الشراكة بين الأسرة والمدرسة في بناء إبداع الطفل وعبقريّته
الشراكة بين الأسرة والمدرسة في بناء إبداع الطفل وعبقريّته
2025/04/23
هندة دجبي | معلّمة مرحلة متوسّطة، ومستشارة أسريّة وتربويّة- تونس

قال تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم".

ما أجمل أن نفتتح حديثنا بهذه الآية الكريمة التي تُقرّ بأنّ الإنسان كائن مميّز، خصّه الله بالقدرات والإمكانات، وسخّر له الكون كلّه ليُنجز ويُبدع ويبتكر. لكن، يبرز هنا تساؤل مهم: ما الذي يصنع الفارق بين فرد وآخر؟ ولماذا يختلف طفل عن غيره، مع وجودهما أحيانًا في البيئة ذاتها؟ ولماذا نصف أحدهما بالعبقري، والآخر بضعف القدرات؟

من هذا السؤال تتفرّع العلاقة الوثيقة بين الأسرة والمدرسة، ومدى تأثير هذه العلاقة في نموّ عبقريّة الطفل وتفرّده على المستويين الدراسيّ والحياتيّ.

أوّلًا: احتياجات الطفل

  • - عند الولادة، يحتاج الطفل إلى احتياجات بيولوجيّة كالغذاء والنظافة، إضافة إلى الحاجات الوجدانيّة، مثل الاحتضان والشعور بالأمان. ومع نموّه، يصبح أكثر استقلاليّة، ويبحث عن احتياجات تُشكّل شخصيّته المبدعة. تتنوّع هذه الاحتياجات وتختلف من طفل إلى آخر، وتشمل:
  • - احتياج البقاء: البحث عن عيش آمن.
  • - احتياج الانتماء: الشعور بالارتباط بالبيئة المحيطة.
  • - احتياج الإنصات: من يفهم مشاعره ويُصغي إليه.
  • - احتياج الحبّ المتبادل: نيل حبّ غير مشروط كما يمنحه.
  • - احتياج الاستقلال: امتلاك مساحة خاصّة به.
  • - احتياج الإنجاز: التعبير عن الطاقات الإبداعيّة.
  • - احتياج التقدير: من يُثمّن جهده وإنجازه مهما كان.
  • - احتياج الرضا عن النفس: الإيمان بالذات والقدرات.

نظرًا إلى أهمّيّتها، تصبح هذه الاحتياجات همًّا مشتركًا بين كلّ من الأسرة والمدرسة، مؤسّستين تسهمان في بناء شخصيّة الطفل، وتعزيز طاقته الإبداعيّة أو العكس. ومن هنا، يبرز السؤال: ما دور الأسرة؟ وما دور المدرسة؟ وأين يكمُن التكامل بينهما؟ وما الذي يحدث عند غيابه؟

 

ثانيًا: دور الأسرة في بناء الإبداع والعبقريّة

يقول الكاتب المصري أحمد أمين في سيرته الذاتية "حياتي":

"كانت أول مدرسة تعلّمت فيها دروسي في الحياة، بيتي">

فالأسرة تمثّل المصدر الأول للتعلّم والمعرفة. فيها تنفتح حواس الطفل، وتُغرس فيه القيم، ويتعلّم كيف يبني علاقات، ويتحمّل المسؤوليات، ويتجاوز التحدّيات. داخل الأسرة، يترسّخ الإحساس بالأمان والانتماء، ويُصقل الفكر، وتُبنى جذور الإبداع والإنجاز. كلّ ذلك ضمن جوّ من الحبّ والاحتواء، يؤسّس لطفل لا يرضى إلّا بالتميّز.

 

ثالثًا: دور المدرسة في بناء عبقريّة الطفل

المدرسة ليست جدرانًا ولا مكانًا للضبط فقط، وليست مؤسّسة ربحيّة تقيس الطالب بالأرقام. بل هي حضن تربويّ دافئ، يعوّض الطفل عن غياب والديه، ويدعمه في بناء شخصيّته، ويعزّز المبادئ التي تلقّاها من أسرته. كما توفّر له المدرسة المعارف الأكاديميّة والقيم التربويّة، وتغذّي عقله بمهارات التفكير، والتقييم، والتحليل، وحلّ المشكلات، والإبداع، ما يجعله متميّزًا في مختلف المسابقات والمجالات.

 

رابعًا: التكامل بين الأسرة والمدرسة

لا يتوقّف بناء عبقريّة الطفل عند دخول المدرسة، بل يبدأ فصل جديد من الشراكة بين الأسرة والمدرسة. فالعلاقة بين الطرفين ليست تناوبيّة، بل تكامليّة. كلٌّ منهما شريك فاعل في صياغة مستقبل الطفل، وتحقيق أقصى طاقاته.

وعندما يغيب هذا التكامل، أو يتخلّى أحد الطرفين عن مسؤوليته، يكون الثمن جيلًا ضائعًا، بلا هدف، ولا رؤية واضحة. أما إذا اتّحدت الجهود، وتكاتفت الأدوار، فسنحظى بجيل مبدع ومنتج وفاعل في مجتمعه ووطنه وأمّته.