فاعليّة تطبيق منحى STEM التعليميّ في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ لدى الطلبة
فاعليّة تطبيق منحى STEM التعليميّ في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ لدى الطلبة
هنادي الخطيب | معلمة تربية رياضية -الاردن

تسعى المؤسّسات التربويّة والتعليميّة في أغلب دول العالم، إلى مواكبة التطوّر السريع في شتّى مجالات العلوم الإنسانيّة والطبيعيّة والتقنيّة، وقد سُخِّرت جميع الموارد البشريّة والمادّيّة سعيًا إلى اللحاق بركب ثورة المعرفة والتكنولوجيا. ولا يأتي هذا التطوّر إلّا بدعم أسس النظام التعليميّ وعناصره وبيئته الحاضنة، لتقديم تعليم فعّال ذي معنى، يلبّي احتياجات الأفراد، ويمكِّنهم من المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصاديّ، فضلًا عن التنافس في الإبداع والابتكار في مجالات العلوم النظريّة والتطبيقيّة والتكنولوجيا. يؤدّي مثل هذا التعليم الفعّال إلى إيجاد جيل من المتعلّمين القادرين على التعامل مع هذه التطوّرات تعاملًا ناجحًا، ومن لديهم القدرة على توظيف ما يتعلّمونه توظيفًا عمليًّا، والذين يتحلّون بالقدر المناسب من مهارات التفكير، إلى جانب امتلاكهم الرؤية في ما يدرسونه من موادّ علميّة ضمن إطار معرفيّ متكامل.

التعليم حقّ للجميع، ولكلّ فرد الحقّ في الحصول على التعليم الذي يتناسب مع قدراته وميوله، ويسهم في تنمية مهاراته الفكريّة وعاداته العقليّة. وقد ازداد اهتمام التربويّين وعلماء النفس بتنمية مهارات التفكير لدى المتعلّم وطرق اكتسابه المعرفة، ثمّ إعادة إنتاجها، حيث تتشكّل مهارات العقل باستجابة الفرد لأنماط معيّنة من المشكلات أو المواقف أو التساؤلات التي تحتاج إلى حلول وتفكير وبحث وتأمّل. 

يتطرّق هذا المقال إلى منحى "STEM" ضمن مهارات التفكير في تعليم المواد العلميّة المختلفة، مبيّنًا أهمّيّة هذا المنحى في تعليم هذه المواد، وذلك بعرض أنموذج دراسة تطبيقيّة أجريت في إحدى المدارس.

 

تعليم مهارات التفكير ومنحى "STEM"

أصبح تعليم مهارات التفكير من المجالات التربويّة النشطة في العالم. ويأتي هذا في إطار ما أحرزته نتائجه في الدول المُتقدِّمة، حيث تبيّن أنّ تعليم الطلّاب وتنمية التفكير ينعكس إيجابًا على مجالات الحياة المختلفة. من هنا، بات من الضروريّ إعادة النظر في برامج إعداد الطالب، بما يُسهِم في تنمية مهارات التفكير، لضمان التطوّر المعرفيّ الفعّال الذي يسمح للفرد باستخدام أقصى طاقاته العقليّة لحلّ المشكلات التي يثيرها التغيير، ويؤدّي إلى تأهيله ليكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه، ومُسهِمًا في تنميته وتطويره. يتطلّب تعليم مهارات التفكير استخدام استراتيجيّات تدريسيّة تساعد المتعلّم على ممارسة مهارات التفكير وعمليّاته، ولا يكون التأكيد فيها على تلقّي المعلومات، وإنّما بناء المعلومات ومعالجتها واكتشاف ما تتضمّنه من علاقات. 

يُعدّ مدخل العلوم المتكاملة "STEM" من المداخل العالميّة في المناهج والبرامج الدراسيّة. وهو يقوم على التكامل بين مجالات العلوم والرياضيّات والهندسة والتكنولوجيا؛ فالكلمة اختصار للحروف الأربعة الأولى من المقرّرات الدراسيّة (Science, Technology, Engineering, Mathematics). ويسعى هذا المنحى إلى إعداد أجيال متمكّنة من هذه المجالات، ولديها القدرة على تخيّل ما ستكون عليه الأشياء والأحداث في المستقبل، وكيفيّة الاستعداد لمواجهتها ومواجهة التحدّيات التي تفرضها، وفق ما يُسهِم في تطبيق المعارف والممارسات المكتسبة، من خلال مشروعات يتبنّاها المتعلّم.

يهتمّ منحى "STEM" بالتعلّم القائم على المشكلات والتحدّيات والمشروعات المرتبطة بالحياة، مع توظيف الأساليب الإبداعيّة في البحث والتحليل والتقصّي والاستنتاج، حيث يحدث التعلّم بالتطبيق العمليّ لحلّ المشكلات في سياقها الحقيقيّ، واتّباع منهج متكامل للتعلّم، وليس بحفظ الحقائق أو المفاهيم. يُدرَّس محتوى محدّد كوحدة دراسيّة متكاملة، بما يتوافق مع مهمّات العمل في القرن الواحد والعشرين، فمعظم الابتكارات الحديثة تتداخل بها التخصّصات المختلفة، للوصول إلى النتاج النهائيّ. وبالتالي، يتطلّب تطبيق المنحى في الصفوف الدراسيّة تعاون معلّمي التخصّصات الأربعة عند التخطيط لدرس أو وحدة تعليميّة، من أجل تحقيق التكامل. 

 

أنموذج دراسة تطبيقيّة لمنحى "STEM"

أهداف الدراسة

تتيح هذه الدراسة المجال أمام القائمين على إعداد المناهج والبرامج والنشاطات في الميدان التربويّ بتبنّي أساليب تعليميّة جديدة، تتناسب واحتياجات طلّاب القرن الواحد والعشرين وتوجّهاتهم. كما تفيد القائمين على وضع منهاج العلوم في تضمين مهارات التفكير وعمليّاته ضمن محتوى المنهج لطلبة المرحلة الأساسيّة، وقد تسهم هذه الدارسة في جذب انتباه الباحثين لإجراء دراسات مماثلة تتناول التكامل بين المواد المختلفة. ويمكن تلخيص أهداف الدراسة بأمرين:  

1. إعداد وحدة كاملة وتصميمها في مادّة العلوم، باستخدام منحى "STEM" للصف التاسع الأساسيّ. 

2. التعرّف إلى فاعلية استخدام منحى "STEM" في تنمية التفكير الإبداعيّ لدى الطلبة. 

 

عناصر الدراسة

اعتمدت الدراسة على المنهج شبه التجريبيّ، والذي يتطلّب وجود مجموعات من الأفراد، يُعالج فيها أثرٌ مُتغيِّر مستقلّ أو أكثر في مُتغيِّر تابع أو أكثر. يقوم التصميم وفق هذا المنهج على تقسيم العيّنة إلى مجموعتين، إحداهما تجريبيّة والأخرى ضابطة.

شملت عيّنة الدراسة 70 طالبة في الصفّ التاسع الأساسيّ في مدرسة ثانويّة، اختيرت لقربها من مكان سكن الباحثة وعملها، ولسهولة تطبيق الدراسة فيها، وتعاون إدارة المدرسة وموافقتها. قُسِّمَت العيّنة تقسيمًا عشوائيًّا إلى مجموعتين، مجموعة تجريبيّة يبلغ عدد أفرادها 35 طالبة، دُرِّسْنَ من خلال تطبيق "STEM" التعليميّ، ومجموعة ضابطة يبلغ عدد أفرادها 35 طالبة، دُرِّسْنَ بالطريقة الاعتياديّة، على ما يرد في الجدول الآتي:

المجموعة 

الصفّ 

العدد 

المتغيِّر المستقلّ

المتغيِّر التابع 

التجريبيّة 

الضابطة 

التاسع الأساسيّ أ 

التاسع الأساسيّ ب 

35 

35    

منحى "STEM"

الطريقة الاعتياديّة 

تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ    

 

 

صُمِّمَت وحدة دراسيّة (النظام الشمسيّ) في مادّة علوم الأرض وفق منحى "STEM"، وأعُدّ دليل المعلّم وفقه لتدريس الوحدة. واستُخدِم اختبار "تورانس" للتفكير الإبداعيّ، الصورة اللفظيّة (أ)، تعريب الشنطي (1983)، كأداة للدراسة.

ونعرض أدناه مخطّط درس "مكوّنات النظام الشمسيّ" من وحدة "المجموعة الشمسيّة، وفق نموذج STEM:

          

المحتوى

 

الأهداف

الأجراءات والأنشطة

التقويم

المفاهيم العلمية

المجرة: تجمّع لعدد هائل من النجوم والغبار والغازات.

 

القمر: جرم سماويّ معتم تابع للكوكب الذي يدور حوله.

 

كويكب: أجرام سماويّة صلبة صغيرة الحجم تدور حول الشمس.

 

مذنّب: أجرام سماويّة في النظام الشمسيّ ذات مدارات طويلة.

 

* تعرف كيف تصنّف الكواكب حسب المعطيات.

 

* تعدّد خصائص الكواكب الفيزيائيّة.

 

* تصنّف مكوّنات النظام الشمسيّ.

* تقارن بين الكواكب حسب المعطيات.

*تقسم المعلمة الطالبات الى مجموعات، تعطي كلّ مجموعة مهمّة تعليميّة وأدوات لتنفيذ المهمّة.

 

* ترسم الطالبة النظام الشمسيّ وفق أبعاد الكواكب عن الشمس باستخدام المسطرة والأدوات الهندسيّة.

 

*مناقشة سبب تسمية درب التبّانة بهذا الاسم.

* تصمّم الطالبة جدولًا يبيّن خصائص الكواكب.

 

* تقدّم الطالبة عرض بوربوينت حول النظام الشمسيّ والكواكب.

 

* تصمّم المجموعة تلسكوب مبدئيّا كمشروع للوحدة. المستلزمات (لكلّ تلسكوب):

• زوج من نظّارات القراءة الضعيفة - النوع الذي يمكنك الحصول عليه من الصيدليّة

• عدسة مكبّرة صغيرة وقويّة

• كرتون ثقيل أو أنابيب من الورق المقوّى، يبلغ طولها حوالي 10-12 بوصة، وقطرها أكبر قليلًا من العدسة المكبّرة

• شريط الإخفاء

• مقص

 

 

* حلّ الأسئلة.

 

* تقرير خطّة العمل.

 

* بطاقة سير العمل

 

 

وفي الدرس أنشطة فرديّة تقوم على استعمال مصادر المعلومات لتنظيم نقاش مع الزميلات. وأنشطة جماعيّة مثل إنجاز تصميم للنظام الشمسيّ وفق المعطيات المطلوبة، كحجم الكوكب أو البعد عن الشمس وغيرهما.

 

نتائج الدراسة

بعد تطبيق الإجراءات الخاصّة بالدراسة وجمع بيانات متغيِّراتها ومعالجتها وتحليلها إحصائيًّا، لا بدّ من عرض النتائج المُتعلّقة باستجابات أفراد الدراسة. وذلك بهدف الكشف عن أثر فاعليّة تطبيق منحى "STEM"  في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ لدى طالبات الصفّ التاسع الأساسيّ.

استُخرِجت قيم المتوسِّطات الحسابيّة والانحرافات المعياريّة والمتوسِّطات المُعدَّلة والأخطاء المعياريّة لدرجات أفراد الدراسة في المجموعتين، التجريبيّة والضابطة، في كلّ مهارة من مهارات اختبار التفكير الإبداعيّ (الطلاقة، والأصالة، والمرونة) لدى الطالبات. وذلك وفق التطبيقين القَبليّ والبَعدي على الاختبار، والجدول الآتي يُبيِّن ذلك: 

المُتغيِّر التابع 

(المهارات) 

المجموعة 

العدد 

القبليّ

البعدي 

المُتوسِّطات الحسابيّة المُعدَّلة 

الأخطاء المعياريّة 

المُتوسِّط الحسابيّ 

الانحراف المعياريّ 

المُتوسِّط الحسابيّ 

الانحراف المعياريّ 

الطلاقة 

التجريبيّة 

35 

30.43 

6.25 

42.80 

8.84 

42.62 

.817 

الضابطة 

35 

29.94 

8.36 

30.17 

8.54 

30.35 

.817 

الأصالة 

التجريبيّة 

35 

7.14 

3.01 

12.57 

4.54 

12.21 

.332 

الضابطة 

35 

6.60 

3.43 

7.23 

3.17 

7.60 

.332 

المرونة 

التجريبيّة 

35 

20.91 

6.29 

33.46 

10.69 

33.09 

.684 

الضابطة 

35 

20.54 

8.63 

21.03 

8.11 

21.39 

.684 

 

يبيّن هذا الجدول أنّ هناك فروقات واضحة في النتائج لصالح المجموعة التجريبيّة؛ بحيث تمّ تدريس وحدة "المجموعة الشمسيّة" وفق منحى "STEM" لمدّة شهرين، وبعد ذلك تمّت إعادة اختبار تورانس للتفكير الإبداعيّ، فأظهرت نتائجه أنّ هناك أثرًا كبيرًا لهذا المنحى في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ عند الطالبات.

 

توصيات الدراسة

في ضوء ما توصّلت إليه الدراسة، نوصي بالآتي:

-1. توجيه نظر القائمين على بناء المناهج وتصميمها وتخطيطها، إلى ضرورة دمج منحى "STEM" بمناهج العلوم، وتطويره في المرحلة الأساسيّة. 

-2. توفير بيئات تعليميّة غنيّة بالمصادر والوسائل المختلفة، لإتاحة الفرصة أمام الطلبة للمشاركة الفعّالة بعمليّة التعليم، وتنمية مهارات التفكير المختلفة لديهم.  

-3. إجراء المزيد من الدراسات حول مدى فاعليّة منحى "STEM" في تنمية عدد من المتغيِّرات التي تُحدِث فارقًا إيجابيًّا في عمليّة التعلّم. 

-4. عقد دورات تدريبيّة وورش عمل لتدريب المعلّمين على تصميم نشاطات ومشروعات قائمة على منحى "STEM"، وعلى كيفيّة التدريس وفقه. 

-5. إجراء العديد من الدراسات لمعرفة أثر التدريس وفق منحى "STEM" في الموادّ الأخرى. 

 

* * *

يُعزَى تأثير تطبيق منحى "STEM" التعليميّ في التدريس إلى تنوّع استراتيجيّات التدريس والتقييم فيه، والذي أدّى إلى كسر نمطيّة التدريس من خلال النشاطات التعليميّة المختلفة، والمزج بين مهارات التفكير ومهارات البحث.

 

ويساعد في إنجاح التدريس القائم على منحى "STEM" ما يتحلّى به طلبة المرحلة المتوسّطة من خصائص، على رأسها حبّ الفضول العلميّ وشغف التجريب المنسجمَين مع فلسفة المنحى. كما أنّ التكامل والدمج بين العلوم الرئيسة الأربعة (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيّات) في المهارات المعرفيّة والتطبيقيّة، يؤدّي إلى توسيع أفق الإدراك لدى الطالب وتفاعله، ورفع روح المنافسة بين المجموعات لتقديم أفضل أداء، ووضع الطالب في مواقف تعليميّة ومشكلات وتحدّيات مختلفة، تطلب منه التفكير بطرق إبداعيّة جديدة. 

 

يعتمد المقال على رسالة ماجستير للكاتبة، تحت عنوان "فاعليّة تطبيق منحى "STEM" التعليميّ في تنمية مهارات التفكير الإبداعيّ لدى طالبات الصفّ التاسع الأساسيّ (في مادّة العلوم). جامعة الطفيلة التقنيّة/ الأردن، 2021/2022.