ماهر منصور- مشرف شؤون طلبة- فلسطين/ قطر
ماهر منصور- مشرف شؤون طلبة- فلسطين/ قطر
2024/04/03

لو كنت طالبًا اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

طريقة التعلّم الأحبّ بالنسبة إليّ، وهي فعلًا ما زالت الطريقة التي أفضّلها حتّى الآن في تعلّمي المهنيّ، هي التعلّم عن طريق المشاريع الجماعيّة والفرديّة، والتعلّم عن طريق تقييم الأداء بمهامّ، سواءً موجّهة أو مفتوحة، حيث أنَّ نوع التعلّم هذا يمكّن المتعلّم من الاندماج في عمليّة التعلّم، واكتساب المعرفة والمهارات، ليس فقط من المدرّس أو الميسّر، بل أيضًا من زملائه، ومن التجربة، ومن التطبيق المباشر للتعلّم، والذي يجعل أثره يدوم، ويساعد على تطوير المهارات الأساسيّة والمتقدّمة، واكتساب المعرفة بشكل مرتبط بسياق، ممّا يجعلها أكثر أصالةً وارتباطًا بحياة المتعلّم.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

تُركّز الممارسات التعليميّة الحديثة على دمج المهارات الاجتماعيّة والمعرفة العلميّة، من خلال دمج المشاريع التعاونيّة والنقاشات الجماعيّة، وتطبيقات العالم الحقيقيّ للمفاهيم العلميّة، حيث يتمكّن الطالب من فهم المحتوى، وتطوير مهارات العمل الجماعيّ والتواصل، وحلّ المشكلات. المفتاح هو تصميم إطارات منهجيّة، تدمج المحتوى الأكاديميّ مع فرص للنموّ الشخصيّ والاجتماعيّ، ممّا يؤدّي إلى تطوير متعلّمين متكاملين، ومستعدّين للعالم المتّصل اليوم.

 

كيف تحدّد أهمّيّة دورك، معلّمًا، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

في عصر ثورة الذكاء الاصطناعيّ، يصبح دور المعلّم أكثر أهمّيّة. فبينما يمكن للتكنولوجيا توفير كمّيّات هائلة من المعلومات، والقيام بالمهامّ الآليّة، يقدّم المعلّم الجوانب الإنسانيّة التي لا يمكن استبدالها، مثل التعاطف، والتفكير النقديّ، والقدرة على التكيّف، فيتحوّل دورنا من كوننا مجرّد مقدّمين للمعرفة، إلى ميسّرين لتطوير المهارات، مثل الإبداع، والتفكير الأخلاقيّ، والتعلّم مدى الحياة. يجب على المعلّمين توجيه الطالب لاستخدام الذكاء الاصطناعيّ بشكل مسؤول وأخلاقيّ؛ لنضمن أن يكون للتكنولوجيا دورًا مكمّلًا للذكاء البشريّ بدلًا من استبداله، وبالتالي، في هذا العصر التحوّليّ، يعمل المعلّمون كموجّهين؛ ليساعدوا الطّالب على تطوير علاقة متوازنة مع الذكاء الاصطناعيّ، مع التأكيد على القيمة الدائمة للتواصل البشريّ، والحكمة البشريّة.

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

يمكن للإشراف التربويّ أن يكونَ مفيدًا للممارسة التعليميّة عندما يعمل على تعزيز التطوير المهنيّ، ويضمن معايير تعليميّة جيّدة، ويحسّن نتائج الطلّاب، ويشجّع على الابتكار، ويعزّز التعاون بين المربّين للتحسين المستمرّ، والأهمّ من هذا كلّه، توفير جوّ داعم ومريح للممارسين؛ ليتمكّنوا من أداء واجباتهم النبيلة، ضمن بيئة إيجابيّة داعمة.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

يجب أن تشمل عمليّة حلّ النزاعات بين الطّلبة عددًا من الأساليب والطرق الحديثة لحلّ النزاعات، كالممارسات التصالحيّة (وفق مفهوم العدالة التصالحيّة)، وتنمية قدرة الطلبة على التعاطف، وعقد جلسات حواريّة مع الطّلبة للتعبير عن شعورهم، والتحدّث عن هذه النزاعات، وغيرها من الاستراتيجيّات الحديثة، ويجب إشراك المعلّمين والمرشدين، وأولياء الأمر، والإدارة، في حلّ هذه النزاعات ضمن روح تعاونيّة؛ وذلك لتعزيز بيئة صفّيّة متناغمة وآمنة.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

على الرغم من الفوائد الجمّة للتقدّم التكنولوجيّ، إلّا أنّ استخدمها ليس دائمًا إيجابيًّا، فمن ناحية، قد يُشكّل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا عائقًا أمام تنمية المهارات الأساسيّة والضروريّة لدى الطلّاب. بالإضافة إلى مخاوف عدم التكافؤ في الفرص، بسبب عدم تساوي القدرة في الحصول على هذه الأدوات واستخدامها للجميع، ومشاكل متعلّقة بتشتيت الانتباه، بسبب كثرة المشتّتات عند استخدام التكنولوجيا، والمشاكل المتعلّقة بخصوصيّة البيانات، وأخيرًا، مشكلة الحاجة إلى تدريب المعلّمين بشكل مناسب؛ ليتمكّنوا من توجيه استخدامها بشكل إيجابيّ.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

تعتبر المشاركة الأهليّة أمرًا بالغ الأهمّيّة لتعليم الطفل، حيث يمكن أن تعزّز الدافع والأداء الأكاديميّ والرفاهيّة العامّة، ومع ذلك، قد تظهر مخاطر هذا التدخّل عندما يصبح مُفرطًا في التحكّم ومبالغًا فيه، ممّا قد يعيق استقلاليّة الطفل، وقدراته على حلّ المشكلات، وثقته بنفسه، ويصبح عامل ضغط على الطفل. من الضروريّ الوصول إلى توازن نضمن فيه دعم الأهل من دون أن يسلبوا من طفلهم استقلاليّته، خصوصًا خلال المراحل التنمويّة الحرجة، حيث يعتبر تعزيز الاستقلاليّة أمرًا أساسيًّا. كذلك يكمن الدور الرئيس للأهل في تعزيز الجوانب الخارجة عن المنهج واللا أكاديميّة، والتي تشمل توسيع الدائرة الاجتماعيّة للطفل، ومساعدته على استكشاف اهتماماته، وتوسعة مداه.

 

هل تجد أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

على الرغم من أنّ الموارد الرقميّة تقدّم مرونة ومحتوى مُحدّثًا، إلّا أنّ التخلّي تمامًا عن الكتب المدرسيّة قد لا يكون قرارًا حكيمًا في هذا الوقت، حيث توفّر الكتب المدرسيّة محتوىً منظمًا، وموحّدا في الصفوف الدراسيّة، وتعتبر مرجعًا موثوقًا للمعلّمين والطلّاب، من دون الاعتماد على التكنولوجيا. النهج المتوازن هو الذي يجمع بين الكتب المدرسيّة والموارد الرقميّة، وإمكانيّة الوصول إلى الموارد المختلفة، والعدالة، وتجارب تعليميّة شاملة لجميع الطلّاب، مع مراعاة الاختلاف في الوصول إلى التكنولوجيا والاحتياجات المختلفة.

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

مدّة اليوم المدرسيّ المثاليّة قد تختلف، استنادًا إلى الاحتياجات التنمويّة، ومستويات الصفّ، والأهداف التعليميّة. ومع ذلك، ومع مراعاة عوامل مثل فترة الانتباه والإرهاق، والتنمية الشاملة، يبدو من المعقول أن تتراوح مدّة اليوم المدرسيّ بين 6 إلى 8 ساعات للطلّاب الأكبر سنًّا، ومدّة أقصر للمتعلّمين الأصغر سنًّا. ومن الضروريّ الأخذ في الاعتبار الوقت التعليميّ عالي الجودة، مع إدماج فترات الراحة والنشاط البدنيّ، وتجارب التعلّم المتنوّعة؛ لتحقيق التشارك الأمثل للطلّاب ورفاهيّتهم.

 

صِف لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمًا عنوان رواية لذلك، وأخبرنا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

الرواية التي أختارها هنا هي رواية "الخيميائيّ" لباولو كويليو، وقد اخترت هذه الرواية لأنّها من الروايات التي بدأت بقراءتها وأنا في عمر العاشرة، والآن أستطيع أن أقول إنّها تصف تجربتي، وتجربة عدد كبير من المهنيّين في حقل التعليم بالذات. معظمنا انضممنا إلى الجامعات بهدف الحصول على شهادة تؤهّلنا للحصول على وظائف تعود علينا برواتب مرتفعة، ولكن عبر هذه الرحلة، مررنا بعدد من المربّين والأكاديميّين والحكماء، وتعلّمنا منهم الكثير، ووصلت شخصيًّا إلى قناعة بأنَّ الكنز الحقيقيّ هو هذه التجارب، والتعلّم الذي اكتسبته من جميع من كان في دربي، من مدرّسين ومحاضرين، وزملاء، وحتّى طلبة، كما كان الحال لسانتياغو في الرواية، وأتمنى دائمًا أن أتمكّن من مساعدة الطلبة في الوصول إلى هذا الكنز، والاقتناع بأهمّيّته مقارنةً بالجوانب المادّيّة في الحياة.