الصحّة النفسيّة والاجتماعيّة لأعضاء المُجتمع المدرسيّ في ظلّ جائحة كورونا
الصحّة النفسيّة والاجتماعيّة لأعضاء المُجتمع المدرسيّ في ظلّ جائحة كورونا

عقدت "منهجيّات" ندوتها الإلكترونيّة الشهريّة بتاريخ 16 كانون الأوّل 2020 بعنوان "الصحّة النفسيّة والاجتماعيّة لأعضاء المُجتمع المدرسيّ في ظلّ جائحة كورونا"، ضمن سياق ندوات شهريّة تُقيمها "منهجيّات" بهدف إثراء النَّقاش حول الحالة التعليميّة والتربويّة في الوضع الراهن.

واختيرَ موضوع الندوة هذا الشّهر لرصد تغيّرات الحالة النفسيّة والاجتماعيّة التي طرأت على أعضاء المُجتمع المدرسيّ، من مُعلّمين وطلبة وأهل، في ظلّ جائحة كورونا، ذهابًا للتّحدُّثِ عن البرامج والخطوات التي تُطَبّق للتخفيف من آثارِ الجائحة في المدارس، ذلك بالحوار مع أربع مرشدات ومُستشارات تربويّات هُنّ: نانسي قاروط، وسوزان أبو هلال، ورنا ديب، ورزان جوعانة، حاورهم الأُستاذ محمود عمرة.

 

قدَّم عمرة، عضو الهيئة التأسيسيّة لمنهجيّات، النّدوة عبر التعبير عن التحدّيات التي تشكّلت بفعل جائحة كوفيد-19 للأنظمة التعليميّة في مختلف دول العالم نتيجة الإغلاقات، الأمر الذي دفع هذه الأنظمة لإيجاد حلول سريعة عبر اعتماد التعليم الإلكتروني. وأشار إلى بدء الاهتمام بالصحّة النفسيّة والاجتماعيّة للطلبة، الذي تَخَلَّق في ظلّ تقطّع روتين حياتهم اليوميّة، وامتداد الاهتمام لاحقًا ليصل باقي المُجتمع المدرسيّ من مُعلّمين وأهالي وإداريّين، تمهيدًا للتعامل مع الخوف والقلق وعدم الاستقرار والضغط النفسي، عبر قوله: "لقد ساهمت الجائحة بإظهار الاهتمام بهذا الجانب، لأنّ الأزمات تكشفُ بشكلٍ واضح علاقة الصحّة النفسيّة والاجتماعيّة بالتّعلّم، ونتيجةً لذلك تطوّر الوعي حول هذا الجانب، ما يُبشّر أنّ الاهتمام بهِ سيستمرّ حتى بعد زوال الجائحة".

ورَحَّب عمرة بالمُتحدّثات، وقسَّم النّدوةَ إلى محورين: الأوّل "تأثير الجائحة على الصحّة النفسيّة لأعضاء المُجتمع المدرسيّ" رصدت خلاله المُتحدّثات أبرز التحدّيات والمُشاكل التي واجهت مُجتمعاتهنّ التعليمية، والثّاني "الخطوات والبرامج والإجراءات التي اتخذت لمواجهة التحدّيات المُتعلّقة بالصحّة النفسيّة والاجتماعيّة"، إذ عرضت المُتحدّثات مُبادراتهنّ المُختلفة والبرامج المُصمّمة من قِبلهنّ لخلق حلول وفتح آفاق جديدة ضمن إطار التعليم عن بُعد.

 

بدأت رنا ديب، وهي مستشارة تربويّة من فلسطين، بتقديم عرض عن التحدّيات المُختلفة التي سبّبتها الجائحة على الصحّة النفسيّة في المُجتمع المدرسيّ، وعبّرت عن الواقع الجديد الذي تشكّل وسبّب فوضى وغياب يقين في المُجتمع المدرسيّ، وركّزت على أهميّة الحصانة النفسيّة وعرّفتها بأنّها "القدرة على التأقلم مع التحدّيات والمثابرة والقدرة على التعافي بعد اجتياز الفترة الصعبة، والتعلّم والاستفادة منها". وذَكرت ديب العديد من التحدّيات التي تسبّبت بها الجائحة من تباعدٍ اجتماعيّ وفقدان الشعور بالأمانِ وعدم توفّر الأدوات المُناسبة للتعلّم عن بُعد، وطرحت حلولًا لهذا الواقع الجديد تمثّلت في أهميّة مُتابعة الطلبة وضرورة العمل المُشترك بين المُربّين والمُرشدين الاجتماعيّين والأهالي، وشاركت الحضور بعض الأنشطة، مثل بعض الألعاب التفاعليّة والتي تُساهم بتعزيز التعبير وكسر الجمود في جوّ التعليم عن البُعد.

 

انتقل الحديث إلى نانسي قاروط، اختصاصيّة في علم النفس ومعالجة نفسيّة من لُبنان، التي سلّطت الضوءَ على مشاكل مُحدّدة عبر خريطة معرفيّة شاركتها مع الحضور، أشارت فيها إلى تأثير أزمة كورونا على الأفراد ومن ثمّ على المُعلّمين والأهالي والطلبة. وبدأت بعرض الآثار الإيجابيّة. قالت: "لا نستطيع إنكار الفرصة التي منحتنا إيّاها جائحة كورونا للتأمّل وإعادة التفكير برؤيتنا للعالم". وعرضت بعد ذلك التداعيات السلبيّة التي أثّرت على المُجتمع المدرسيّ من منحى التراجع على المستوى الاجتماعيّ والعلائقيّ نتيجةً للإغلاقات المُستمرّة، ما أثّر، في ذات الوقت، على الجانبين النفسيّ والتعليميّ. وأشارت قاروط إلى مشكلات من صُلب العمليّة التعليميّة وتفاعل هذه المُشكلات وانسحابها إلى العائلة، مثل تأثّر ذوي الصعوبات التعليميّة، الذين واجهوا صعوبات جديدة ما زاد شعورهم بالاغتراب، وتكثُّف الأزمات العائليّة نتيجةً لصعوبة التنسيق بين العمل والمنزل ومتابعة حياة الأطفال.

 

أمّا رزان جوعانة، وهي مرشدة نفسيّة من الأردن، فتطرقت في مداخلتها إلى أهمّيّة عقد مثل هذه الندوات لمشاركة التّجارب المُختلفة من الوطن العربيّ، وأنّ التحدّيات رغم اختلاف بلدان المُتحدّثات في النّدوة، إلّا أنّ جزءًا كبيرًا منها مشترك. ومن هُنا، عرضت جوعانة أهميّة مفهوم العافية (wellbeing) في المدارس، إذ قالت إنّ هذا المفهوم أحد أهمّ الركائز للصحّة النفسيّة، بجانبِ اهتمامنا بعافية المُعلّم تمامًا كما اهتمامنا بعافية الطلبة، وشاركت الحضور تحدّيات، مثل أثر تقليص حصص المهارات الاجتماعيّة على الحدّ من التواصل والتعبير بين الطلبة والمرشد، وطرحت حلولًا أساسها الوعي لخصوصيّة مرحلة التعليم عن بُعد، منها التركيز على التواصل والاتصال عبر تكوين مجموعات دعم للمُعلّمين والطلبة مع توفير إرشادات للعناية بالذّات، وكذلك تخطيط الأنشطة بناءً على حاجة الطلبة والمُعلّمين.

 

استهلّت سوزان أبو هلال، وهي مرشدة تربويّة من فلسطين، حديثها عن خصوصيّة القدس كونها تُعاني انعزالًا من الأساس، وازداد الوضع تأزّمًا مع جائحة كورونا. وركّزت في بداية حديثها على المشاكل التي واجهت الطلبة أثناء الحجر الصحّي، مثل ارتفاع مستويات القلق والتوتّر، وتأثّر مجموعة من الطلبة دراسيًّا بسبب عدم توفّر حواسيب وهواتف ذكيّة لديهم. وعرضت العديد من المُبادرات لمواجهة التّحديات المفروضة من تقديم مساعدة اقتصاديّة للطلبة الذين لا تتوفّر لديهم التكنولوجيا اللّازمة لمتابعة التعليم، وتقديم الدعم لتفريغ الضغط النفسيّ الناتج عن التنمّر والرّفض عند إصابة طالب بالفيروس، وتصميم مبادرات مثل مبادرة "مِنحة في مِحنة" التي تهدف إلى خلق مسارات وتوجّهات إيجابيّة تفريغيّة للطلبة للتعامل مع المشاعر السلبيّة والمشاكل النفسيّة.

 

وفي الخِتام، أكّدت المُتحدّثات في الندوة على أهمّيّة مُشاركة التجارب المُختلفة، والمُبادرات المُختلفة، لخلق وعي أوسع وفهم أعمق للصحّة النفسيّة والاجتماعيّة، بدءًا من مشاركتهنّ لتجاربهنّ مع مُختلف المُعلّمات والمُعلّمين والطلبة والأهالي للاستفادة منها.