ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟
في ظلّ تطوّر المناهج التربويّة واختلاف أنماط التعلُّم، تبرز استراتيجيّة التعلُّم النشط واحدةً من أكثر الاستراتيجيّات فعّاليّة في تحسين نتائج الطلبة وزيادة تفاعلهم. تعتمد هذه الاستراتيجيّة على التخطيط الجيّد وتحدّيد الأهداف واختيار الأنشطة المناسبة لكلّ حصّة، وتوفير بيئة آمنة، ثمّ تشجيع الطلبة على مشاركة العمليّة التعليميّة بكلّ ثقة وشجاعة، بدلًا من كونهم مُتلقّين سلبيّين. فالتعلُّم النشط يُقلّل من الملل ويزيد من التفاعل، وهنا نتساءل: كيف يتجاوب الطلبة مع هذه الاستراتيجيّة؟
تختلف استجابة الطلبة حسب الفئة العمريّة والبيئة التعليميّة. لكن وبشكل عامّ، ثمّة إيجابيّات لهذه الاستراتيجيّة كتطوير الثقة بالنفس، وذلك عندما يُعطى الطلّاب فرصة للتعبير عن آرائهم كي يزداد الحماس، وعندما يتحسّن أداؤهم الأكاديميّ عبر الفهم العميق بدل الحفظ، وباستخدام الألعاب أو التجارب.
كيف توازنين بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟
مع تسارع استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، يواجه المعلّمون تحدّيًا كبيرًا: كيف نستفيد من هذه الأدوات من دون إضعاف التفاعل البشريّ والعلاقات الإنسانيّة التي تُعدّ جوهر العمليّة التعليميّة؟ من إيجابيّات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ في التعليم، تعزيز التفاعل البشريّ عبرها، مثال على ذلك المنصّات التفاعليّة التي تخلق تجارب تعاونيّة، ويمكن بواسطتها تدريب الطلّاب على الاستخدام الواعي لها. أمّا سلبيّات التكنولوجيا فتكمن في اعتماد الطلّاب المفرط على الآلة مقابل فقدان المهارات الفرديّة والأساسيّة. لذلك يجب على المعلّم الحفاظ على التوازن في توظيفها مساعدًا بديلًا لإنشاء تمارين إضافيّة. لكن المناقشة والتقييم يجب أن يتمّا وجهًا لوجه.
في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟
الخطأ في بداية المسار المهنيّ للمعلّم ليس عيبًا بقدر ما هو فرصة للنموّ.
في بداية رحلة التدريس، يقع العديد من المعلّمين في أخطاء شائعة نابعة من حماسهم وحُسن نيّتهم، ظنًّا منهم أنّ هذه الممارسات تُعزّز التعلُّم. لكن مع الخبرة، يكتشفون أنّ بعضها قد يُعيق النموّ الأكاديميّ أو النفسيّ للطلبة. وأكثر هذه الممارسات شيوعًا، خصوصًا لدى المعلّمين الجُدد، التركيز على الكمّ بدل الكيف، وهنا تُعطى كمّيّات كبيرة من الواجبات أو المحتوى ظنًّا أنّ ذلك يُعزّز التعلُّم. ولكنّ ذلك في الحقيقة، يسبّب إرهاقًا ونفورًا عند الطلبة، ما يقلّل من عمق الفهم.
نجد كذلك الخوف من الفوضى داخل القسم، فيُقمع أيّ نقاش بنيّة ضبط النظام، إلّا أنّ هذا يقتل الإبداع ويُضعف التفاعل الصفّيّ. كيف نكتشف هذه الأخطاء؟ يكون ذلك بملاحظة ردود فعل الطلبة (ملل، توتّر، عدم مشاركة). أو بمقارنة النتائج إذا كان التحصيل العلميّ لا يتناسب مع الجهد المبذول.
ما خطوات التصحيح الفعّالة؟ التخلّي عن المثاليّة الزائدة وتقبّل الفوضى الإبداعيّة (مثل النقاشات الصاخبة) جزءًا من التعلُّم النشط باستخدام آليّات بنّاءة لإدارة النقاش، مثل حلقة المناقشة أو المؤقّت الزمنيّ، وتقسيم المهام بين الطلبة، واستبدال العقاب بالتحفيز الإيجابيّ، وتعزيز السلوك الإيجابيّ عبر أنظمة المكافآت الرمزيّة مثل نقاط، شهادات... إلخ.
افترضي أنّك تقومين بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعرين بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟
إذا كنتُ أعدّ ورشة عمل للمعلّمين لتنمية مهاراتهم التعليميّة وتفاعلهم مع الطلبة، سأركّز على موضوع أساسيّ لا غنى عنه وهو استراتيجيّات التعلُّم النشط، والتي تحوّل الطالب من متلقٍّ سلبيّ إلى مشارك فعّال. ويتحقّق ذلك بتصميم أنشطة داخل ورشات علميّة، أو بتحليل فيديو لحصص ناجعة أو تقنيّات تكوينيّة تقييميّة، أو استخدام دمج للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ بذكاء.
وورشة عمليّة أخرى حول تعديل التدريس لذوي الإعاقة واحترام الاختلاف، واستخدام الرموز بين المعلّم والطالب لتعزيز الثقة بينهما كاستخدام لغة الإشارة.
هل ترين أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترحين مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟
ما يتراءى لنا راهنًا أن الواقع الحاليّ للتشبيك بين المعلّمين العرب محدود جدًا، فمعظم المبادرات الفعّالة تقتصر على مجموعات مغلقة على فيسبوك أو واتساب، وهي تفتقر إلى التنسيق المنظّم. أضف إلى ذلك الفجوة الرقميّة التي يعانيها معلّمو المناطق النائية الذين لا يستطيعون الوصول إلى أدوات التشبيك.
التشبيك ضروريّ الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى، أمام الأزمات التي تواجه التعليم في البلدان العربيّة، مثل تدنّي نتائج اختبارات PISA في معظم الدول العربيّة، وأيضًا تأثير كوفيد-19 في تفاقم الفجوة التعليميّة.
مقترح المبادرة: شبكة المعلّمين العرب Arab Teachers’ Network – ATN
هدف المبادرة يتمثّل في خلق مساحة حوار دائمة بين المعلّمين عبر الدول العربيّة. وتسهيل تبادل الموارد (خطّة درس، استراتيجيّات تدريس، أبحاث). وتمكّين المعلّمين عبر ورش عمل شهريّة (أونلاين) بقيادة خبراء عرب. ويمكن تجاوز حاجز اللهجات بين المعلّمين من خلال لغة حوار مبسّطة باستخدام اللهجة العربيّة المشتركة (الفصحى).
كيف تتعاملين مع أولياء الأمور وتشجّعينهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟
يعدّ التعاون بين المؤسّسة التربويّة والأسرة أحد أهم عوامل نجاح العمليّة التعليميّة. وثمّة استراتيجيّات فعّالة لجذب أولياء الأمور. أهمّها بناء جسر الثقة باللقاءات الشخصيّة، والاستماع إلى اهتماماتهم ومخاوفهم حول تعليم أبنائهم، ليكون التواصل واضحًا ومستمرًّا.
كيف تُحافظين على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟
للحفاظ على صحّتي النفسيّة في خضمّ التحدّيات، توجد مجموعة من السلوكيّات التي أقوم بها: تجنّب الشاشات قبل النوم وبعد الاستيقاظ بساعة، إذا يقلّل ذلك من هرمون الكورتيزول (هرمون التوتّر) في الجسم، إضافة إلى عشرين دقيقة مشي يوميًّا، لتحفيز الإندورفين (هرمون الراحة)، وتناول غذاء متوازن، وسماع الموسيقى الهادئة. كما أحمي طاقتي النفسيّة بترتيب أولويّاتي بمهمّ وعاجل، ومهمّ غير عاجل، والتركيز على الراحة والتفكير الإيجابيّ والعلاقات المغذيّة مع تجنّب مصّاصي الطاقة: الأشخاص السلبيّين.
ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟
إدارة الوقت داخل الغرفة الصفّيّة أو الفصل الدراسيّ تحت ضغط الأعباء المتزايدة، يتطلّب استراتيجيّات مختلفة عن تلك المستخدمة في العمل المكتبيّ، لأنّك تتعامل مع تفاعل ديناميكيّ مباشر مع الطلبة، في وقت محدّد لمهامّ متعدّدة. إليك الاستراتيجيّات التي تستخدم لتنظيم الوقت داخل الصفّ: تحضير الدروس بطريقة دقيقة ذكيّة وبوحدات مرنة مع تقسيم الحصّة إلى كتل زمنيّة، مثال: 10 دقائق مراجعة، 20 دقيقة شرح، 15 دقيقة تطبيق، 5 دقائق ختام.
واستخدام إشارات غير لفظيّة (مثل رفع اليد بشكل معيّن) لضبط التركيز من دون اعتراض تدفّق الحصّة. وتنظيم المكان بترتيب المقاعد بطريقة تسمح الحركة السريعة، مثل شكلّ حرفU للنقاش، أو مجموعات للعمل التعاونيّ
اذكري أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.
التعليم يفرض عليك تطوير قدرتك على الشرح والتواصل مع مختلف الشخصيّات من طلّاب وزملاء وأولياء أمور، ما يعزّز ثقتك بنفسك ويجعلك أكثر مرونة في التعامل مع التحدّيات اليوميّة خارج العمل، مثل حلّ النزاعات العائليّة أو إدارة المشاريع الشخصية بفعّاليّة. إذ تنمو لديك مهارات القيادة والاتّصال، ولكن التداخل بين الحياة العمليّة والأمور الخاصّة، من دون وجود حدود واضحة، سيؤدّي حتمًا بالمعلّمين إلى توصّلهم معضلة عويصة فيتأثّرون سلبًا؛ مثل الاستمرار في التفكير في تحضير الدروس أو مشاكل الطلّاب حتّى خارج أوقات العمل، ما قد يؤثّر في العلاقات الأسريّة أو وقت الراحة الشخصيّة.
ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟
أطرف المواقف تلك التي تنتهي بضحكة تُصلح كلّ شيء. ومن أطرف الحوادث التي يرويها الزملاء، والتي قد تتكرّر بأشكال مختلفة في كلّ فصل: أحد الطلّاب هو من الخبراء بالتكنولوجيا. وفي حصّة تعتمد على عرض تقديميّ عبر البروجكتر، فوجئ المعلّم بظهور صور مُضحكة (ميمز) بين الشرائح أثناء الشرح. اكتشف لاحقًا أنّ أحد الطلّاب كان يتّصل بالعرض عن طريق الهاتف الذكيّ، ويضيف الصور بشكلّ مباشر عن طريق تقنية الشاشة المشتركة من دون أن ينتبه المعلّم. فكان ردّ فعله بدل الغضب، أن حوّل الموقف إلى نشاط تعليميّ عن أخلاقيّات استخدام التكنولوجيا، وكافأ الطالب الماهر بدرجة إضافيّة لوضع قواعد أمان للعرض.