"الناس ينسون ما قلته، وينسون ما فعلته، لكنّهم لا ينسون أبدًا كيف جعلتهم يشعرون".
مايا أنجيلو
هل يمكن أن يقود الحبّ مدرسة؟
العلاقة الخفيّة بين قيادة المديرين وشغف المعلّمين بالتعليم
تخيّل أنّك تدخل مدرسة صباحًا، فلا تسمع سوى ضحكات دافئة، وترى أعينًا تلمع بالشغف، ليس الشغف بالتدريس فحسب، بل بالانتماء، بالمكان، وبالرسالة. ما السرّ؟
إنّه الحبّ… نعم، الحبّ. لكن ليس الحبّ الرومانسيّ، بل ذلك النوع العميق من الحبّ الذي يولّده القائد حين يرى موظّفيه أشخاصًا أوّلًا، قبل أن يكونوا مجرّد موارد أو أرقام في تقارير الأداء.
حين يصبح المدير قائدًا يُحبّ…
لا يُخيف ولا يُرعب، ولا يُمارس السلطة من أبراج عالية، بل ينزل بقلبه قبل قدميه إلى الميدان، إنّه القائد الذي يقود بالحبّ، لا بالأوامر؛ يُلهم لا يُملي، ويزرع الثقة لا الخوف. يزور الفصول لا ليرصد الأخطاء، بل ليصافح الجهود، ويحتفي بالمحاولات الصادقة. لا يبتسم لأنّ الواجب الوظيفيّ يفرض ذلك، بل لأنّ في عينيه إيمانًا أنّ كلّ معلّم شريك في معجزة يوميّة اسمها التعليم.
هو المدير الذي يرى في كلّ لحظة فرصة، وفي كلّ معلّم بطلًا، وفي كلّ طالب حلمًا قيد التشكّل.
يرى القيادة رسالة لا وظيفة، والتقدير روحًا لا مكافأة.
يؤمن بأنّ الكلمة الطيّبة تُحيي، وأنّ الدعم الصادق يُغيّر.
يترك أثرًا لا يُنسى، لأنّ حبّه لا يُمثَّل… بل يُعاش.
وحين يُقابل هذا الحبّ بشغف حقيقيّ يبدأ السحر. فالمعلّم الذي يشعر أنّه مرئيّ، مقدّر، آمن، لا يُعلّم فقط، بل يبدع. ينقل علمه بروح، ويمنح طلّابه من قلبه قبل عقله. يشعر أنّ المدرسة امتداد له، وأنّ نجاحها نجاحه، وأنّ المدير لا يعلو عليه، بل يسنده.
حينها لا تعود الاجتماعات عبئًا، ولا المبادرات عبورًا عابرًا، بل تتحوّل إلى أجنحة يطير بها الجميع نحو هدف مشترك: أن نصنع الفرق، وأن نترك كلّ يوم بصمة أمل في قلوب صغيرة تُراهن علينا.
فهل يمكن أن يقود الحبّ مدرسة؟
نعم… ويمكنه أن يُحوّلها من مبنى تعليميّ إلى بيت نابض بالحياة، ومن جدول حصص إلى رحلة شغف.
الحبّ ليس رفاهيّة في القيادة، بل ضرورة. لأنّه حين يُحبّ القائد، يُحبّ الفريق، وعندما يُحبّ الفريق، يتعلّم الطلّاب الحبّ بدورهم؛ حبّ التعلّم، وحبّ الذات، وحبّ الحياة.
ربّما لا نحتاج خططًا استراتيجيّة بقدر ما نحتاج قلوبًا تؤمن، وأرواحًا تُلهم، وقياداتٍ تُحبّ.
تذكّر…
أعظم التغييرات تبدأ بخطوة صامتة، بنظرة صادقة، أو بكلمة تُقال في وقتها الصحيح. فربّما يحتاج أحدهم اليوم إلى دفعة حبّ، لا توجيهًا، إلى حضن معنويّ، لا لائحة تقييم.
كُن أنت من يشعل هذه الشعلة… فربّما، بفضل قلبك، تتحوّل المدرسة إلى قصّة تُروى، لا مكان يُرتاد.
فمن قال إنّ القيادة تبدأ من المكتب؟
ربّما تبدأ من الداخل… من حيث يسكن الحبّ.
فكّر في مدرستك اليوم…
هل يسكنها الحبّ؟ وإن لم يكن… فمن يبدأ أوّلًا؟
لعلّ البداية منك، ولعلّ شرارة التغيير تنتظر قلبك لا قلمك.


