معلّمون يتحدّون الصعاب لتحقيق التعلّم
معلّمون يتحدّون الصعاب لتحقيق التعلّم

نظمت منهجيات ندوتها لشهر تشرين ثاني نوفمبر في الثامن عشر من الشهر وكانت تحت عنوان: "معلّمون يتحدّون الصعاب لتحقيق التعلّم". أدارت الندوة الأستاذة دلال حمّودة، مديرة المرحلة الثانويّة في الأكاديميّة العربيّة الدوليّة في قطر. وشارك فيها كل من: الأستاذ عُديّ علي أحمد - تعليم ثانويّ رسميّ (علوم) - لبنان. والأستاذ محمد سلامة - معلّم مادّة الأفراد والمجتمعات في نظام البكالوريا الدوليّة - نائب مدير برنامج السنوات المتوسّطة في مدارس "نوشن" الدوليّة - مصر. والأستاذة وفاء الرنتيسي - معلّمة علوم في مدرسة الفخاري في وكالة الغوث - غزّة وعضو في فريق مبادرات التغيير التربويّ. والأستاذ  محمد أزلحاض - أستاذ اللغة الفرنسيّة - المرحلة الثانويّة - المغرب. والأستاذ عدنان مرشد - معلّم فيزياء - اليمن.

 

المحور الأول: أثر الوضع الحاليّ على التعلّم، وإلهام المعلّمين

استهلت "حمّودة" الندوة بتوضيح الواقع الجديد الذي فرض متغيّرات عديدة من الحجر والحرب والحرمان في ظلّ منظومة تعليميّة بها فجوات فيما يتعلق بتوظيف التكنولوجيا الرقميّة، مما اضطر المعلّمين _على حد قولها_ إلى تسريع عمليّة التعلّم.

استحضر"سلامة" خبرةً سابقةً وظّف خلالها ما تعلّمه عن "أدوات الويب" لتدريس موادّ الجغرافيا والتاريخ والدراسات الاجتماعيّة، ما مكّنه من تحقيق الكثير من المهارات وأهداف المنهج التي تعذّر تحقيقها في التعلّم الحضوريّ.

أشارت "الرنتيسي" إلى مبادرتها الشخصيّة بعنوان "معلم يواكب التغيير" مستهدفةً معلّمي قطاع غزّة لرفع كفاياتهم في التعليم، إذ تواصلت مع خبراء مايكروسوفت محلّيّين وغير محليّين من دول عربيّة مختلفة لتدريب المعلّمين على تطبيقات مختلفة، ومنصّات، وأدوات تخدم المعلّم في توظيف التعليم الإلكترونيّ بصورة يسيرة، مراعاةً للظروف التي يمرّ بها قطاع غزّة.  واعتمدت مبادرتها أيضًا على تصميم "بطاقات تعلّم ذاتيّ" خاصّةً للطلّاب الذين لا تتوفّر لديهم خدمة الإنترنت، ثم اعتماد محتوًى موحّد من فيديوهات شارحة لبعض الدروس.

 أمّا عن وضع التعليم في لبنان، تحدّث "علي أحمد" عن إطلاقه مبادرةً على ثلاثة مستويات بالرغم من سوء ظروف العمل في لبنان:

  1. تسجيل مجموعة من الدروس التعليميّة، ومحاولة مشاركتها مع التلاميذ عبر الوسائط الاجتماعية المختلفة مثل "يوتيوب" و"واتس آب".
  2. محاولة الوصول إلى الأساتذة والزملاء لتقديم هذه الفيديوهات لهم من أجل أن يشاركوها مع طلّابهم.
  3. تقديم العون للزملاء الأساتذة الذي يسألون عن تفاصيل العمل واستخدام بعض الأدوات والوسائط والمواقع التعليميّة لكي ينتقلوا خطوةً تلو الأخرى من الاعتماد على مصادر جاهزة إلى تحضير الموارد الخاصّة بهم بأنفسهم.

وفي الموضوع ذاته، تمثّلت مبادرة "أزلحاض" من المغرب بإنشاء أقسام افتراضيّة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ يمكن لكافّة الطلّاب الولوج إليها، علمًا أنّه يخشى دائمًا "ألّا يتمكّن المتعلّم القاطن في الأماكن النائية من متابعة الدروس والاستفادة من الموارد." ولذا فقد وضع هدفًا لنفسه منذ بداية الجائحة يقول: "أدخل كلّ بيت، وأصل لكلّ متعلّم".

 

المحور الثاني: من شُحٍ إلى ابتكار: الاستفادة من مصادر جديدة وتعلّم مختلف للتغلّب على شُحّ المصادر، والمعوّقات

شرح "سلامة" عن موقع استخدمه طلّابه في تعلّم مادّة الجغرافيا. مكّن الموقع الطالب نفسه من رسم خريطة يقوم بتصميمها ويحدّد عليها خطوط الطول والعرض، مما أسهم في ربط تعلّم المنهج بمهارات حياتيّة. انطبق الأثر ذاته على استخدام "الرحلات الافتراضيّة" والتي وفرت كثيرًا من الوقت والجهد، كما ساعدت في تحقيق كثير من أهداف المنهج في وقت قصير.

شكّلت البطاقات والفيديوهات التي طوّرتها "الرنتيسي" نقطة انطلاق للمعلّمين يطوّعونها كلّ حسب مادّته وتخصّصه وطبيعة طلّابه. وظّفت "الرنتيسي" خبرتها التي استقتها من الانضمام إلى "تربويّون من أجل التغيير" والتدرّب على مهارات التفكير في بناء رؤية موحّدة ذاتيّة لتستطيع تنظيم العمل وتفسح مجالًا للإبداع والعمل الجماعيّ داخل الفريق الواحد.

 أمّا "مرشد"، فقد شرح مجهوداته الفرديّة في تدعيم تدريس الفيزياء باليمن، لإيمانه الشديد بأهمّيّتها في العصر الحاليّ ومستقبل التعليم والتنمية. قام "مرشد" بتجريب برنامجه في البدء على 380 طالبًا في الريف، وقام بتنفيذ دورات بمجهود ذاتيّ مع الطلّاب.

 اجتهد "علي أحمد" في تجاوز الفجوة التي خلقها التعليم عن بعد بابتعاد التلاميذ عن المهارة الحسّيّة واستخدام حواّسهم مباشرةً في مادّة العلوم، وابتكر وسائل تعليميّة مكوّنة من أدوات خشبيّة ومطّاط وقفّازات لتصبح التجربة حيّة قدر الإمكان، ثم سجّلها ورفعها على "يوتيوب".

أما "أزلحاض"، فكانت خطّته للتعليم عن بعد منذ البداية أن يضع رهن إشارة المتعلّمين موارد تهدف بالأساس إلى تحقيق استراتيجيّات التعلّم، اتباعًا للمثل: "لا تعطني سمكة، لكن علّمني كيف اصطاد." فعوضًا عن إعطاء الطلّاب نماذج من نصوص سرديّة في صفّ الكتابة، قام بتمكينهم من الآليّات التي تساعدهم على كتابة عدد لا يحصى من النصوص السرديّة.

 

المحور الثالث: النجاح: مدى نجاح المبادرة وفائدتها، وقياس ذلك النجاح بنموّ الطلبة أو المعلّمين المستفيدين

وصف "سلامة" مفاجأته بالتفاعل الكبير من الطلّاب على إثر استخدام "أدوات الويب"، ومن قدرة الطلّاب على استخدام عناصر المادّة مثل عناصر المناخ، الجغرافيا، التضاريس على صورة مهارات حياتيّة حقيقيّة. كما شارك في تجربة الطلّاب في تنفيذ نشرات جويّة باستخدام مواقع إلكترونيّة. وضّح سلامة أنّ الطلّاب تنبؤوا من خلال الموقع أنّ كمّيّة المياه المتوقّعة ستسبّب كارثةً، وقد استطاع الطلّاب أن ينشروا على موقع المدرسة ما أنتجوه من خرائط، ونشرة جويّة، واستطاعوا التواصل مع إدارة المدرسة ليكون يوم هطول الأمطار يوم إجازة مجنبين العديد من الطلّاب والعائلات مخاطر التواجد في الشارع في هذا اليوم.

أشارت "الرنتيسي" عن الازدياد في عدد المعلّمين المشاركين في تدريبات مبادرة "معلّم يواكب التغيير". وأشارت أنّها تواصلت مع المزيد من الخبراء لتقديم أكبر قدر ممكن من التدريبات في أقصر وقت ليتمكّن المعلّم من سدّ الفجوة التي سبّبتها الجائحة. وشرحت "الرنتيسي" عن التطوّر في دور المعلّم الذي تحوّل من ملقّن في ظلّ التعليم الحضوريّ إلى خبير ومنظّم وميسّر للعمليّة التعليميّة، هذا بالإضافة إلى اكتسابه لمهارة حلّ المشكلات.

تحدّث "مرشد" عن ارتفاع مستوى أداء الطلّاب على إثر برنامج تدريس الفيزياء في اليمن الذي أسهم أيضًا في تشجيع الطلّاب على تحديد أهدافهم التعليميّة؛ لأنّهم عرفوا أسرار تعلّم الفيزياء كعلم أساسيّ للنموّ الصناعيّ والرقميّ. كما لاحظ أنّ الطلّاب المنخرطين في البرنامج تحسّنت لديهم مهارات الرياضيّات أيضًا.

أوضح "علي أحمد" أهمّيّة انخراط الطلّاب والمعلّمين في المبادرة، وخوضهم التجربة بصعوباتها كافّةً، وحرصهم على مواصلة العمل بالرغم من كل شيء.

وعن استقلاليّة الطالب، أشار"أزلحاض" أنّه لاحظ أنّ المتعلّمين في المرحلة الأخيرة كانوا يعملون، ويبحثون، ويدرسون، ويحلّون الأسئلة بصورة مستقلّة.

 

المحور الرابع: النظر إلى الأمام: كيف غيّرت هذه التجربة رؤية المشاركين للتعليم، ودور كلّ من المعلّم والطالب والمجتمع في هذه المنظومة

أوضح "سلامة" أنّ المعلّمين أيضًا، لا الطلّاب وحدهم، في احتياج أن يكونوا في تعلّم ذاتيّ مستمرّ ليواكبوا كلّ هذه التطوّرات، فالمعلّمون بحاجة أن تكون لديهم "الكفايات نفسها التي نطمح أن يصل إليها التلاميذ، فهي مهارات حياتيّة". أمّا "مرشد"، فيرى أنّ تجربته في تدريس الفيزياء تجربة استطلاعيّة، وهدفه الأكبر هو مساعدة طلّاب الوطن العربيّ بابتكار برامج تتصدّى لصعوبة تعلّم الفيزياء، وتقديم نموذج تدريسيّ في مسوّدته الأولى كما فعل. أمّا "الرنتيسي"، فترى أنّ العمل في مبادرة "معلّم يواكب التغيير" تمّ بصورة قاعدة تأسيسيّة، وأنه يمكن للمبادرة أن ترتقي درجةً فدرجةً.

اختتم "أزلحاض" هذا المحور بقوله: "هذه التجربة غيّرت نظرة المعلّم والمتعلّم للتعليم حيث إنّه اتّضح جليًّا أنّ الكيف أهمّ من الكمّ؛ لا يهمّ عدد الموارد المنتجة لكنّ ما يهمّ هو نجاعتها، وفاعليّتها للمتعلّم. لا شيء مستحيل. بدلًا من البكاء على الأطلال، يجب على الشخص أن يبدع... لأنّه دائمًا ثمّة حلول".

 

يمكن متابعة الندوة كاملةً من خلال الرابط الآتي:

https://www.youtube.com/watch?v=JQDhFYNaIXM