المعلّم الذي نريد
المعلّم الذي نريد
هيفاء نجار | عضو مجلس الأعيان والمديرة العامة لمدرسة الأهلية والمطران - الأردن

المدرسة ليست مكانًا للتعلّم فقط، هي مختبر تتلاقح فيها الأفكار والرؤى، ومنتدًى للحوار والجدل الدائم، وميدان للإبداع والابتكار، ومنطلق للتغيير. وهي بذلك ليست مجرّد حيّز جغرافيّ بل مساحة نفسيّة تتجاوز التحديد والثبات؛ لأنّ كلّ ما فيها متحرّك ومفتوح على اللّانهاية. هي مجال لولادات متعدّدة للمعلّم والطالب على حدّ سواء، وسفر دائم داخل الذات يكشف عن مجهولات داخل المعلّم والطالب، ويميط اللثام عن أسئلة أعمق ما فيها أنّها تظلّ بلا أجوبة، بل وإنّها تولّد أسئلةً تلو أسئلة.

ولكي تغدوَ هذه المدرسة مساحةً نفسيّةً خصبةً ثرّة فإنّه ثمّة عوامل عديدة تلعب دورًا في ذلك، لكن يبقى المعلّم هو الأقنوم الأهمّ، ذلك المعلّم الذي آمن بدور التعليم في نهضة المجتمعات ونمائها، ودفعه شغفه بالتعليم نحو تلك المهنة، وحمله هاجسه نحو التغيير إلى غرفة الصفّ، لذا فإنّنا أحوج ما نكون إلى ذلك المعلم:

المحبّ

الذي يقبل طلبته على ما هم عليه باختلافهم وقوّتهم وضعفهم، والذي يدرك أنّ الأسئلة الكبرى لا تُطرح إلّا بقوّة الحبّ، وبهذه القوّة وحدها يمكن أن نتجادل ونتّفق على أنّنا مختلفون.

الباحث

المتعلّم دومًا الذي لا يكتفي بما في المنهاج، بل يعي أنّ العلم سيرورة لا تتوقّف، وأنّ البحث هو ما يجعله أكثر ثقةً وعطاءً وأشدّ صبرًا.

الملهِم

الذي يُعلي من شأن المخيّلة، ويحلّق مع طلبته إلى آفاق لا ضفاف لها، فالإبداع يجعل من صمت المنهاج نطقًا، ويحوّل ثباته أجنحةً تطير في كلّ الاتّجاهات.

المنفتح

الذي يرى أنّ الأفكار جميعها في موضع اختبار دائم، فليس ثمّة مطلق بينها. ولا يحتكر الحقيقة أحد، بل إنّ الحقيقة تتعدّد بتعدّد السالكين.

الآمل

الذي يعرف أنّ ما يعمل من أجله قد لا يتحقّق أبدًا، فلا يداخله اليأس أو القنوط، بل وإنّه لا يتوقّف عن العمل كأنّ ما يعمل من أجله سيتحقّق غدًا.

الواعي

الذي يعي أنّ التاريخ لا يُصنع من فوق، وإنّما هو يُصنع من الأرض، من ترابها وعرقها، من آلامها وآمالها، يصنع على يد البشر العاملين الخلّاقين.

المحرِّض

الذي يستفزّ فضول طلبته، ويدفعهم إلى طرح مزيد من الأسئلة، لأنّ الأجوبة لا تأتي إلّا على طبق من الأسئلة.

الحالم

الذي يعتقد أنّ أجمل ما في التعلّم أنّه رحلة ممتعة، وأنّ الطريق إلى البيت أجمل من البيت نفسه في كثير من الأحيان.

الخيميائيّ

الذي يعيد خلق الأشياء، يمنح الصفّ أكسير الحياة، ويُخرِج من طلبته أفضل ما لديهم، ليصهرَه في بوتقة حبّ الحياة وعيشها بشتّى تجلّياتها وبهائها وزهائها.

الصديق

الذي يتّخذ من زملائه رفاق درب ومسيرة، بعيدًا عن المنافسة المريضة، ويعقد بذلك معهم حوارات ونقاشات، فيزداد العمل غنًى وثراءً. ويتعامل مع طلبته على أنّهم شركاء في رحلة التعلّم، يجادلهم وينصت حتّى إلى ما لا يقولونه.

القائد

الذي يشكّل نموذجًا لطلبته، يشحنهم بلهب جديد، ويجعلهم في فتوّة دائمة، وحركة مستمرّة، وبحث دائم عن المعرفة من مصادرها المختلفة.

المتفائل

الذي ينثر تفاؤله أينما حلّ، يعانق كلّ ما يبني، ويتحدّى كل ما يعيق، ويحارب الاستسلام للواقع، لأنّه يدرك أنّه شكل من أشكال تعميم العجز والفشل.

الرائي

الذي يرى ما لا يُرى، يحدس بما هو غير متوقّع، يكسر أفق التوقّعات، ويقدر على النفاذ إلى الجوهر المجهول من أجل كشفه وإضاءته.

المرح

المبتسم دائمًا الذي يستطيع رسم البسمة على محيّا طلبته في كلّ الأوقات، وينتزع الضحكة من قلوبهم في أحلك الظروف والمواقف العصيبة.

 

إنّ الدور المنوط بالمدرسة عظيم ليس للطلبة وحدهم، بل ولجميع العاملين فيها، ولن نستطيع تكريس هذا الدور وترجمته على أرض الواقع إلّا إذا توجّهنا إلى مدارسنا بمحبّة وشغف، وآمنّا بأنّ التعليم وسيلتنا الأهمّ في التغيير الذي نريد، وبأنّنا نساعد كلّ فرد من أفراد أسرة المدرسة على تشكيل معنًى جديد في حياته.