أدوات التقييم خلال أزمة كورونا: خيارات متاحة وتحدّيات جديدة
أدوات التقييم خلال أزمة كورونا: خيارات متاحة وتحدّيات جديدة
حسام حداد | معلم المرحلة الابتدائية - قطر

يبذل العالم المعاصر جهودًا كبيرة في تطوير منظومة التعليم بجميع مقوّماتها وأطيافها؛ لأنّ التعليم هو الركيزة الأساسيّة للتنمية البشريّة الشاملة التي نطمح إليها جميعًا. وبما أنّ قطاع التعليم، مثل باقي القطاعات، يمرّ بتحدّيات وتجارب جديدة بسبب جائحة كوفيد التي تركت الأثر الواضح على شكله ومضمونه، فقد فُرضت علينا تجربة فريدة من نوعها بعقبات وتحدّيات على المدارس، والمعلّمين، والطلبة، وأولياء أمور، حتى المؤسّسات التعليميّة المختلفة، ما أدّى إلى إعادة النظر في ممارساتنا التعليميّة، وأوجب التعايش مع الجائحة؛ كي يبقى قطاع التعليم مستمرًّا دون تأثّر كبير، ومن أجل الارتقاء به أيضًا في الدول العربيّة خصوصًا. عليه، قامت المؤسّسات والمنظّمات التعليميّة بتبادل الخبرات والتجارب حول "التعليم عن بعد" بوصفه "أداة جديدة كحلّ مثاليّ وحيد في الوقت الراهن، يمتاز بالمرونة والملاءمة والتأثير الإيجابيّ"(حسيني، 2020، ص1).

 

لأنّ سياسة التقييم جزء لا يتجزّأ من العمليّة التعليميّة، نهدف في هذا المقال إلى مناقشة السؤال الآتي انطلاقًا من تجربة شخصيّة: إلى أيّ مدى وظِّفت أدوات التقييم ضمن هذه المرحلة بصورتها الصحيحة؛ لتكفل لنا تعليمًا مستديمًا وتجربةً صحيحةً تعكس أداء الطالب بدقّة؟ وكيف نختار أدواتنا التقييميّة في ظل هذه الجائحة و"التعليم عن بعد"؟

 

بين التقليديّة والحديثة

ثمّة أدوات تقييم تقليديّة متعارف عليها، يستند إليها المعلمون في تقييمهم لأداء لطلبة، منها: اختبارات الكتاب المفتوح، والأسئلة المقاليّة، والاختيار من متعدّد، والاختبارات القصيرة، وأوراق العمل وغيرها. تطوّرت هذه الأدوات بتطوّر فلسفة التعليم وصولًا إلى الأدوات الحديثة، ومنها: سلالم التقييم، والنماذج، ولوائح التدقيق، وسجلّات الملاحظة، والسلاسل المتّصلة، وقوائم الشطب، والمواد المرئيّة والسمعيّة وغيرها. هنا، لن نخوض في التفريق والتمييز بينها، بل نريد أن نتأمّل في أكثرها نجاعةً ومصداقيّةً، والتي تخدم قياس المخرجات التعليميّة لتجربة "التعليم عن بعد" بصورة ملائمة صحيحة، في ضوء أسئلة: ماذا يهمّنا من استخدام هذه الأدوات؟ هل هي لقياس مدى تمكّن مهارة حفظ المعارف والقدرة التخزينيّة في الذاكرة أم ثمّة مطالب حثيثة من أدوات التقييم تحت مظلة التعليم المعاصر؟

باعتقادي فكرة التقييم الذي نطمح إليه في ظلّ التغيّرات المعاصرة، تتطلّب من المؤسسات التعليميّة أن تطوّر أجيالًا تتمتّع بعقليّة خاصّة، ومهارات متنوّعة: بحثيّة، واجتماعيّة، وتواصليّة وغيرها، لكنّ السؤال الآن هو: هل أدوات التقييم التي يختارها المعلّم لتقييم طلبته الآن تفضي للنتيجة التي أشرنا إليها قبل قليل؟

 

تحدّيات عمليّة التقييم

تجربة التعليم مليئة بالتحدّيات التي تواجه المعلّم، ضمن متغيّرات مختلفة من جهة الطالب وتقييمه، والبيئة التعليميّة، والمهمّات الموكلة إليه وغيرها، ولهذا سأعرض تحدّيات التقييم التي اعترضتني شخصيًّا مع طلبة الصفّ الخامس أثناء "التعليم عن بعد"، ومدى أهميّتها ودورها من خلال تجربة شخصيّة حاولتُ فيها تخطّي هذه التحدّيات بالتجريب، والتساؤل والبحث والتواصل مع الطلبة.

 

الفروقات الفرديّة

هل يضمن لنا المعلّم مع وجود الفروقات الفرديّة أن تسعفه هذه الأدوات، فتكون صادقة في نتائجها؟ خصوصًا مع حضور الاختلافات من جهة الذكاءات والقدرات والمهارات داخل الصفّ الواحد. وهل أخذ كل طالب حقّه في التقييم بالطريقة التي تضمن له الصحّة النفسيّة والجسديّة وغيرها؟ "لقد طغت الصبغة الجماعيّة على أدوات التقييم. أمّا الفروقات الفرديّة بين المتعلّمين، فهي شبه مغيّبة عن عمليّة التعليم والتقييم" (عرار، 2020، ص7).

الممارسات السائدة تفرض علينا إعادة النظر في مصداقيّة أدوات التقييم خلال "التعليم عن بعد"، وفي ممارساتنا تجاه مفهوم التقييم وتطويعه. في الحقيقة ليست الأدوات التي يستخدمها المعلّم هي التي تهمّني، بقدر أن نصل من خلالها للمصداقيّة التي نريد مع وجود الفروقات الفرديّة بين المتعلّمين.

 

دافعيّة الطلّاب

برأيي، أهمّ شيء في اختيار أدوات التقييم للتعليم عن البعد هي الدافعيّة تجاه التقييم ذاته، خصوصًا ونحن نخشى حالة الملل والتراخي بين المتعلّمين تجاه هذا النوع من التعليم، إذ إنّ لها أسبابًا نعلمها جميعًا منها: الساعات الطويلة التي يجلسها الطالب إلى جهازه، وفقر المساحة الإبداعيّة التي توفّرها هذه المنصّات للمعلّمين تجاه تنفيذ الأنشطة، ولا ننسى مدى الجهوزيّة العمليّة لهذه التجربة التي تفتقر لها مؤسّساتنا التعليميّة في الدول العربيّة، وذلك بسبب الصدمة التي وضعنا أمامها دون سابق إنذار، وغيرها من العوامل. الدافعيّة أمر مهمّ للغاية في التقييم لدى المتعلّم؛ كي نضمن صدق النتائج وواقعيّة التوقّعات عند المعلّم والمتعلّم، وهذا يساعد المعلّم في اختيار التقييم وأدواته حسب احتياجات الطلبة وقدراتهم ومهاراتهم، مما يضمن الدقّة والمتعة خلال رحلة التعلّم وتقييمه.

عندما يبذل المتعلّم جهدًا ضمن مهاراته وقدراته، يبدع في توظيف ما عنده، ولا يحتاج للبحث عن الحلول من مصادر غير مشروعة، بل يتيح له ذلك فرصة تعلّم مستقلّ. بهذا نضمن مشاركة الطالب في عمليّة التعلّم وتقييمها بصورة أو بأخرى، وهذا ما ندعو إليه في إظهار صوت الطالب خلال عمليّة التعلّم وبعدها.

 

تجربة شخصيّة

في تجربتي الخاصّة مع طلبة الصفّ الخامس على مدار أربعة أشهر، أي خلال إغلاق مباني المدارس، حاولتُ جاهدًا أن أنتقي أدوات التقييم المناسبة لاحتياجاتهم، ومع وجود الفروقات الفرديّة ظهرت تحدّيات. كنت أتساءل دومًا: ما هي أدوات التقييم التي تساعد الطالب على التساؤل والاستقصاء والخيال والتجريب والابتكار؟ أصبح السؤال ملحًّا أكثر مع موعد معرض السنوات الابتدائيّة الذي تزامن مع جائحة كوفيد.

جدير بالذكر أنّ معرض السنوات الابتدائيّة هو جزء من نظام البكالوريا الدوليّة، يُطلب فيه من طلبة الصف الخامس الابتدائيّ في نهاية العام الدراسيّ مشروع تخرّج يجمع عناصر برنامج الابتدائيّة وملامح المتعلّم. يشارك الطلبة خلاله في عمليّة بحث تعاونيّة مفصّلة عابرة للموادّ الدراسيّة، ويتطلب منهم تحديد قضايا ومشاكل من واقعهم، وتقديم حلول لها.

 

نظرة جديدة

كان عليّ أن أغيّر منظوري تجاه آليّة التقييم للتعليم داخل الغرفة الصفّيّة و"التعليم عن بعد"، بحيث يكون التقييم قائمًا على توظيف مهارات الطالب: البحثيّة، والاجتماعيّة، والتواصليّة، والتفكير، وإدارة الذات، وتوظيف قدراته، وذكائه الذي يبرز فيه.

لذلك، استثمرتُ بعض أدوات التقييم المطروحة أمامي، والتي تلبّي احتياجاتي بوصفي معلّمًا واحتياجات طلبتي إلى حدٍّ ما، وحاولتُ تطويعها خلال "التعليم عن بعد"، وهي:

 

- مشاريع التعلّم التي تدمج المعرفة والفعل من خلال طرح الطلبة مشكلةً، ثمّ محاولة البحث عن حلول لها فرديًّا أو جماعيًّا، وهي التي "تُعدّ فرصة للطلبة لتطبيق مهارات التفكير العليا والتفكير النقديّ" (جامعة قطر، 2020، ص7)، وتقوم على هرم بلوم في أساسها (الفهم والتطبيق والتحليل والتركيب) بمنظور إبداعيّ.

- العروض التقديميّة، مثل: شرائح العرض، ولوحات الحائط، والملصقات الإلكترونيّة، وهي تساعد المتعلّم على عرض الجانب المعرفيّ من منظور ناقد، وتبادل الأفكار والحوار مع الجمهور. هنا، ظهرت مهارات العرض والتواصل لدى الطلبة في القضايا التي اختاروها.

 - المقابلات الشخصيّة والمناظرات، "وتتيح المناظرات للطلبة المشاركة بفاعليّة والدفاع عن وجهات النظر حول الموضوعات والقضايا" (جامعة قطر، 2020، ص7)، إذ قابلت الطلبة فرديًّا وجماعيًّا، وعمدت إلى تسجيل ملاحظاتي على مهارات العرض والطرح والنقاش، وانخرط بعض الطلبة بمناظرات حول القضايا التي اختاروها، وانخرطوا في الدفاع عن الحلول التي اكتشفوها خلال رحلة التعلّم.

- ملف الطالب الإلكترونيّ لأعماله خلال رحلة التعلّم، وهو يحتوي عينات من أفضل نتاجات الطالب خلال رحلة التعلّم، يقوم باختيارها هو، وتعكس مهاراته وقدراته التي برز بها من أجل عرضها للجمهور.

 

إنّ التقييم عن بعد مرتكز على تلك الأدوات التي ذكرناها، وعلى المعلّم أنّ يقيّم الجانب الإدراكيّ والمعرفيّ للمتعلّم من خلال توظيف مهاراته. عندها، يستطيع تقييم المخرجات التعليميّة من خلال التقييمات الفرديّة أو الجماعيّة كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.

 

مرحلة التطبيق

قامت تجربتي الشخصية في اختيار أدوات التقييم على ثلاث مراحل:

أوّلًا: درستُ احتياجات طلبتي آخذًا بعين الاعتبار فروقاتهم الفرديّة، ولاحظتُ المهارات التي تميّز بها كلّ طالب وطالبة، وتمّ لي كل ذلك بالمراقبة والملاحظة، وإجراء مقابلات شخصيّة وجماعيّة عبر منصة "زوم"، وتمّ نقاشهم حول أدوات التقييم التي يجدونها مناسبة.

ثانيًا: كانت آليّتي في اختيار أدوات تقييم أدائهم موازيةً لاختياراتهم، وأستطيع القول: إنّها كانت مكمّلةً لأدواتهم، بحيث نشعر جميعًا أنّ غاية التقييم تحقّقت. منهم من اختار مشاريع التعلّم الحركيّ والبناء القائمة على حلّ المشكلة، ومنهم اختار العروض التقديميّة الإلكترونيّة، وآخرون اختاروا التسجيلات المرئيّة والمسموعة وغيرها، ما ترك انطباعًا جيّدًا لدى الطلبة، إذ شعروا أنّهم شاركوا في عمليّة تقييم المعرض حسب احتياجهم ورغباتهم.

ثالثًا: في النهاية قمت جمعت أعمال الطلبة عبر منصّة "بادلت" كملفّ طالب إلكترونيّ، ليستطيع مشاهدتها وعرضها ومشاركتها مع الآخرين، ولتقديم التغذية الراجعة من المعلّم، ولمشاركة أولياء الأمور بتعليقاتهم على المنصّة أيضًا.

 

أثناء رحلة المعرض ومع النتاجات التي خرج بها الطلبة، بدأت أقيّم كلّ مجموعة بأداة التقييم التي تناسبها وتلبّي احتياجاتها. مثلًا: المجموعة التي اختارت موضوع التلوّث، قدّمت عرضًا تقديميًّا، فكان موضوع اهتمامهم هو اللّغة، والقدرة على الصياغة بصورة توضّح أفكارهم والمعلومات التي بحثوا فيها، فاقترح أحد الطلاب أن يقيّموا على سلامة اللّغة من خلال سلّم تقييم مع تدوين الملاحظات. أمّا المجموعة التي اختارت موضوع التدخين، فقد وظّفت البيانات الرياضيّة والإحصائيّة في مشروعها، فطلب أعضاؤها أن يقيّموا من خلال قائمة تحقّق، وتسجيل الملاحظات. كلّ هذه الأدوات مبنيّة على الدافعيّة مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة مشروع معرض السنوات الابتدائيّة، والموضوعات التي اختارها الطلبة، بصورة تضمن المصداقيّة والعدالة والمواءمة مع مهاراتهم وقدراتهم، فاخترتُ سلالم التقييم، ولوائح التدقيق، والسجلّات.

 

خاتمة

اختيار أدوات التقييم مرن، وهو سلس للمعلّم، إذ يختار ما يجده مناسبًا لاحتياجات الطلبة وقدراتهم ومهاراتهم، وهو أعلم بذلك. وفي حال دعت الحاجة، له أن يلجأ إلى توظيف أدوات تقليديّة كاختبارات الكتاب المفتوح، أو الأسئلة المقاليّة وأوراق العمل وغيرها.

إنّ موضوع التقييم وأدواته أخذ حيّزًا كبيرًا من نقاش الدارسين والتربويّين، وما زال باعتقادي يحتاج إلى المزيد، لا سيّما مع هذه التغيرات السريعة التي يشهدها العالم من حولنا، وعلى المؤسّسات التعليميّة أن تأخذ على عاتقها مسألة تطوير التقييم وأدواته، وتطويعها مع رغبات وحاجات المتعلّم، مع أخذ قدراته ومهاراته بعين الاعتبار، حتى نصل إلى تعليم آمن بنّاء مدى الحياة. 

 

المراجع:

-جامعة قطر (ربيع، 2020). دليل أفضل ممارسات تقييم الطلبة في بيئة التعلّم عن بعد.

http://its.qu.edu.qa/static_file/qu/offices%20and%20departments/OFID%20office/Documents/Assessment/Best-Practices%20Guide%20to%20Evaluating%20Students%20in%20a%20Distance%20Learning%20Setting%20-%20Arabic.pdf

-حسيني، فاطمة (2020). التعليم عن بعد والتعليم الذاتي الفعّال. تعليم جديد.

https://www.new-educ.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B9%D8%A7%D9%84

- عرار، خالد (2020). مستقبل تقييم التعليم: ستّة توجهات لا بدّ أن يعلمها القادة التربويون. اتجاهات الأثر الاجتماعيّ، (11)، 6-8.