الطلّاب هم القوّة الفاعلة لتمكين المجتمعات
الطلّاب هم القوّة الفاعلة لتمكين المجتمعات

بعد سلسلة من ندوات منهجيّات الشهريّة، جاءت هذه الندوة لتؤسّس منهجًا تشاركيًّا في بناء المعرفة وإنتاجها من خلال إفراد لقاء بأكمله لطلّاب من سبع دول عربيّة مختلفة. هدفت الندوة إلى إعطاء صوت للطلّاب بإتاحة الفرصة لهم للتعبيرعمّا دار في أذهانهم وقت الجائحة، والحديث عمّا عرفوه من صعوبات وتغييرات جرّاء إغلاق المدارس، ونتيجةً للتعليم عن بعد. كيف تغلّب الطلّاب على هذه الصعوبات والتحدّيات؟ ومن دعمهم في هذه المرحلة من الإرباك؟ كيف يرى الطلّاب عودتهم إلى المدارس؟ ما الذي يتوقون له ويخشونه في الوقت ذاته؟

 

أدارت الندوة د. ميامن الطائي - عضو الهيئة الاستشاريّة في منهجيّات، أستاذة محاضرة في التربية - جامعة ليستر، ورئيسة مؤسّسة "آفاق التعليم"، المملكة المتحدّة. شاركها الندوة الطلّاب: تمارا خليل ( الصفّ الحادي عشر- لبنان)، شهد أبو غربيّة ( الصفّ الحادي عشر- الأردنّ)، رشيد حسن (الصفّ الثاني عشر-  قطر)، أميرة المعلّم (الصفّ الثاني عشر- اليمن)، علي نظير جاسم (الصفّ التاسع- العراق)، أحمد سامح (الصفّ الحادي عشر- مصر)، ويسرى أقدار(الصفّ الثاني عشر- المغرب).

 

شرحت د.الطائي في بداية الندوة أنّ صوت الطلّاب في العمليّة التعليميّة يشير إلى "القيم والآراء والمعتقدات ووجهات النظر والخلفيّات الثقافيّة للطلاب في المدارس أفرادًا ومجموعات، وإلى الأساليب والتقنيّات التعليميّة التي تستند إلى اختيارات الطلّاب واهتماماتهم وطموحاتهم". وأشارت إلى المهارات السبع التي يلزم الطالب التمكّن منها، وهي التفكير النقديّ وحلّ المشكلات، التعاون عبر الشبكات والقيادة بالتأثير، الرشاقة والقدرة على التكيّف، المبادرة وريادة الأعمال، التواصل الشفويّ والكتابيّ الفعّال، الوصول إلى المعلومات وتحليلها، والفضول والخيال. ثمّ توجّهت الطائي إلى المعنيّين بالعمليّة التربويّة عبر الإشارة إلى طرق مختلفة تسهم في تمكين الطلّاب، وترتكز حول منحهم صوتًا من خلال إقامة المنتديات للاستماع إلى تعليقاتهم، وإعطائهم القدرة على اتّخاذ القرار في التعليم، وإشراكهم في قضايا حقيقيّة.

 

تركّز النقاش مع الطلّاب حول محاورَ أساسيّة:

  1. ما قدّمته المدارس وقدّمه أولياء الأمور في الجائحة.
  2. العودة إلى المدرسة، ووضع التعليم في هذه المرحلة، الشعور بالأمان لدى الطلّاب، ومقاربتهم للتعليم السابق الصفّيّ.
  3. صوت الطلّاب وتمكينهم للمشاركة في اتّخاذ القرارات.

 

كيف يصف الطلّاب تجارب مدارسهم؟

تحدّث الطلّاب في المحور الأوّل عن الإجراءات التي قامت بها المدارس وعن دورالمعلّمين والأهل وجهودهم، وعن دورهم الشخصيّ في هذه المرحلة. ومن هذه الإجراءات:

  1. توفير بيئة تعلّم آمنة في بعض المدارس من خلال إتاحة الفرصة للطلّاب للتعبيرعن آرائهم  والمشاركة باقتراحات حول أنسب طرق التدريس عن بعد.
  2. استخدام الاستبانات من قبل المدرسة ساعد في تذليل الصعوبات الناجمة عن قرار غلق المدارس والانتقال إلى التعليم عن بعد.
  3. إنشاء صفوف إلكترونيّة من قبل المدرسة، باستخدام Microsoft Teams، وكذلك تكوين مجموعات "واتس آب".
  4. تشجيع الأهل والمعلمين المستمرّ ساعد في تقليل حجم الإحباط الذي واكب إغلاق المدرسة.
  5. الحوار مع الأهل ساعد في تلقّي الدعم النفسيّ والمعنويّ ومحاولة فهم مستجدّات الجائحة وما يحدث في العالم.
  6. تطوير الدافعيّة الذاتيّة، إذ أصبح الطالب مسؤولًا بصورة أكبرعن مسار التعلّم وطريقته.

 

أوضح المشارك "علي"  أنّ مدرسته في العراق أطلعته وزملاءه على إجراءات السلامة، وقدمت لهم شرحًا حول الدراسة عن بعد، وتواصلت الإدارة معهم عبر "واتس آب". وأضاف أنهم حصلوا على الدروس عبر قناة "تليجرام"، وتعرّفوا على إجراءات الاختبارات عبر الإنترنت من خلال مواقع قام بتصميمها الأساتذة. وأشارعلي إلى تكوينه ورفاقه، بقرار ذاتيّ، مجموعةً أسموها Creation of Mindful للتواصل حول ما يواجهه الطلّاب من صعوبات ومشكلات في التعلّم، ممّا وفّر للجميع حلقة تواصل لتبادل المعلومات حول المسابقات والفعاليّات.

من ناحية أخرى، أوضح "أحمد" أنّ مدرسته في مصر طوّرت مكتبةً إلكترونيّةً تحوي المناهج كافّةً، ممّا يتيح للطالب الاطلاع على محتواها بحريّة بهدف استخدام المصادر. وتحدّث "أحمد" عن توجيهات وزارة التربية والتعليم في مصر، التي عدّلت طريقة الاختبارات، إذ أصبح نظام التقييم يستند إلى استخدام التابلت للصفوف العليا، بينما اعتمدت الصفّوف الدنيا أدوات تقييم مختلفةً بتقديم الأبحاث وتقييمها.

 

وعن الوضع في اليمن، أوضحت "أميرة"  أنّه في بداية الأمر، كان يبدو كأنّ اليمن لم يصله  الفيروس بعد، فاستمرّت الدروس حتى بدأت الحالات بالظهور، فتقرّر إغلاق المدارس والجامعات والمنشآت الحكومية والخاصة. وأضافت أميرة أنّه في تلك الأيّام، لم يلقَ الطلّاب أيّ تجاوب سواءً من الحكومة أو المدرسة. فقامت بعمل مبادرة بالاشتراك مع زميلاتها بتكوين مجموعة تعلّم عبر "واتس آب". لكن هذه المبادرة لم تجد، حسب قولها، تجاوبًا إلّا من قبل عدد قليل من المدرّسين، مما تسبّب بصدمة لها ولرفاقها، فكانت هذه "الفترة عصيبةً للغاية". أمّا "يسرى" من المغرب فوصفت الوضع بأنّه "سيئ  للغاية" لم يُقدّم لهم الدعم الكافي في مواجهة الجائحة، أو تكدّس المناهج أو الاستعداد للاختبارات النهائيّة التي تأجّلت في نهاية العام. تعاملت كلّ مدرسة بصورة منفصلة، لم يكن المعلّمون مؤهّلين بصورة كافية لتقديم الدعم، كان ثمّة قلّة من المعلّمين الذين تواصلوا مع الطلّاب عبر مجموعة "واتس آب"، غير أنّ هناك بعض الطلّاب واجهوا صعوبةً في الحصول على خدمة الإنترنت في المنزل.

 

تجارب الطلّاب بعد العودة إلى المدرسة

وفي المحور الثاني من الندوة المخصّص للتعرّف على تجارب الطلّاب بعد العودة إلى المدرسة، أوضحت الطالبة شهد أنّها استفادت كثيرًا بعد العودة إلى المدرسة من التعليم الإلكتروني الذي أصبح أفضلَ من السنة الماضية. أرجعت ذلك التحسن إلى أنّ  كثيرًا من المعلّمين انخرطوا طيلة الإجازة الصيفيّة في دورات تدريبيّة لتطوير مهارات التدريس لديهم، فاستخدموا تقنيّات وأساليب تدريس أكثرَ فاعليّة.

بدورها أشارت تمارا إلى أنّ الخوف ما زال قائمًا: "بالرغم من اتّباعنا كافّةَ الاحترازات والإجراءات المتعلّقة بالنظافة العامّة، ما زال الخوف قائمًا. الخوف ليس أن نصاب بالفيروس، بل أن نكون حاملين له ونتسبب في إصابة ذوينا، إذا ما عدنا للبيت بعد الدوام المدرسيّ." وشرح رشيد عن القرار الذي اتّخذته وزارة التعليم في قطر بإعطاء الأهالي حقّ اختيار التعليم عن بعد أو التعليم الحضوريّ لأبنائهم. وعن مدرسته تحديدًا، أضاف أنّها طبّقت خطّةً بديلةً أخرى، وهي تقديم حصص "أونلاين" بعد الدوام المدرسيّ الوجاهيّ لتحضير الطلّاب في حال اضطرّت المدرسة إلى الإغلاق. وأشار رشيد إلى بعض الصعوبات في العودة إلى المدرسة واصفًا الطلّاب بأنّهم لم يعودوا إلى الحياة الطبيعيّة كما كانت عليه قبل الجائحة من جهة فقدان التواصل: "نحن نجلس في الغرفة نفسها، غير أنّ هناك مسافةً بيننا. كأنّنا ما زلنا في التعليم عن بعد". وتحدّث عن اختلاف رؤيته للتعليم عن بعد، حيث أعطيت المسؤوليّة للطلّاب لإدارة تعلّمهم بأنفسهم. وأشار أحمد أنّ مدرسته في مصر منحتهم حقّ اختيار يومين للحضورإلى المدرسة، وشرح التغييرات التي تمّت من تحويل الحصص إلى أنشطة، وتطويرقنوات تعليميّة لكل صفّ، وكذلك مجموعات تقوية ومكتبة إلكترونيّة ومنصّة. أمّا "يسرى" فأخبرت أنّ وزارة التعليم في المغرب أعطت خيارين: إمّا العودة للمدرسة والانتظام الحضوريّ، أو البقاء في المنزل والتعلّم عبر الإنترنت، غير أنّ الخيارالأخير كان دون تأهيل لأحد للتدريس أو التعلّم من خلاله. أمّا التعليم الحضوريّ فقد قسّم الطلّاب إلى مجموعتين، كلّ مجموعة فيها خمسة عشر طالبًا، وقد كان قرارًا "جيّدًا".

 

عن صوت الطالب

وفي المحور الثالث عن تمكين الطلّاب وإعطائهم الصوت للتعبير عن أنفسهم، أشارت شهد إلى وجود علاقة تشاركيّة مع مدرستها، وقد استمرّت تلك العلاقة الداعمة وقت الجائحة، وبعد العودة إلى المدرسة. ثمّ شرحت أنّ مدرستها تعزّز مبادئ التعاطف والاستقلاليّة، وتؤمن بتمكين المرأة وتعدّ  الطلّاب لأدوار فعّالة في المجتمع.  وأوضح أحمد  أنّ سياسة الوزارة في مصر اعتمدت على تنمية مهارات الإبداع، فقد ساعد تطوير طرق التدريس القديمة إلى تعزيز فهم الطلّاب وتطوير مهارات التحليل والإبداع.

تجربة أميرة في اليمن تشير إلى عدم حدوث تغيير في الطريقة القديمة للتعلّم: "لا صوت لدينا في المدرسة، وإذا ما كان ثمّة جهد ليصبح صوتنا مسموعًا، فهو يذهب أدراج الرياح وبخاصّة إذا حاول طالب منّا أن يبديَ رأيه أو يشارك فكرةً". وهي تجد المدارس اليمنيّة تستخدم الأسلوب التقليديّ البحت الذي يدور في فلك الديناميكيّة القديمة "لا تناقشني، لا تجادلني".

 

وفي محور صوت الطلّاب، تذكر تمارا أنّها كانت تحلم بدخول الجامعة، وكانت تبحث عن التخصّص، ثم أتت الجائحة وما سبقها من ثورة هائلة اجتاحت لبنان، فوضعتها ورفاقها أمام اختبار يحتاج إلى كثير من المرونة والتأقلم، وعلى حدّ قولها: "لم يكن لدينا خيار آخر". أمّا يسرى، فقد عبّرت بوضوح أنّها شعرت بالخيبة الشديدة: "كنت وزملائي نشعر أنّنا تُركنا بمفردنا نواجه كلّ شيء: إغلاق المدرسة، تراكم المناهج، الاستعداد للاختبارات. كان أمرًا مؤلمًا".

أمّا أميرة فقد اختتمت مشاركتها بقولها:"أشعر بالأسى أنّي أكبُر في بلد اللّاطموح، اللّاأمنيات، اللّاأحلام، اللّاأمان، واللّاتعايش واللّاإبداع. أقدّم اعتذاري لكلّ طالب مبدع مفكّر، ولكلّ شابّ يمنيّ أو عربيّ. لأيّ شخص لديه الطاقة والرغبة، لكنّ الظروف تقف حائلًا أمامه. أعتذر بحجم الأرض، وسعة السماء."

 

في الخلاصة، إنّ الطلّاب أجمعوا على أنّ تواصلهم مع معلّميهم الذين حرصوا على ألّا ينقطع التواصل معهم، وتشجيعهم هو ما منحهم متّكأً وملاذًا آمنًا مكّنهم من الاستمرار بكلّ صورة ممكنة بالرغم من كل شيء، ويأتي هذا الإجماع بمثابة ردّ على سؤال تمّ توجيهه لاحقًا حول إمكانيّة استبدال المعلّمين أو الاستغناء عنهم، وحلول التكنولوجيا محلّ المعلّم.

إنّ التأمّلات التي قدّمها الطلّاب ترتكزعلى التجربة الحقيقيّة للتعليم وتفرد مساحةً لصوت الطلّاب باعتبارهم القوّة الفاعلة في التعليم.