أمل أبو زايد- معلّمة كيمياء- فلسطين
أمل أبو زايد- معلّمة كيمياء- فلسطين
2022/10/07

كيف تتخيّلين شكل التّعليم لو لم تكن هُناك مدارس؟ وكيف ترين مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

أتخيّلُ دائمًا أحداثًا فيصليّة قد تطرأ على الحضارة الإنسانيّة، فتغيُّر من مفهومَي المكان أو الزمان لدينا بشكل عام، مثلًا ماذا لو حلّت كارثة طبيعيّة بالأرض فقطعت كلّ أشكال التواصل؟ أو دمّرت الحروب كوكبنا فأصبحت المجتمعات الناجية تمثل بؤرًا صغيرة منفصلة، أليس عليهم تعليم صغارهم؟ وقِس على ذلك الكثير من الأزمات التي مرّت بها بعض المجتمعات والتي، بطبيعة الحال، حيّدت المدرسة كمكان. أقول ذلك لأنّنا نتمسّكُ عاطفيًّا بأنماط التعلُّم داخل المدرسة، والتفكير المنطقيّ بتلك الأحداث يوجب علينا الكفاح والبحث لإيجاد بدائل مختلفة للتعليم خارج أسوار المدرسة كمكان.

وأعتقد أن عمليّات التعليم ستصبح أكثر تخصّصًا من خلال المعرفة الصحيحة لخصائص المتعلّمين وميولهم، ومن ثم دمجهم بمجتمعات تعلّم مصغّرة توفّر الدافعيّة والاستمراريّة والسرعة ضمن أنظمة واضحة في بدايتها، ثم توفّر الحرّيّة والانطلاق بعد ضمان انخراط المتعلّمين في المسار الصحيح.

 

كيف تصفين تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

هي تجربة مغايرة. تخيّلت نفسي أتمسّك بأساليب التعليم الحضوريّ قبل زمن كورونا، ولكنّي وجدت أني تأثّرت ولم أعد قادرة على تطبيق ذلك بعد تلك التجربة؛ فالتعليم لم يعد حضوريًّا بالكامل بعد الآن، إنّما باتت التجربة متمازجة في تناغم بين النمطين، وقد أثرى ذلك عمليّة التعليم، وأصبح بالإمكان تجاوز عقبات مختلفة، مثل ضيق وقت الحصّة، وعمليّات التقويم النوعيّ للطلّاب.

 

اختاري شيئًا واحدًا تودّين تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

أودّ تغيير الاعتقاد السائد بين المعلّمين والطلبة بأنّ التعليم يتمركز فقط كمصدر وعمليّة حول المعلّم والمدرسة. وجه العالم اليوم قد تغيّر، ولم يعد المعلّم المصدر الأوحد للتعلّم، كما أنّ التعلّم لا ينتهي عند أسوار الجامعة أو المدرسة، وهذا يفتح آفاقًا أمام المتعلّمين للوصول إلى مصادر المعرفة المختلفة، آخذين بعين الاعتبار تمحيص هذه المعارف بما يتناسب مع خصائصهم وقدراتهم، وبما يمكّنهم من التواصل مع العالم الخارجيّ.

 

برأيكِ، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

 لأن الفنون مجال يمتدُّ ويتقاطع مع أكثر من مجال، مثل الرياضيّات والتاريخ والعلوم، فمن الأفضل دمجها، أي الفنون، بالطريقة التي تثري التعلّم، من خلال العروض العلميّة الصامتة، أو الحكاية والحكاية المصوّرة، أو من خلال رسم كاريكاتير علميّ، أو من خلال تأليف أداء مسرحيّ يوسّع أفق الرؤية عند الطلبة. وستكون هذه فُرصة لشحذ مهارات الطلبة الفنّيّة اللازمة لتوظيف أدوات الإعلام الجديد، والقائم على التغذية البصريّة بشكل أساسيّ.

 

إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

سأختار طرقًا تناسب خصائص الجيل الرقميّ، مثل التقييم العمليّ لمهمّات الاستقصاء المخبريّ رقميًّا، أو منتجات التعلّم الرقميّة، مثل صناعة الفيديوهات العلميّة الترويجيّة، أو الخرائط الذهنيّة والمشاريع العمليّة نهاية كل وحدة، وتعتمد هذه الطريقة على استخدام التكنولوجيا كمحفّز، وتوفّر تقويمًا نوعيًّا لعمليّة التعلّم.

 

كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

يتساءل الطلبة باستمرار: ما فائدة ذلك ولماذا نتعلّمه؟ إنّ ربط العلوم بالواقع يعتبر ضرورة من ضرورات عمليّة التعلّم. نتلمّسُ في الحصّة الصفّيّة كلّ موقف حياتيّ له علاقة بالعلوم، ونسلّط الضوء عليه من خلال شعار "للحياة وليس للامتحان"، ما ساعدني كثيرًا في لفت انتباه الطالبات. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل ساهمت الطالبات بنقل الخبرات العلميّة والمرتبطة بالحياة إلى أسرهنّ، من خلال تنفيذ تجارب منزليّة مرتبطة بالصحّة، مثل تجربة أثر شرب الشاي على امتصاص الحديد، وتجربة فحص مدى الصوت المسموع لدى جميع أفراد الأسرة، ضمن أنشطة سفراء العلوم.

 

ما هو التعبير الذي تُحبّين رؤيته على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّين أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

أحبُّ رؤية تعابير الدهشة على وجه طالباتي، فهي تؤكِّد أن عقولهنّ تمتلئ بالتساؤلات وتتعطّش للبحث والمعرفة. إنّها تضمن لي أنّ هناك وقودًا داخليًّا يدفعهنّ إلى الانطلاق في بحر العلوم الواسع.

 

من هو الطالب المُلهم؟

الطالب الملهم هو الطالب المتسائل الذي لا يستسلم أمام عمليّات البحث، والذي يتوصّل إلى طرقه الخاصّة والفريدة في اكتشاف المشكلات ومعالجتها؛ إنّه طالب نتعلّم منه كما يتعلّم من المدرسة، ويمتلك قدرات قياديّة يتمكّن، من خلالها، من التأثير في بقيّة المتعلّمين إيجابيًّا ضمن فرق تعليميّة أو مهمّات استكشافيّة.

 

كصديقةٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

يفتقر الجيل الرقميّ، الذي يبهرنا بقدراته التكنولوجيّة، إلى الصمود أمام مهمّات قد لا يرغب بها، أو لم يتمكّن من معرفة مغزاها. لذا أنصحهم باستمرار بضرورة التحلّي بالمثابرة والصبر. ونجحت في ذلك من خلال منح وسام التحدّي المعنويّ للطالبات اللاتي صمدن ونجحن في تخطّي الصعوبات، كما أني لا أنفكّ أردّد على مسامعهنّ ضرورة التحلّي بمهارات التعلّم الذاتيّ، وأنّ عمليّة التعلّم مستمرّة مدى الحياة، ولا تتمركز حول المعلّم أو المدرسة فقط، في عالم يزخر بالمصادر والكنوز المعرفيّة في الواقع أو على شبكة الإنترنت.

 

إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختارين؟

سأختار الجامع العمريّ في مدينة غزّة.

من هذا المكان سينطلق الطلبة في رحلة تبدأ من زمن بنائه، حتّى زمننا هذا، من خلال طرح تساؤلات تتمثّل في موادّ البناء في ذلك الزمن، وتقنيات التشييد وأسس العمارة الإسلاميّة، كما يمكننا تقصّي أثر الأمطار الحمضيّة على أحجار هذا البناء، وإجراءات الحفاظ على الآثار الوطنيّة والجهة المسؤولة عن عمليّات الترميم، ثمّ الانطلاق بعمل تطوعيّ يتمثّل في تعريف الجمهور بمخرجات رحلتنا من خلال منتجات إعلاميّة من صنع الطالبات.