بين عهد الجائحة وما بعدها.. دور المرشد في التمهيد للعودة إلى المدرسة
بين عهد الجائحة وما بعدها.. دور المرشد في التمهيد للعودة إلى المدرسة
حمّود امجيدل | متخصّص في الإرشاد المدرسيّ -سوريّا/لبنان

مقدّمة

يلعب الإرشاد دورًا مهمًّا في حياة تلاميذ المدرسة من خلال خلق البيئة المناسبة للتعليم والتعلّم، وتقديم الدعم النفسيّ والاجتماعيّ للأطفال، والمساعدة على تجاوز المشكلات النفسيّة والاجتماعيّة والسلوكيّة التي تواجههم. ويكون الإرشاد بين المرشد والطالب (المسترشد) عبارةً عن علاقة مهنيّة يستخدم فيها المرشد مجموعةً من الفنّيّات والمهارات التي تساعد الطالب على فهم نفسه، ومعرفة قدراته، والتعبير عن مشكلاته التي تعيق نموّه النفسيّ والاجتماعيّ، وتؤثّر في تعلّمه.

ألقت جائحة كورونا ظلالًا ثقيلةً على مجمل العمليّة التعليميّة، ووجد المرشدون المدرسيّون أنفسهم في وضع جديد فرض عليهم التعامل بآليّات مختلفة. مستنِدًا إلى تجربتي بوصفي مرشدًا مدرسيًّا في إحدى مدارس اللاجئين في لبنان، أستعرض خلال هذا المقال أدوار المرشد المدرسيّ خلال جائحة كورونا وانقطاع التلاميذ عن المدرسة، والطرائق التي يمكن أن يلجأ إليها لتحسين التواصل مع الأطفال والأهل، والتعامل مع مشكلاتهم، والحالات التي يمكن أن تواجه المرشد عند عودة التلاميذ إلى المدرسة، ودوره في مرحلة العودة إلى المدرسة بعد الجائحة.

 

دور المرشد داخل المدرسة

بالرغم من التوافق على مهمّات المرشد في المدرسة إلّا إنّ المهمّات الوظيفية تختلف شيئًا ما باختلاف السياق الاجتماعيّ والثقافي لبيئة العمل، أو الفئة العمريّة، أو نوع المؤسّسة التي يعمل فيها المرشد.

في البداية، لا بدّ من الإعداد المهنيّ، وتمتّع صاحب التخصّص بالمهارات الاجتماعيّة، وفنّيّات المقابلة، والتدخّل المناسب عند وجود أيّة مشكلة تواجه التلميذ، والتعامل معها بمهنيّة وفق خطّة تدخّل مناسبة، كي لا يشكّل التدخّل ضررًا على الطفل، ولا بدّ من معرفة المرشد بسياسة حماية الطفل، ومصلحة الطفل الفضلى، إذ إنّ من أهمّ أدواره:

  • - تقييم احتياجات التلاميذ وعائلاتهم

ضمن السياق الذي أعمل به، لا يقتصر العمل مع الأطفال اللاجئين على البيئة المدرسيّة، فلا بدّ من التدخّل مع الأهل؛ إذ يحتاجون في كثير من الأحيان إلى الدعم حتّى يتمكّنوا من دعم أطفالهم، والكثير من الأسر تعاني ظروفًا اقتصاديّةً صعبةً وضغوطًا نفسيّةً واجتماعيّةً تجعلهم في حاجة إلى الدعم. هنا، على المرشد المدرسيّ أن يكون على معرفة بطبيعة الخدمات (خارطة الخدمات) التي تقدّمها المؤسّسات والجمعيّات في بيئة الطفل، طبّيّةً كانت أو إغاثيّةً، وذلك لطلب الدعم منها عند الحاجة.

عند دراسة حالة الطفل من خلال المتابعة الفرديّة، نتعرّف احتياجاته ومعوّقات نموّه وتكيّفه في البيئة المدرسيّة، ونضع خطّة تدخّل مع الطفل والأهل، والفريق المدرسيّ الذي يعمل مع الطفل، وصولًا إلى التوصية بالخدمات المتخصّصة التي يراها صاحب الاختصاص مناسبةً بالتشاور مع الأهل والطفل بما يتناسب مع مصلحة الطفل الفضلى.

  • - الجلسات الفرديّة والجماعيّة والدعم النفسيّ والاجتماعيّ للأطفال

وتكون الجلسات الفرديّة لكلّ طفل يحتاج إلى متابعة لدراسة حالته، وتقييم وضعه. وتكون المتابعة مع الطفل أو أهله أو محيطه، وتشمل تسجيل الملاحظات المطلوبة، وتقديم المشورة والإرشاد للحالة حتّى تتجاوز مشكلاتها، أو تقييم الحالة وإحالتها إلى خدمات متخصّصة، كالمتابعة النفسيّة مثلًا، أو متابعة مختصّي التربية الخاصّة، أو الخدمات الطبّيّة، أو التنمويّة.

أمّا الجلسات الجماعيّة، فتكون للتلاميذ الذين يواجهون مشكلات متشابهةً، فيصمّم المرشد مخطّط جلسة بما يتناسب مع موضوع المشكلة، والفئة العمريّة، والأهداف التي يرى ضرورة العمل عليها، أو يستعين بدليل تدريبيّ محدّد.

 

أدوار المرشد خلال الجائحة

خلال جائحة كورونا وانقطاع التلاميذ عن المدرسة أخذ العمل الإرشاديّ هيئةً أخرى وتحدّيات مختلفةً، أهمّها العمل مع مشكلات التلاميذ عن بعد بدل الجلسات المباشرة الفرديّة والجماعيّة.

وجد المرشد نفسه غير قادر على استخدام أدواته الرئيسة القائمة على الوجود مع الطفل مباشرةً في حيّز مكانيّ واحد هو المدرسة، وأوّل هذه الأدوات هي الملاحظة والمشاهدات اليوميّة لسلوكيّات التلاميذ، وتفاعلهم ضمن البيئة المدرسيّة، ومرافقتهم في جولات الباحة المدرسيّة. أحيانًا قد تكون بعض الكدمات على وجه الطفل مؤشّرًا إلى تعرّضه للعنف، ومظهر الطالب قد يكون مؤشّرًا على وضعه الاقتصاديّ وعلاقته بأهله، وتغيّب الطالب المتكرّر عن المدرسة مؤشّر على ظروف الرعاية في الأسرة، أو عمالة الأطفال.

كذلك غياب التفاعل المباشر الذي كان يعتمد المرشد في جزء منه على لغة الجسد، والمظهر العامّ للطفل الذي قد يكون مؤشّرًا على مشكلة لديه تستدعي التدخّل خلال اليوم الدراسيّ؛ إذ يساعد في بعض الأحيان على امتصاص انفعالات التلاميذ، ويزيل توتّرهم لمتابعة يومهم الدراسيّ بإيجابيّة. بالإضافة إلى الأنشطة اللّاصفّيّة المباشرة الهادفة التي تعدّ إحدى الوسائل التي تمكّن المرشد من التعرّف على مشكلات التلاميذ، ورصد تعبيرهم عن مخاوفهم، أو تفاعلهم مع أقرانهم.

لم يقف الأمر عند الأدوات، لكن فرض العمل عن بعد على المرشد تغيير فنّيّاته التي يستخدمها في عمله عادةً، ومواءمتها مع العمل الإرشاديّ في واقعه الجديد، فتحوّلت الأنشطة اللّاصفّيّة المعنيّة بالتوعية من المساحات الآمنة المجهّزة لكي تستوعب الأنشطة التفاعليّة المباشرة إلى مجموعات الاتّصال عبر التطبيقات الإلكترونيّة، ومنها في حالتي تطبيق WhatsApp. أنتج هذا بعض التغييرات التي اعتمدتها في حالة الطلّاب الذين أشرف عليهم لوضع خطّة عمل تبقي الطفل في أجواء الدعم والمتابعة، وذلك من خلال:

العمل مع الأهل

كان هذا عبر جلسات الإرشاد الجماعيّ ضمن مواضيع مختلفة تتعلّق بـ: التواصل مع الأطفال وفهم احتياجاتهم، والوالديّة الإيجابيّة، والوقاية من الحوادث المنزليّة، وإدارة الضغوط النفسيّة، وإدارة الوقت للأطفال، والألعاب البديلة الترفيهيّة. وهذا مهمّ من أجل تزويد الآهل بالمهارات المناسبة، وتعزيز الوالديّة الإيجابيّة تجاه الأطفال خاصّةً أنّهم يقضون معظم الوقت في المنزل. وكذلك توعية الأهل من خلال الجلسات الإرشاديّة، في حال ظهرت أيّ أعراض نفسيّة وسلوكيّة، بضرورة التواصل مع المرشد الذي يعمل بدوره على متابعة الحالة، وتقديم المشورة المناسبة.

جلسات الدعم النفسيّ الاجتماعيّ للأطفال

إنّ حالات الطوارئ غالبًا ما تترافق مع ضغوط نفسيّة، وخوف، وحزن، وقد تعرّض الأطفال وعائلاتهم إلى ضغوط كبيرة بسبب خسارة غالبيّة الأسر دخلها المعيشيّ أو نقصانه، وإلى حجر طويل وما يرافقه من الوحدة، والملل، وعدم توفّر مساحات اللعب الآمنة للأطفال، أو مرض أحبّائهم، وقلق الأطفال من الإصابة، أو الفقدان نتيجة انتقال قلق الأهل إليهم، وكان الهدف من جلسات الدعم النفسيّ إبقاء الأطفال وأسرهم على تواصل آمن داعم مع فريق الإرشاد والحماية (تحالف حماية الطفل، 2019).

تقييم احتياجات الأطفال وأسرهم عن بعد

وهذا من خلال توصيل أسرة الطفل بالخدمات المتوفّرة عمومًا، وتخصيص خطّ ساخن للتواصل دون اضطرار الأهل إلى مغادرة المنزل قدر الإمكان.

 

العودة للمدارس وضرورة التخطيط

إنّ بداية عودة الأطفال إلى المدارس تدريجيًّا، والانتقال من بيئة المنزل إلى البيئة المدرسيّة مجدّدًا، تتطلّب من المرشد العمل على مشكلات متوقّعة جديدة، وتهيئة ظروف مناسبة لعودة الأطفال إلى مدارسهم، والعمل أيضًا على مشكلات متراكمة تتطلّب تدخّلًا مناسبًا لعودة التلميذ إلى المدرسة بصورة طبيعيّة، إذ إنّ مجرّد افتتاح أبواب المدارس أمام التلاميذ، وجلوسهم على المقاعد لا يعني العودة الطبيعيّة، ولا بدّ من النظر إلى التحدّيات المحتملة عند العودة.

حسب حزمة اليونيسف (2020)، من "المهمّ العمل مع الفريق، والإدارة المدرسيّة على تحديد خدمات الصحّة النفسيّة، والدعم النفسيّ الاجتماعيّ للأطفال ووضع آليّة إحالة، والتدريب على الإسعافات النفسيّة الأوّليّة، تعزيز الأنشطة التي تعزّز الرفاهية المدرسيّة، وهذا مهمّ على نحو خاصّ في الأسابيع القليلة الأولى، عندما تفتح المدرسة أبوابها من أجل دعم الطلّاب خلال الفترة الانتقاليّة. لذا، لابدّ من التكيّف مع العودة إلى المدرسة، قبل استئناف الدروس الأكاديميّة بصورة كاملة، التركيز على سياسة حماية الطفل".

وفي هذا السياق يبرز دور المرشد المدرسيّ تحديدًا، والإسهام المتوقّع منه في تعزيز هذه الممارسات، فالعودة "الطبيعيّة" تحتاج إلى:

  • - فهم احتياجات الطفل ومعالجة مشكلاته التي حملها معه نتيجة الانقطاع الطويل عن المدرسة.
  • - التغلّب على نمط الحياة الذي اكتسبه خلال التعليم عن بعد، وفترات الحجر الطويلة في الجائحة.
  • - إشراك الأطفال، والأهل، والمعلّمين في جلسات نقاش لتحديد الاحتياجات، والتحدّيات المعوّقة للعودة الطبيعيّة.
  • - الدعم النفسيّ المباشر للأطفال الذين خسروا واحدًا من الأهل، أو الأحبّاء نتيجة الإصابة بالفيروس.
  • - بناء شراكة فاعل بين الأهل والمدرسة والمجتمع المحلّيّ.
  • - التأكّد من وجود نظام إحالة فعّال في المدرسة للأطفال، وأسرهم في مجالات الحماية، والإغاثة، والصحّة.
  • - التأكيد على أهمّيّة العمل الإرشاديّ ضمن البيئة المدرسيّة، ودوره خلال عودة التلاميذ إلى صفوفهم.
  • - التركيز على الأنشطة الترفيهيّة والتوعويّة والاسترخاء للأطفال لدعم العمليّة التعليميّة ضمن المدرسة.
  • - ينبغي أن يتعامل المرشد مع نوع من المشكلات تتعلّق بالتنمّر، أو الوصم من قبل بعض الأطفال للطفل الذين يعاني من مشكلات صحّيّة تتعلّق بنزلات البرد، أو الأمراض التي لا ترتبط بفيروس كورونا (IASC, 2020).

 

خاتمة

شاع في ظلّ جائحة كورونا القول: "إنّ ما يعيشه العالم يفرض إعادة تعريف ماهيّة الطبيعيّ"، وبرزت تعبيرات من نوع "الطبيعيّ الجديد" New Normal، للإشارة إلى أنّ واقع الجائحة صار هو الأمر الطبيعيّ، وعلى الناس التكيّف معه. وعند النظر في هذه الفكرة من منطلق الإرشاد المدرسيّ، فهذا يعني أنّ الأطفال الذين كانوا يعانون خلال وجودهم في المنزل، قد يواجهون المعاناة نفسها في حال عودتهم إلى المدرسة، فالمدرسة في هذه الحال ستكون تغييرًا على "الطبيعيّ الجديد" الذي ألفه الطلبة لأكثر من سنة ونصف. ثمّة نظام حياة فرضته كورونا على الأطفال لا يجب تجاهله، ويجب الالتفات إلى مشكلاتهم، وتطلّعاتهم والعمل عليها. بقدر ما تبدو العودة إلى المدرسة مبعث تفاؤل عند كثيرين، يجد المرشد المدرسيّ نفسه يفكّر بالأمر بطريقة مختلفة، ويُعدّ العودة مرحلةً جديدةً بتحدّيات جديدة قد لا تقلّ أهمّيّةً وخطورةً عن مرحلة الجائحة نفسها.

 

قائمة المراجع:

- تحالف حماية الطفل في العمل الإنسانيّ. (2019). دليل استرشاديّ: حماية الطفل أثناء وباء كورونا. [إنترنت].

- يونيسيف. (2020). الجاهزيّة للعودة، حزمة تدريب وإعداد المعلّم. [إنترنت].

- IASC. (2020). مذكّرة إحاطة، تتناول الصحّة العقليّة والجوانب النفسيّة الاجتماعيّة لتفشّي فايروس كورونا 2019. [إنترنت].