التعلّم المُبكِر: تحدّيات تعزيز نموّ الطفل وآفاقه
التعلّم المُبكِر: تحدّيات تعزيز نموّ الطفل وآفاقه
سعاد الطاوسي | مديرة مؤسّسة الطاهر السبتي وخبيرة في قضايا الطفولة والمرأة - المغرب

للتعلّم في مرحلة الطفولة المبكِرة دور مهمّ في تنمية الأطفال الشاملة ورفاههم، إذ تعدّ هذه المرحلة فترة رئيسة لوضع أسس النموّ بكلّ أبعاده، المعرفيّة والاجتماعيّة، والعاطفيّة، والجسديّة، والنفسيّة.  يعمل التعلّم، من جهة أخرى، على الحفاظ على تقسيم الأدوار بين الأسرة والمدرسة.

عرفت المجتمعات الإنسانيّة تحوّلات جوهريّة في مختلف مناحي الحياة، ما فرض تحوّلات على شروط استقبال الأطفال في مرحلة الطفولة المبكِرة. وبالنظر إلى الخصوصيّات الاقتصاديّة والثقافيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة المتنوِّعة في المجتمعات العربيّة عامّة والمجتمع المغربيّ خاصّة، باعتباره التجربة التي أتطرّق إليها بالتحليل، نجد أنّ الاهتمام بالتعليم المبكِر في مرحلة الطفولة عرف عدّة تحوّلات منذ فجر الاستقلال، إذ تصاعدت وتيرته وبرامجه والمتدخّلون فيه، وتباينت المرجعيّات والمنطلقات المتحكِّمة في سيرورته.

 

جهات استقبال الأطفال في سنّ مبكِرة

انطلاقًا ممّا أشرنا إليه في التمهيد، تنوّعت جهات استقبال الأطفال في سنواتهم الأولى، والتي تهدف إلى تربية النشء وتهيئته للمستقبل، وتقاسم الأدوار لنقل المهارات إليهم وبناء شخصيّتهم حتّى يكونوا جاهزين لمواجهة تحدّيات الحياة، إلى جانب أسرهم. لكن، اختلفت الرؤى وتباينت، بحسب الفئة المستهدَفة من الأسر. أمّا جهات استقبال الأطفال فتتمثّل بالآتي:

1. مؤسّسات تقليديّة تهدف إلى حراسة الأطفال، ولا سيّما بعد التحوّلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وخروج المرأة إلى ميدان العمل، بعيدًا عن تبنّي المناهج والطرق والمقاربات البيداغوجيّة التي تراعي احتياجات الأطفال، والتي غالبًا ما تفتقر أطرها إلى أبسط التدريبات المتعلّقة بفهم خصوصيّة الطفل، واحتياجاته الفرديّة وكيفيّة تدبيرها. 

2. مؤسّسات تستند إلى النظام التعليميّ التقليديّ، والتي ينحصر دورها في تلقين الطفل القراءة والكتابة والحساب.

3. مؤسّسات خاصّة، منها ما استورد منهجيّات وطرقًا تربويّة متطوّرة، ولكن من دون ربطها بخصوصيّة ثقافة البلد وجغرافيّته ومجتمعه وهويّة أفراده المتعدّدة؛ الأمر الذي أسقطها في التلقين والسطحيّة: فمنها من هرع إلى الاعتماد على اللغات عنوانًا للتطوّر، من دون مراعاة الأسس التي ينبني عليها التعلّم الذي يجب أن يحترم لغة الطفل الأمّ، ليتمكّن من تطوير مهاراته الاجتماعيّة، حيث يساعد تفاعله اللغويّ والاجتماعيّ على التركيز ويبعده عن العزلة.

4. مؤسّسات مبتكِرة أو مؤسّسات تتبنّى مقاربات تربويّة جديدة، لتوفير تعلّم أكثر ملاءمة لاحتياجات الواقع وتحدّياته، لكنّها تشكّل نسبة ضئيلة في المشهد التربويّ المغربيّ، إذ تسعى جاهدة إلى الدفاع عن احترام احتياجات الطفل الفرديّة بدمج أساليب تعلّم مبتكَرة، تربط الطفل بواقعه، وتشجّعه على التفاعل الإيجابيّ معه. من جملة الخصائص المشتركة بين هذه المؤسّسات:

  • - التعلّم النشط والتعاونيّ. 
  • - تكييف التعلّم حسب خصوصيّات الطالب وخصائصه.
  • - استثمار فضاء المؤسّسة العام وتشجيع التفكير والتفكير الناقد.
  • - تشجيع التقييم الذاتيّ.
  • - ترسيخ روح التعاون بين أطراف العمليّة التعلّميّة.
  • - الانفتاح على الثقافات كلّها.
  • - الإيمان بالكيان الخاصّ بكلّ طفل، وبقدراته.

تعدّ مؤسّسة الطاهر السبتي مؤسّسة تعليميّة مبتكِرة في السياق المغربيّ، حيث تتماشى والخصائص المشار إليها أعلاه. رغم قلّة هذه المؤسّسات، فهي تصطدم بما تفرضه التدابير الرسميّة حينًا، وبالعقليّة المسيطِرة عند الأسر، والتي تحصر التعلّم في الدرجات التي يحصل عليها الطالب خلال التقييم.

 

هيكلة جهات استقبال الأطفال المؤسّساتيّة والقانونيّة

يُعزَى التباين في الرؤى والتفاوت في الأدوار بين الجهات المستقبِلة إلى تعدّد هيكلة الجهات المؤسّساتيّة والقانونيّة، والتي تنقسم إلى عدّة أنواع:

  • - مؤسّسات عموميّة، أو بالأحرى أقسام تابعة لمؤسّسات عموميّة خاضعة لوزارة التربية الوطنيّة.
  • - مؤسّسات عموميّة، ولكنّها خاضعة لوزارة الشباب والرياضة.
  • - مؤسّسات شبه عموميّة خاضعة للمجالس المنتخَبة والجماعات الترابيّة.
  • - مؤسّسات عموميّة خاضعة للتعاون الوطنيّ التابع لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعيّة والمساواة والأسرة.
  • - مؤسّسات قرآنيّة تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة.
  • - مؤسّسات البعثات الأجنبيّة.
  • - مؤسّسات تابعة لمنظّمات المجتمع المدنيّ وجمعيّاته. 
  • - مؤسّسات خاصّة متعدّدة، يخضع بعضها لهيكلة قانونيّة، ويمارس بعضها الآخر نشاطه بدون رخص، وتنتشر هذه المؤسّسات كثيرًا في الأحياء الفقيرة.

 

تجاذب الأطراف المؤسّساتيّة في تدبير تعليم مرحلة الطفولة المبكِرة

ما يثير الانتباه هو التجاذب بين أطراف مؤسّساتيّة رسميّة، تتداخل أدوارها في تدبير التعليم في مرحلة الطفولة المبكِرة؛ فعلى رغم الجهود المبذولة، سواء على مستوى التدابير والاستراتيجيّات الرسميّة أم غير الرسميّة، إلّا أنّها لا تحقّق نتائج مهمّة. الأمر الذي خلق إشكالات من نوع آخر تؤثِّر سلبًا في رهان النهوض بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكِرة. يبرز هنا بعض الخلل والعقبات التي تواجهها المؤسّسات التربويّة، والتي لو حصرنا القطاعات الوصيّة عليها لظهرت على النحو الآتي: 85% لوزارة التربية الوطنيّة، و6% لوزارة الأوقاف، و6% للتعاون الوطنيّ، و2% لوزارة الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعيّة، وأقلّ من 1% لبعثات مختلف السفارات الأجنبيّة، وهذه النسب تغطّي نسبة ضعيفة من الأطفال الذين من حقّهم الولوج في التعليم المبكِر، بحسب المناطق الجغرافيّة.

تشكِّل نسبة الولوج في التعليم المبكِر 57.5%، تشمل الوسط الجغرافيّ الحضريّ (55%)، والقرويّ (28%)، والتقليديّ (62.7%)، والعموميّ (12.8%)، والخصوصيّ (24.4%). أمّا في ما يتعلّق بالأطفال ذوي الإعاقة، فالأمر أكثر مرارة، ولا سيّما إذا علمنا أنّ ثلاثة أطفال من أصل خمسة يُحرَمون من الولوج في التعليم، أي ما نسبته 66.1% من الأشخاص ذوي الإعاقة (66.6% منهم فتيات)، ولا ينال سوى 85000 طفل وطفلة من ذوي الإعاقة حقّهم في مقعد دراسيّ، يصل منهم 9.5% إلى مستوى التعليم ما بعد الابتدائيّ، و1.8% إلى مستوى التعليم العالي.

 

تحدّيات تطوير التعليم في مرحلة الطفولة المبكِرة وعقباته

تبرز عقبات تجعل المجهودات المبذولة ضعيفة، ولا ترقى إلى ما يمكنه أن يخدم التعليم في مرحلة الطفولة المبكِرة، ونعرض هنا سبل التجاوز من أجل الإسهام في تحقيق تنمية مستدامة، انطلاقًا من تجربة عمليّة، تتمثّل بالآتي:

 

عدم التوازن بين الجودة والكمّ

تؤدّي زيادة عدد المؤسّسات إلى ارتفاع عدد الأطفال المستفيدين من التعليم المبكِر، ولكنّها لا تتماشى مع تحسين الجودة التي لن تتحقّق بتعدّد المتدخّلين، وغياب التنسيق بينهم. الأمر الذي يستوجب تقوية التنسيق والعمل التشاركيّ بين كافّة المتدخّلين للوصول إلى الجودة.  

الفجوة بين المناطق الحضريّة وشبه الحضريّة والقرويّة

بالنظر إلى تنوّع المؤسّسات المعنيّة بالتعليم المبكِر وهيكلتها، يتواجد معظمها في المناطق الحضريّة، ما أدّى إلى نقص في الفرص التعليميّة الموجَّهة للأطفال في المناطق القرويّة والنائية، ولا سيّما الفتيات، مقارنةً بأقرانهم في المناطق الحضريّة. الأمر الذي يستوجب على القطاع الوصيّ أن يسهم في تقليص الفجوة بين المناطق، وأن يفعِّل قانون التعميم، ويكثِّف التوعية، ويشجِّع الأسر على تعليم الفتيات.  

غياب الاستراتيجيّة الشموليّة

يحتاج بناء الإنسان وصقل شخصيّته وتهيئته للمستقبل إلى استراتيجيّة تنمويّة، تشمل مجموعة من الخطط المنسَّقة والتدابير الموحَّدة، لتطوير التعليم في مرحلته المبكِرة، مع التركيز على تحقيق الأهداف الكمّيّة والنوعيّة. من هنا، يقف تعدّد المتدخّلين واستراتيجيّاتهم عثرة أمام تحقيق الغايات والوصول إلى الواقع المنشود؛ فوجود استراتيجيّة شاملة ودامجة تستنبط برامجها الإجرائيّة والحلول المبتكَرة من التجارب الناجحة، وفق سياق وطنيّ، مع آليّة التتبّع والتقييم والمحاسبة والإشراك، يسهم في تحقيق الغاية. 

قلّة التقييم والمتابعة

يجب تعزيز جودة التقييم والمتابعة لضمان تحقيق المعايير والنتائج الإيجابيّة، عبر تطوير الرصد الفعّال والتشخيص الدقيق. وذلك من أجل تحديد المدخلات اللازمة، سواء المرتبطة بأطراف العمليّة التعليميّة - التعلّميّة، أو الاحتياجات الفرديّة لكافّة المتدخِّلين، ومراعاة الخصوصيّة الجغرافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، فضلًا عن إيجاد حلول جوهريّة مبنيّة على تشخيص دقيق للموضوع في شموليّته. 

ضعف البنية التحتيّة

يستدعي الفضاء الجاذب للطفل احترام معايير محدّدة، تبعث البهجة والأمن والأمان. بالإضافة إلى توفير المعدّات والموارد الضروريّة التي تكون في متناول الطفل، ليتمكّن من تحقيق تجربة تعلّم جيّدة. 

ضعف التأهيل والتدريب المهنيّ

التدريب المستمرّ والمواكبة الدائمة لتطوّر المجتمع في مختلف المجالات، والتأثّر بالتطوّرات العالميّة، أمور ضروريّة لضمان تقديم تعليم ذي جودة عالية، يلبّي احتياجات الأطفال في هذه المرحلة العمريّة. فمرحلة الطفولة تتأثّر بعدّة عوامل وتتطوّر بوتيرة سريعة، ولا بدّ من مواكبتها بالبحث والتكوين المستمرّ.

ضعف استيعاب مفهوم التربية والتربية الدامجة

يسقِط التمييز بين الأطفال على أساس الجنس أو العرق أو الإعاقة أو السنّ أو الوضعيّة القانونيّة المتدخّلين في ممارسة العنف تجاه الطفل، ويحول دون تمتّع الطفل بحقوقه، ما يجعل النتائج وخيمة عليه وعلى المجتمع. من هنا، يقتضي تحقيق صيرورة التربية العملَ على التربية الدامجة وفق ما حدّدته اليونسكو في وثيقة المبادئ التوجيهيّة، لتعريف التربية الدامجة، والتي أكّدت على أنّ إنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعيّ، يكمن في المرتكزات الآتية: 

  • - التربية الدامجة سيرورة متطوّرة.
  • - التربية الدامجة مبنيّة على حقّ الجميع في تربية ذات جودة.
  • - التربية الدامجة تستجيب لحاجات التعلّم الأساسيّة، وتثري وجود الطلّاب.
  • - التربية الدامجة تتمحور حول الفئات الهشّة، فهي تحاول أن تطوِّر إمكانات كلّ طالب. 

 

تحدّيات تكوين المفاهيم التربويّة والبيئات المؤثِّرة في تجربة التعليم المبكِر

طرح هذا الواقع إشكاليّات كثيرة تحتاج معالجتها إلى أكثر ممّا يسعه هذا المقال. لذلك، اخترنا أن نسلّط الضوء على إشكاليّة مفاهيميّة تقتصر على منطلق رئيس، يخصّ الإجابة على سؤال جوهريّ: هل نتحدّث عن التعليم، أم التعلّم، أم عن الطفل في المراحل الأولى من التعليم؟ نحن أمام اختيارين، الاختيار بين التعليم والتعلّم، أي الاختيار بين الطفل الذي يبني معرفته الخاصّة، والطفل الذي نريد تزويده بالمعرفة، وهذا يشكِّل في الآن ذاته تحديًّا وعقبة. 

من هنا، تؤدّي البيئة المحيطة بالطفل، سواء داخل المحيط الأسريّ أو المدرسيّ، دورًا حاسمًا في تجربته التعليميّة - التعلّميّة، إذ قد يواجه الأطفال الذين ينمون في أوضاع اقتصاديّة وثقافيّة ضعيفة عقبات متعدّدة، مثل نقص الإمكانات التعليميّة، والموارد الثقافيّة والفكريّة، والتدريبات اللازمة. يشكِّل ذلك كلّه عوامل تؤثِّر في بناء شخصيّة مستقلِّة وقادرة على الاختيار، وتبنّي فكرًا ناقدًا وحرًّا.

يضاف إلى ذلك نقص التأهيل والتحفيز الذي يمكن أن يمارسه المربّي، لتوجيه اهتمامات الطفل نحو تعزيز فضوله الطبيعيّ، والتعلّم من التجربة الخاصّة به، وبناء تفكيره الناقد، بتشجيع السؤال. كما أنّ التعليم الرسميّ غالبًا ما يفرض لغته وتوجّهاته ورؤيته، ما يحول دون تكيّف الأطفال المنحدرين من بيئة ثقافيّة مختلفة.

يعني ذلك أنّ نمط التعليم الذي يقدَّم إليهم يجب أن يكون ملائمًا لاحتياجاتهم الفرديّة ويراعي أبعاد التطوّر المتعدّدة باعتبارها وحدة غير قابلة للتجزيء؛ إذ يركِّز التعليم، حتّى في مراحله المبكِرة على التحصيل والتلقين، ويسعى جاهدًا إلى نقل منظومته الفكريّة، وتنميط المتلقّي، بدءًا من مراحل الطفولة الأولى. 

تلتقي جلّ التجارب المرتبطة بالتعليم الرسميّ، مهما اختلف المتدخّلون بها واختلفت استراتيجيّاتهم، في ما تمليه سياسة البلاد التعليميّة، وتخضعه لقالب يكبح التفكير الناقد والإبداعيّ للطفل، حيث يُنهَك الأطفال في التقييم الدراسيّ المبكِر، فيرهقهم ويسبّب لهم ضغوطًا نفسيّة غير ضروريّة، لأنّها لا تراعي اختلافاتهم وقدرة استيعابهم ونمط تفكيرهم. الأمر الذي يضيع عليهم فرصة التعاطي مع أبعاد المعرفة الخمسة، ليبقوا حبيسي المعرفة السطحيّة المعتمِدة على التكرار والتلقّي السلبيّ.

 

تطوير التعليم المبكِر وآفاق تعزيز نموّ الطفل

يعدّ التعلّم في مرحلة الطفولة المبكِرة من أهمّ الركائز لبناء الإنسان، باعتبارها المرحلة التي تؤثِّر في نموّ الأطفال وتطوّرهم العقليّ والاجتماعيّ، والذي له وقع مباشر على المجتمع وتنميته. ولتحقيق تطوّر فعّال وناجع، لا بدّ من توفير بيئة تعليميّة آمنة وداعمة، تشجِّع الأطفال على التفاعل الاجتماعيّ مع المحيط والأقران، لتعزيز دافعيّة الفضول الطبيعيّ، وتقديم فرص لخوض التجربة التعلّميّة المحفِّزة على المتعة والتعلّم الذاتيّ، واعتماد أساليب تعلّميّة تناسب احتياجات الطفل وتراعي أبعاد تطوّره المتعدّدة؛ فلا يمكن أن تقتصر الأساليب على البعد المعرفيّ من دون ربطه بالبعد العاطفيّ والجسديّ والحسّ - حركيّ.  

لتحقيق ذلك لا بدّ من قناعة راسخة بالعمل التعاونيّ بين الأطراف المشاركة في العمليّة التعليميّة - التعلّميّة، بدءًا من الطفل الذي يجب أن يكون مركز اهتمام الأطراف كلّها. كما يقتضي ذلك مشاركة الأسر الفعّالة وتوعيتها باحترام احتياجات الطفل والابتعاد عن فكرة تملّكه، باعتباره كائنًا مستقلًّا، فضلًا عن مواكبة الوالدين والتوجيه النفسيّ والاجتماعيّ، لنكوّن نسقًا مترابطًا ومتكاملًا.

بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من الحرص على توفير التدخّل المبكِر لدعم الأطفال الذين يعانون صعوبات التعلّم، أو صعوبات نفسيّة، أو اجتماعيّة، أو صحّيّة، انطلاقًا من تشخيص دقيق، وفهم تأثيرات السياق الخاصّ والعامّ، وإيجاد أجوبة فوريّة بمرافقة الطفل النفسيّة والطبيّة والاجتماعيّة. ذلك كلّه  من غير أن نغفل التعامل مع التقييم بمختلف مخرجاته تعاملًا إيجابيًّا وفاعلًا، كي لا نسقط في تناقض بين جوهر ما نصبو إليه وتنفيذه على أرض الواقع. من هنا، وجب تحديد دور الميسِّر، والذي يتّخذ تسميات عديدة بحسب التواجد الجغرافيّ حينًا، وتوجّه المدرسة حينًا آخر، مثل المربّي، والمعلّم، والموجِّه، المؤطِّر. وهي تسميّات تحدّد أدوارًا معيّنة، تجعلنا نتوه عن التعلّم وغايته، وتؤثِّر في البيئة المدرسيّة التي ينتمي إليها الطفل.

وعليه، يتمثّل دور الميسِّر الأسمى في استثمار كلّ ما يحيط بالطفل ليتفاعل معه، ويجعله متاحًا لاستخلاص تجربة فرديّة حسب أنماط التعلّم المرتبطة به، ويحفِّزه على المرور السليم من وضعيّة اللا توازن إلى وضعيّة التوازن، والتعامل مع الوضعيّة المُشكَلة على أساس أنّها فرصةً لبناء المعرفة.

 

* * *

ختامًا، يكمن هدف التعليم عامّةً والتعلّم المبكِر خاصّةً، في تزويد الأفراد بالمهارات المختلفة، والمعرفة بركائزها، والأدوات اللازمة للنجاح في الحياة، فضلًا عن الإسهام الفعّال في بناء المجتمع، وتحقيق تقدير الذات بإمكاناتها كلّها.

جميع الأطراف المعنيّة بهذا المجال مدعوَّة للإسهام في تحقيق غاية التعلّم، ولا سيّما التعلّم المبكِر، دعمًا لمسار تربية فعّال وناجع، يراعي خصوصيّة كلّ طفل، والسياق الخاصّ به، وتقوية تفاعله مع المحيط والمجتمع. من أجل الإسهام في بناء مستقبل ناجح للأطفال، ومرتكِز إلى القيم والمبادئ الإنسانيّة التي تخدم الطفل والأسرة والمجتمع، وتحقّق تنمية مستدامة.