جلسة نقاشيّة حول التفاعل المجتمعيّ وارتباطه بالتعليم
جلسة نقاشيّة حول التفاعل المجتمعيّ وارتباطه بالتعليم

نظّمت منهجيّات جلسةً نقاشيّة حول "التّفاعل المجتمعيّ وارتباطه بالتّعليم" بتاريخ 30 حزيران 2021. حاورت زينة خوري، مديرة التحوّل في التّعليم في مدرسة الأهليّة والمُطران، المتحدّثات والمتحدّثين حول مفهوم التفاعل المجتمعيّ، وعلاقته بالتعليم والتعلّم بشكلٍ عامّ، وكيف يختلف التفاعل المجتمعيّ عن خدمة المجتمع، ذهابًا للعرض نماذج وبرامج من العالم العربيّ تُعزّز وتجسّد أنواع من التفاعل والتعليم.

وشارك في الندوة كلّ من: سيرين حليلة، ناشطة ثقافيّة وتربويّة، وليلى عبد المجيد، مسؤولة برنامج التفاعل المجتمعيّ في مدرسة الأهليّة والمطران، ورغدة بطرس، باحثة ومستشارة اجتماعيّة ومؤسّسة همزة وصل، وكريستينا كغدو، مربّية وشركة ومؤسِّسة في أكوان، وتاليوس أبو خليل وجوسيان حدّاد، مؤسّسة بلادي، وأحمد عاشور، مدير مكتب مؤسّسة تامر في قطاع غزّة.

من هُنا، استهلّت زينة خوري الجلسة بالتأكيد على أنّ تحوّل وتطوّر التعليم مرتبطٌ بالحداثة والتطوّر الإلكترونيّ والتكنولوجيّ وتوفّر المنصّات/ المساحات الافتراضيّة، وأكّدت على أنّ النّقاش في هذه النّدوة سيدور حول أهمّيّة تطوّر وتحوّل التعليم لارتباطه بالأرض والسياق والآخر دون إلغاء أهمّيّة التطوّر الإلكترونيّ والمعلوماتيّ، واستلهمت من مقولة جلال الدين الروميّ: "إنّ قلبي كالفرجار، رجل ثابتة في الأرض... والأخرى تدور"، للإشارة إلى السّياقين العالميّ والمحلّيّ، وللتأكيد على أهمّيّة أن يكون التعليم متجذّر في فهم وعلاقة حقيقيّة مع المكان والآخر في سياق الحضارة والتراث والتاريخ والأرض، وضمن نهج تفاعليّ حيّ، فما لم تكن هذه الرجل ثابتة وراسخة وواثقة في الأرض، ستبقى الأخرى تدور تبحث عن أرض، وعن معنى وعن هويّة.

 

مفهوم التفاعل المُجتمعيّ، ماذا نعني؟

بدأت سيرين حليلة حديثها ضمن المحور الأوّل للجلسة بالتّعبير عن التساؤلات الكبيرة التي ظهرت مع جائحة كورونا، خصوصًا التساؤل حول ردّ الفعل مع الجائحة، كون التعليم أصبح عن بُعد ولم يكن هُناك تفكير بأنّ هذه فُرصة ليكون التعليم عن قُرب، فتصبح بهذا المدرسة أو الجامعة جزءًا من منظومة مجتمعيّة، وهذا الجزء لا يحتكر التعليم، من هُنا، أشارت إلى ضرورة الانتباه كون التعلّم يحدث في كلّ مكان؛ في الحارة والشّارع والبيت.

وأكدت حليلة مداخلتها على أهمّيّة أن نرى المدرسة بوصفها تقع ضمن مجتمع متكوّن من عدّة مركّبات تعلّم؛ مؤسّسات مجتمعيّة، ومزارعين، وأهل، ما يُمكنّنا من رؤية المدرسة بهذا السّياق، كمكان للتأمّل والتّفكير بمختلف تجارب المُجتمع، فتمسي مكانًا لإنتاج معرفة، بشكلٍ فرديّ وجماعيّ؛ معرفة تُنتَج من خلال فهم التجارب وربطها بالحياة.

 

وضمن السّياق ذاته، رأت ليلى عبد المجيد في مداخلتها أنّ العلاقة بين المجتمع والمدرسة هي علاقة عضويّة مصحوبة بتفاعل، ولكن لأسباب كثيرة بات هُناك حواجز بين المدرسة والمجتمع، ما أدّى لفصل المدرسة عن المجتمع مفاهيميًّا. وتطرّقت إلى أنّه في كثير من الأحيان يتوجّه خِطاب المدرسة بأنّ العمل ضمن المجتمع ينطوي على خدمته، ولكنّ العلاقة ضمن هذا السّياق، عليها أن تكون علاقة تشاركيّة تكامليّة تفاعليّة. بينما خدمة المجتمع مبنيّة على علاقة تراتبيّة.

وخصّصت عبد المجيد جزءًا من حديثها لأهمّيّة تحديد منظورنا ورؤيتنا للتّفاعل بين المُجتمع والمدرسة، فإذا نظرنا مثلًا للموارد، سواء الملموسة أم غير الملموسة، بوصفها أدوات من الممكن أن تكون معارف، طريقة عيش، تاريخ قصص نتشاركها ونقدّرها، ونستطيع من خلالها أن نصل لاستنتاج يخصّ التفاعل العضويّ والتشاركيّ بين المُجتمع والمدرسة، وفي سياق يكون فيه هذا التفاعل عضويًّا، تُصبح الرؤية للموارد بأنّها ضمن سياق طبيعيّ وموظَّفة في سياقها، ولا يحتاج توظيفها جُهدًا، إنّما تصبح تحصيل حاصل.

 

تفعيل نهج التّفاعل المُجتمعيّ

ضمن هذا المحور افتتحت رغدة بطرس حديثها بالتذكير أنّ التفاعل المجتمعيّ جزء لا يتجزأ من حياة المدرسة ومن حياة الطالب داخل المدرسة. ومع غياب الحيّ أو الحارة، تُصبح المدرسة المُحيط الأوّل للطفل بعد أُسرته، ومن هُنا، حسب مداخلة بطرس، تنبثق الحاجة إلى تذكّر أنّ المدرسة هي المكان الذي يتعرّف الطفل من خلاله على محيطه وعلى مجتمعه.

وتحدّثت بطرس حول ضرورة أن تكون المدرسة مكانًا للشفاء، كون كثير من الطلبة والأطفال هُم بحاجة للشّفاء، خصوصًا في ظلّ الصدمات والصعوبات التي تواجه الأطفال، والتي تحدث ضمن سياقات مُعيّنة ضمن المحيط، فالشّفاء من هذا الضرّر ومن هذه الصعوبات عليه أن يكون ضمن محيط وضمن سياق. ومن هُنا، أشارت إلى أهمّيّة تغيير منظورنا لمفهوم الأمان في المدارس، فرفع الأسوار مثلًا يُعرّض الطفل لخطر أكبر، ما يؤسّس لمفهوم أمان يخلق سياق تفاعليّ للطفل ضمن محيطه، فعلى المدرسة أن تكون محيط متّصل مع البيت والحارة ذهابًا لتحقيق تفاعل طبيعيّ تلقائيّ.

 

نماذج حول التّفاعل المُجتمعيّ والتّعليم في الوطن العربيّ

مؤسّسة أكوان

بدأت كريستينا كغدو عرضها بالتّعريف عن مؤسّسة أكوان، وهي مساحة للتعلّم تواكب الأطفال من عُمر 6-17 سنة، تواكبهم في بناء أدوات تُساعدهم في تفاعلهم مع ذواتهم ومع العالم المُحيط بهم، من خلال نهج تكامليّ لا يفصل بين الممارسات والأدوات، إنّما بالعمل على تطوير وتفعيل القدرات الذهنيّة والجسديّة والنفسيّة بصرف النظر عن طبيعة النّشاط.

وأشارت إلى أنّ أكوان جاءت نتاجًا لتجارب شخصيّة مع منظومة التعليم، من الاهتمام بممارسات التعلّم ومختلف تجاربنا في المشاريع التربويّة، هذه العلاقة خلقت حاجة لمكان يوفّر للأطفال مساحة لاستيعاب التفاعلات بيننا وبين ذواتنا ومع محيطنا في الوقت ذاته، حتى نستطيع فهم التفاعلات التي تحدث داخلنا ولتحديد علاقتنا مع هذه التفاعلات، مع الإشارة إلى عدم تمكّنّا من فهم التفاعلات يحول دون استطاعتنا بناء علاقة سليمة بيننا وبين محيطنا.

وعرضت كغدو بعض النّشاطات التي تقوم بها أكوان، مثل تنظيم أندية ومخيّمات صيفيّة وشتويّة، مثل نادي الزراعة، حيث تستقبل المؤسّسة الأطفال خلال المواسم الزراعيّة المُختلفة، وتعمل معهم على دورة الحياة من غرس البذرة وحتّى الحصاد، وتعمل من خلال ممارسة الزراعة على مفهوم العلاقة بالأرض والهويّة.

وأنهت كغدو حديثها بفكرة أنّ المُجتمع، في كثير من الأحيان، لا ينظر إلى الأطفال بكونهم معلّمين ومتعلّمين، لاعتبار أنّ التعلّم عمليّة مُحدّدة بإطار صلب إلى حدٍّ ما، بالتّالي، الأطفال ضمن هذا المفهوم لا يستطيعون توضيح استنتاجات، وهو أمر غير دقيق حسب كغدو، كوننا إذا نظرنا إلى تفاعل وقصص الكبار وتفاعل وقصص الأطفال نستطيع البناء على هذه التجارب من خلال تفاعل تعلّميّ أصيل يؤدّي إلى بناء.

 

مؤسّسة بلادي

بدأ تاليوس أبو خليل حديثه بأنّ مؤسّسة بلادي تعمل منذ 15 سنة، بشكلٍ أساسيّ، على التّراث في لبنان وسوريا والعراق. وأنّ رؤية المؤسّسة بالأساس تتمثّل بالعمل على التّراث مع الأطفال بمنطق نشر ثقافة الحفاظ عليه، خصوصًا في ظلّ الظّروف الصّعبة التي مرّت بها لبنان، ذلك خروجًا من الأحداث المُختلفة التي فرضت أسئلة مُختلفة على غرار: كيف نحمي تراثنا خلال الحرب وبعد الحرب في مناطق الصّراع؟ وكيف نبني منظومة تربويّة تستمرّ في الحفاظ على التّراث؟ وما هو دور التّراث على صعيد الإنماء الشخصيّ والمُجتمعيّ؟

وتابع أبو خليل عرضه بالتّأكيد على أنّ العمل في مؤسّسة بلادي على التّراث لا يتمثّل بالعمل عليه كمادّة، إنّما على حفظه ونقله من جيل إلى جيل. ومن الأسس التي تعمل عليها المؤسّسة هي التعليم غير الصفّيّ، وهو التعليم بالممارسة، ما يؤدّي إلى تعلّم واقعيّ ملموس يوظّف الحواسّ الخمس ويُستفاد منه عمليًّا على أرض الواقع.

وشاركته زميلته جوسيان حدّاد العرض، واستهلّت حديثها بأنّ العمل في مؤسّسة بلادي يتمّ من خلال نموذج التعليميّ ذهابًا لتعزيز الهويّة، فيصبح التراث هُنا أداةً للحوار والتعلّم. وعرضت نموذج مشروع "سوريا ببالي"، إذ تتمحور فكرة المشروع حول تعريف الأطفال السوريّين اللّاجئين بتراثهم ومُختلف مناطقهم الأثريّة، ذلك عن طريق منهجيّة وضع الأطفال بمحيط وجغرافيا وسياق قريب من تاريخ سوريا، ذهابًا لتغيير صورة سوريا الحرب إلى سوريا البلد الحضاريّ.

 

مؤسّسة تامر

بدأ أحمد عاشور حديثه حول السّياق الذي نشأت مؤسّسة تامر من خلاله، وأشار إلى أنّ تجربة مؤسّسة تامر بدأت مع بداية الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في الثّمانينيّات، حيث بدأت تامر كاستجابة لتشجيع القراءة والتعليم الذي كان ممنوعًا بالكامل بقرار من الاحتلال الإسرائيليّ، وإيجاد بديل للتعليم الرّسميّ، وما تسعى إليه المؤسّسة، من ذلك الوقت، أن يكون هناك مجتمع فلسطينيّ تعلّميّ حُرّ وآمن.

وتابع عاشور بأنّ السّعي في تامر يتمثّل بتعزيز أدوات التعلّم والتعبير الحُرّ المُختلفة، ومحاولة بناء علاقة حرّة مفتوحة على الإيمان بالآخر، علاقة تبادليّة بعيدة عن نطاق الهرميّة، وتعزيز مفهوم المدرسة والمُجتمع من خلال مفهوم المكان الثّالث؛ وهو مكان لتفاعل معارف الطّفل، إذ تُحاول المؤسّسة أن يكون المكان الثالث مكانًا آمنًا وحرًّا يستطيع الطفل التعبير فيهِ ويختبر معارفه وخبراته وتجاربه.

واختتم عرضه بالحديث عن أهمّيّة قراءة التاريخ من عيون الأطفال وتجاربهم المُختلفة، إذ يكتبون تجاربهم المُختلفة، حيث تُشكّل كتابات الأطفال تعبيراتهم الخاصّة والشفّافة عن الحال الرّاهن. ومن هُنا، يُمكن تتبّع، منذ 30 عامًا، الحالات المجتمعيّة المُختلفة في المُجتمع من خلال كتابات الأطفال.