شريهان بكرون- معلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين
شريهان بكرون- معلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين
2023/09/21

لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

لو كنت طالبة لأحببت أن أُهيّأ للحياة، إلى جانب تعلُّم المعارف والعلوم التي تعلّمتها بفضل معلّماتي الرائعات في رحلتي التعليميّة. التهيّؤ للحياة كان سيختصر عليَّ الكثير في رحلتي، بدءًا من كيفيّة معرفة ذاتي ومشاعري، مرورًا بالتحكّم بها ومعرفة الاختلافات وتقبّلها بين البشر، وختامًا بكيفيّة تكوين علاقات ودّيّة إيجابيّة مع الآخرين، والقدرة على اتّخاذ قرارات مسؤولة وواعية. كلّ هذه المهارات التي تعلمتُها من تجارب الحياة، كان بالإمكان دمجها من خلال التعليم. ومن حسن الحظّ أنّ الحياة أعادتنا إلى المدارس، ولكن هذه المرّة كمعلّمين لنزرع في طلّابنا ما تمنّيناه لأنفسنا، ونحصد الثمار أمام أعيننا.

لو كنت طالبة لتمنّيت، أيضًا، لو شجّعتني المدرسة على زراعة بذرة بداية العامّ داخل المدرسة، وأراقب نموّها، وأعتني بها، ولتعلّمت بسرعة أنّه بقدر التعب والمتابعة نحصل على النتائج.

لو كنت طالبة لوددت أن تكون هناك حصّة موسيقى ومسبح داخل المدرسة، لتكون المدرسة المكان الأحبّ إلى قلبي.

لو كنت طالبة لوددت أن يكون هناك عدد قليل من الطلّاب داخل الفصل، لا يتجاوز 15 طالبًا. يُقابلنا الجميع بابتسامة. ولفضّلت تعلُّم دروسي من خلال البحث والاستكشاف حتّى لا أنساها أبدًا.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

باعتقادي أنّنا بحاجة إلى أشخاص قادرين على خلق التغيير الإيجابيّ في المجتمع، وهذا لن يكون بمجرّد صبّ المعارف والآداب في العقول. هُنا تكمن أهمّيّة المهارات الاجتماعيّة، والتي يمكن دمجها بسهولة من خلال المنهاج، ذلك لو حصل المعلّمون على تدريب كافٍ. وعلى سبيل المثال، هناك مادّة في مدارس اليابان اسمها "الطريق إلى الأخلاق"، وهناك أيضًا مادّة في مدارس سوريّا اسمها "التعلّم الوجدانيّ الاجتماعيّ".

يجب ألّا نفصل بين المعارف والمهارات الاجتماعيّة؛ فهما يسيران في طريق واحد، لهدف واحد هو خلق جيل قادر على جعل الحياة أسهل وأفضل، فما الفائدة من تخريج ملايين البشر بالخبرات التعليميّة السابقة ذاتها من دون ربطها بمهارات اجتماعيّة ووجدانيّة.

أعتقد أنّه على كلّ معلّمة/ معلّم استخدام استراتيجيّات مُختلفة لتعزيز ذلك. على سبيل المثال، استراتيجيّة المجموعات داخل الحصّة: لكلّ طالبٍ رقم مُختلف داخل المجموعة، وكلّ رقم يستعمل إمّا يده اليمنى فقط أو اليسرى فقط أو يغمض عينيه. هكذا ستعمل كلّ مجموعة كفريق واحدٍ لأداء المهمّة التعليميّة. وهُنا، سيكون من المُمتع دمج المعرفة بمهارة اجتماعيّة هي تقبُّل الاختلافات بين البشر والتعاون.

المهارات الاجتماعيّة مرنة جدًّا، يُمكن، بسهولةٍ، دمجها داخل الحصّة. لكن لن يتمّ ذلك إلّا بوجود معلّمٌ شغوف بمهنتهِ.

 

كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

الذكاء الاصطناعيّ يساعد كلّ معلّم يشبهني: شغفه التدريس وشعاره حبّ التكنولوجيا، وأمنيته أن يترك أثرًا. من واجبي كمعلّمة توجيه طالباتي إلى دمج التكنولوجيا في التعليم. وما زلت عند رأيي أنّ أهمّ ما حدث خلال فترة كورونا، هو تغيير ثقافة الاعتماد الكلّيّ على التعليم الوجاهيّ، إذ بات بالإمكان النظر إلى الجزء الممتلئ من الكوب في ما يخصّ عالم التكنولوجيا. وما زلت كذلك على رأيي في ما يخصّ الذكاء الاصطناعيّ الذي سأستعمله، إن شاء الله، في تطوير مهارة المحادثة باللغة الإنجليزيّة، وفي مساعدة الطالبات في الحصول على أبحاث وتقارير عن مواضيع مختلفة وشروحات إضافيّة عن مواضيع مختلفة. لكن، مهما تعدّدت مزايا الذكاء الاصطناعيّ، لن يحلّ محلّ المعلّم، فهناك مهارات حيّة، كالتواصل والتفكير النقديّ والعلاقات الودّيّة وأشياء أُخرى، لن يقوم بها  غير المعلّم.

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

الإشراف التربويّ مفيد بكلّ الأحوال، فالإنسان بحاجة إلى من يوجّهه دومًا، كوننا نرى الأشياء بمقاييسنا، لكنّها تختلف أحيانا بمقاييس من يرانا بعين التقدير والتغيير الإيجابيّ والنقد البنّاء. الإشراف يكون على أكمل وجه حين يكون مفاجئًا، حيث يُظهر المعلم أنّه مستعدّ طوال الوقت، خصوصًا حين يكون الهدف من الإشراف تغيير المعلّم للأفضل، والثناء على جهوده وتقييمه بشكلٍ دوريّ، وتشجيعه على المُشاركة في دورات تُناسب قدراته وتصقلها وترفعها، لا رصد أخطاء المعلّم فقط.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

هناك العديد من الأساليب التي يجب استخدامها من الحصّة الأولى في العام الدراسيّ، وهي وضع لوحة قوانين بالاتّفاق مع جميع الطلّاب، على حائط الصفّ، والاتّفاق على عقوبات محدّدة لمن يخلّ بنظام الصفّ.

تمكن الاستعانة أيضًا، بطالب يتمّ اختياره يوميًّا، ليسأل زملاءه إن كان هناك شي يريدون الحديث به في بداية الحصّة مع المعلّم، هذه الطريقة تستخدم في اليابان، وفعّالة في تقليل النزاعات. التوجيه الجمعيّ والفرديّ مُفيد في التقليل من النزاعات، وزرع المهارات الاجتماعيّة العاطفيّة داخل المنهاج يقلّل من الصراعات، ويهيئ الطلّاب للحياة.

في البداية، الطالب هو المخوّل الأوّل لحلّ النزاعات، ليصبح بعدها قادرًا على اتّخاذ قرارات مسؤولة تحت إشراف المعلّم. بعض النزاعات تتطلّب تدخّل المرشد التربويّ والمدير والأهل، ولكن دومًا يفضّل ألّا تخرج النزاعات خارج حدود الفصل.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

بالتأكيد لا، فكلّ شيء "يزيد عن حدّه ينقلب ضدّه". والجمال يكمن في التنويع، هذا لو افترضنا أنّ التكنولوجيا دومًا مفيدة، لكنّها للأسف على غرار أغلب الأشياء، لها جانب مظلم، ويمكن أن تحرف عقول الطلّاب عن التعليم والقيم السليمة لو استُخدمت بطريقة خاطئة. لذا يجب على كلّ معلّم ومربٍّ تحديد متى وأين وكيف تستخدم التكنولوجيا في التعليم. يجب أن تستخدم بحدود نقل المعارف، مثل استخدام رمز الاستجابة السريع QR في عمل تقييم بنائيّ وختاميّ، والألعاب الالكترونيّة، مثل "kahoot" و"wordwall"، وتطبيقات التعزيز، مثل "123 class"، والشاشات الذكيّة للعرض والكتابة عليها. ويجب أن ننتبه إلى خلوّ المواقع من الإعلانات، وأن تكون آمنة ومناسبة لأعمار الطلّاب.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

التدخّل الدائم يقلّل من ثقة الطالب بنفسه، ومن استقلاليّته. لذا، يجب أن يكون التدخّل بحدود، وفي أوقات معيّنة/ وليس بشكلٍ دائم، ويجب أن يتمّ ذلك بالاتفاق مع الإدارة التعليميّة والمعلم، لكونهما شريكين في دعم الطالب من الجوانب كافّة.

 

هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

بالتأكيد لا، بالرغم من حبّي للتكنولوجيا، إلّا أنّني ضدّ الاستخدام المفرط لها. ولا أريد أن نُنتج جيلًا بظهور مُنحنية نتيجة الجلوس طويلًا أمام شاشات الأجهزة.  أنا مع دمج الكتب الإلكترونيّة، وانتقاء مصادر التعلّم للطالب ودمجها مع الكتب المدرسيّة.

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

يعتمد ذلك على الأوضاع المعيشيّة في البلد، والفئة العمريّة؛ فعلى سبيل المثال، يعتمد ما نسبته 90% من المدارس هُنا نظام الفترة الصباحيّة والفترة المسائيّة، وكلّ فترة لها طاقم مختلف، وذلك يستلزم تقليص عدد ساعات الدراسة، ليعود لطلّاب الفترة المسائيّة إلى بيوتهم قبل حلول الظلام. لكن لو كان الأمر بيدي، لفضّلت الدوام المدرسيّ من الساعة التاسعة صباحًا حتى الساعة الثانية ظُهرًا، مع توفير حصص رياضة ورسم وموسيقى وسباحة وساعة تطوّع مدرسيّ، فالتطوّع يهذّب شخصيّة الإنسان.

 

صِفي لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمةً عنوان رواية لذلك، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

لربّما الرواية الأقرب إلى مسيرتي التعليمية هي رواية "الخيميائيّ" للرائع باولو كويلو. وبالتأكيد القرب ليس مع مجمل أحداث الرواية، ولكن مع فلسفتها الروحيّة. فمسيرتي تلتقي بالشخصيّة الرئيسة "سانتياغو"، والذي يبدو ظاهريًّا أنّه إنسان بسيط، إلّا أنّه يحملُ همّة وطموح عظيمين؛ لم يتنازل عن حلمه، وسعى إليه، وتحدّى كلّ العقبات ولم يعرف المستحيل. بطبيعة الحال، هذه الشخصيّة تتأتّى نتيجة البحث والتفكّر والتدبّر والتأمّل، وأيضًا تحديد الهدف والتطلّعات. وهُنا أؤكّد على هدفي الأسمى: أسعى من خلال التعليم لترك أثرٍ إيجابيّ في نفوس الطالبات، وأتمنّى أن أبقى في ذاكرتهنّ، وفي دعواتهنّ.