التقييم التكوينيّ: أهداف واستراتيجيّات
التقييم التكوينيّ: أهداف واستراتيجيّات
مي أبو مغلي | باحثة-فلسطين/لبنان
سمر زيتون | أستاذة جامعية-لبنان

التقييم عنصر حاسم في عمليّة التعلّم، إذ يوفِّر للمعلّمين نظرة ثاقبة حول ما يعرفه الطلّاب وما يمكنهم القيام به، ويساعد في تحديد المجالات التي يحتاج فيها الطلّاب إلى دعم إضافيّ. هناك ثلاثة أنواع رئيسة من التقييم، التشخيصيّ والتكوينيّ والختاميّ، ولكلّ منها غرضه وفوائده الفريدة. 

تعدّ أنواع التقييم الثلاثة مكوّنات مهمّة في عمليّة التعلّم، فيساعد التقييم التشخيصيّ في تحديد المجالات التي يحتاج فيها الطلّاب إلى دعم إضافيّ، أمّا التقييم النهائيّ فيوفِّر صورة شاملة عن إنجازات الطلّاب. تكمن أهمّيّة التقييم التكوينيّ في ضمان قدرة الطلّاب على تحقيق أهداف التعلّم، فهو يوفِّر تغذية راجعة مستمرّة للمعلّمين والطلّاب، باستخدام مجموعة متنوّعة من أدوات التقييم.

في هذ المقال، نبيّن أهمّية التقييم التكوينيّ في المدارس، وكيفيّة استخدامه بفعّاليّة، مقدّمين أمثلة عمليّة لاستخدام التقييم التكوينيّ في الصفّ، والفوائد التي يحقّقها لكلّ من المعلّمين والطلّاب. 

 

مفهوم التقييم التكوينيّ

التقييم التكوينيّ عمليّة يستخدمها المعلّمون لجمع أدلّة حول تعلّم الطلّاب إثر عمليّة التعليم. يكمن الغرض من التقييم التكوينيّ في منح المعلّمين والطلّاب الفرصة لتعديل استراتيجيّات التعليم والتعلّم لتحقيق أهداف التعلّم بشكل أفضل. يستخدم المعلّمون التقييم التكوينيّ للتحقّق من الفهم، وتحديد فجوات المعرفة، وضبط طرق التعليم لمساعدة الطلّاب على تحقيق أهدافهم التعليميّة. 

يمكن أن يتّخذ التقييم التكوينيّ أشكالًا مختلفة، بما في ذلك الاختبارات القصيرة، والألعاب، ومناقشات الصفّ، والاستطلاعات، وتقييمات الأقران. تتمثّل إحدى السمات الرئيسة للتقييم التكوينيّ في استمراريّته وتقديمه ملاحظات منتظمة لكلّ من المعلّمين والطلّاب. تُستخدَم هذه الملاحظات لتحديد المجالات التي قد يعاني فيها الطلاّب، ولتطوير استراتيجيّات لمساعدتهم على تحسين أدائهم.

 

أهمّيّة التقييم التكوينيّ في المدارس

تكمن أهمّيّة التقييم التكوينيّ في المدارس في النقاط الآتية:

يساعد المعلّمين على تحديد نقاط القوّة والضعف لدى الطلاّب 

يوفّر التقييم التكوينيّ للمعلّمين معلومات قيّمة حول أداء الطلّاب وفهمهم. تساعد هذه المعلومات المعلّمين على تحديد المجالات التي قد يعاني فيها الطلّاب، وتعديل التعليمات وفقًا لذلك. على سبيل المثال، إذا لاحظ المعلّم أنّ طالبًا ما يواجه صعوبة في مفهوم معيّن، يمكنه تقديم دعم وتوجيه إضافيّين لمساعدته على التمكّن من المادّة.

يوجِّه طرق التعليم ويحسِّن تعلّم الطلّاب 

يسمح التقييم التكوينيّ للمعلّمين بتعديل طرق التعليم المتَّبعة، بناءً على أداء الطالب وفهمه، وذلك بتحديد المجالات التي يعاني فيها الطلّاب. يمكن للمعلّمين تطوير تدخّلات هادفة لمساعدتهم على التحسّن. يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تحسين نتائج تعلّم الطلّاب، فضلاً عن زيادة المشاركة والتحفيز. 

يشجّع الطالب على التفكير الذاتيّ والتعلّم 

يمكن أن يساعد التقييم التكوينيّ الطلّاب على تولّي مسؤوليّة تعلّمهم بتشجيع التفكير الذاتيّ والتقييم الذاتيّ. عندما يتلقّى الطلّاب ملاحظات منتظمة حول أدائهم، فمن المرجّح أن يتحمّلوا مسؤوليّة تعلّمهم وأن يضعوا أهدافًا لتحسين أدائهم. يمكن أن يعمّق ذلك فهمهم ويحفِّزهم على التعلّم.  

يوفِّر فرصًا للتغذية الراجعة والتعاون 

يوفِّر التقييم التكوينيّ فرصًا لكلّ من المعلّمين والطلّاب لتقديم الملاحظات وتلقّيها. يمكن استخدام هذه التعليقات لتحسين استراتيجيّات التعليم والتعلّم، وبناء ثقافة صفّيّة تعاونيّة. عندما يتلقّى الطلّاب تعليقات من أقرانهم، يكونون أكثر عرضة لتطوير مهارات التفكير النقديّ ويصبحون أكثر انخراطًا في عمليّة التعلّم.

 

استخدام التقييم التكوينيّ الفعّال في المدارس

لاستخدام التقييم التكوينيّ استخدامًا فعّالًا في المدارس، يحتاج المعلّمون إلى: 

تحديد أهداف تعليميّة واضحة

أهداف التعلّم الواضحة ضروريّة للتقييم التكوينيّ الفعّال. يحتاج المعلّمون إلى تحديد ما يريدون أن يتعلّمه الطلّاب بوضوح، وفهم كيفيّة قياس تقدّم الطلّاب نحو هذه الأهداف. 

استخدام مجموعة متنوّعة من استراتيجيّات التقييم 

يجب على المعلّمين استخدام مجموعة متنوّعة من استراتيجيّات التقييم لجمع أدلّة حول تعلّم الطلّاب. يشمل ذلك الاختبارات القصيرة والمناقشات الصفّيّة والاستطلاعات وتقييم الأقران. يمكن أن يساعد استخدام مجموعة متنوّعة من الاستراتيجيّات المعلّمين على تكوين صورة أكثر شمولاً لفهم الطلّاب. 

تقديم التغذية الراجعة القابلة للتنفيذ في الوقت المناسب

يجب أن تُقدَّم التغذية الراجعة في الوقت المناسب، وأن تكون قابلة للتنفيذ. هذا يعني أنّه يجب على المعلّمين تقديم التغذية الراجعة التي يمكن للطلّاب استخدامها لتحسين فهمهم وأدائهم. يجب أن تكون التعليقات محدّدة وموجَّهة نحو المجالات التي يحتاجون فيها إلى تحسين أدائهم.

 

استراتيجيّات التقييم التكوينيّ الفعّالة

يمكن استخدام عدّة استراتيجيّات لجمع الملاحظات المستمرّة حول تعلمّ الطلّاب وتقدّمهم، ولتعديل أنشطة التعليم والتعلّم لتلبية احتياجات الطلّاب الفرديّة بشكل أفضل. من بين هذه الاستراتيجيّات:  

تذاكر الخروج exit tickets 

هي استراتيجيّة تقييم تكوينيّة سريعة وسهلة، يمكن استخدامها في نهاية الدرس. يُطلَب إلى الطلّاب الردّ على سؤال متعلّق بمحتوى الدرس. يمكن للمعلِّم استخدام هذه الردود لقياس فهم الطالب وتعديل طرق التعليم وفقًا لذلك. على سبيل المثال، قد يطلب المعلّم إلى الطلّاب كتابة شيء واحد تعلّموه من الدرس، وشيء آخر لا يزال غير واضح لديهم. يمكن للمعلّم استخدام هذه المعلومات لتحديد الوقت المطلوب استغراقه في موضوع معيّن، أو لتقديم توضيح إضافيّ. 

فكِّر- زاوِج- شارِك Think-pair-share 

هي استراتيجيّة تشجِّع الطلّاب على التفكير بعمق في موضوع ما، والانخراط في مناقشة نظير إلى نظير. في هذه الاستراتيجيّة، يُعطَى الطلّاب سؤالًا، ويُطلَب إليهم التفكير في الأمر تفكيرًا مستقلًّا، ثمّ يناقش الطالب الإجابة مع زميل له. قد يكون من الأفضل أن يختار المعلّم الأقران. يساعد العمل معًا في هذه المهمّة على تعزيز مهارات القرن الواحد والعشرين. يجب منح الطلّاب وقتًا لمقارنة أفكارهم وإجاباتهم. يُدعَى الطلّاب إلى مشاركة أفكارهم حول السؤال مع بقيّة زملائهم في الصف. يصحّح المعلّمون إجابات الطلّاب ليسمعها الجميع. يعدّ هذا التقييم كذلك نشاطًا صفيًّا ممتازًا.

يمكن للمعلّم استخدام هذه الاستراتيجيّة لتقييم فهم الطلّاب وتشجيعهم على المشاركة. بمراقبة المحادثات بين الأقران، يمكن للمعلّم تحديد مجالات الارتباك أو المفاهيم الخاطئة ومعالجتها أثناء مناقشة الصفّ بأكمله. 

أوراق دقيقةٍ واحدة one minute pape

تسمح هذه الاستراتيجيّة للطلّاب بالتأمّل في تعلّمهم وتقديم التغذية الراجعة للمعلّم. يُطلَب إلى الطلّاب تدوين إجابة مختصرة على سؤال متعلّق بمحتوى الدرس. يمكن للمعلّم استخدام هذه الردود لتقييم فهم الطالب وتعديل طرق التعليم وفقًا لذلك. 

ملاحظات الأقران  

تسمح هذه الاستراتيجيّة للطلّاب بتقديم التغذية الراجعة لأقرانهم. في هذه الاستراتيجيّة، يُعطَى الطلّاب نموذج تقييم أو قائمة مراجعة لتوجيه ملاحظاتهم. يراجعون عمل زملائهم في الصفّ ويقدّمون إليهم التغذية الراجعة، بناءً على المعايير الموضَّحة في نموذج التقييم.

يمكن للمعلّم استخدام هذه الاستراتيجيّة لتقييم فهم الطالب وتقديم دعم أو موارد إضافيّة له، بحسب الحاجة. تشجِّع هذه الاستراتيجيّة الطلّاب أيضًا على تولّي مسؤوليّة تعلّمهم والانخراط في التعلّم التعاونيّ.

الاختبارات التكوينيّة 

تسمح هذه الاستراتيجيّة للمعلّمين بتقييم فهم الطلّاب في الوقت الآنيّ. في هذه الإستراتيجيّة، يقدِّم المعلّمون اختبارًا قصيرًا، أو تقييمًا في نهاية الدرس أو الوحدة، لقياس مدى فهم الطالب. 

يمكن للمعلّم استخدام نتائج الاختبار لتعديل التعليمات وتقديم دعم أو موارد إضافيّة، بحسب الحاجة. توفِّر هذه الاستراتيجيّة أيضًا للطلّاب ملاحظات فوريّة وفرصة لتحديد مجالات الارتباك أو سوء الفهم. 

التقييم الذاتيّ 

يتيح التقييم الذاتيّ للطلّاب التفكير في تعلّمهم وتحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى دعم إضافيّ. يمكن أن يساعد الطلّاب أيضًا على تطوير المهارات ما وراء المعرفيّة، والتي يمكن أن تحسِّن التعلّم والأداء عامّةً.

سجلّات التفكير أو التعلّم learning logs 

تعدّ سجلّات التعلّم، والمعروفة أيضًا باسم المجلّات العاكسة أو المجلّات التعليميّة، نوعًا من التقييم التكوينيّ الذي يسمح للطلّاب بالتأمّل في خبراتهم التعليميّة، وتتبّع تقدّمهم بمرور الوقت. تقتضي سجلّات التعلّم احتفاظ الطلّاب بسجلٍّ لأفكارهم وأسئلتهم وملاحظاتهم وتأمّلاتهم في أنشطة التعلّم الخاصّة بهم. 

يمكن أن تتّخذ سجلّات التعلّم العديد من الأشكال المختلفة، اعتمادًا على احتياجات المعلّم والطلّاب وتفضيلاتهم. تتضمّن سجلّات التعلّم بعض العناصر الشائعة، والتي تتمثّل في النقاط الآتية: 

  • - التاريخ والوقت: يجب على الطلّاب تسجيل تاريخ كلّ إدخال ووقته، لمساعدتهم على تتبّع تقدّمهم وتحديد أنماط تعلّمهم. 
  • - التفكير: يجب على الطلّاب التفكير في خبراتهم التعليميّة، وتسجيل أفكارهم وأسئلتهم وملاحظاتهم. 
  • - التقييم الذاتيّ: يمكن للطلّاب استخدام سجلّات التعلّم لتقييم تعلّمهم وتحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى دعم إضافيّ.
  • - الأهداف: يمكن للطلّاب تحديد أهداف تعلّمهم وتسجيل تقدّمهم نحوها. 
  • - الملاحظات: يمكن للطلّاب تسجيل ملاحظات المعلّم أو زملائهم على سجلّات التعلّم الخاصّة بهم، والتي يمكن أن تساعدهم على تحسين فهمهم وأدائهم. 

يمكن استخدام سجلّات التعلّم في مجموعة متنوّعة من المجالات الدراسيّة ومستويات الصفّ. وهي تُستخدم لتعزيز المهارات ما وراء المعرفيّة، مثل الوعي الذاتيّ والتنظيم الذاتيّ، ولتشجيع الطلّاب على تولّي مسؤوليّة تعلّمهم. يمكن أن تكون سجلّات التعلّم أيضًا أداة مفيدة للمعلّمين، حيث تزوِّدهم برؤى حول فهم الطلّاب والمجالات التي قد تكون بحاجة إلى دعم إضافيّ.

 

* * *

التقييم التكوينيّ ضروريّ لتطوير مهارات القرن الواحد والعشرين لدى الطلّاب. يعزِّز التقييم التكوينيّ، بتقديم ملاحظات مستمرة للمعلّمين والطلّاب، تنميةَ مهارات التفكير الناقد وحلّ المشكلات والتعاون. كما يساعد على بناء الوعي الذاتيّ ومهارات التنظيم الذاتيّ، حيث يُشجَّع الطلّاب على التفكير في تعلّمهم وتحديد المجالات التي يحتاجون فيها إلى دعم إضافيّ. بالإضافة إلى ذلك، يعزِّز التقييم التكوينيّ تطوير مهارات التواصل، حيث يُمنَح الطلّاب فرصًا لتقديم التعليقات لأقرانهم. وعليه، يعدّ التقييم التكوينيّ أداة رئيسة لتطوير المهارات اللازمة للنجاح في القرن الواحد والعشرين.