سابين العريسي- معلّمة صفّ ابتدائيّ- لبنان/ قطر
سابين العريسي- معلّمة صفّ ابتدائيّ- لبنان/ قطر
2021/11/03

كيف تتخيّلين شكل التعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وما هو مستقبل المدرسة كمكانٍ، خصوصًا بعد تجربة التعليم عن بُعد؟ 

سيشهد العالم تغيّرات على الدوام، وسوف يتّخذ مظهرًا، يُعاد تشكيله، بينما يستمرّ البشر في الاجتهاد والتكيّف معه، أو في مجرّد التفكير واتباع الاتجاهات السائدة. لذلك، لم يعد التّعليم يحقّق أهدافه بصورةٍ خطّيّة، ولم يعد يُركّز على إيصال المعلومات التي تُخزّن في الذاكرة وتستعاد عند الحاجة. يجب أن يُتوقّع من النظام التعليميّ أن يتكيّف مع التغيّرات، ولكن الأهم من ذلك، أن يكون لديه فهم أعمق للتغيّرات التي تحدث في العمليّة التعليميّة، وخاصّة داخل المنهاج الدراسيّ.

يجب بدء التغيير من خلال استراتيجيّات التفكير، وتعزيزه من خلال التطوّر وليس الثورة. وللتوضيح أكثر، إذا تم تغيير المنهاج الدراسيّ من خلال ثورة نتجت عن السيطرة السياسيّة، فسيكون غير فعّال، لأن التغيير لن يكون سلسًا، وقد يعجز عن الاستجابة للاحتياجات التعليميّة سريعة التغيّر.  وبالتالي، يجب على المدارس أن تضع في حسبانها الرؤى العميقة التي تؤدي بالطلاب إلى استكشاف المفاهيم، وتعزيز فهمهم، من خلال سياقات تعلّم أصيلة وذات صلة وتحدّ، وأيضًا، من خلال التعلّم الذي يعمل على تحويل الطلاب، حتى يتمكّنوا من تنظيم أفكارهم بشكل أفضل، ويفهموا العالم من حولهم. على هذا النحو، فإنه يُوفّر تجربة ذات توجّه تحريريّ، تُركّز على استقلاليّة الفكر، وتنفتح على وجهات النظر المتنوّعة، وتخلق الروابط مع تجارب الحياة الواقعيّة.

 

ما هي أوّل نصيحة تنصحين بها مُعلّمًا جديدًا؟ لماذا؟ 

تَذَكّر سبّب رغبتك في أن تصبح مدرّسًا، وليكن من أولويّاتك نسج علاقات وروابط مع طلّابك، اجعلهم يشعرون حقًّا كما لو أنهم أكثر البشر، على وجه البسيطة، حكمة وقدرة على التأثير. إنّ الهدف من ذلك كلّه هو أن يشعروا بالأمان والاهتمام. تعرّف إلى طلابك، وركّز أكثر على أن تُنمّي لديهم ما يحتاجون إليه من مهارات الحياة الواقعيّة، ببناء سياقات هادفة وذات صلة بتعلّمهم. وحتى إن أنت لم تنل التقدير الذي تستحق من قِبل المجموعة المهنيّة التي تنتمي إليها في مدرستك، فلا تثبط همّتك أبدًا، فالتعابير التي تعلو وجوه طلابك وأنت تتّجه إلى صفّك، وسعيهم لإبداء الجهد والالتزام، وشكرهم لك لكونك معلّمهم، وتطبيقهم لما تعلّموه ومناقشته في الأعوام الدراسيّة اللاحقة، لهي كل التقدير الذي تحتاج، إنه شعور لا يوصف!

 

ما هو تعريفكِ للدهشة؟ وكيف وصلتِ إلى هذا التّعريف؟

من الصعب وضع تعريف شامل للدهشة، لأن لكل شخص أهدافًا أو اهتمامات مختلفة في الحياة. ومع ذلك، لإثارة دهشة المتعلّمين من المهم تطوير فاعليّتهم، من خلال تمكينهم من التعبير والاختيار أثناء عملية التعلّم. وبهذه الطريقة يُصبحون القوة الدافعة لتعلّمهم. هكذا يُسمح للطلاب بأن يُصبحوا موجّهِين لذواتهم، من خلال استكشاف شغفهم واهتماماتهم، في المفاهيم/ الموضوعات التي يستقصونها/ يبحثون فيها، ويشعروا بالفخر تجاه أفكارهم.

 

ما هي مصادر الإلهام في مسيرتكِ التعليميّة؟ لماذا؟

طوال مسيرتي التعليميّة لم أُعر كثيرًا من التفكير في من يُعتبرون قدوة لي أو مصدر إلهامي. أنا ببساطة أستلهم السّمات المختلفة لأشخاص مختلفين، أتعامل معهم بشكل يوميّ في مجالات عدّة. على هذا النحو، من الأجدر الإشادة بمسيرة بعض الأشخاص/ مسارهم في الحياة، والعقبات التي تغَلّبوا عليها، عبر الإصغاء إليهم، والحوار معهم، وتعلّم الدروس من أفكارهم المختلفة، وآرائهم، وتجاربهم، وخبراتهم، ووجهات نظرهم.

 

من هو الطالب المُتميّز برأيكِ؟ لماذا؟ 

لا ينبغي أن تكون هناك معايير لتحديد الطالب المتميّز، خاصّةً إذا كانت تستند فقط إلى الأداء، لأنّ كل طالب متفرّدٌ بطريقته الخاصّة ومُميّز بها. الطالب المتميّز هو الطالب الذي يشعر بمتعة الاستكشاف، وهي قوّة خفيّة تُحفز تعلّمه باستمرار.

 

حسب معاييرك، كيف تصفين المُعلّم المُلهِم؟  

إنه مُدرّس قادر على نسج روابط عميقة مع طلابه، والتركيز على تقدمهم وكفاءتهم، بدلًا من أدائهم النهائيّ.

 

ما هو الموقف الذي تندمين عليه في مسيرتك التعليميّة؟ 

وضع توقّعات عالية غالبًا ما تؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل. لقد تعلّمت أن على المرءِ أن يتحكم في كل موقف، وألا يكون تابعًا للنتائج.

 

برأيكِ، كيف تؤثّر علاقة الإدارة بالمُعلّم على مسيرتهِ؟  

كمجتمع من المهنيّين والمتعلّمين مدى الحياة، من المهم بناء الثقة وتوطيدها بين المعلّمين وفريق القيادة، من خلال الكفاءة التي تتطلّب كونهم ميسِّرين بدلًا من "حكيم على خشبة المسرح"، بالإضافة إلى امتلاك الشجاعة لنُحاسَب على أفعالنا، وهو أمر يستدعي الإصرار وقبول النقد لأجل نمو مجتمع التعلّم، وتفوقه، واستثمار كافّة إمكاناته. فضلًا عن ذلك، ينبغي تعزيز عقليّة الوفرة التي تشجّع على ثقافة التعاون المبنيّة على مشاركة الأفكار، والخبرات، والمهارات، بالإضافة إلى قدرتها على احتواء المخاطر والحثّ على التأمل.

ومع ذلك، إذا كان فريق القيادة يتمتّع بالكفاءة فقط، ويفتقر إلى جميع السمات الأساسيّة لبناء الثقة وتوطيدها، فلن يسعى المعلّمون للبحث عن فرص للنموّ والتغيير. لذلك، كمجتمع، يجب أن نتكاثف "نحن" معًا للتعبير عن مخاوفنا ومشاعرنا من خلال "بماذا يُشعرك ذلك؟" "كيف يمكننا التفكير في خَياراتنا وأفعالنا؟" بهذه الطريقة، نحن لا نروّج لثقافة الهيمنة، بل نقلّل حدّة الضرر وعدم الارتياح، ونعمل على تكريس ثقافة الترابط والأمان، وتعزيز الالتزام والصدق والأصالة.

 

ما الذي تُريدين محوه من طريقة التّدريس والتّقييم في مدارس اليوم؟  

يتعيّن علينا، مهما كانت البيئة التعليميّة، تجديد فهم ممارساتنا، وإعادة تصوّرها، من أجل التكيّف مع التغيّرات السريعة التي تحدث في جميع أنحاء العالم، والصمود أمامها. لذلك، فإن التركيز فقط على محتوى المنهاج الدراسيّ، يفضي في النهاية إلى غضّ الطرف عن طريقة إعداد المتعلّمين لأداء دورهم في المجتمع، وكذا عن تطوير فعاليّتهم لاتخاذ خياراتهم الخاصّة، والتفكير في طريقة تحويل تعلّمهم في هذا العالم سريع التغيّر. فضلًا عن ذلك، ثمّة ضغط متزايد على المعلّمين فيما يتعلّق بالتخطيط لطريقة صياغة أهدافهم وتحقيقها، ما يؤدّي إلى سيادة رؤية أداتيّة في التعليم، غير قادرة على التلاؤم مع الخدمات/ المرافق التعليميّة، وتعمل على تقييد حرية المعلّمين في الحصول على فرصة للَعب دور نشط في العمليّة التعليميّة.

 

ما هو الكِتاب الذي لهُ تأثير كبير عليكِ وعلى تجربتكِ في الحياة؟  

أحد الكتب التي كان لها تأثير كبير على مسيرتي التعليمية هو كتاب "بيداغوجيا المضطهَدين" لباولو فريري. شدّد هذا الكتاب على "النموذج المصرفيّ" للتعليم، حيث يتمثّل دور المعلّم الرئيسيّ في إيداع الحقائق في أذهان الطلاب، وبالتالي دفع الطلاب للتكيُّف مع عالم مضطهِد أو الاستسلام له.

ووفقًا لفريري، يتعيّن علينا التركيز على "نموذج طرح المشكلات"، الذي يقدّم للطلاب مشكلات الحياة الواقعيّة التي تتعلّق بهم، ويدفعهم إلى التفكير والتحليل والعمل. لذلك، بصفتي مُدرّسة تُطبق النهج القائم على الاستقصاء، من المهم بالنسبة لي بناء ثقافة الحوار والثقة والتفكير النقديّ. على هذا النحو، من خلال استكشاف المفاهيم والمواضيع المختلفة، يمكن للطلاب تعميق فهمهم للعالم، واكتساب إيضاحات بشأن وجهات النظر المختلفة، والاضطلاع بدور فعّال في التغيير.