فنّ إدارة الحوار مع أولياء الأمور
فنّ إدارة الحوار مع أولياء الأمور
فاطمة الطرابلسي | مُستشارة بيداغوجيّة- تونس

مقدّمة

مع اقتراب موعد الاجتماعات الدوريّة مع أولياء الأمور، عادةً ما يرتفع مستوى الضغط على المعلّمين والمعلّمات نتيجةَ إعداد الأوراق وتحضير الأفكار للحوار، والاستعداد لكيفيّة سير الاجتماع مع الأهالي، لا سيّما حين يتواجد عدد من الطلّاب من ذوي الصعوبات السلوكيّة باختلاف أنواعها ومستوياتها، سواءً أكانت متّصلة بنواحٍ أكاديميّة أم بنواحٍ انفعاليّة كضعف القدرة على ضبط الذات أم بغير ذلك من نواحٍ. وأيًّا يكن، فما من شكّ في أنّ هذه الاجتماعات تحتاج استعدادًا مغايرًا على الصعيد النفسيّ والمهنيّ والمدرسيّ. في هذا المقال نقترح خطّة واضحة وفق خطوات متسلسلة تضمن التطبيق السريع والاستعداد الملائم لهذه المناسبات المدرسيّة.

 

1- المحافظة على الهدوء أثناء الاجتماع

قبل الشروع في أيّ حوار مع الأهالي لا بدّ من العودة إلى الهدف المشترك بين المؤسّسة التربويّة والأسرة، ألا وهو مساعدة الطالب على التطوّر وتنمية مهاراته وتثبيت شعوره بالانتماء إلى محيطه الأسريّ والتربويّ. عندما يتعامل المعلّم مع أحد أفراد الأسرة، نقترح عليه المحافظة على هدوئه وحضوره المتّزن، والأهمّ من ذلك ألّا يأخذ المعلّم كلام الأهل مأخذًا شخصيًّا، ولا سيّما إذا بدا أيّ انفعال لديهم. فالأسرة تشعر أحيانًا بالإحباط أو التوتّر أو قلّة الحيلة إزاء سلوك أبنائها، ولذا، لا بدّ من بناء ثقافة مشتركة بين المعلّم والأسرة لمناقشة سلوك الطالب، ومن التركيز على هذه الشراكة في معالجة الصعوبات السلوكيّة ومتابعتها.

 

2- بناء الثقة

يتوق الأهالي دائمًا إلى تلقّي الأخبار الجيّدة والمراسلات الإيجابيّة عن أبنائهم، عوضَ الاستماع إلى ما ارتكبه الأبناء من أخطاء والعقوبات التي ستفرض عليهم. لذا، يقتضي إرساء مبادئ الثقة بين المعلّم والأسرة إيجادَ نوع من التوازن في التواصل، مثل إجراء مكالمة هاتفيّة للإشادة بإنجاز حقّقه الطالب، أو إرسال ملحوظة في دفتر التواصل اليوميّ تسهم في رفع معنويّات الطالب وأسرته. تشير هذه المقاربة إلى أنّ المعلّم يلاحظ كلّ ما يفعله الطالب، سواءً أكان فعلًا عشوائيًّا أم سلوكًا إنسانيًّا لطيفًا يُحمَد عليه.

 

3- إظهار الاهتمام

ثمّة سؤال لا بدّ من الوقوف عنده: ماذا يعرف الأهالي عن المعلّم قبل الاجتماعات الدوريّة؟ معظم الأهالي يتعاملون مع جداول زمنيّة لأيّام قليلة في الأسبوع لا تظهر شخصيّة المعلّم أو صفاته أو كيفيّة تعامله مع الطلّاب وقدر اهتمامه بهم. لذا، من المحبّذ أن يؤدّي المعلّم بعض التصرّفات التي تظهر شخصيّته واهتماماته، مثل استضافة الأهالي قبل الدخول إلى قاعة الاجتماعات، أو مشاركة الأهالي بعض العروض التقديميّة التي من شأنها أن ترسم صورة واضحة عن البيئة التعلّميّة الموجودة في الصفّ، والتي تحفّز بدورها الطلّاب على التفكير والتعلّم والسلوك السليم. من المفيد إذًا أن يشجّع المعلّم الأسرَ على التواصل معه دائمًا، مع ضرورة إدماج بعض المعطيات الشخصيّة من حين إلى آخر، كتصريحه بأنّ له ابنًا أو ابنة من عمر طلّابه، ما يدلّ على مدى إدراكه طبيعة سلوك الأطفال في هذه الفئة العمريّة مثلًا. هذا النوع من التفاصيل من شأنه أن يبني جسرًا للتواصل ويخلق حلقة وصل مهمّة بين المعلّم والأهالي.

 

4- الاعتراف بالخطأ

إنّ تحمّل المعلّم عبئًا ثقيلًا وعددًا هائلًا من المسؤوليّات داخل الصفّ وخارجه قد يؤثّر في متابعته بعض الأمور التي تخصّ الطالب، فإذا أفصح أحد أفراد الأسرة عنها، يكون الإجراء الأنسب أن يشرح المعلّم الموقف للأهل ويستمع إلى ما يقال، ويناقش الأمر معهم، كما يستدعي ذلك إدارة المدرسة إلى متابعة الأمر ومشاركة النتائج مع الأسرة. إذا قصّر المعلّم في جانب معيّن، فلا بدّ من تجاوزه، كما يجب الاقتناع بأنّ الاعتذار يدلّ على قوّة شخصيّة المعلّم، وعلى وعيه بوجود مساحات قابلة للتحسين والتطوير، فالمعلّمون ليسوا معصومين عن الخطأ، وإذا وجب الاعتذار فليكن.

 

5- الاحتفاظ بسجلّ الطالب السلوكيّ وفق تواريخ واضحة وملاحظات داعمة

تتغاضى الأسرة أحيانًا عن عدد من السلوكيّات الفظّة أو الغريبة التي يأتيها أبناؤهم، وذلك لأسباب متعدّدة، غير أنّه يمكن لمثل هذه السلوكيّات أن تأخذ بُعدًا مختلفًا إن وضعت في سياق صفّ يضمّ أكثر من عشرين طالبًا. عندما يجتمع المعلّم مع أفراد الأسرة ويسلّط الضوء على حادثة أو سلوك معيّن أدّى إلى توبيخ الطالب أو لفت نظره إلى عواقب معيّنة، من المهمّ أن يشاركهم المعلّم ملاحظاته حول هذه السلوكيّات سلفًا كي يجعل الحوار أكثر دقّة وشفافيّة. يمكن أن يساعد سجلّ الطالب السلوكيّ الأهلَ في تغيير منظورهم عن ابنهم أو ابنتهم والتعامل مع الأمور بحياديّة، فضلًا عن تثبيت فكرة التعاون بين الأهل والمدرسة من أجل مساعدة الطالب على استعادة توازنه العاطفيّ والنفسيّ والأكاديميّ.

 

6- إنشاء مكتبة للأهالي في قاعات الانتظار

قد يبدو الاقتراح غير منسجم مع بقيّة الاقتراحات السالفة حول إدارة الحوار مع الأهالي، غير أنّ مبادرة المدرسة في تأسيس مكتبة في قاعات الانتظار، أو تخصيص كتب لافتة في المكتبة تتناول موضوعات تهتمّ بسلوك الأطفال في مراحل عمريّة مختلفة، من شأنه أن يعزّز وعي الأهالي لما يمكن أن يتطرّق إليه المعلّم من قضايا سلوكيّة أثناء الاجتماعات. من هنا تسهم هذه المبادرة بخلق ثقافة تفاعليّة إيجابيّة بين جميع الأطراف المعنيّة بالطلاب داخل المدرسة وخارجها، لا سيّما أنّ معظم أفراد الأسر لا تتسنّى لهم الفرصة للبحث عن كتب معيّنة، أو لا يكون لديهم وقت كافٍ للقراءة.

 

خاتمة

تظلّ الاجتماعات الدوريّة مع أولياء الأمور فترة دقيقة تحمل في طيّاتها بعضًا من التفاؤل لما حقّقه الطلاب من نجاحات أكاديميّة، كما يمكن أن تشير إلى شيء من التريّث لإعادة ترتيب الأولويّات وخلق الاستراتيجيّات المناسبة لمساعدة الطلّاب والأسر، لوضع خطّة عمل تسمح لهم بالمضي قدمًا، وتحقيق النجاحات المرجوّة، كلّ حسب حاجته. ومن المهمّ كذلك أن نتذكّر أنّ هذه الاجتماعات هي قنوات تواصل ومشاركة فعليّة، أساسها الحرص على ما هو أفضل لأبنائنا، داخل الصفّ وخارجه، وغايتها خلق تناغم بين كلّ الأطراف المتعاونة على تنشئة الأبناء وإرشادهم.