معاقبة الأطفال: كيف أعاقب طفلي؟
معاقبة الأطفال: كيف أعاقب طفلي؟

هل ينمّي العقاب المسؤوليّة الذاتيّة لدى أطفالنا؟  

تأديب الأطفال أحد أصعب جوانب تربية الأبناء، لأنّه يُعنى في تعليم الطفل تحمّل المسؤوليّة والتحكّم في الذات. فمن الطبيعيّ أن يرغب الوالدان في تصحيح سلوك طفلهم بسرعة عندما يسيء التصرّف. ومع ذلك، فإنّ العقاب يمكن أن يؤدّي إلى عواقب غير مقصودة، مثل الاستياء أو الخوف أو توتّر العلاقة بين الوالدين والطفل، إذا لم يتمّ التعامل معه بعناية. فقد يفقد بعض الآباء أعصابهم، ويعاقبون الأطفال بطرق غير صحيحة تأتي بنتائج عكسيّة، بل وسلبيّة على الأطفال إلى الحدّ الذي قد تطال معه احترام الطفل لذاته وثقته بنفسه. يتعلّق التأديب الفعّال بالتعليم، وليس فقط بالعقاب، وينبغي أن يوجّه الأطفال نحو فهم الفرق بين الصواب والخطأ، مع تعزيز ضبط النفس والمساءلة والاحترام. 

في هذا المقال، سوف نستكشف كيف يمكن للوالدين استخدام العقاب بشكل بنّاء، وأيّ المواقف تستحقّ التأديب، ولماذا لا تستحقّ بعض السلوكيّات العقاب بالضرورة، بل تتطلّب اتّباع نهج مغاير. 

 

متى تجب معاقبة الطفل؟ 

لا تتطلّب كلّ السلوكيّات السيّئة العقاب؛ فقد تتطلّب بعض المواقف التصحيح أو التوجيه فقط، بدلًا من اللجوء إلى العقاب الحادّ. في الآتي أنواع السلوكيّات التي قد تستحقّ العقاب: 

العصيان المتعمّد 

عندما يتجاهل الطفل القواعد عمدًا، أو يتحدّى التعليمات المباشرة، فمن المناسب فرض العقاب في هذه الحالة. على سبيل المثال، إذا طلبت من طفلك التوقّف عن رمي الألعاب واستمرّ في ذلك عمدًا، فإنّ العواقب الصارمة مثل أخذ اللعبة بعيدًا تكون مبرّرة. 

الأفعال غير الآمنة أو الضارّة 

السلوكيّات التي تعرّض الطفل أو الآخرين إلى الخطر، مثل الضرب أو العضّ أو الجري في الشارع أو تسلّق الهياكل غير الآمنة، خصوصًا إذا كانت متعمّدة وبعد توجيه متكرّر، تتطلّب تصحيحًا فوريًّا، إذ تجب معالجة هذه الأفعال لمنع الضرر وتعليم السلامة. 

الكذب 

الكذب أو السرقة أو إخفاء الحقيقة يمكن أن تزعزع الثقة، وتؤدّي إلى عواقب طويلة الأجل إذا لم تُعالج. يجب أن تركّز عقوبة الكذب على إصلاح الثقة وفهم أهمّيّة الصدق. 

عدم الاحترام أو السلوك المؤذي 

إذا كان الطفل فظًّا أو غير محترم أو مؤذٍ للآخرين عمدًا، مثل استخدامه الشتائم أو السخرية من شخص ما، فمن المهمّ معالجة السلوك، وتعليم الطفل معنى التعاطف. 

سوء السلوك المتكرّر 

عندما يكرّر الطفل باستمرار السلوك غير المقبول نفسه، على الرغم من التحذيرات أو التذكير المتكرّر، فإنّ العقوبة المناسبة يمكن أن تعزّز أهمّيّة اتّباع القواعد. 

 

ما المواقف التي لا تنبغي معاقبة الطفل عليها؟ 

في حين أنّ العقاب ضروريّ في بعض الأحيان، فإنّ بعض السلوكيّات لا تستحقّ العقاب، ومن الأفضل معالجتها بأساليب أخرى من التأديب، مثل: 

السلوكيّات المرافقة للعمر 

هل قام طفلك بكسر كوب من الزجاج لأنّه لم يلاحظه بسبب اندفاعه؟ هذا هو المقصود، فغالبًا ما يُظهر الأطفال الصغار سلوكيّات، مثل نوبات الغضب أو النسيان أو التهوّر، لأنّهم ما زالوا يتعلّمون ضبط النفس والانفعال. هذه التصرّفات طبيعيّة من الناحية التنمويّة، وتجب مواجهتها بالصبر والتوجيه بدلًا من العقاب. 

الأخطاء أو الحوادث 

غالبًا ما تكون الحوادث مثل انسكاب الحليب أو كسر لعبة أو نسيان الواجبات المنزليّة غير مقصودة. يمكن أن تجعل معاقبة الأخطاء الأطفالَ خائفين من تجربة أشياء جديدة، أو الصدق بشأن الحوادث. بدلًا من العقاب، ركّز على مساعدتهم في حلّ المشكلة، مثل تنظيف ما سُكب على الأرض معًا، مع توضيح ما حصل ولماذا حصل، فهذا سيجعل الطفل أكثر إدراكًا للأشياء من حوله. 

الانفجارات العاطفيّة 

قد يبكي الأطفال، ولا سيّما الصغار منهم، أو يصرخون أو يتصرّفون بشكل غير لائق عندما تطغى عليهم المشاعر. بدلًا من معاقبة تعبيراتهم العاطفيّة، ساعدهم في تسمية مشاعرهم ومعالجتها. على سبيل المثال، قل: "أرى أنّك منزعج. دعنا نتحدّث عمّا يزعجك". 

الاستكشاف والفضول 

الفضول جزء طبيعيّ من الطفولة، ويؤدّي أحيانًا إلى سلوكيّات مثل تفكيك الألعاب، أو تجربة أشياء لا ينبغي لمسها. بدلًا من معاقبة الفضول، قم بإعادة توجيهه نحو أنشطة أكثر أمانًا وملاءمة. 

الطرق الفعّالة لمعاقبة الأطفال 

الهدف من العقاب هو تعليم الأطفال درسًا وتقويم سلوكهم، لذا يجب أن يكون العقاب بنّاءً، ويساعد الأطفال في التعلّم من أخطائهم، بدلًا من زرع الخوف أو المشاعر السلبيّة في أنفسهم. لذا، نستعرض بعض الاستراتيجيّات للانضباط الفعّال والإيجابيّ: 

استخدام العقوبات المنطقيّة 

ترتبط العقوبات المنطقيّة بشكل مباشر بسوء السلوك، ما يساعد الأطفال على ربط أفعالهم بالنتائج. فعلى سبيل المثال: 

  • - إذا رفض الطفل تنظيم ألعابه أو تركها مبعثرة في غرفته، فيكون العقاب المنطقيّ حرمانه من هذه الألعاب لمدّة يوم كامل. 
  • - إذا كسر الطفل لعبة شقيقه أو شقيقته، فيكون العقاب المنطقيّ أن يساعد في إصلاحها، فيدخّر من مصروفه لشراء لعبة بديلة. 

يتميّز هذا النهج من العقاب بتعليم الطفل مبدأ المسؤوليّة، من دون أن يجعله يشعر بالظلم. 

الحفاظ على الهدوء وعدم التمييز 

يكون الانضباط أكثر فعّاليّة عندما يتمّ تطبيقه بهدوء؛ فالصراخ على الطفل أو تفريغ شحنة الغضب فيه يضيّع الرسالة التربويّة، ويتسبّب في خوفه أو محاولته الدفاع عن نفسه، حتّى لو كان يشعر بخطئه. يكمن الحلّ في تطبيق القواعد نفسها مهما اختلفت المواقف، حتّى يستطيع طفلك توقّع عواقب أفعاله بوضوح، وإدراك أنّه يستحقّ العقاب عندما يخالف القواعد. 

استخدم الوقت التأديبيّ المستقطع بالشكل المناسب 

يمكن أن يكون الوقت المستقطع وسيلة فعّالة لمنح الأطفال مساحة للهدوء والتفكير في سلوكهم، ولكن يجب الحرص على تناسب الوقت المستقطع مع عمر الطفل (على سبيل المثال يمكن إضافة دقيقة واحدة في مقابل كلّ سنة من عمر الطفل)، واستخدامه أسلوبًا تعليميًّا وليس عقابًا في حدّ ذاته، ويجب أن يتبعه التحدّث إلى الطفل حول ما قام به، وكيف يتصرّف بشكل أفضل في المرّة القادمة ليكون طفلًا مطيعًا، وليس لتجنّب العقاب نفسه. 

التركيز على تهذيب الطفل وليس إشعاره بالذنب 

يجب تجنّب العقاب الذي يهين الطفل أو يشعره بالخجل، مثل توجيه الشتائم أو النقد الشديد أو توبيخه أمام الناس؛ فهذه التصرّفات تدمّر تقديره لذاته. وبدلًا من ذلك عليك التركيز على مساعدة طفلك في فهم سبب خطأ سلوكه وكيفيّة تعديله. 

تعزيز السلوك الإيجابيّ 

من المهمّ الموازنة بين العقاب والتعزيز الإيجابيّ، فمثلًا، يجب عقاب الطفل عندما يخطئ، ويجب أيضًا مدحه ومكافأته عندما يحسن السلوك؛ سيساعده هذا في معرفة السلوكيّات المرغوبة التي تحظى بالتقدير، ويحفّزه على تكرارها للتمتّع بالمكافأة. 

عرض الخيارات وإشراك الطفل في حلّ المشكلات 

قد تقتضي بعض المواقف إشراك الطفل في حلّ المشكلة؛ على سبيل المثال، إذا اعترض على قصر وقت استخدام الحاسوب أو الهاتف الذكيّ خلال اليوم، فاعرض عليه سبب تخصيص وقت لاستخدام الشاشات، واطلب منه أن يختار بنفسه الحلّ المناسب لضمان عدم التأثير في نومه وتركيزه في المذاكرة. يعمل هذا النهج على تعزيز التفكير النقديّ والتعاون، وتقليل تحدّي الطفل للوالدين. 

 

بدائل العقاب 

في بعض المواقف لا يعدّ العقاب هو الحلّ الأفضل، وهناك العديد من البدائل التي تحقّق نتائج أفضل في التعامل مع سوء السلوك، مثل: 

  • - تحويل الانتباه: بالنسبة إلى الأطفال الصغار، يمكن توجيه انتباههم إلى سلوك أكثر ملاءمة. 
  • - العواقب الطبيعيّة: وتتلخّص في السماح للأطفال بتجربة النتائج الطبيعيّة لأفعالهم؛ على سبيل المثال، إذا أهملوا فروضهم المدرسيّة أو تكاسلوا في التحصيل الدراسيّ، حينها قد يحصلون على درجات متدنيّة أو يرسبون في اختباراتهم. 
  • - تقديم القدوة: يمكن للآباء والأمهات أن يقوموا بالسلوك الذي يريدون أن يقوم به أطفالهم، مثلًا إذا كنت تريد أن يتحدّث طفلك باحترام، فتحدّث إليه باحترام، أو دعه يراك تحدّث الآخرين باحترام. 
  • - حوار حلّ المشكلات: ساعد طفلك في التفكير في سلوكه بطرح أسئلة عليه، مثل: ماذا يمكنك أن تفعل بشكل مختلف في المرة القادمة؟ 

 

*** 

العقاب جزء أساسيّ وضروريّ في تربية الأطفال، ولكن يجب أن يكون مدروسًا وعادلًا وبنّاءً على الدوام. بالتركيز على تعليم الطفل درسًا بدلًا من مجرّد عقابه، يمكن للآباء والأمّهات مساعدة أطفالهم في تطوير مهارات حياتيّة مهمّة، مثل المسؤوليّة والتعاطف والانضباط الذاتيّ. 

لكنّ العقاب ليس صالحًا لكلّ الحالات، فبعض السلوكيّات يمكن التعامل معها بشكل أفضل بالصبر، أو تحويل الانتباه، أو العواقب الطبيعيّة، أو الحوار، أو غيرها. ففي نهاية المطاف، يتلخّص الانضباط الفعّال في مساعدة الأطفال في التعلّم من أخطائهم، مع الشعور بالأمان بالحصول على الحبّ والدعم من الأب والأمّ، واللذَين يمكنهما أن يربّيا أطفالًا يتمتّعون بالثقة بالنفس، والمرونة العاطفيّة، والاحترام لذواتهم والآخرين، باستخدام العقاب الذكيّ، وتجاوزه عندما يقتضي الأمر.  

 

المراجع

 

https://www.betterhealth.vic.gov.au/health/healthyliving/discipline-and-children 

https://www.healthychildren.org/English/family-life/family-dynamics/communication-discipline/Pages/Disciplining-Your-Child.aspx 

https://www.unicef.org/parenting/ar/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%A4%D8%AF%D9%91%D8%A8-%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83-%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B0%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D9%91%D8%A9/%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84