أهمّيّة التغذية الراجعة المستمرّة إثر جائحة كورونا وبعدها
أهمّيّة التغذية الراجعة المستمرّة إثر جائحة كورونا وبعدها
محمّد تيسير الزعبي | خبير تطوير أساليب تدريس اللغة العربيّة - الأردن

التقى خبراء التربية عند أهمّيّة تلقّي الطالب تغذية راجعة بنّاءة (عامر، 2013)، توجّهه وترشده نحو تحسين أدائه، مهما كان نوعها. وهذا ما يجعل التغذية الراجعة نافعة، حتّى لا تبقى مجرّد إجراء ينفّذه المعلّم من دون النظر إلى الفائدة التي يحقّقها للطالب. من هنا، تُعرَّف التغذية الراجعة بأنّها: "المعلومات التي تقدَّم إلى المتعلّم بهدف تثبيت نقاط القوّة، والتغلّب على نقاط الضعف وتجنّبها مستقبلًا" (مصطفى، 2017، ص 33). فالتعليم ليس مجرّد تقديم المعارف الموجودة في الكتب المنهجيّة، بل يتّسع ويمتدّ ليُشكِّل شخصيّة المتعلّم في الجوانب كافّة، وهذا التشكيل يتضمّن النصائح والتوجيهات التي تُبرِز نقاط القوّة وتُطوِّر مجالات التحسين. 

يهدف هذا المقال إلى تبيان أهمّيّة تقديم التغذية الراجعة تقديمًا مستمرًّا، وذلك في عمليّة التعليم عن بعد إثر جائحة كورونا، وفي التعليم الوجاهيّ بعدها. لذلك، بدأنا المقال بالحديث عن واقع التغذية الراجعة قبل ظهور الجائحة، ثمّ بيّنا ازدياد أهمّيّتها إثر الجائحة، والتي كشفت ضرورتها لدى المعلّم كما الطالب.

 

التغذية الراجعة قبل الجائحة

عندما كان الطالب، قبل الجائحة، مع المُعلِّم في غرفة صفّيّة، يتلقّى درسًا أو يُقدِّم اختبارًا، كان تقديم التوجيه والنصح والإرشاد مباشرًا وسهلًا وفوريًّا، إذ للمُعلِّم كامل الحرّيّة في تقديم التغذية الراجعة بالشكل الذي يريده. جعل ذلك التغذية الراجعة، في كثير من الأحيان، مزاجيّة؛ فإذا كان المعلّم هادئ المزاج، استرسل في تقديمها بلطف ورقَّة. وإن كان حادّ المزاج، اختصرها بكلمات جافّة ذات وقع لا تحبّذه النفس. كما كان يُخصَّص جزء من تقييم أداء المعلّم، لمدى حرصه على متابعة أعمال طلبته، وجودة ما يتركه من ملاحظات في دفاترهم أو أوراق اختباراتهم. والمعلّم المرغوب والمحبوب لدى الأهالي، كان الذي يترك كثيرًا من الملاحظات في دفتر الابن، فهذه الملاحظات بالنسبة إلى الأهل دليل اهتمام المعلّم وحرصه على تعلّم الطلبة.

 

التغذية الراجعة أثناء الجائحة

 

وسائل تقديم التغذية الراجعة وطبيعتها

لم تفقد التغذية الراجعة أهمّيّتها، بل اكتسبت أهمّيّة إضافيّة (حجة، 2019)، إذ اشتركت فيها أطراف أكثر فاعليّة بسبب قربهم من الطالب. فقد صار الطالب يتلقّى الدروس بمراقبة الأمّ والأب والإخوة، وربّما الأقارب من الدرجة الأولى، ما جعله مُعرَّضًا لنصيحة أو توجيه أو معرفة إضافيّة في أيّ وقت. 

منحت الجائحةُ التغذيةَ الراجعة، بما فرضته من بعد مكانيّ بين المعلّم والطالب، أهمّيّة جديدة؛ ففي ظلّ مكوث الطلبة في البيت باستمرار، بات على المعلّم إبقاؤهم في دافعيّة عالية للتعلّم، ذلك أنّ اكتساب المعارف والمهارات يبقى ضروريًّا وإن تعذّر ذهاب الطالب إلى المدرسة. هذا الجانب النفسي أضيف إلى التغذية الراجعة ّ بفعل الجائحة، فلم يكن في حساب المعلّم أن يقوم بهذا الدور النفسيّ الذي كان يختصّ، قبل الجائحة، بالمرشد التربويّ أو الأخصائيّ النفسيّ في المدرسة. وكانت التغذية الراجعة التي يقدّمها المعلّم مقتصرةً في أغلب حالاتها، على المجال الأكاديميّ، مثل تقييم فهم الدروس ومضامين المنهج.

من هنا، بتنا بحاجة إلى تنويع طرق التغذية الراجعة على النحو الذي يجعلنا نقلّل من إصدار الأحكام السلبيّة في تقديمها، فحداثة التجربة بالنسبة إلى الطالب تقتضي الرفق به ريثما يعتادها، تمامًا مثل أنّ المبالغة بالإشادة بأدائه مرفوض أيضًا. من هنا، أصبحت التغذية الراجعة، وفق الوصف الذي اتّخذَته إثر الجائحة، عنصرًا مثيرًا للاطمئنان في حياة الطالب، لأنّه يتلقّى إرشادًا وتوجيهًا في الأحوال كلّها.  

ومع تنوّع مهمّات التعلّم عن بعد، تنوّعت أساليب التغذية الراجعة. وصار المعلّم مضطرًا إلى منح الطالب درجة من الحرّيّة في اختيار الطريقة التي يقدّم بها المهمّة الدراسيّة، وفق التطبيق المتوفّر لديه. دفع هذا التنوّع المعلّم إلى تقديم التغذية الراجعة التي تتّسع لنصح الطالب باختيار تطبيق مناسب له، وبيان الإيجابيّات التي تدفع إلى توجيه الطالب نحو تطبيق إلكترونيّ معيّن.  

تضمّنت التغذية الراجعة في تجربة التعلّم عن بعد، استخدامَ بعض الرموز التي تظهر في التطبيقات الإلكترونيّة التعليميّة، حيث يعطي المعلّم رمزًا تعبيريًّا، مثل وجه ضاحك أو حائر. يُؤثِّر هذا الأمر، باعتقادي، تأثيرًا عميقًا في تعلّم الطالب، إذ يدفعه إلى التفكير في الخطأ الذي ارتكبه قبل أن يسمع رأي المعلّم. وحين يترك المعلّم رمزًا يشير إلى عدم رضاه، يعمد الطالب إلى إعادة النظر والتفكير في ما قدّمه. وإذا لم ينجح بذلك، يخبر المعلّم ويطلب المساعدة منه، ليُحدِّد المعلّم بدوره مكمن النقص الذي دفعه إلى رفع هذا الرمز. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت المنصّات الإلكترونيّة في تجربة التعلّم عن بعد في تقديم التغذية الراجعة تقديمًا سريعًا وسلسًا.

 

التغذية الراجعة بين المعلّم والطالب والأهل

بات المعلّم يتلقّى تغذية راجعة مثلما يقدّمها، فالخبرة الجديدة للمعلّم في عمليّة التعلّم عن بعد بحاجة إلى صقل، وصار معلّم الحاسوب يوجّه النصح إلى المعلّمين في التعامل مع التطبيقات الإلكترونيّة التعليميّة. ووجد المعلّمون أنفسهم طلبة يتلقّون تدريبات من خبراء في التكنولوجيا، فعاشوا خبرة طلبتِهم بتلقّيهم التغذية الراجعة من المدرّبين والخبراء. دفع هذا الأمر المعلّمين إلى تغيير أساليبهم وطرائقهم في تقديم التغذية الراجعة في الغرف الصفّيّة الافتراضيّة والحقيقيّة، وباتوا يفكّرون بشعور طلبتهم عندما يقدّمون تغذية راجعة مُحبِّطة وحادّة.

أدّت هذه التحوّلات التي أجرتها الأطراف التعليميّة من أجل مساعدة المعلّم في عمليّة التعليم عن بعد، إلى تغيير نظرته إلى مسألة التغذية الراجعة، إذ غدت نظرة تأمّليّة يحرص عند تقديمها على أن تكون مثيرة للتفكير، وأن تكون مُركّزة على شيء مُحدَّد يفهمه الطالب، ومصاغة بعبارات واضحة لا تثير إرباكًا عندما يقرؤها الطالب أو أهله. بالإضافة إلى أنّها يجب أن تكون في مكان المهمّة نفسه، لا أن ترهق الطالب في البحث عنها بين تطبيقات مختلفة.  

يُعدّ إشراك الأهل في تقديم التغذية الراجعة من الأمور المهمّة؛ فالنقاشات التي تدور بين الأهل والمعلّمين حول السبيل الأمثل لتحسين أداء الطالب، تقتضي من المعلّم إرشاد الأهل في مرّات كثيرة، والاتفاق معهم على كيفيّة التعامل مع أبنائهم. لم ينل هذا الأمر قبل الجائحة الوقتَ الكافي، ولم يطل جميع الأطراف المعنيّة بتعلّم الطلبة، حيث كان تقديم التغذية الراجعة من مسؤوليّة المعلّم وحده. أمّا اليوم، فصار يستهلك وقتًا أطول، ويخضع لنقاش أدقّ مع الأهالي. أشركت هذه التطوّرات الأهل في تعلّم أبنائهم، وأصبح الطالب أكثر مسؤوليّة عن تعلّمه، انطلاقًا من مراقبة أهله الدائمة، وممّا يسمعونه من عبارات، مثل: المعلّم كتب لك ما يجب أن تقوم به بوضوح، وما عليك إلّا التنفيذ.    

 

مثال من الواقع على التغذية الراجعة المستمرّة

 

تلقّت سلمى كثيرًا من الملاحظات حول قلّة فاعليّة التغذية الراجعة التي تقدّمها إلى طالباتها بعد كلّ مهمّة ينفّذنها. وفي كلّ مرّة ترى فيها مديرة المدرسة أو منسّقة المادة دفاتر طالبات سلمى، تلفت نظرهما التعليقات المختصرة التي تتركها لهنّ،  من دون إرشادهنّ بالشكل الكافي إلى ما عليهنّ فعله من أجل تحسين أدائهنّ وتطويره في المرّة القادمة. 

تقول سلمى دائمًا إنّها تخبر كلّ طالبة شفويًّا بما هو مطلوب منها، وتكتب أحيانًا على اللوح ملاحظات عامّة تناسب الطالبات جميعهنّ، ويكون عليهنّ كتابتها في دفاترهن، وهذا كافٍ، باعتقادها، لتُحسِّن كلّ طالبة أداءها.

عندما بدأت أزمة كورونا فجأة، وجدت سلمى نفسها تُقدِّم التعلّم إلى طالباتها وهنّ في بيوتهنّ، فإدارة المدرسة الخاصّة التي تعمل فيها لم تكتف بالمنصّة الرسميّة التي اعتمدتها وزارة التربية والتعليم لإكمال العام الدراسيّ، بل قرّرت اعتماد منصّات وتطبيقات إلكترونيّة إضافيّة، تضمن سير الجدول الدراسيّ اليوميّ للطالبات بشكل لا يقلّ جودة عن التعليم الوجاهيّ.  

أصبحت سلمى، إثر الجائحة، مضطرّة إلى تقديم التغذية الراجعة إلى كلّ طالبة على حدة، فأدركت أنّ الملاحظة العامّة التي تكتبها على اللوح، أو تقولها لطالباتها شفويًّا لا تُحقِّق الفائدة المرجوّة. كما صارت سلمى، أثناء تصحيح مهمّات الطالبات في التطبيقات الإلكترونيّة، تترك ملاحظاتها لكلّ طالبة في مكان تسليمها المهمّة، فطبيعة التعلّم عن بعد جعلت لكلّ طالبة حسابًا فرديًّا تُرفَع فيه المهمّة. أتاح هذا الأمر للمعلّمة أن تلمس التحسّن في أداء طالباتها، وبدأت بعد مهمّتين تقلّل من كمّيّة الملاحظات المكتوبة، فالطالبات أدركن ما تريده المعلمة، وبدأن يعتدن أسلوبها في المهمّات التي تحقّق المعايير المحدّدة، وبدأت أعداد الطالبات اللواتي كنّ يتلقين تغذية راجعة باستمرار بالانخفاض.  

عادت الطالبات بعد الجائحة إلى صفوفهنّ، وعادت سلمى إلى طالباتها حاملة معها طرائق جديدة ومختلفة في تقديم التغذية الراجعة، وتشاركت مع زميلاتها في النتيجة التي توصّلت إليها. دخلت الغرفة الصفّيّة وقد صمّمت وجوهًا تشبه الرموز المُستخدَمة في التطبيقات الإلكترونيّة، ترفعها إلى الطالبات عند كلّ فكرة تستدعي ذلك. ووضعت جدول المهمّات في لوحة الصفّ، كي تعلّم طالباتها المراقبة الذاتيّة. تخلّت سلمى عن العموميّة والاختصار في تقديم التغذية الراجعة، وحافظت على ما اكتسبته من تجربتها في التعلّم عن بعد. لا بل حرصت على الكتابة بأجمل خطّ من دون عجلة، وتركت الرموز والإشارات الداعمة في دفاتر الطالبات وأوراقهنّ. صارت سلمى أكثر اقتناعًا بأنّ التغذية الراجعة النوعيّة والبنّاءة تَكتسب أهمّيّة جديدة في كلّ ظرف جديد يمرّ به الطالب في رحلة تعلّمه.

 

 

المراجع

- حجه، فؤاد مصطفى. (2019). أثر التغذية الفورية للاختبارات التكوينية الالكترونية في الدافعية للتعلّم والتحصيل الدراسي لدى طالبات الصف الثامن. المجلّة التربوية الأردنية. 4(3). 110-136. 

- عامر، طارق عبدالرؤوف. (2013). التعليم عن بعد والتعليم المفتوح. دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع. 

- مصطفى، أسماء عبد الرزاق. (2017). معايير تصميم أنماط التغذية الراجعة في التقويم الالكتروني. المجلة المصرية للمعلومات. 19(18). 30.