عبد الرحمن الشولي- معلِّم لغة عربيّة وباحث ومحاضر في الفلسفة- لبنان/ قطر
عبد الرحمن الشولي- معلِّم لغة عربيّة وباحث ومحاضر في الفلسفة- لبنان/ قطر
2022/04/29

كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم تكن هُناك مدارس؟ وكيف ترى مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

في الواقع، قد بدأ التعليم أوّل ما بدأ دون مدارس، حيث كانت المعرفة أهمّ من المكان الذي تُكتَسب فيه، ولكن، مع تطوّر المجتمعات الإنسانيّة وظهور الدول المتمدّنة، أصبح لكلّ شيء مكان محدّد يختصّ به، وغدت المدرسة مكان التعلّم والتعليم. من هنا، لا أعتقد أنّ وجود المدرسة أو عدمها رهين تحصيل الإنسان للعلم، ورغم أنّي لا أنكر أنّ المدارس، في هيئتها الحديثة، مؤهّلة لتنمية فكر المتعلّم وصقل شخصيّته أكثر من العصور الغابرة، فإنّي أرفض إقران وجود مبنى المدرسة بحصول عمليّة التعلّم، فالتعلّم يتمّ في المدرسة وخارجها، عن بُعد خلف شاشة إلكترونيّة وعن قُرب أمام لوح خشبيّ، على مقاعد الدراسة في غرفة الصفّ أو على أحجار محطّمة في ساحة شهدت الحرب.

 

كيف تصف تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

لم يكن التعليم عن بعد بديلًا عن التعليم الوجاهيّ، بقدر ما كان استجابة لظرف طارئ، وبالتالي، لم يحصّل المتعلّم في تجربة التعليم عن بعد ما كان يجب تحصيله من خبرات تربويّة. الأمر الذي أدّى إلى تراجع مستواه من الناحية المهاراتيّة، إذ حصل انقطاع زمنيّ لممارسة المهارات السلوكيّة والتواصليّة الحيّة، وعندما عدنا إلى التعليم الوجاهيّ وجدنا طلّابنا بين حالتين متناقضتين، ففئة عطشة إلى ممارسة المهارات والنشاطات، وفئة اعتادت المكوث خلف الشاشة، وفقدت شغف التواصل والتحرّك! ومهمّة المعلّم هنا تكمن في إعادة إشعال روح النشاطات في المدرسة.

 

اختر شيئًا واحدًا تودّ تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

ما أرغب حقًّا في تغييره في العمليّة التعليميّة في عصرنا الحاضر يكمن في الامتحانات والعلامات، لأنّي أؤمن أنّ العلامة التي ينالها المتعلّم في امتحان معيّن لا تقيّم ما حصّله من نموّ فكريّ أو سلوكيّ، والمزعج في ذلك نظرة الأهل والمعلّمين إليه من خلال علاماته التي نالها في شهادة ورقيّة لا تمثّل قيمته، ولا مستوى ذكائه، ولا براعة سلوكه، ولا عمق تفكيره.

 

برأيك، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

للفنّ مفهوم أوسع ممّا نعتقد، وما يصدق عليه، برأيي، يتخطّى كثيرًا من الحدود التي نضعها له، ومن هذا المنطلق، يستطيع كلّ معلّم، مهما كان اختصاصه، توظيف الفنّ في التعليم. فمعلّم اللغة يستطيع أن يجعل من اللوحة الفنّيّة نصًّا للتحليل والتعبير، ومعلّم الرياضيّات يستطيع أن يجعل المنحوتة مشروع قياس لإجراء المعادلات والحسابات، ومعلّم العلوم الاجتماعيّة يستطيع أن يجعل من الموسيقى والرقص والغناء مستندات ووثائق لدراسة الأمكنة والأزمنة وثقافة المجتمعات، ومعلمّ الفلسفة يستطيع أن يجعل من المسرح فضاءً يؤدّي فيه المتعلّم دور الفيلسوف الناقد.

 

إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

أعتقد أنّ الطريقة الأفضل للتقييم هي النشاطات الصفّيّة واللاصفّيّة التي يؤدّي فيها المتعلّمون أدوارًا مختلفة تُظهِر مدى اكتسابهم المهارات الفكريّة والسلوكيّة إظهارًا عمليًّا. فطريقة التقييم يجب أن تعتمد على الجانب العمليّ التطبيقيّ الذي يسلّط الضوء على الخبرات التربويّة التي حصّلها المتعلّم.

 

كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

يحيلني هذا السؤال إلى مقولة جون ديوي: "التربية هي عمليّة حياة، وليست عمليّة إعداد لحياة مستقبليّة"، والتي تمثّل اعتقادي بأهمّيّة عيش المتعلّم حياته الحاضرة بتفاصيلها اليوميّة في المدرسة أثناء تعلّمه. ولا يمكن تحقيق ذلك إلّا بنقل التعلّم من مرحلة التنظير السلبيّ إلى مرحلة التطبيق وتأدية الأدوار الاجتماعيّة الواقعيّة وفق نشاطات مهاراتيّة.

 

ما هو التعبير الذي تُحبّ أن تراه على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّ أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

لعلّ التعبير الذي أُسرّ برؤيته دائمًا على وجوه طلّابي يكمن في ملمح الدهشة، ذلك أنّ شعور الإنسان بالدهشة يثير فيه دوافع البحث والتساؤل، فإذا بدا المتعلّم مندهشًا يعني أنّ المعلّم استطاع أن يضع في يده مفتاح التعلّم الأبديّ، واستطاع أن يوقظ فيه شغف البحث اللامتناهي. أمّا الشعور الذي أحبّ أن يرافق طلّابي عند مغادرة المدرسة فهو شعور اللهفة إلى معرفة المزيد عن الحياة واختبار المزيد من تجاربها.

 

من هو الطالب المُلهم؟

بكلمة مختصرة، هو الطالب الذي يُدرِك قدراته، ويعي ماذا يريد وفي أيّ مجال يُبدِع ويتميّز، فيكرّس نفسه وجهده ووقته لتحقيق ذاته التي أدرك لماذائيّتها.

 

كصديقٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

عليكم أن تعوا ماذا تريدون في وجودكم؟ ولماذا تريدونه؟، وأن تضعوا هدفًا بعيدًا يثير شغفكم بالحياة ويمثّل ذواتكم دون غيركم، وأن تسعوا إلى تحقيقه، متيقّنين من قدرتكم على ذلك مهما واجهتكم من صعوبات وظروف غير متوقّعة، لأنّ كلّ واحد منكم وُجِد حيث وُجِد ليضيف شيئًا جديدًا على هذا الوجود، وليحقّق أمرًا لا يستطيع أحد غيره في العالم كلّه تحقيقه.

 

إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختار؟

سأختار مكانًا تختلف ظروفه الاجتماعيّة كثيرًا عن ظروف المكان الذي يعيشون فيه، لدفعهم إلى التفكير في الآخرين الذين يشاركوننا هذا العالم.