دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ في مرحلة الطفولة المبكِرة
دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ في مرحلة الطفولة المبكِرة
زكيا بنصغير | مستشارة تربويّة - المغرب
حميد جعفر | أستاذ باحث في المدرسة العُليا للأساتذة - المغرب

* النصّ معتمِد على بحث ميدانيّ بعنوان "دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ في مرحلة الطفولة المبكِرة"، قُدّم في مؤتمر "التربية في مرحلة ما قبل المدرسة: رهانات العرض والجودة"، في المدرسة العُليا للأساتذة- جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء في المغرب، بتاريخ 15 آذار/ مارس 2023.

 

يُبنَى المقال على دراسة تنطلق من تحديد مفهوم العاطفة وعلاقتها باللغة في سياق اللسانيّات الاجتماعيّة، وتُظهِر ما يعكسه التعبير عن المشاعر باللغة من حالة المجتمع وثقافته. وهذا ما يجعل تطوير المعجم اللغوي ّ- العاطفيّ عند الأطفال أمرًا مهمًّا لتحقيق تواصل فعّال، يعزِّز دور الوالدين الأساسيّ في تنمية هذا الجانب الاجتماعيّ والعاطفيّ للطفل، إذ يسهم تفاعلهما واستخدامهما تعبيرات عاطفيّة إيجابيّة في تعزيز مهارات التعبير اللغويّ والفهم العاطفيّ عند الطفل. 

من هنا، أعددنا معجمًا لغويًّا-عاطفيًّا يعكس الثقافة المغربيّة ولهجتها الدارجة، فنُظِّمت المعلومات المستخلَصة من المقابلات وفقًا لهذا المعجم، حيث أظهرت نتائج الدراسة أنّ غالبيّة الأطفال في هذه المرحلة العمريّة يعانون صعوبةً في التعبير عن مشاعرهم بطريقة متوازنة، بسبب عدم توافر معجم لغويّ-عاطفيّ كافٍ، لإهمال الوالدين تطوير هذا المعجم لديهم. وبالتالي، تبرز أهمّيّة دور الوالدين في تنمية المعجم اللغويّ-العاطفيّ عند الطفل وتطوير مهاراته في التواصل والتعبير، وذلك بتفاعلهما واستخدامهما تعبيرات عاطفيّة إيجابيّة، يمكن أن تساعد في تحسين جودة التواصل والفهم العاطفيّ عند الأطفال في حياتهم اليوميّة.

يسلِّط هذا المقال الضوء على البعد العاطفيّ للطفل وعلاقته باللغة، مع التركيز على دور الوالدين الحيويّ في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ عند الأطفال في مرحلة الطفولة المبكِرة. كما يهدف إلى فهم كيفيّة تأثير التعبيرات العاطفيّة في تطوير مهارات التواصل والتعبير اللغويّ عند الأطفال، ودور الوالدين في تعزيز هذه المهارات.

 

جانب الدراسة النظريّ

تسلِّط الدراسة الضوء على دور الوالدين في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ عند الطفل في مرحلة الطفولة المبكِرة، متّخِذةً الطفل المغربيّ أنموذجًا لها، حيث تهدف إلى التأكيد على أهمّيّة اللغة العاطفيّة في تحقيق تواصل ناجح، وبناء شخصيّة اجتماعيّة ناجحة (Huttenlocher, et al., 2002).

تتناول المصطلحات المستخدَمة في هذه الدراسة مفاهيم مهمّة، مثل دور الوالدين، والمعجم اللغويّ-العاطفيّ، ومرحلة الطفولة المبكِرة التي كان لها الدور الرئيس في اختيار عيّنة الدراسة، حيث وقع الاختيار على الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة في إحدى المدارس الابتدائيّة في مدينة فاس، المغرب، خلال الفصل الدراسيّ الثاني من السنة الدراسيّة 2022-2023. 

تركِّز محدّدات الدراسة الموضوعيّة على دور الوالدين في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ للأطفال بمجموعة من الطرق، مثل التواصل اللطيف، والاستماع الفعّال، واستخدام الكلمات العاطفيّة، وقراءة القصص العاطفيّة، واللعب الدراميّ، وإرشاد الطفل في حلّ المشكلات العاطفيّة. 

تستخدم الدراسةُ المنهجيّةَ النوعيّة في تحقيق أهدافها، حيث تركِّز على دراسة حالات الأفراد في سياقهم الاجتماعيّ والثقافيّ، وعلى تطبيق الدراسة على عيّنة من طلّاب مرحلة ما قبل المدرسة.

أفراد الدراسة

تكوّنت عيّنة الدراسة من ثلاثين طفلًا وطفلة موزَّعين على أوّل سنتين في مرحلة ما قبل المدرسة، نصفهم في مستوى "القسم الأوّل"، ونصفهم في مستوى "القسم المتوسّط"، وتتراوح أعمارهم بين الثلاث والأربع سنوات.

Picture3

أدوات الدراسة

الملاحظة

  • - ملاحظة سلوك الوالدين، وكيفيّة تفاعلهما مع أطفالهما، واستخدامهما اللغة والعاطفة في التواصل، أثناء الوقت الصباحيّ (Cyr, et at., 2008).
  • - ملاحظة تفاعلات الأطفال مع والديهم خلال الفترة المذكورة، وتسجيل التعبيرات اللغويّة التي يستخدمونها وكيفيّة تأثيرها في تطوير مهاراتهم اللغويّة - العاطفيّة داخل الفصل. 
  • - ملاحظة التفاعلات بين الطفل والمربّي، حيث يؤدّي المربّي دورًا محوريًّا في رصد التفاعلات العاطفيّة بين الطفل ووالديه، بعد الانفصال المؤقَّت في المدرسة. 

المقابلة

  • - إجراء مقابلات مع الوالدين لمناقشة دورهما في تطوير المعجم اللغويّ - العاطفيّ عند أطفالهما، واستخدامهما اللغة والعاطفة في التواصل (Salazar & De weck, 2008).
  • - إجراء مقابلات مع الأطفال لجمع تعبيراتهم اللغويّة - العاطفيّة، وفهم كيفيّة استخدامهم اللغة العاطفيّة في التواصل مع والديهم. 
  • - إجراء مقابلات مع المربّين لجمع معلومات حول التفاعلات اللغويّة - العاطفيّة التي يلاحظونها داخل الفصل. 

يُحقَّق الهدف بفهم دور الوالدين في تطوير المعجم اللغويّ - العاطفيّ في مرحلة الطفولة المبكِرة (Laurent, et al., 2020).

 

مستويات تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ

المستوى النوعيّ

جمعنا بعض التعبيرات اللغويّة-العاطفيّة الأكثر تداولًا بين الأطفال في ابتدائيّة الأزهر للتعليم الخاص في مدينة فاس في المغرب، وظهرت على النحو الآتي (Magali, 2022):

Picture1

تعكس الخصوصيّة اللغويّة لكلّ مجتمع مجموعة من المستويات الثقافيّة والتاريخيّة والتربويّة. وباستنباط دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ للطفل في مرحلة الطفولة المبكِرة، استندنا إلى مفهوم "عجلة العواطف" التي ابتكرها روبرت بلوتشيك لتحديد دلالات التعبيرات العاطفيّة.

 

المستوى الكمّيّ

يتجلّى دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ بعدد التعبيرات المكوَّنة لكلّ طفل. يُظهر هذا العدد تأثير الوالدين في تطوير اللغة في مرحلة الطفولة المبكِرة، حيث تعدّ هذه المرحلة حسّاسة لاكتساب اللغة وتطويرها. كما تؤكِّد نظريّة النافذة الزمنيّة على أنّ الدماغ في هذه المرحلة مستعدّ وقادر على استيعاب المعلومات اللغويّة بسهولة.  

تنطوي مرحلة الطفولة المبكِرة على دور الوالدين الأساسيّ في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ، حيث يتعلّم الطفل اللغة من الأسرة الصغيرة. يؤدّي الاهتمام القليل بدور الوالدين في هذه المرحلة إلى ضعف المعجم اللغويّ-العاطفيّ للطفل وصعوبات تواصليّة في المستقبل. لذا، يمكن قياس هذا المعجم بعدد التعبيرات اللغويّة-العاطفيّة لكلّ طفل، حيث يشير ارتفاع العدد إلى دور إيجابيّ وفعّال للوالدين في تطوير المعجم، والعكس صحيح.

من هنا، يبرز دور الوالديّة في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ للطفل في مرحلة الطفولة المبكِرة على المستوى الكمّيّ، والتأثير الإيجابيّ في اكتساب اللغة وتطويرها خلال الفترة الحسّاسة (Perron, 2007).

 

فوائد المعجم اللغويّ-العاطفيّ

  • - تنمية التواصل العاطفيّ: يمكِّن المعجم اللغويّ-العاطفيّ الأطفال من التعبير عن مشاعرهم بفعّاليّة، وبناء علاقات إيجابيّة مع الآخرين. 
  • - تعزيز الارتباط العاطفيّ: يمكِّن المعجم اللغويّ-العاطفيّ الأطفال من التعبير عن مشاعرهم بدقّة، ممّا يمكِّن الوالدين من فهم احتياجاتهم العاطفيّة وتعزيز الارتباط بينهم. 
  • - تطوير المهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة: يساعد المعجم اللغويّ-العاطفيّ الأطفال على التعامل مع مشاعرهم وتعزيز مهاراتهم الاجتماعيّة والعاطفيّة. 
  • - تعزيز التفكير والتعلّم: يسهِم التعبير عن المشاعر في تطوير تفكير الطفل وقدرته على فهم المفاهيم فهمًا أفضل وتعزيز تعلّمه.

وباختصار، توعية الوالدين بتطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ يعزِّز التواصل العاطفيّ والارتباط، وينمّي المهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة، ويعزِّز التفكير والتعلّم لدى الأطفال (Farrant & Zobrick, 2013).

 

نتائج الدراسة

ظهرت النتائج على النحو الآتي:

Picture1

 

ملاحظة: يراعي سلّم عدد تعبيرات المعجم اللغويّ-العاطفيّ لدى الأطفال، المرحلةَ العمريّة التي يعيشونها.

Picture2

* * *

تعدّ المشاعر من أصعب الدواخل التي يمكن فهمها، ولا سيّما إن كان مُعبَّرًا عنها بالملامح، فمعظم المتواصلين لا يملكون القدرة على فهم ما يُعبِّر عنه الشخص الآخر فهمًا صحيحًا، إلّا إذا عبّر عنها بشكل واضح وصريح، أي باللغة. نتفادى بهذه الطريقة التأويلات وتزداد القدرة على الفهم. ولهذه الأسباب، حاولنا في هذه الدراسة الانطلاق من النواة الأساسيّة والمتمحورة حول الفكرة القاضية بأنّ التواصل العاطفيّ الصحيح يولد منذ بدء تعلّم اللغة، أي، كما ذكرنا سابقًا، في مرحلة الطفولة المبكِرة.

خلصت الدراسة إلى أنّ الطفل المغربيّ المتمدرِس لا يتوفَّر له معجم لغويّ-عاطفيّ غنيّ، يمكِّنه من اكتساب شخصيّة تواصليّة ناجحة وقادرة على التعبير عن مشاعرها بكلّ وضوح. وهذا ما يدقّ ناقوس الخطر لدى الوالدين من أجل مراجعة طرق التربية والتعليم في هذا الصدد العاطفيّ الذي يعدّ أساس تكوين شخصيّة الطفل بصفة عامّة. بالإضافة إلى ذلك، يبقى للوالدين دور مهمّ في تطوير المعجم اللغويّ-العاطفيّ وإغنائه بالتواصل العاطفيّ، منذ مرحلة الطفولة، باستعمال مختلف الطرق والإمكانات المتاحة التي من شأنها تحقيق ذلك.

 

المراجع

- Huttenlocher, J., Vasilyeva, M., Cymerman, E, and Levine, S. (2002). Language input and child syntax. Cognitive Psychology. 45(3). 337-374.

- Cyr, Chantal, Dubois-Comtois, Karine, and Moss, Ellen. (2008). Les conversations mere-enfant et l’attachement des enants a la periode prescolaire. Canadian Journal of Behavioral Science. 40(3). 140-152.

- Salazar, Orvig, A. & De Weck, G. (2008). Profils diaogingues de dyads mere- enfant avec et sans troubles du language. Travaux neuchatelois De Linguistique. (49). 45-67. https://www.revue-tranel.ch/article/view/2759

- Laurent, Genevieve, Ensink, Karin, and Milhkovitch, Raphaele. (2020). Auto-evaluation de ses emotions a 4 et 5 ans: une adaptation de l’entretien de Carroll et Steward. Enfance. (2). 219-239. https://www.cairn.info/revue-enfance-2020-2-page-219.htm

- Magali, Noyer-Martin. (2022). Reconnaissance d’une emotion chez les enfants de 3 a 5 ans: effets de la nature du support (image/photographie) et du type d;indices visuels traits (globaux, diriges, focalises). L’Annee psychologique. (122). 29-54.

- Perron, Melanie and Gosselin, Pierre. (2007). Comprehension de la dissimulation des emotions chez l’enfant d’age scolaire. Enfance. (59). 109-125. https://www.cairn.info/revue-enfance1-2007-2-page-109.htm

- Farrant, B. and Zubrick, S. (2013). Early vocabulary development: The importance of joint attention and parent-child book reading. First Language. 33(3). 280-293.