السلّم التصاعديّ لعبة تربويّة مُحفِّزة
السلّم التصاعديّ لعبة تربويّة مُحفِّزة
سارة فاروق ضناوي | أستاذة في مادّة اللغة العربيّة وآدابها - لبنان

منذ القدِم والمعلّم يبحث عن وسيلة لاستقطاب طلّابه وبلوغه النجاح في حصّته التعليميّة، وكان يجرّب وسائل مختلفة حتّى يصل إلى الطريقة المُثلى في تحقيق التفاعل الإيجابيّ معهم. من هذه المحاولات، أعرض مفهوم اللعبة التربويّة ودورها في تحفيز الطلّاب الإيجابيّ، ومفهوم السلّم التصاعديّ، مقدِّمةً أنموذجًا تطبيقيًّا حول طريقة تنفيذ هذا النشاط التربويّ الحماسيّ في الصفّ، مع الإشارة إلى أهدافه ونتائجه.

 

مفهوم اللعبة التربويّة

اللعب ضدّ الجدّ، وفي حديث تميم والجساسة: "صادفنا البحرُ حين اغتلم، فلعِبَ بنا الموجُ شهرًا، ويُقال [لعب] لكلّ من عمل عملًا لا يجدي نفعًا" (الجلالي، 2014، ص 262). لكنّ اللعب دخل التعليم من أوسع أبوابه، فبدلًا من أن يضيع الوقت فيه، بات يوظَّف في هدف تعليميّ يختاره المعلّم وفق ما يتناسب مع المحتوى المطلوب شرحه، ويجتهد في اختيار لعبة تناسب فئة الطلّاب العمريّة ومستواهم الذهنيّ وميولهم الترفيهيّة.

واللعبة وسيلة فعّالة يحتاج إليها المعلّم من أجل تنشيط البيئة الصفّيّة، وجذب انتباه طلّابه أثناء شرحه درسه، أو تنفيذه النشاط المتَّفق عليه. كما تفرِّغ طاقاتهم الجسديّة والذهنيّة في ما يُفيد الهدف التعليميّ، وتسهِم في تكوين شخصيّة الطالب، وبناء مناخ ترفيهيّ وتربويّ يسهِم في سدّ احتياجاته، وحثّه على التفاعل الإيجابيّ في الصفّ (موقع بحوث).

ترتكز اللعبة على شروط وأحكام تضبط النشاط الذي ينفّذه المعلّم في الصفّ، وتعتمد على العمل الذاتيّ أو التعاونيّ، كالعمل الثنائيّ أو الجماعيّ. وهنا، يشعر الطالب بالحريّة في التعبير عن رأيه (ستار شمس، 2022).

 صُمِّمَت هذه الألعاب لتحقيق المتعة الحقيقيّة للطالب، ودمجه في جوّ من الاطمئنان والفرح. من ناحية أخرى، شكّلت وسيلة تحفيزيّة تنقل الطالب من الخجل إلى الجرأة، ومن الخوف إلى القوّة وإثبات الذات، كما تنمّي قدرته على التخيّل والابتكار.

  واللعب عند ماري مونتسوري نشاط فاعل يؤدّي إلى تكوين شخصيّة الفرد، فيستخدم الأطفال خبراتهم المكتسبَة، وينمّي قدرتهم على تخيّل الأحداث وتصوّرها، حيث ترى الطفل يخبرك قصّة من وحي خياله تحاكي اللعبة التي ينفّذها. كما تقوّي ملاحظة الطفل للأشياء التي تجري أمامه، فيحلِّل ويقارن بين مكتسباته والظواهر التي شاهدها في البيئة المحيطة به. ثمّة أهمّيّة تعليميّة للألعاب التي تشبه بتركيبها الحركيّ بعض أنواع الرياضة، حيث تهدف إلى تطوير الأساليب والمهارات الفنيّة والتكتيكيّة وتثبيته. بالإضافة إلى ذلك، يمنح اللّعب الطفل فرصة لاكتشاف نفسه وتطوير مهاراته والتعرّف إلى الآخرين، والانتماء إلى مجموعة الصفّ (موقع أطفال الخليج لذوي الاحتياجات الخاصّة).

 

دور اللعبة التربويّة في التحفيز

        يمكن تحديد دور اللعبة التربويّة في التحفيز، بالنقاط الآتيّة:

  • - وسيلة تعليميّة توضِّح المفاهيم التي يريد المعلّم إيصالها إلى طلّابه. مثل استخدام بطاقات ملوّنة، أو صور توضِّح دلالة الفعل أو الاسم، أو بطاقات متفرِّقة "Pazel" تسهِّل على الطالب الفهم. 
  • - وسيلة علاجيّة تساعد على حلّ مشكلات الطالب السلوكيّة، كشعوره بالتردّد والخوف، أو الاضطراب في الكلام والانتباه. وهنا، يشعر الطالب أنّه داخل لعبة ممتِعة عليه أن يكون عنصرًا ناشطًا فيها.
  • - وسيلة تنافسيّة فعّالة تنقل الطالب من التعليم الجاف إلى التعليم الممتع والقائم على اللّعب والتفكير في الفوز والنجاح في تطبيقه، ولا سيّما عندما يضع المعلّم على اللوح جدولًا يثبت فيه، بالأرقام أو الإشارات، مدى تقدّم فريق على آخر.
  • - تُشعِر الطالب بالحريّة والفرح أثناء قيامه بالمهمّات أو النشاطات المطلوبة إليه. 
  • - تنمِّي قدرات الطلّاب على التواصل الفعّال فيما بينهم، والتشاور في شؤون اللعبة. كما تعلّمهم الإفادة من خبرات بعضهم بعضًا، فضلًا عن الاعتياد على التعاون في مختلف الأمور.
  • - يكتشف الطالب بها قدراته المخفيّة، والتي لم يظنّ يومًا أنّها موجودة أصلًا. مثل: صوته جميل، إلقاؤه مميّز، يحفظ بسرعة.
  • - تنشِّط القدرات العقليّة والإبداعيّة عند الطالب (مثل مضاعفة التفكير ومحاولة إنجاز المهمّات بطريقة أفضل من الآخرين).  
  • - تراعي هذه الألعاب الفروقات الفرديّة، وتسعى في أهدافها إلى تطوير قدرات المتعثّرين الإبداعيّة. (موقع أطفال الخليج لذوي الاحتياجات الخاصّة).

 

أهداف اللعبة التربويّة

  • - التركيز على التحدّي والمنافسة في ما بين المتعلّمين، مّا يضاعف مثابرتهم وتطوير قدراتهم من أجل الفوز. 
  • - توظيف طاقات الطلّاب في التفكير، والمشاركة بالنشاطات القائمة على المرح، وتبسيط فكرة الدرس. 
  • - ترغيب الطالب في دراسة مادّة اللغة العربيّة، ومحبّتها والنجاح فيها.
  • - المتعة في تنفيذ الدروس والتمارين.
  • - تخلّي الطالب عن سلوكيّاته السلبيّة، واستثمارها في اللعبة التربويّة.  
  • - خلق مناخ هادئ في الصفّ، بعيدًا عن الفوضى. 
  • - إيصال الأهداف التربويّة بسهولة.

 

أنموذج تطبيقيّ للعبة التربويّة

نفّذتُ لعبة تربويّة في الصف الثالث الأساسيّ خلال حصص اللغة العربيّة. اخترتُ لعبة السلّم التصاعُديّ المؤلَّف من خمسة صناديق، ورسمتُ السلّم على ورقة كبيرة بيضاء، ثمّ وضعتُ خمسة صناديق على طاولتي، وشرحتُ آليّة التنفيذ للطلّاب. نظمّتُ اللعبة على النحو الآتي:

  • - يجمع كلّ طالب عشر بطاقات باسمه في كلّ صندوق.
  • - يفتح المعلّم صندوقًا واحدًا كلّ أسبوع، ويمكن أن يطيل المدّة إذا اقتضى الأمر.
  • - ينتقل الطالب صعودًا من صندوق إلى آخر عند إتمامه عشر بطاقات باسمه.
  • - تستمرّ هذه العمليّة حتّى يجمع الطالب خمسين بطاقة باسمه، ويصل إلى الصندوق الخامس.

 

طريقة جمع البطاقات

  • - يقرأ كلّ طالب المقطع المطلوب إليه قراءة سليمة من الأخطاء، ويلتزم بعلامات الوقف وفق إرشادات المعلّم، ويتعرّف إلى المطبوع تعرّفًا واضحًا.
  • - يشارك كلّ طالب، ويلتزم بقواعد الصفّ.
  • - ينال كلّ طالب درجة مرتفعة في الاختبار، سواءً في القراءة أم القواعد أم الإملاء أم التعبير الكتابيّ.
  • - يحافظ كلّ طالب على نظافة دفتره، وترتيب خطّه، وتنفيذ واجباته.
  • - يحافظ الطلّاب على النطق الفصيح قدر المستطاع بمساعدة المعلّم.

 

مراعاة الفروقات الفرديّة

  • - يُطلَب إلى كلّ متعثِّر أن يقرأ سطرًا واحدًا على الأقل .
  • - يتدرّب على التهجئة في البيت مرّات عديدة، وقد يخصِّص له المعلّم جزءًا من الحصّة لمساعدته.
  • - يحافظ على قوانين الصفّ مثل رفاقه.
  • - يشارك في الصف وفق معرفته ومقدرته على الإجابة.
  • - يمنحه المعلّم فرصة التعبير عن نفسه ليتجاوز حاجز التردّد والخوف .
  • - يركِّز المعلّم على بواطن القوّة عند المتعثِّر، فإذا وجده يُحسن الإلقاء والحفظ، أو الحوار الفصيح، أو تقليد الأصوات. تُطلَب إليه ممارسة هذه الأمور، إن أمكن، بدافع تنمية شخصيّته وإعادة ثقته بنفسه. كما ينظر المعلم عبرها في بواطن الضعف، ويحاول مساعدته بتدريبات تقييميّة تناسبه.

 

نتائج اللعبة

  • - تحسُّن في مستوى الإلقاء والنطق الصحيح أثناء تسميع المحفوظات.
  • - الحرص والانتباه على حسن النطق والتعرّف إلى المطبوع بشكل واضح.
  • - ارتفاع حصيلة الناجحين في مادّة اللغة العربيّة.
  • - ازدياد فضول الطلّاب في تقييم المعلّم لأدائهم، أو الاطمئنان عن درجاتهم في الصفّ.
  • - ارتفاع نسبة المشاركة الصفيّة بنسبة 90%.
  • - تحسّن ملحوظ لدى المتعثّرين في القراءة والكتابة.
  • - جهوزيّة الطلّاب للمنافسة في حصص اللغة العربيّة. 
  • - استعداد الطالب لحضور حصّة اللغة العربيّة برغبة وشوق.
  • - اندماج الطالب في اللعبة وتفاعله بتنفيذها.
  • - توزيع بطاقات شكر وتقدير لجميع الطلّاب، نظرًا إلى مشاركتهم الفعّالة.

 

* * *

بناءً على ذلك، يعدّ العمل التربويّ منهجًا واسعًا يطّلع عليه المعلّم، وينهل منه خلال عمله. لكنّه يكتشف مع الوقت أنّ المعلّم والطالب حلقة واحدة لا يمكن تفكيكها، فإن أحكم عقدتها وفق خطّة تربويّة - تعليميّة مرتكزة على التلعيب، بدلًا من التلقين، وُفِّق المعلّم في إنجاح حصّته التعليميّة. أمّا اللعبة فكلمة تبثّ الفرح في النفوس، وتحوّل الطلّاب إلى لاعبين على مقاعد الدراسة، وقائدين مسيرتهم من أجل تحقيق الفوز.

 

المراجع

- الجلالي، محمد حسين الحسينيّ. (2014). تلخيص الذهب في لسان العرب: من حرف الغين حتّى حرف الياء. المؤسّسة الحديثة للكتاب  .

- ستار شمس. (2022). الألعاب التعليميّة: مقدمة عنها، تعريفها، أهمّيتها، مكوّناتها، أهدافها، أنواعها.