المدرسة بيتنا الثاني والوحيد... حرفيًّا
المدرسة بيتنا الثاني والوحيد... حرفيًّا
2023/10/31
منار الزريعي | معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين

لم تتوقّف المسيرة التعليميّة في قطاع غزّة فحسب، بل توقّفت الحياة بالكامل. بينما أراقب الأخبار من بعيد، لحظة بلحظة، تكافح عائلتي من أجل البقاء في ظلّ هذه الظروف الكارثيّة التي فرضها العدوان الإسرائيليّ على غزّة بعد أحداث السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر. نفدت أدوية والدتي التي تحتاج إليها لتنظيم ضغط دمها. نفد الماء وشارف الغذاء أيضًا على النفاد. دمّرت البنية التحتيّة، وتوقّف عن العمل كلّ من شبكة الكهرباء وشبكات الاتّصال والإنترنت. أحيانًا تمرّ 72 ساعة من دون أن أسمع أصوات والدتي وإخوتي. لا تأتي أخبار من مدينتي، فأنا لا أعلم ماذا حدث لأحبتي وجيراني.

 

المدرسة التي أعمل فيها في مدينة دير البلح في قلب غزّة تحوّلت، منذ أسابيع، إلى مأوى طارئ لمئات العائلات النازحة. هذه المدرسة واحدة من 150 منشأة تابعة لوكالة الأمم المتّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين (الأونروا) التي تؤوي أكثر من 600,000 نازح. تؤوي كلّ غرفة صفّيّة عدّة عائلات تبحث عن الحماية، وعن جدران تقيها برد ليالي غزّة الخريفيّة. ومع ذلك، هذه المنشآت ليست محصّنة من القصف. وفقًا للسيّد توماس وايت، مدير عمليّات الأونروا في غزّة، استهدف الجيش الإسرائيليّ خمس مدارس تؤوي مدنيّين، ما أسفر عن استشهاد 17 مدنيًّا وإصابة 281 آخرين. منذ بداية العدوان، فقدت 59 من زملائي في الأونروا أثناء أداء واجبهم الإنسانيّ، من ضمنهم صديقتي وزميلتي العزيزة أمل وعائلتها.

 

صديقتي وزميلتي العزيزة، ميساء، تغادر منزلها كلّ صباح للعمل كجزء من فريق الاستجابة الطارئة في المدرسة، على الرغم من استشهاد والدها المسنّ في هجوم جويّ قبل أيّام. في المدرسة، تسعى ميساء إلى تقديم الدعم للعائلات، بخاصّة الأمّهات والأطفال، وتقديم الرعاية النفسيّة الأساسيّة، بشكل خاصّ لأولئك الذين فقدوا أفرادًا من عائلاتهم. هي، بالاشتراك مع طاقم المدرسة والمتطوّعين، تسعى أيضًا لإشراك الأطفال في أنشطة تفاعليّة بسيطة. ولكن ماذا يمكن للعاملين فعله عندما يكون من الصعب أحيانًا حتّى الوصول إلى المأوى بسبب نقص الوقود لنقلهم من منازلهم؟ ماذا يمكن للأونروا فعله في وضع يكون فيه توصيل وتأمين المساعدات الطبّيّة والغذائيّة للمدنيّين في غزّة أمرًا مستحيلًا؟ ماذا يمكن للجميع فعله عندما تُستهدف المستشفيات، وتُدمّر المنازل، وتُمحى العائلات بأكملها من السجلّ المدنيّ من دون محاسبة.

 

حتّى الآن، عند حدّ علمي، فقدت ما يزيد عن 15 فردًا من عائلتي الممتدّة، من ضمنهم أربعة من أبناء عمّتي، وزوج عمّتي. كما فقدتُ إحدى طالباتي في المدرسة، طفلتنا الصهباء الصغيرة سما. في الصورة، ترفع سما لافتة تقول: "حقوق الإنسان أوّلًا" خلال الفعاليّة السنويّة التي تنظّمها المدرسة للاحتفال باليوم العالميّ لحقوق الإنسان. لن تحتفل سما معنا هذا العامّ. سما وعائلتها الآن في مكان أفضل. أيّ مكان أفضل من هذا العالم الذي يقف مكتوف اليدين أمام ما يحدث في غزّة.

سُجّل النصّ مع بودكاست صوت خلال العدوان على غزّة، عام 2023.

للاستماع من هُنا.

1