دائمًا ما كنت أتساءل: ما الذي يجعل الصفّ مثاليًّا فعلًا؟
في عالم التعليم، غالبًا ما يُنظر إلى الصفّ المثاليّ على أنّه صامت ومنضبط. لكن هل هذا يضمن تعلّم الطلّاب فعليًّا؟ وهل الصفّ المثاليّ موجود حقًا؟
كثيرًا ما يُختزل الصفّ المثاليّ في صمت تام وانضباط خارجيّ: كلّ الطالب جالسون، عيونهم نحو اللوح، وآذانهم للمعلّم. لكنّ الصمت لا يعني بالضرورة أنّ العقول مشغولة بالتعلّم.
أتذكّر مادّة لم أحبها، ليس لصعوبتها، بل لطريقة معلّمتها التقليديّة: كلمات رتيبة تتحرّك أمامي بشكل مملّ وروتينيّ، والصمت يتحوّل إلى خوف من صوت المعلّمة المرتفع إن تكلّمت أو سألت عن شيء لم أفهمه. كنت أحاول التركيز، لكنّ أفكاري كانت تطير بعيدًا، تحاول التخلّص من الملل الذي يحيط بالصفّ.
من الخارج، الصفّ يبدو مثاليّا.. لكنّ الحقيقة أنّنا كنّا أجسادًا بقلوب خائفة وعقول غائبة.
ماذا لو كان الصفّ مختلفًا؟ أصوات الطلّاب تعلو، الحماس يملأ المكان، مجموعات صغيرة تناقش، وطلّاب يتجادلون أو يسألون أو يخطئون. قد يبدو المشهد فوضويًّا أحيانًا، لكنّها الفوضى الخلّاقة. أقرب إلى خليّة نحل: كلّ طالب يتحرّك، يبحث، يشارك، ويتعلّم بعمق. الجو مليء بالحماس، والهواء مُشبع بأفكار وأسئلة وتجارب جديدة.
مدرستي الرسميّة كانت من المدارس التي وقع عليها الاختيار لتطبيق برنامج البكالوريا الدوليّة ((PYP. في البداية كان التحدّي كبيرًا، خصوصًا في مدرسة رسميّة، لأنّ الصفّ المثاليّ عند الناس عنى الصمت وتلقّي المعلومة فقط. لكن مع هذه المنهجيّة تغيّر كلّ شيء: أصبحت الطالبات باحثات، متسائلات، مفكّرات، ويتمتّعن بالكثير من المهارات. مثلًا، في درس الرياضيّات عن الضرب، لم أشرح مباشرة، بل تركت الطالبات يكتشفنّ العلاقة بين الجمع المتكرّر والضرب بأنشطة بسيطة. هذا جعل التعلّم ممتعًا وترك أثرًا أعمق، حتى شعرنّ أنهنّ يلعبنّ بالعلم بدل أن يدرسن بالطريقة التقليديّة. هنا أدركت أنّ الصفّ المثاليّ ليس مجرّد صمت وانضباط، بل مساحة يعيش فيها الطالب ويتفاعل ويكتشف.
المثاليّة الحقيقيّة ليست مجرّد صمت الصفّ، بل في مشاركة الطالبات الفعليّة في التعلّم ونمو عقولهنّ. المعلّم المبدع لا يخاف من الأصوات، بل يرى فيها حياة للأفكار. وكوني معلّمة اليوم، أؤمن أنّ ضجيج طالباتي في الصفّ وهنّ يستكشفنّ الفكرة بأنفسهنّ، أهمّ عندي من أن ألقّنهنّ إيّاها في صفّ صامت بلا حياة.
وفي النهاية، ما رأيك أنت؟ هل يمكن أن يكون صفّ صاخب أكثر فائدة من صفّ صامت؟ وهل نريد صفًًّا يبدو مثاليًّا للعين، أم صفًّا يبني عقولًا مثاليّة للمستقبل؟



