التخطيط الفعّال للمعلّم، الطريق الأمثل لإِحداث تعلُّمٍ تربويٍّ مثاليّ النتائج، وهو خارطة الطريق الأنجح نحو أهداف مثمرة. وقد لاحظت ذلك في خبراتي، على سبيل المثال لا الحصر: في حصّة اللغة العربيّة للصفّ الخامس، وكان موضوعها استخراج قضايا لغويّة من درس بطولات خالدة، والتي صادفت الحصّة السادسة، وكان يفترض أن تمرّ بهدوء. كان سير الحصّة مزعجًا؛ كون المعلّمة لا تَمتلك تصوّرًا مُسبقًا لما ستقوم به في الحصّة من أساليب وأنشطة ووسائل تعليميَّة، أو حتّى إجراءات لإنجاز الأهداف التربويّة المنشودة.
برزت سمات العشوائيّة والارتجال التي تُطوِّقُ المهامّ في الحصّة. ودخلت المعلّمة إلى التدريسِ مباشرةً من دون تهيئة أو تحديد تصوّر واضحٍ أو رؤية. ولم ترصد بأيّ شكلٍ من الأشكال، الخبرات السابقة للتلاميذ أو تحدّد الأهداف التدريسيَّة الحاليّة. بالإضافة إلى عدم تنظيم الأفكار وتهميش الوسائل التعليميّة التي تساعد على زيادة التشويق والتفكير، والتأمّل الناقد لدى الطلّاب، والذي بدوره يعمل على توضيح محتوى الدرس ونتائجه.
لمست بشكلٍ بارز أنّ المعلّمة لم تُخطط للدرس جيّدًا، لأنّ هذا الدرس تحديدًا يُعدُّ مطاطًا من حيث استخدام المعلّم للأساليب والاستراتيجيّات ووسائل التقويم. والتي لم تُستخدم أساسًا في الحصّة.
الاكتفاء بطرحِ سؤالٍ استخراجيٍّ من درس القراءة وعشوائيَّة الإجابات، خلقا فوضى بسبب عدم وجود خطوات واضحة للحصّة. وكانت نتيجة عدم فهم المعلّم للتخطيط أدّت إلى تعلّم عشوائيّ، وبالتالي اللجوء إلى الصوت العالي لضبط الفوضى الناجمة عن ذلك.
شعرتُ بالانزعاج والملل وفقدان الشغف لمتابعة الحصّة. وشعرت الطالبات بالإحباط نتيجة الفوضى وعدم تقييم الإجابات من قبل المعلّمة أو تعزيز الطالبات. بالإضافة إلى شعورهنَّ بالتشتّت لأنّ القضايا المطروحة لم تكن مُنظّمة ومرتبطة بالخبرات السابقة. وكذلك شعرن بالضياع، نتيجة عدم تحديد الأهداف وطرحها أمام الطالبات، ليتسنّى لهنَّ تنظيم الفهم والإتقان.
كما ظهرت مطبّات مستمرّة خلال الشرح. وانعدمت الوسائل والاستراتيجيّات، والفهم لأنواع التقييم المستخدمة عادةً في الحصص، ما أفقد سير الحصّة الرؤية الحديثة نحو التعلَّم المتمايز وتنويع مصادر التعلّم والتخطيط الموجّه نحو التأمّل والتفكير الناقد.
التخطيط ودور المعلّم المركزيّ فيه، حجرا الأساس، والوقود الذي يحمل العمليّة التعليميّة نحو أهدافها المرجوّة والمرصودة من قبل وزارة التربية والمدرسة والفصل والسنة الدراسيّة بأكملها.
أمّا أهمّ التحدّيات التي برزت في الموقف السابق، فهو وضع تخطيط يُلبّي احتياجات الطلبة المعرفيّة والمتمايزة، ويراعي الأعداد الكبيرة في الصفّ الخامس، وينظّم الأفكار والأهداف، ويرصدُ المُحقَّق منها، ويطبّق أداة تقييم واحدة على الأقل؛ بخاصّة أنّ عدد الطالبات كبير والوقت قصير للحصّة السادسة.
العودة إلى التعلّم، العودة إلى الأمان
ومن تحليلي للمواقف التعليميّة، فإنّ ختام الحصّة بشكل جيّد يكون بعدّة طرق متنوّعة. ومنها: تكليف الطالبات بمهمّة بعديّة وربطها بمادّة التربية الإسلاميّة مثلًا، بتأليف جملٍ اسميّة من إنشاء الطالبات شرط أن تَحمل خُلقًا إسلاميًّا ورد ذكره في كتاب التربية الإسلاميّة للصفّ الخامس. فقد يكون هذا الختام، أكثر انسجامًا مع الأهداف التربويّة، إضافة إلى الحاجة لتقييم ختاميّ للحصّة ذاتها.
وأيضًا من تحليل المواقف التعليميّة، قد تسير حصّة الاستخراج بشكلٍ عشوائيٍّ لا يتّضح فيه دور المعلّم وتخطيطه، كونها مفتوحة المدى، ما يؤدّي إلى إحداث تعلّم بسيط وسطحيّ، وصعوبة في إدارة الوقت وعدم تفعيل الأساليب والاستراتيجيّات.
استخدام التعلّم النشط يعدّ فعّالًا جدًا لهذه المرحلة العمريّة، يمكّن من تجنّب العشوائيّة داخل الحصّة.
والتحضير المُسبق يحقّق الترابط بين عناصر الخطّة من نتاجات وأساليب وأنشطة وتقويم، ما يمنع الطالبات من الانشغال بالثرثرة عن سير التعلّم.
وما استنتجتهُ أنّ:
1. فهمي لدوري بصفتي معلّمًا في التخطيط للحصّة، وتطبيقه بالبحث عن أكثر الأساليب والاستراتيجيّات فعّاليّة للفئة العمريّة، أمر بديهيّ لنجاح سير العمليّة التعليميّة.
2. تطبيق التعلّم التعاونيّ والتبادليّ هو الوسيلة للوصول إلى المعرفة الذاتيّة، لما له من دورٍ كبيرٍ في الصفوف ذات الأعداد الكبيرة.
3. رصد النتائج بشكل تربويٍّ، وعرضها قبل البدء بالشرح، وتأكيد ما تمّ منها نهاية الحصّة، تعزّز الوصول لدى الطالبات.
4. التقييم هو الوسيلة التي تُتيح للمعلّم التأكّد من أهدافه.
5. استراتيجيّات التعلّم النشط، ولا سيّما أنَّ طالبات الصفّ الخامس كثيرات الحماس والحركة، محور لا يُستهان به.
6. تعزيز الطالبات المتفاعلات لكونهنَّ صغيرات، وإعطاء الباقي فرصة أُخرى من خلال طرق متنوّعة، منها تقويم الأقران، أمر يجعل البيئة التعليميّة مثمرة.
7. تهيئة بيئة صفّيّة هادئة تناسب طرح الدروس والعصف الذهنيّ، تجعل الطالبات يلجأن إلى التفكير والتأمّل.
8. توظيف التلعيب مثل لعبة ساعي البريد، وجعلها وسيلة لتقييم وغلق، يجعل الجوّ التعليميّ أكثر تفاعلًا.
كما استنتجت أنّ أهمّ ما يُستفاد منه في هذه المواقف التعليميّة والخبرات المدرسيّة، يكمنُ في إدراك دور المعلّم المحوريّ وتطبيقه في التخطيط للحصول على تعلّم مثاليّ. فحتّى لو كان المعلّم عاجزًا عن تحقيق ذلك، بإمكانه الالتحاق بدورات متخصّصة، تعلّمهُ التخطيط الفعّال في كلّ مراحله، وهي مُتاحة من قبل وزارة التربية والجامعات وحتّى المدارس. أو الاستعانة بإحدى الزميلات الموجّهات أو الخبيرات بالتخطيط، أو الاستعانة بالإدارة. فكما إنّ التخطيط معبر النجاح في الحياة كلّها، كذلك تبرزُ أهمّيّته الأساسيّة في التعلّم الفعّال؛ إذ لا يمكن للطلبة الوصول إلى قمّة الأهداف التربويّة والقيميّة المرصودة في رؤية وزارة التربية والتعليم وفلسفتها، من دون وجود تخطيط متكامل لكافّة المراحل؛ فكلُّ دقيقة تخطيط توفّر علينا عُمرًا من الوقت والجهد المهدور.



