الصدمة النفسيّة عند الطفل
الصدمة النفسيّة عند الطفل

تُعدّ الصدمة النفسيّة عند الطفل من الحالات المعقَّدة التي تطول فترتها، والتي تختلف أعراضها وأسبابها من طفل إلى آخر. قد يصعب اكتشافها في البداية بسهولة، ولا سيّما في المرحلة العمريّة الحسّاسة الممتدّة من الولادة إلى سنّ الثماني سنوات، والتي يتأثّر فيها الطفل بالتجارب النفسيّة والعاطفيّة تأثّرًا عميقًا، قد يصعب التعافي منه عمرًا طويلًا. يحتاج السلوك الدالّ على الصدمة النفسيّة إلى مراقبة الطفل عن قُرب، ويمكن ألّا يُلاحَظ ذلك بوضوح، لا سيّما أنّ الطفل قد يبدو في حالة متَّزنة لا تثير القلق، ولكنّه يعاني الصدمة النفسيّة وآثارها.

 

ما عوامل حدوث الصدمة النفسيّة عند الطفل؟ 

تختلف طبيعة الاستجابة للصدمة النفسيّة عند الطفل من حالة إلى أخرى، ويعود هذا الاختلاف إلى عدّة عوامل: 

 

المرحلة العُمريّة  

يؤثِّر العُمر في درجة تأثير الصدمة النفسيّة في الطفل. يختلف ردّ فعل المراهق عن الطفل في سنواته المبكِرة، ويؤثِّر هذا العامل في أسلوب علاج الصدمة النفسيّة لاحقًا. 

مرحلة النموّ 

يؤثِّر مدى نضج الطفل الاجتماعيّ وقوّة مهارات التواصل عنده في استطاعته التعبير عن معاناته مع الصدمة النفسيّة التي تعرّض لها. يعدّ ذلك تحديًّا رئيسًا أمام الوالدين أو المعالِج. 

بيئة الطفل 

البيئة أو الوسط المحيط بالطفل عامل مؤثِّر للغاية في تعامله مع الصدمة النفسيّة أو العاطفيّة. كلّما دعم الوالدان الطفل ووفّرا له البيئة الآمنة للتعبير، وكلّما زاد وعيهم بالصدمة النفسيّة لدى الطفل وكيفيّة التعامل معها وآليّات العلاج، كانت استجابة الطفل للعلاج أسرع وأكثر فاعليّة.  

العوامل الجينيّة 

يزيد العامل الجينيّ من احتماليّة إصابة الطفل بالصدمة النفسيّة، ورغم أنّها ليست مسبِّبًا رئيسًا إلّا أنّ إحدى الدراسات أشارت مؤخّرًا إلى أنّ الصدمات النفسيّة قد تكون موروثة. إذا كانت الأمّ، مثلًا، مصابة بصدمة نفسيّة خلال فترة حملها بالطفل، فمن المرجَّح أن يولد طفلها مصابًا بصدمة نفسيّة.  

 

ما أسباب الصدمة النفسيّة عند الطفل؟ 

لا يُمكننا تحديد أسباب حتميّة للصدمة النفسيّة، إذ ليس هناك مقياس محدّد لأسباب الصدمة؛ حيث تتفاوت حسب التاريخ المَرضيّ للصدمة، والتاريخ العائليّ، والبيئة المحيطة، والأوضاع الاجتماعيّة سواء في المنزل أم في مؤسّسات المجتمع كالمدرسة والروضة وغيرها، من العوامل التي تجعل من حدث ما صادمًا بالنسبة إلى طفل وطبيعيًّا بالنسبة إلى آخر. لكن، ذلك لا يمنع وجود أسباب شائعة ومحفِّزة لإصابة الطفل بالصدمة النفسيّة، نذكر من بينها:

 

الفقد 

موت أو هجر شخص عزيز، مثل أحد أفراد العائلة – ولا سيّما الوالدين- أو الأصدقاء. 

الخلافات الأسريّة  

مثل انفصال الوالدين أو سوء علاقتهما، والضغط النفسيّ المستمرّ على الطفل. 

الكوارث الطبيعيّة  

مثل تعرّض المنزل للزلازل أو الحريق، وتعرّض حياة الطفل للخطر. 

الاعتداء أو العنف 

يتعرّض عدد لا بأس به من الأطفال للعنف الجسديّ والجنسيّ والنفسيّ، سواءً أكان ذلك في المدرسة أم المنزل. يعدّ ذلك من أبرز أسباب حدوث الصدمات النفسيّة الغائرة لدى الطفل. 

الجوع العاطفيّ

يؤدّي إهمال احتياجات الطفل النفسيّة والعاطفيّة وعدم اكتفائه من الحبّ والاهتمام إلى ميله إلى العلاقات السامّة والتعلّق المَرضيّ بها، أملًا في إشباع احتياجاته. 

العنصريّة

يعيش الأطفال الذين تربّوا في غير مجتمعاتهم العرقيّة الأصليّة تجارب نفسيّة مؤلِمة، بسبب التمييز والتفرقة التي يتعرّضون لها من الأشخاص المختلفين عنهم. 

التنمّر 

يُعدّ من أكثر الأسباب شيوعًا لحدوث الصدمة النفسيّة عند الطفل، لأنّ تعرّضه للسخرية من شكله أو طبيعته أو أيّة عوامل خارجة عن إرادته يُدمرّ ثقته بنفسه. 

الحروب 

يُعاني ضحايا الحروب من الأطفال الصدمات الشديدة والذعر، بسبب الأحداث القاسية والأهوال التي لا تتحمّلها عقولهم ومشاعرهم. يعدّ هذا النوع من الصدمات من أصعب الحالات التي تواجه المختصّين على الإطلاق. 

 

ما الآثار الشائعة للصدمة النفسيّة عند الطفل؟ 

يمكن أن يكون للصدمة النفسيّة تأثير عميق ودائم في رفاهية الطفل ونموّه عامّةً. لكن، في الوقت الذي قد يستجيب الأطفال فيه للصدمة النفسيّة استجابات مختلفة، يمكن أن تشير بعض الأعراض الشائعة إلى وجودها. أهمّها:

  • - الخوف الشديد وسهولة إثارة حفيظة الطفل.
  • - التعلّق المرضيّ، ولا سيّما بالوالدين.
  • - تشتّت الانتباه الحادّ.
  • - صعوبة الثقة في الآخرين.
  • - حالات الاكتئاب المستمرّة.
  • - ردود الأفعال العنيفة وصعوبة المسامحة.
  • - اختلال عاداته الغذائيّة، كفقد الوزن أو اكتسابه بشكل زائد.
  • - تعمّد إيذاء النفس.
  • - الميل إلى الانتحار.
  • - الاندفاع وكثرة المخاطرات غير المحسوبة.
  • - القلق المَرضيّ.
  • - قابليّة البكاء بشكل سريع وشديد.
  • - الأرق وصعوبات النوم.
  • - الرهاب الاجتماعيّ.
  • - الدونيّة وانعدام الثقة بالنفس.
  • - التبلّد واللامبالاة تجاه الأحداث المؤثِّرة.
  • - التفكير السلبيّ الدائم.
  • - عدم تخطّي السلوكيّات الصبيانيّة الطفوليّة مع تقدّم العمر.

 

كيف يمكننا التصرّف تجاه الصدمة النفسيّة عند الطفل؟

رغم أنّ الصدمة النفسيّة عند الطفل مسألة معقَّدة وتحتاج إلى وقت وجهد لنتمكَّن من تفسيرها والوصول إلى أسبابها الحقيقيّة، إلّا أنّ طرق المساعدة والتخفيف من آثارها لدى الطفل تبقى ممكنة. انطلاقًا من تلقّي الطفل المساعدة من المعالج النفسيّ، وصولًا إلى زيادة الوعي عند الآباء، يمكن أن يستجيب الطفل ويبدأ برحلة التعافي التي تزداد فعّاليّتها كلّما كانت أبكر في حياته.  

 

استمع جيّدًا إلى طفلك

شجّع الطفل على التعبير عن مشاعره والإفصاح عن أسراره التي قد تتضمّن مصدر الصدمة الأساسيّ، مع توفير المحيط الآمن له من دون الحكم عليه، أو لومه، أو إشعاره بأنّ نظرتك له ستتغيّر إن أفصح عمّا في داخله. 

ساعده في التخلّص من عقدة الذنب 

ساعد الطفل على التخلّص من الشعور بالذنب، وأنّه ليس مسؤولًا عمّا حدث له.  

لا تتعجّل 

لا تتعجّل لترى النتيجة، حيث يتطلّب تجديد الشعور بالأمان لدى الطفل الجهد وتراكم التجارب المطمئنة، لكي تتصدّى لأثر التجارب المؤلمِة. 

أجبه عن تساؤلاته

لا تترك لدى الطفل أسئلة معلَّقة أو مساحات غامضة، لأنّه يحتاج الآن إلى الصدق والإجابات الوافية التي تُطمئِنه وتبني الثقة عنده، ليعبِّر عن الموضوعات الحسّاسة والعميقة داخله. 

استعن بالعلاج النفسيّ 

يُعدّ العلاج المعرفيّ - السلوكيّ من أكثر أنواع العلاج النفسيّ شيوعًا، حيث يتحدّث المعالج النفسيّ مع الطفل في عدّة جلسات، يستمع خلالها إلى أفكاره ويحاول فهمها، ويعدِّل بالتالي سلوك الطفل. كما يعدّ العلاج باللعب وسيلة علاج نفسيّ فعّالة، حيث يُسمَح للطفل باللعب في بيئة آمنة تُلاحَظ فيها تصرّفاته، ويدخل المعالج النفسيّ معه في نقاش لمحاولة الوصول إلى أفكاره عندما يكون في أكثر حالاته هدوءً وسكينة.  

العلاج بالأدوية 

قد يطلب الطبيب النفسيّ إلى طفلك اللجوء إلى العلاج بالأدوية. رغم أنّ الوصول إلى هذه الخطوة مرحلة متقدِّمة، إلّا أنّ الطبيب قد يرى أنّه أمر ضروريّ لمصلحته.

* * *

التعرّف إلى أعراض الصدمة النفسيّة عند الطفل أمر ضروريّ لتوفير الدعم والتدخّل المناسبين. إذا كنت تشكّ في أنّ طفلك يعاني صدمة، فمن الضروريّ طلب المساعدة المهنيّة من ذوي الخبرة في العمل مع الأطفال المصابين بصدمات نفسيّة. يمكن أن يُحدِث التدخّل المبكِر والرعاية الواعية بالصدمات فرقًا كبيرًا في مساعدة الأطفال على الشفاء واستعادة شعورهم بالرفاهية. تذكَّر أنّه بالتعاطف والتفاهم والدعم المناسب، يمكن للأطفال التغلّب على آثار الصدمات والنموّ مرّة أخرى. 

 

 

أقرأ أيضًا

المشكلات الأسريّة وأثرها في الأبناء | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

مشكلات المراهقين النفسيّة وكيفيّة التعامل معها | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)

 

المراجع

https://www.verywellmind.com/what-are-the-effects-of-childhood-trauma-4147640  

https://arabic.rt.com/health/1316650-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AF%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%85%D9%83%D9%86-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%AB%D8%A9/#