لميس أبو شدق- معلّمة كيمياء- فلسطين
لميس أبو شدق- معلّمة كيمياء- فلسطين
2023/11/16

لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

لو كنتُ طالبًا اليوم، لاخترتُ موادَّ دراسيّة تتناسب وما يدور حولي من تطوّر معرفيّ وتكنولوجيّ، موادَّ تتوافق وميولي واهتماماتي. ولآثرتُ التحرّر من الحجرة الصفّيّة، وفضّلت نوعًا من التعلّم النشط الذي أكون فيه أنا البطل الذي يستكشف، يبحث ويجمع الملاحظات، ويحلّلها مع فريقٍ من زملائه، حتّى نتوصّل إلى المعرفة بأنفسنا.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

الأصلُ أن يكون التوفيق بينهما مرافقًا لخطوة إعداد البرامج التعليميّة الحديثة، أو المناهج الدراسيّة تحديدًا، فالمهارات الاجتماعيّة جزءٌ لا يتجزّأ من شخصيّة الطالب الذي يمثّل بناؤه الهدف الأسمى للتّربية. كما أنّ المهارات الاجتماعيّة من تواصل، وتعاون، وتقبّل للآخر، والعمل في الفريق، وغيرها، يمكن أن تكونَ جزءًا من نشاطٍ تعليميّ – تعلّميّ، تُعرض به المعرفة العلميّة، أو يتمّ التوصّل إليها من خلاله، ثمّ إنّ مهارات القرن الحادي والعشرين، ترى في المهارات الاجتماعيّة أساسًا لفرد يستطيع مواكبة ما يدور حوله من تطوّر.

 

كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

لا غنى عن وجود معلّمٍ مهما شهد العصر من تطوّر. أرى في الذكاء الاصطناعيّ نعمةً ونقمة؛ فمن جهةٍ، هو يناسب العولمة والثورة التكنولوجيّة، وهو مهمٌّ بالنسبة إلى المعلّم أن يقوم، على الأقلّ، بتهيئة بيئة معرفيّة عنه لطلبته في إطار مادّته التدريسيّة، ولو كان ذلك من باب التعرّف المبدئيّ إليه. ومن جهةٍ أخرى، تظهر نقمته في جهل التعامل معه، ومخاطر استخدامه على الفرد نفسه ومجتمعه. ولذا، على المعلّم أيضًا أن يوضّح للطلبة المخاطر الناتجة عن إساءة استخدامه.

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

متى ما كان الإشراف التربويّ يقوم على معايير واضحة، وأسس سليمة تستند إلى تطوير المعلّم والنهوض به، سينعكس ذلك إيجابًا على الممارسة التعليميّة والتعلّميّة بعدها، فمشرفٌ يُعدّ للنّهوض بالمعلّم ومساعدته على تحقيق تطوّر مهنيّ مستمرّ، سينعكس دوره إيجابًا على العمليّة التعليميّة - التعلّميّة كلّها.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

الأصل ألّا تحدُثَ نزاعات في الغرفة الصفّيّة وخارجها، ونحنُ هنا لا نتحدّث عن المثاليّة في التعامل، وإنّما عن توظيف الانضباط الداخليّ في الطالب نفسه، والانضباط الخارجيّ بين الطلبة بعضهم بعضًا. لو تخيّلنا أنّنا بدأنا أوّل حصّة صفّيّة بنقاشٍ بين الطلبة، نقاش عن السلوكيّات التي يجب الالتزام بها في التعاملات بينهم، وتدوينها كمدوّنة سلوك يُجمع عليها الطلبة أنفسهم، فلن تحدث نزاعات، أو إن صحّ التعبير، سيقلّ معدّل حدوثها. وبالتّالي، إن حدثت بعد هذا الإجراء، فتتمثّل الأطراف التي يمكن أن تسهم في حلّها في برلمان الصفّ، وأطراف النزاع أنفسهم، والمعلّم نفسه، تُحلُّ داخليًّا في المكان الذي حدثت فيه.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

أرى بأنّ أيّ أداة ستستخدم خلال التدريس، يجب أن تُدرّس من عدّة اتّجاهات، خصوصًا التكنولوجيّةَ منها: من حيث توقيت استخدامها، ومناسبتها لخصائص الطلبة، وجدوى استخدامها، والمدّة الزمنيّة التي يستخدمها الطالب فيها. وبالتّالي، ليس من الضرورة أن تؤثّر إيجابًا أو سلبيًا على إطلاقه، فمتى ما أخذت من وقت الطالب، وأثّرت على صحّته الجسديّة، واستنزفت وقته بشكلٍ يعزله عمّن حوله، أصبح استخدامها غير مبرّر. أمّا إذا جاء الاستخدام مُقنّنًا، وجاءت مُعينةً على تحقيق الأهداف التعليميّة، أصبح استخدامها مبرّرًا وفاعلًا.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

تدخّل الأهل في تعلّم أبنائهم له وجهان: إيجابيّ وسلبيّ، خصوصًا في المراحل التعلّميّة الأساسيّة. ثمّ تدريجيًّا يتحوّل دور الأهل إلى الرقابة والمساندة الخارجيّة، متابعةً وتدخّلًا علميًّا، متى ما استطاع الأهل ذلك، وبالشّكل الذي لا يُلغي شخصيّة المتعلّم. الدعم الذي يقدّمه الأهل متنوّع الأشكال، قد يأخذ صورته النفسيّة بالتعزيز والتحفيز، وطمأنة المتعلّم بأنّ أيّ أحد قد يجد صعوبةً خلال دراسته، وأنّهم فخورون بطفلهم مهما حدث. وقد يكون علميًّا أيضًا، إن كان الأهل من الفئة المتعلّمة. وقد يتابع الأهل أبناءهم بالرقابة على إنجاز مهامّهم الدراسيّة، من دون تدخّل في محتواها، خصوصًا إن كنّا نتحدّث عن آباء غير متعلّمين، وهذا أيضًا يولّد طالبًا مجتهدًا قادرًا على حلّ مشكلاته بنفسه، إذ متابعة أهله تشجّعه على إنجاز مهامّه.

وتجدر الإشارة إلى أنّ كلّ العوامل السابقة تنعكس على التحصيل أيضًا. وبالتالي، فإنّ أمر تحديد وقت مناسب للتدخّل، غير قابلٍ للتّعميم على جميع الحالات، فتوقيت التدخّل وطبيعته، وحتّى مساحته، تختلف باختلاف الطفل، نفسه وبيئته، وكذلك طبيعة الموقف المراد التدخّل فيه.

 

هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

لا أعتقد بأنّه يمكن الاستغناء عن الكتاب المدرسيّ بشكلٍ كاملٍ، مهما بلغت ذروة التطوّر الرقميّ حولنا، وذلك باعتباره أحد مصادر المعرفة الأساسيّة. ولكن يمكن تقنين استخدامه، وتوظيف مصادر المعرفة الأخرى، كالإلكترونيّة منها، ومجموعات التواصل الصفّيّة، والألعاب التعليميّة الرقميّة، وغيرها، وبالشكل الذي يجعل الطالب مستمتعًا ومنخرطًا مع واقعه، وبشرط عدم الاتّكاء عليها كمصادر وحيدة، تسرق الطالب من نفسه ومجتمعه، لتجعل منه شخصًا منطويًا. ينظر إلى هذه المصادر كعالمٍ مستقلٍ، يعزله عن واقعه؛ فللمصادر المعرفيّة الإلكترونيّة مضارٌّ كثيرة، يجب أخذها بالاعتبار، منها مثلًا، أنّ الطالب سيقضي معظم وقته أمام جهاز الحاسوب أو الهاتف، ما يعزله عمّا يدور حوله في الحياة الواقعيّة. وهذا الجلوس، لساعات طويلة، سيترك آثارًا سلبيّةً على صحّته الجسديّة والنفسيّة. كما أنّنا بذلك نقلّل من ألفة المطالعة عند الطالب، فكيف سنصنع جيلًا قارئًا من دون علاقة أُلفة بين الطالب وكتابه المدرسيّ كصورةٍ أوّليّةٍ للألفةِ مع الكتب الأخرى؟ نعم، يستطيع الطالبُ القراءة إلكترونيًّا هنا وهناك، وتحصيل المعرفة من عدّة مصادر غير الكتاب، ولكن هل سيكون ذلك مفيدًا وكافيًا؟ بالطبع لا. لذا، يجب أن يكون الكتاب مصدرًا أساسيًّا للمعرفة في الحصّة الصفّيّة وخارجها، وعلى المعلّم أن يوظّفه بذكاءٍ، فلا يجعل الطالب يملّه، ولا يجعله مستندًا عليه مصدرًا وحيدًا للمعرفة. عليه، مثلًا، أن يحافظ على ربطه بالتكنولوجيا التي يُحبّها الطالب. فماذا إن عُزِّزَ الكتاب المدرسيّ بالروابط الإلكترونيّة ورموز الاستجابة السريعة (QR Codes) لإثراء المادّة التعليميّة؟ هذا بالطبع سينعكس على عدّة نطاقات إيجابًا، منها أنّ الكتاب المدرسيّ نفسه يصغر حجمه، وبذلك لن يُشكّلَ الكتاب عبئًا على وزن حقيبة الطالب المدرسيّة، فالمعرفة حينها موزّعةٌ بصورة ورقيّة وإلكترونيّة. كما أنّنا نكون قد وظّفنا التكنولوجيا كمصدر للمعرفة إلى جانب الكتاب المدرسيّ.

ماذا إن هُيّئت مصادر معرفة إلكترونيّةٍ وورقيّة في آنٍ، تخدم الارتقاء بالطالب والمعلّم؟ بالطبع سيكون ذلك فارقًا. وسأذكر هنا تجربةً نوعيّةً لمدرسةٍ في جنوب قطاع غزّة، وهي "مدرسة عبد المحسن القطّان الأساسيّة للبنين"، التابعة لمحافظة خان يونس، إذ قدّمت هذه المدرسة مبادرةً بداية العام السابق، تقدّم فيها مصادر معرفة ورقيّةٍ بصورة تفاعليّة، تحافظ بها على جمال المكتبة الورقيّة، وتواكب النهضة التكنولوجيّة. أدخلت المدرسة التكنولوجيا بعدّة طرق، منها طريقة البحث عن الكتاب، بصورةٍ تناسب شغف الجيل الجديد من طلبتنا بالتكنولوجيا، حيث يذكر الطالب اسم الكتاب الذي يبحث عنه على مستقبل صوتيّ، ليظهر مكانُ الكتاب، ومعلومات أوّليّة عنه، وهو بذلك يوفّر وقتًا مستقطعًا في البحث بين أروقة المكتبة. كما أنّ المكتبة وفّرت مصادر المعرفة، من أبحاث وكتبٍ بصيغة (PDF) لكلٍّ من المعلّم والطالب، وهي بذلك تحافظ على جمال الكتب الورقيّة ومكانتها كإحدى مصادر المعرفة الأساسيّة، وتقدّم المعرفة بمصادر إلكترونية، بصورةٍ تجذب انتباه الطالب، وتحفّزه على البحث والتقصّي.   

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

تحديدُ مدّةٍ زمنيّةٍ مناسبة لدوام طلبتنا بصورة عامة، وفي قطاع غزّة تحديدًا، ليس بالأمر الهيّن، تدخل بالأمر عدّة عوامل، منها:

ما المرحلة العمريّة التي نتحدّث عنها؟ هل هم طلبة المرحلة الابتدائيّة أم الإعداديّة أم الثانويّة؟ فطالبٌ في المرحلة الابتدائيّة سيختلف جَلَده على البقاء بالمدرسة عن طالب في المرحلة الإعداديّة أو الثانويّة. كما أنّ طبيعة المنهاج نفسه، وعدد الموادّ الدراسيّة التي على الطالب، وعدد الحصص التي يحتاج إليها المعلّم لإتمام هذه الموادّ، إضافةً لأعداد الطلّاب، بصورة عامة كلّها تؤثّر. فنحن في قطاع غزّة، معظم مدارسنا تعمل بنظام الفترتين، وهذا يُرخي حدودًا زمنيّةً على طبيعة الدوام المدرسيّ، فالفترة الصباحيّة مثلًا، تبدأ من السابعة صباحًا، وتنتهي في الثانية عشر؛ لتضمن بذلك حصول الطلبة على ستّ حصص دراسيّة. أمّا المسائيّة فتنتهي بحدود الرابعة والنصف، لتضمن رجوع الطلبة إلى منازلهم قبل حلول الظلام. وبالتالي أرى أنّ تحديد المدّة المناسبة للدّوام المدرسيّ تحتاج إلى دراسة، يُؤخذ بالاعتبار فيها تحديد طبيعة المناهج الدراسيّة للمراحل المختلفة، وخصائص المرحلة العمريّة للفئة المستهدفة، والضوابط التي تفرضها أعداد الطلبة.

عن رأيي الشخصيّ، أتمنّى أن تعمل المدارس بنظام الفترة الواحدة، بشكل يتيح للطّلبة أن يبدؤوا دوامهم المدرسيّ في الثامنة صباحًا، ليمتدّ إلى السّاعة الثانية ظهرًا، بواقع ستّ حصص دراسيّة، متضمّنة حصصًا نظريّة وعمليّة تناسب ميول الطلبة واهتماماتهم، ومنسجمة مع الأهداف المعرفيّة والوجدانيّة والمهاريّة، المراد تنميتها لديهم. ولكنّ هذا التمنّي في ضوء الأوضاع التي يعيشها القطاع، إضافة إلى أعداد الطلبة المتزايدة عامًا بعد عام، يجعل من فكرة بدء الدوام المدرسيّ من الثامنة صباحًا وحتّى الثانية ظهرًا أمرًا صعبًا، وبالتالي فإنّ آليّة الدوام الحاليّة في المدارس، والتي تمتدّ من السابعة صباحًا إلى الثانية عشر ظهرًا في الفترة الصباحيّة، ومن الثانية عشر للرابعة والنصف في الفترة المسائيّة تبدو الخيار الأفضل لدينا. 

 

صِفي لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمةً عنوان رواية لذلك، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

سأستخدم عنوان رواية الكاتب الفلسطينيّ أدهم شرقاويّ "ليطمئنّ قلبي"، على الرغم من أنّ الرواية تشرح جانبًا عاطفيًّا، إلّا أنّ أحداثها تعرض الكثير من المواقف الجدليّة التي يتمّ استخدام عدّة استراتيجيّاتٍ للتعلّم فيها، كالحوار والمناقشة، وإقامة الُحجج، والتجربة العمليّة، بشكل يضمن للسّائل نفسه التوصل إلى إجابةٍ شافيةٍ عن أسئلته، وهذا يتناسب والمنهج العلميّ في التعلّم، ويتوافق وتجربة التعلّم التي خاضها الكثير من الأنبياء، كسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى "عليهما السلام"، وغيرهم من الأنبياء.