السلوك السيّئ عند الأطفال: رسالة تحتاج إلى ترجمة
السلوك السيّئ عند الأطفال: رسالة تحتاج إلى ترجمة
2025/12/03
هنادي الدنف | اختصاصيّة نفسيّة- فلسطين

في كثير من البيوت والصفوف تتكرّر الجملة:

"ابني عنيد… ما بيسمع الكلام"!

لكن، خلف هذه الجملة البسيطة غالبًا ما يختبئ سؤال لم يُسأل بعد:

"لماذا يتصرّف بهذه الطريقة؟"

فالطفل لا يصرخ عبثًا، ولا يضرب بلا سبب؛ وغالبًا ما تكون هذه التصرّفات محاولة منه ليقول شيئًا لا يعرف كيف يشرحه بالكلمات.

فهل نحاول أن نفهم؟ أم نكتفي بالحكم عليه؟

 

ما نراه ليس دائمًا هو الحقيقة

في لحظات متكرّرة في البيت أو الصفّ، قد يتصرّف الطفل بطريقة مفاجئة: يصرخ، يضرب، يرفض التوجيه، أو يبدو عدوانيًّا بلا سببٍ واضح. هذه اللحظات تضع الأهل والمعلّمين أمام سلوك يُصنَّف بسرعة على أنّه "سيّئ" أو "مزعج"، فنبدأ بالتأنيب أو العقاب أو إطلاق أوصاف، مثل: "عنيد"، "وقِح"، أو "ما بيسمع الكلام".

لكنّ هل هذا السلوك هو فعلًا جوهر المشكلة؟

أم أنّه مجرّد ترجمة لسؤال داخليّ، أو شعور غامض، أو حاجة لم تجد طريقها إلى التعبير؟

 

ما لا يُقال بالكلمات… يُقال بالسلوك

الأطفال لا يملكون دائمًا اللغة الكافية للتعبير عن مشاعرهم، ولا الوعي الكافي لتحليل ما يعيشونه من ضغوط أو قلق أو إحباط. لذلك، يظهر ما يجري في داخلهم على شكل سلوك خارجيّ.

السلوك هنا ليس غاية، بل وسيلة بديلة للتواصل.

قد يقول الطفل من خلال تصرّفه:

  • "أنا متألّم"
  • "أنا بحاجة للاهتمام"
  • "أنا مش فاهم شو بصير معي"

نحن لا نتعامل مع "سلوك سيّئ"، بل مع طفل يحاول أن يعبّر بطريقته الوحيدة المتاحة له.

 

السلوك هو قمّة جبل الجليد

تشبّه أدبيّات علم نفس النموّ، السلوك الظاهريّ بقمّة جبل الجليد: ما نراه هو الجزء الظاهر، بينما الحقيقة النفسيّة والعاطفيّة تكمن في العمق.

  • خلف الصراخ: خوف أو شعور بالإهمال.
  • خلف العدوانيّة: غضب مكبوت أو غيرة.
  • خلف العناد: شعور بفقدان السيطرة أو ارتباك لا يُفهَم.

الطفل لا يختار أن يكون مزعجًا؛ بل يتصرّف ضمن حدود ما يعرفه ويستطيعه.

 

من العقاب إلى الفهم

بدل التركيز على ضبط السلوك أو معاقبته، من المفيد الانتقال إلى محاولة فهم خلفيّاته:

  • ما الذي دفعه إلى التصرّف؟
  • ماذا يشعر؟
  • ماذا حدث في يومه؟
  • هل هو جائع؟ متعب؟ قلق؟ مهزوز؟
  • هل يواجه صعوبة في التواصل أو التعبير؟

تشير دراسات علم نفس النموّ إلى أنّ السلوك الخارجيّ غالبًا ما يكون انعكاسًا لحالة داخليّة يعيشها الطفل، سواء كانت خوفًا أو توتّرًا أو حاجة غير مُشبَعة.

وحين نطرح هذه الأسئلة، نبدأ بفكّ رموز الرسالة التي يحملها السلوك، ونقترب من جذور المشكلة بدل الاكتفاء بمظاهرها.

 

التربية بالاحتواء… لا بالعقوبة

في لحظات "سوء التصرّف"، يحتاج الطفل إلى احتواء أكثر ممّا يحتاج إلى عقوبة.

أن نقول له:

"أنا شايف إنّك زعلان… خلّيني أفهَمَك"

خير من أن نقول:

"إذا ما سكتّ… رح أعاقبك"

الاحتواء لا يعني تجاهل الخطأ، بل يعني النظر إلى الطفل إنسانًا صغيرًا يعيش تجربة لا يفهمها، ومساعدته على فهم نفسه وتنظيم مشاعره مع الوقت.

 

في السياقات التي يعيش فيها الأطفال تحت ضغط سياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ، كما في فلسطين على سبيل المثال، تصبح قراءة السلوك أكثر إلحاحًا وتعقيدًا.

الأطفال في مناطق النزاع لا يواجهون تحدّيات تربويّة فحسب، بل يعيشون مستويات عالية من الخوف وفقدان الأمان، وقد لا يقدرون على التعبير عنها إلّا عبر سلوكهم.

في مثل هذه البيئات، يصبح الاحتواء والفهم أدوات مقاومة تربويّة وإنسانيّة.

 

ختامًا

  • - دعونا نُترجم صراخ الطفل بدل أن نُسكته.
  • - عندما ننظر إلى الطفل بكونه مشروعَ إنسان في طور التشكّل، يصبح دورنا أن نفهمه أكثر من أن نحكم عليه.
  • - كلّ سلوك سلبيّ فرصة للفهم والتعاطف والتربية الذكية.

فلنتذكّر دائمًا: السلوك السيّئ ليس المشكلة… بل إشارة إليها.