدامًا إيجابيًّا. وما يثير الإعجاب هو المناقشات والمساعي حول كيفيّة دمج اللغة الكازاخستانيّة مع الذكاء الاصطناعيّ، وهذه ليست خطوة يمكن أن تحدث من دون إدماجها الناجح في التعلّم على مستويَي المدرسة والجامعة. 

وعليه، يجب البدء بتثقيف المعلّمين وتوفير دورات تدريبيّة لهم حول الذكاء الاصطناعيّ. كما يجب أن يكون ذلك هدفًا لتطوير جميع المعلّمين تطويرًا مهنيًّا، لسدّ الفجوة بينهم ومستخدمي الذكاء الاصطناعيّ، فضلًا عن ضرورة منحهم الثقة والمعرفة اللازمتين للتعرّف إلى أدوات الذكاء الاصطناعيّ، كأدوات تمكين في ترسانتهم، لا كأسلحة تُستخدَم ضدّهم. وفي هذا السياق، دعا فليب تشيلد، الشريك في شركة McKinsey & Company، إلى بدء استخدام التكنولوجيا المصمّمة للمعلّمين، مشيرًا إلى دراسة حالة، أدّى فيها التركيز على التكنولوجيا الموجَّهة إلى الطلبة، إلى الفشل: حاسوب محمول لكلّ طفل، وشراكة LAUSD مع Apple وPearson، حيث يسلّط كلاهما الضوء على أنّ عدم البدء بتكنولوجيا المعلّم ونقص الاهتمام والثقة بالتدريب، سيؤدّيان حتمًا إلى الفشل (Child, 2023).

 

الخطوة الثانية: تحديد التحدّيات 

عندما يكتسب المعلّمون المعرفة، يحين الوقت للنظر في الروابط المتعلّقة بأصول التعليم. ومن هنا، يكون الهدف الرئيس للتطوير المهنيّ، معالجةَ التحدّيات التي تواجه عمليّة التعلّم، والاجتماع بالمعلّمين بانتظام، للتعبير عن العقبات التي واجهوها في الصفّ، أو التحدّيات التعليميّة الملاحَظة لدى الطلّاب، وهو أمر ضروريّ لتحقيق ذلك. كما أنّ بدء المحادثة من منظور تربويّ أمر ضروريّ، إذ لا بدّ من التعرّف إلى ما يلزم للتعلّم على مستوى التربية. الأمر الذي يَحُول دون أن تكون أدوات التكنولوجيا مجرّد هدف، ويعاد تركيزها على عمليّة التعلّم، حيث يجب أن تكون. البداية تكون من الفصل الدراسيّ والمعلّم، ثمّ إشراك خبراء وفنّيّي تكنولوجيا المعلومات، بوصفهم أفرادًا قادرين على تقديم رؤى حول كيفيّة معالجة مشكلات محدّدة.

إحدى هذه المشكلات أو التحدّيات عنصر الوقت، حيث يمثّل الوقت تحديًّا، كما هو الحال مع الطلب المتزايد على الأعمال الورقيّة والخطط الكتابيّة. فالتعلّم عمليّة معقّدة، ودور المعلّم، كونه ميسّرًا، أمر حيويّ. يمكن للذكاء الاصطناعيّ مساعدة المعلّمين في التخطيط والتصميم، بإعداد فعاليّات تعليميّة شاملة تضمّ إنشاء مجموعات، واقتراح أسئلة توضيحيّة، واقتراح تقييمات بسيطة، وغير ذلك، ممّا يمنح المعلّم الوقت للتركيز على إثراء الإبداع، والابتكار في الفعّاليّة ذاتها.  

أمّا التحدّي الآخر فيكمن في جدولة التغذية الراجعة، وتقديمها في الوقت المناسب. على سبيل المثال، يمكن توظيف Khanmigo، وهي منصّة للتدرّب على الكتابة، لتقديم تلميحات واقتراحات للطلّاب أثناء كتابتهم، فتزوِّد المنصّة الطلبة بتغذية راجعة تعزِّز لديهم مهارة الإبداع في التعبير الكتابيّ.

 

الخطوة الثالثة: تحديد أدوات واضحة 

بعد تحديد المخاوف، يتعيّن اختيار أداة أو أداتين، بالاتّفاق مع المعلّمين. وهنا، يأتي دور خبراء التكنولوجيا للعمل مع المعلّمين على اختيار الأدوات المتاحة والقابلة للتوسيع وسهلة الاستخدام والمناسبة من حيث التكلفة. قد يكون التركيز على كيفيّة التأقلم مع الفروق الفرديّة بين الطلّاب مثالًا على ذلك، إذ غالبًا ما يواجه المعلّمون صعوبة في تنظيم الوقت لتكييف موارد التعلّم بما يناسب مهارات الطلّاب وقدراتهم اللغويّة المختلفة مثلًا، سعيًا إلى تحقيق التعلّم والوصول إلى أهدافه الرئيسة، من دون المساس بالمفهوم العام للوحدة أو الدرس. تُعدّ Diffit أداة تعليميّة تعتمد على الذكاء الاصطناعيّ، وتساعد المعلّمين في إنتاج موارد تسهم في تكييف المادّة التي يختارها المعلّم. يساعد توفير مثل هذه الأداة للمعلّمين على معالجة هذا الأمر والشعور بثقة أكبر.  

 

الخطوة الرابعة: قياس تأثير الأدوات المختارة في تعلّم الطلبة

يحدّد التقييم التحسين المستدام، فعندما يجري المعلّم تجربة باستخدام أداة محدّدة لهدف محدّد، يكون النظر إلى تأثيرها في الطلّاب بطريقة منهجيّة وصحيحة أمرًا بالغ الأهمّيّة لاتّخاذ القرارات. نحن نتعلّم بشكل أفضل بالعمل والتأمّل، ويمكننا التعليم بمجرّد أن يصبح ذلك نهجًا نظاميًّا في خطط تطويرنا المهنيّ في المدارس. 

تسهم تحليلات الذكاء الاصطناعيّ المدمجة في الأدوات في قياس تعلّم الطلّاب وأدائهم. فحيازة المعلّم بيانات حول تعلّم الطالب ومستواه وسرعته وسلوكه، يعينه على التعرّف إلى الثغرات، ومعالجتها في الوقت المناسب. كما يعينه، في بعض الأحيان، على تحليل المعايير في الخطوة الثالثة.

 

الخطوة الخامسة: منح المعلّمين صلاحيّات صناعة القرار 

بعد إكمال دورة التعلّم وتحديد الأهداف والتنفيذ والقياس مرّة واحدة، يُدعَى المعلّمون إلى تحديد المجموعة التالية من الأولويّات، وتصميم دورة التطوير المهنيّ. من هنا، يعدّ النظر في التطوير المهنيّ فرصة أمام المعلّمين للتعبير عن مخاوفهم والمشاركة في تحديد الاحتياجات المستقبليّة، ودراسة القضايا العاجلة، والمشاركة في تصميم خارطة الطريق لقيادة التعلّم وتنفيذها، لضمان تحقّق النتائج المرجوّة. كما يضمن هذا النهج قبول المعلّمين الأدوات المختارة، للحدّ من عدم مشاركتهم في المبادرة واستخدامها. وعليه، فمبادرة التطوير المهنيّ الناجحة هي التي تبدأ على أرض الواقع في الفصول الدراسيّة، وتعود لقياس الأثر في الفصول الدراسيّة؛ حيث يجب أن تكون.  

 

المراجع 

- Celik, Dindar., et al. (2022). The Promises and Challenges of Artificial Intelligence for Teachers: A Systematic Review of Research. TechTrends. 66. 616–630. https://doi.org/10.1007/s11528-022-00715-y  

- Child, F. (2023, November). From Hype to Reality: Unleashing AI's Potential For System Transformation. WISE 11.

- Gates, Bill. (2023, August 10). Can AI Help Close the Education Gap? YouTube. https://www.youtube.com/watch?v=X2oF8oZopdA  

- Hamilton, A., Wiliam, D., and Hattie, J. (2023, August). The Future of AI in Education:  13 Things We Can Do to Minimize the Damage. https://doi.org/10.35542/osf.io/372vr  

- Sayasat, N. (2023, November). The role of Policymakers in Fostering Responsible and Effective AI in Education. WISE 11.