فضفضة إرشاديّة
فضفضة إرشاديّة
2023/07/02
مجد فاخوري | رئيسة قسم الإرشاد والصحّة النفسيّة في المدرسة المعمدانيّة- الأردن

أمّا بعد...

يزور مكاتب الإرشاد، خلال 195 يومًا، كثير من الأفراد، من معلّمين وأولياء أمور ومدراء ومشرفين وطلبة.

لكلّ منهم قصّة وحكاية تختلف عن قصّة الآخر وحكايته. يعتقد كلّ منهم أنّه بمجرد دخوله إلى هذا المكتب، سيجد وصفة سحريّة للتّعامل مع حكايته، وإجراء بعضًا من التّعديلات عليها. حمل كبير نلقيه على أكتاف ذاك المرشد يوميًّا، آملين أن يصلح حالنا بعد ذلك.

العمليّة الإرشاديّة تحتاج إلى مهارات عديدة، منها العمليّة والعلّميّة والشّخصيّة؛ نبدأ كمرشدين، ومنذ اليوم الأوّل لنا في هذا المجال، ولا سيّما في المدارس والمؤسّسات التّربويّة، بالتّعلّم. فترانا نسقط ونقوم ونرفع ونهدم ونبني، نحتوي مَن حولنا بنظرة، وأحيانًا بتربيت على الكتف، وحتّى بابتسامة ثقة، وموقف إيجابيّ وحكمة سديدة.

 

نحتاج إلى الوقت والخبرة للتغيّر، أو لنكون على الأقلّ عاملًا مساعدًا في إحداث التّغيير. لا تخلو أيامنا من الخطأ، والتّقمص، والتّقليد، والإسقاط، وأيضًا من النّجاحات. تطلّعات الآخرين إلينا أحيانًا تثقل كاهلنا: لسنا دائمًا الوجهة الصحيحة أو المسؤولة عن التّغيير، فكثير من الحالات ليست من ضمن مجالنا.

نبدأ يومنا لنختبر الكثير من المشاعر والانفعالات والقرارات. يدقّ الباب لتدخل طالبة وتقول: "مِس، ما في غيرك راح يفهمني". وتقول أخرى: "مِس، ما بخاف أعبّر عن اللّي جوّاتي قدامك". ويأتي آخر ويقول: "شكرًا الآن أشعر بالرّاحة".

أحيانًا نبكي مع الباكين، ونبتسم مع آخرين. ننظر إلى أنفسنا، وإذ بنا نعيش حكايا كثيرة؛ نحتاج إلى من يلمس جروحنا وهمومنا نحن أيضًا. في خضّم ذلك العمل تذوب كثير من قصصنا، وتنتهي حين سماع حكايا من يلجأ إلينا وقصصهم، نشعر بها وهي تصغر رويدًا رويدًا.

نقف أمام أنفسنا وندرك في كثير من الأحيان أنّنا نحتاج إلى الكثير؛ نحتاج إلى من يلهمنا ويلمس قلوبنا، فلسنا نحن دائمًا الملهِمين. ونحتاج في كثير من الأحيان إلى مساحة واسعة من دون قيود في العمل. ونحتاج في كثير من الأحيان إلى تفريغ ما نعايشه من تحدّيات. ونحتاج دائمًا، لا أحيانًا، إلى أن يتفهّم من حولنا طبيعة عملنا، وما نخوضه خلال يومنا من معارك بيننا وبين أنفسنا، وبين ما نسمعه من هموم حياتيّة بمجرّد إصغائنا لها أصبحنا مسؤولين بشكل ما عن تداعياتها.

 

كثيرة هي تحدّياتنا. ولكن، بروح المرشد ومهاراته، نسعى لتخطّيها من دون أن تشكّل عقبة أمامنا.

تنتهي ساعات دوامنا الرسميّة، ولكن لا تنتهي قصص من لجؤوا إلينا، لنعود في اليوم التّالي ونكمل سعينا... سماعًا واحتواء وتخفيفَ ألم وحيرةٍ...