تعليم وتعلّم التّاريخ: مقاربات وممارسات
تعليم وتعلّم التّاريخ: مقاربات وممارسات

نظّمت منهجيّات النّدوة الشهريّة بعنوان "تعليم وتعلّم التاريخ: مقاربات وممارسات"، والتي ركّزت على محاور مُختلفة، منها الهدف من تدريس مادّة التاريخ في المدارس، وعرض أنماط جديدة في تدريس التاريخ في المدارس، أدارها الأستاذ خليل مكاري، مستشار تربويّ للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة، وعضو مؤسّس لـِ "المنتدى اللبنانيّ للعلوم الإنسانيّة".

وشاركَ في النّدوة كلّ من: الأستاذ أمين إلياس، أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانيّة والجامعة الأنطونيّة، والأستاذة عالية نسبية، معلّمة لمادّة السياسة العالميّة ومنسّقة العلوم الإنسانيّة للمرحلة المتوسّطة في مدرسة الأهليّة للبنات والمطران للبنين، والأستاذ باسم البندري، مدرّس دراسات اجتماعيّة لصفوف ثانويّ، والأستاذة منى درويش، مؤلّفة كتب لمادّة التاريخ، وروضة غنايم، باحثة فلسطينيّة.

من هُنا، استهلّ خليل مكاري النّدوة بفكرة أنّ مادّة التّاريخ لا تقلّ أدلجة عن أيّ مادّة إنسانيّة أُخرى، مثل العلوم السّياسيّة، وبتبيان فرق منهجيّ رئيس بين المدارس الدوليّة والمدارس العامّة يتمثّل بالوقت المُخصّص لمادّة التاريخ، عبر توضيح أنّ مادّة التاريخ في المدارس الدوليّة تُعطى وقتًا مماثلًا لوقت الموادّ العلميّة، أمّا المدارس العامّة فلا تُخصّص لها إلّا ربع وقت الموادّ العلميّة.

 

مادّة التّاريخ: أفكار وإشكالات المناهج المدرسيّة

بدأ أمين إلياس حديثه ضمن هذا المحور بتوضيح أنّ دور المؤسّسات الرسميّة في صياغة مناهج التاريخ أساسيّ ولا غنى عنه، على وجه الخصوص في حالات كثافة المدارس الخاصّة التي تدرّس مناهجها وينتج عنها مجموعات متمايزة من الطلّاب، واعتبار مؤسّسات الدولة جسمًا يعبّر عن الأرضيّة المشتركة لكلّ أطياف المجتمع، ما يمنحها الأهمّيّة في سياق صياغة منهاج التاريخ.

أمّا منى درويش فركّزت على فكرة التّاريخ كعلم، لا بكونه سرديّة أو قصّة، وأشارت إلى ضرورة أن يفهم الطالب المنطق التاريخيّ والحدث التاريخيّ وديناميكيّاته، ذلك بما يشمل التحليل والتفكير النّاقد، ما يقود إلى تحليل المنظور التاريخيّ انطلاقًا من آليّة ديمقراطيّة في التعلّم تفعّل دور التلميذ، وهكذا، بحسب درويش، يصبح التاريخ علمًا لا سرديّة تخدم أهدافًا سياسيّة.

وضمن ذات المحور، تحدّثت عالية نسيبة حول أهمّيّة التداخل بين التخصّصات، بين الأدب، والفنون الأدائيّة، واللغة، والتاريخ، بما يُغني المادّة المُدرَّسة. وأشارت إلى إمكانيّة إغناء المناهج أيضًا عبر العمل على التاريخ الشفويّ والشخصيّ والعائليّ، كما ركّزت على فكرة أنّ ليس النصّ فقط، أو كتاب مادّة التاريخ، هو ما يخضع للأدلجة، ففي المدارس الدوليّة ومناهجها ثمّة أدلجة كامنة في منهجيّات تدريس مادّة التاريخ أيضًا.

على غرار ذلك، تحدّث باسم البندري حول مساهمة العقل النقديّ في حلّ مشاكل المنهاج، فالمناهج غالبًا ذكوريّة ومتمحورة حول أفراد، والعقل النقديّ يُمكّن المعلّم من ملاحظة هذه الأمور وتقديم معرفة تتجاوزها.

 

مقاربات وممارسات: أنماط جديدة في تدريس التاريخ

ركّز البندري، ضمن هذا المحور، على أهمّ المهارات التي ينبغي العمل على تحقيقها لدى الطالب في مادّة التاريخ، وهدفها العامّ زيادة الحسّ النقديّ لديه، مثل تقييم المصدر، وفهم السّياق، والمقارنة، والقراءة المركّزة. وأشارَ إلى أن الطالب يأتي إلى حصّة التاريخ بتجربة من خارج الصفّ، بمعنى يأتي ولديه وعي خاصّ مكتسب من وضعه في المُجتمع، ويجب أخذ هذا الوعي التاريخيّ بالاعتبار وإعطاء قيمة لتجربة الطالب، ذلك عبر اعتبار الكتاب مادّة يُمكن النّظر إليها بنقديّة.

أمّا إلياس فتحدّث حول التفكير التاريخيّ كطريقة جديدة في تعليم التاريخ، بما يعني نقل مادّة التاريخ من عقليّة السرديّة الواحدة الرسميّة المفروضة من خلال فهم معيّن وكتاب واحد، إلى عقليّة تعتبر التاريخ مجالًا معرفيًّا، واستعمال المجال المعرفيّ في بناء قدرات وكفايات الطلبة.

وداخل مكاري حول المهارات التي يفترض أن تطوّرها مادّة التاريخ، والتي تحتاج تدرّجًا ومسارًا طويلًا يبدأ من مراحل تدريسيّة مبكّرة، خاصّة الكتابة والبحث. ومن هُنا تظهر، برأيه، أهمّيّة الوقت والمسار الطويل في تمكين الطالب من هذه المهارات.

وعرضت روضة غنايم مثال هو تدريس التاريخ في فلسطين المحتلّة سنة 1948، حيث يدرس الطلاب تاريخًا غير تاريخهم، بينما تاريخ الشعب الفلسطينيّ غير موجود في المدارس، من هُنا، ذكرت أنّها هُناك أهمّيّة لمنهج بديل تمثّل في البحث عن تاريخ شعبيّ، والقراءة لمؤرّخين، والتّواصل مع كبار السّن ممّن عاينوا ذلك التّاريخ والحديث معهم. وأضافت أنّ من الأنماط الجديدة هو البحث من أسفل إلى أعلى، أي عكس البحث التاريخيّ التقليديّ، بمعنى البدء من القصّة الصغيرة للوصول إلى القصّة الكبرى. هذه التفاصيل تغيب عن كتب التاريخ، ولذلك يوفّر التاريخ الشفويّ مقابل التاريخ الرسميّ توازنًا وشموليّة.

وضمن ذات المحور، تحدّثت نسيبة عن أنّ نتائج تفاعل الطلبة مع الدروس كانت أدقّ وأفضل وأقرب إليهم ذلك عندما تمسّ القضايا المصيريّة حياتهم ووعيهم، وعند اختيارهم موضوعًا بحثيًّا على صلة بالعائلة الكبيرة أو شهادات كبار السنّ أو المجتمع المحلّيّ. وفي السياق ذاته، ركّزت درويش على أنّ تعليم التاريخ وتعلّمه أمر غير ممكن دون مهارات قراءة النصّ المكتوب ومشاهدة الوثائقيّات وفهم الخطابات المسموعة، ذلك إلى جانب التركيز على المعرفة المفاهيميّة.

واختتمت النّدوة بفكرة البندري حول أهمّيّة فتح باب الحوار والنّقاش بين التربويّين والمؤرّخين، لأهمّيّة اطلاع المؤرّخ على ما يحصل في الصفوف الدراسيّة من وجهة نظر المُعلّمات والمُعلّمين، واطلاع التربويّ على المناهج التاريخيّة المُختلفة.