نسرين آدم- معلّمة- السودان
نسرين آدم- معلّمة- السودان
2025/09/18

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟

الأزمات والحروب التي مرّت فيها عدّة دول عربيّة جعلت من التعليم أكثر من نشاط أكاديميّ تقليديّ، بل مشروعًا وطنيًّا وإنسانيًّا يُشكّل ملامح المستقبل.

في ظلّ هذه الأوضاع المضطربة، أصبح التعليم أداة لبناء الإنسان لا لتلقين الطالب فقط، وأصبح مسؤوليّة أخلاقيّة واجتماعيّة. التعليم في هذه السياقات بات ملاذًا آمنًا يوفّر للمتعلّمين قدرًا من الاستقرار النفسيّ والاجتماعيّ في خضمّ التوتّرات.

أدركت أهمّيّة أن يكون التعليم وسيلة لغرس قيم الحوار، واحترام الآخر، والتسامح والانتماء. إنّه الحصن الذي يحمي المجتمعات من السقوط في دوّامة العنف والجهل والتطرّف. لذلك تغيّرت النظرة نحو التعليم ليصبح فعلًا مُقاوِمًا للتمزّق الاجتماعيّ، وبانيًا للتماسك المجتمعيّ. في أوقات الحروب، لا يعلّم المعلّم مادّته فقط، بل يعلّم الأمل، والصبر والقدرة على التعايش وإعادة الإعمار، سواء في العقول أو في الأوطان.

 

ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟

من الضروريّ أن يُدرك صنّاع القرار أنّ المعلّم ليس مجرّد مُنفّذ لمحتوى منهجيّ، بل هو محور مركزيّ لكلّ عمليّة تربويّة ناجحة. المعلّم يتحمّل مسؤوليّات هائلة لا تظهر على السطح؛ مثل إدارة فروقات المستويات بين المتعلّمين، والتعامل مع مشكلاتهم النفسيّة والاجتماعيّة، وبناء بيئة صفّية متّزنة على رغم ضغوط الحياة، والاستجابة لاحتياجات كلّ متعلّم وفق إمكاناته وظروفه.

أتمنّى أن يُفهم أنّ المعلّم ليس بحاجة فقط إلى راتب أو تدريبات نمطيّة، بل يحتاج إلى منظومة دعم مُتكاملة تشمل: تقديرًا معنويًّا حقيقيًّا، واستقلاليّة تربويّة، وأدوات تعليم حديثة، وتخفيفًا للأعباء الإداريّة التي تُثقل كاهله وتُشتّته عن رسالته الأساسيّة. دعم المعلّم يبدأ من ثقافة تعترف بمكانته قائدًا تنمويًّا حقيقيًّا، وصانعًا للأجيال، وليس موظّفًا ينفّذ تعليمات فقط.

 

هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟

الكتاب المدرسيّ يظلّ أداة تنظيميّة مهمّة. فهو يُقدّم تسلسلًا منطقيًّا للمحتوى، ويُحدّد الأهداف التعليميّة بشكل واضح. مع ذلك، الاقتصار عليه وحده لم يعد كافيًا لمخاطبة احتياجات المتعلّمين المتنوّعة في هذا العصر. المحتوى وحده لا يصنع تعلّمًا عميقًا، بل يحتاج المتعلّم إلى أن يرى المعرفة متجسّدة في سياقات حقيقيّة وقابلة للتطبيق.

من هنا، تصبح المصادر الإثرائيّة مثل المقالات والفيديوهات والندوات الرقميّة، والزيارات الميدانيّة، والمشاريع البحثيّة أدوات ضروريّة لتعميق الفهم. تنويع المصادر لا يعني إهمال الكتاب، بل جعله نقطة انطلاق نحو فضاءات أوسع تثير الفضول وتنمّي التفكير المستقلّ. والتعليم الحقيقيّ يقوم على التكامل بين مصادر متنوّعة تُحفّز المتعلّم وتُشركه في البحث والاكتشاف.

 

هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟

مهما بلغت مشقّة الظروف وضغط العمل، يظلّ الشعور بالمسؤوليّة تجاه المتعلّمين أكبر من أيّ إغراء للابتعاد. التعليم ليس وظيفة بل رسالة. ما يدفع الإنسان إلى البقاء هو الإيمان بأنّ هناك أثرًا طويل الأمد يُزرع في النفوس والعقول. حتّى أصغر النجاحات اليوميّة، مثل نظرة الفهم في عيون طالب، أو عبارة تقدير صادقة كفيلة بأن تُعيد شحن الحماس وتُذكّر بقيمة الدور الذي يتمّ القيام به.

التعليم يمنح معنى عميقًا  للوجود المهنيّ، لأنّه عمل يبقى أثره حتّى بعد سنوات طويلة من مغادرة المتعلّمين لمقاعد الدراسة. المعلّم يبني الإنسان، وهذا الدافع الأخلاقيّ والإنسانيّ أسمى من أيّ عائق مؤقّت.

 

ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟

عصر الذكاء الاصطناعيّ يتطلّب إعداد متعلّمين يمتلكون مهارات تتجاوز الحفظ والتلقين. الأهمّ من امتلاك المعلومة هو القدرة على نقدها وتحليلها، واستخدامها بشكل فعّال. إنّ التفكير النقديّ، والتحقّق من مصادر المعلومات، والقدرة على اتّخاذ قرارات مبنيّة على بيانات دقيقة أصبحت ضروريّات لا كماليّات.

بالإضافة إلى ذلك، تجب تنمية مهارات الإبداع والابتكار والتعاون والمرونة في التعامل مع الأدوات الرقميّة المتجدّدة. وأيضًا مهارات التعلّم الذاتيّ، وإدارة الوقت، والذكاء العاطفيّ، لأنّها تمكّن المتعلّم من التعامل مع بيئة عمل متغيّرة باستمرار. كما يجب تعميق الوعي الأخلاقيّ بكيفيّة استخدام الذكاء الاصطناعيّ، بما يخدم الإنسانيّة ويحترم القيم. الهدف النهائيّ أن نُخرج جيلاً قادرًا على أن يكون صانعًا للمعرفة والتقنيّة لا مُستهلكًا سلبيًا فقط.

 

ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟

من أكثر الاستراتيجيّات فعاليّة تحويل المتعلّم من متلقٍّ إلى شريك نشط في العمليّة التعليميّة. إنّ طرح أسئلة مفتوحة للنقاش، واستخدام حالات واقعيّة قريبة من حياة المتعلّمين، وإدخال الألعاب التعليميّة، وتوظيف العروض التفاعليّة، كلّها أدوات تجعل المتعلّم حاضرًا ذهنيًّا وجسديًّا.

كذلك من المفيد بناء علاقة شخصيّة قائمة على الثقة والاحترام مع المتعلّمين، لأنّ الشعور بالأمان والدعم يعزّز الانتباه والمشاركة. وإعطاء المتعلّمين فرصًا لعرض أفكارهم ومشاريعهم يُنمّي لديهم حسّ المسؤوليّة والانتماء. إلى جانب التنويع بين العمل الفرديّ والجماعيّ، وبين الأنشطة النظريّة والتطبيقيّة، والذي يُحافظ على ديناميكيّة الصفّ ويمنع الملل أو التشتّت.

 

هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟

تعبير "ضبط الصفّ" يُوحي بعلاقة عموديّة قائمة على السيطرة الصارمة، وهو مفهوم لم يعد يعكس فلسفة التعليم الحديثة. الأنسب هو "إدارة الصفّ"، لأنّها تقوم على خلق بيئة يسودها النظام عبر التعاون والتفاهم، وليس عبر القمع أو فرض الانضباط قسرًا.

من خلال بناء قواعد واضحة بالتشارك مع المتعلّمين، وتعزيز السلوكيّات الإيجابيّة بالتشجيع والتحفيز، يمكن تحقيق جوّ من الانضباط الذاتيّ الذي يستمرّ طويلًا. الإدارة الناجحة تقوم على التواصل والحزم المرن، والاستجابة الذكيّة للمواقف، ما يجعل المتعلّمين ملتزمين، لا خوفًا بل قناعة واحترامًا.

 

ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟

المواقف الإنسانيّة الطريفة والعفويّة التي تصدر من المتعلّمين تظلّ مصدر سعادة صادقة. أحيانًا يكفي تعليق بريء من طالب صغير، أو تفاعل غير متوقّع في نشاط جماعيّ، ليرسم الابتسامة ويُخفّف من وطأة الضغوط. هذه اللحظات تذكّر دائمًا بأنّ التعليم ليس مجرّد عمل تقنيّ، بل هو تفاعل إنسانيّ مليء بالحياة والمواقف الودودة.

الضحك في بيئة التعليم ليس ترفًا، بل صمام أمان يُخفّف التوتّر، ويُجدد الطاقة، ويُعيد التوازن العاطفيّ، ما يُسهّل مواصلة العمل بحماس وصبر.

 

أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟

مقال "التعلّم القائم على المشاريع" من أكثر المقالات التي أثارت اهتمامي، لأنّه يعكس رؤية تعليميّة تقوم على إشراك المتعلّم في بناء معرفته بطريقة عمليّة وواقعيّة. هذا النهج ينمّي مهارات التفكير النقديّ والإبداع، والعمل الجماعيّ، ويُحوّل المتعلّم من مستهلك سلبيّ إلى باحث نشط ومُنتِج للمعرفة.

المقال بيّن أيضًا مُساهمة المشاريع في تعزيز الثقة بالنفس والمسؤوليّة، والتواصل مع المجتمع، ما يجعل المتعلّم أكثر استعدادًا للحياة العمليّة.

 

إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟

العنوان الأنسب سيكون "قصص من الصفّ: كيف تصنع المعرفة قلوبًا وعقولًا؟" لأنّ التعليم لا يُنتج فقط نتائج أكاديميّة، بل يصنع إنسانًا متكاملًا. هذا العنوان يعكس فكرة أنّ كلّ لحظة صفّيّة تحمل قصّة تستحقّ أن تُروى، قصّة عن فهم وتواصل وبناء لعلاقة، عن لحظة اكتشاف أو لحظة دعم. هذه القصص تُشكّل النسيج الحقيقيّ للعمليّة التعليميّة، وتُعبّر عن رسالتها العميقة التي تتجاوز حدود المنهج أو الكتاب.