الجولات التدريسيّة.. اقتباس تطبيق طبّيّ لتحسين ممارسات مجتمع المدرسة
الجولات التدريسيّة.. اقتباس تطبيق طبّيّ لتحسين ممارسات مجتمع المدرسة
سوسن أبو حمّاد | مديرة مدرسة الأرقم الأساسيّة -الأردن

مقدّمة

لا أستطيع حصر عدد المرّات التي فكّرت فيها بصفتي مديرة مدرسة في إمكانيّة أن أكون في أكثر من صفّ ومرفق من مرافق المدرسة في وقت واحد، أن أستنسخ من نفسي نسخًا عدّةً تكفي للصفوف والمرافق كلّها لأواكب عمليّة التدريس بكلّ مستوياتها. أعتقد أنّ هذه الفكرة خطرت ببال كلّ قائد مدرسيّ تعنّى وهو يحاول توزيع جهده بعدالة بين العمل الإداريّ، ومتابعة عمليّة التدريس.

ماذا لو اعتقد المدير أنّ "الجولات التفقّديّة" التقليديّة هي وحدها ما سيمكّنه من متابعة حالة التدريس في مدرسته؟ تلك الجولات التي يزور خلالها الصفوف كلّ يوم، فيتوقّف المعلّمون عن التدريس متسائلين عن سبب الزيارة، وهي عادةً ما تتعلّق بالبيئة الصفّيّة، وسلامة الطلبة فيها. حتّى "جولات التعلّم"، التي يقودها المدير بصحبة فريق من المعلّمين ذوي الخبرة دوريًّا لمعاينة مشكلة محدّدة في أداء أحد المعلّمين، مع أهمّيّتها للوقوف على نقاط ضعف ممارسة محدّدة عند المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة، قد لا تعطي وصفًا دقيقًا لسياق التعليم في المدرسة. فكيف لمدير المدرسة أن يسعى إلى تطوير هذا الدور ليصبح ممارسات عمليّةً تعزّز أكثر العمليّات التي تهدف إلى تحسين التدريس في مدرسته؟

يهدف هذا المقال إلى تزويد مدير المدرسة بنموذج فعّال يستطيع من خلاله تحسين ممارسات مجتمع المدرسة للوصول إلى تحسّن تعلّم الطلبة، وتعزيز ثقافة العمل التشاركيّ في مدرسته.

 

تطبيق مقتبس من الجولات الطبّيّة

توفّر "الجولات التدريسيّة"، وهي تطبيق مأخوذ من الجولات الطبّيّة، منهجًا للتربويّين للعمل معًا على تحديد المشاكل الشائعة المرتبطة بالتعلّم والتعليم وحلّها، وبما أنّه لا يوجد عصًا سحريّة تجعل من مدير المدرسة طبيبًا يتابع (حالة) التعليم في المدرسة، ويجري (الفحوصات) الدوريّة لتقدّم الطلبة نحو الأمام، فإنّ ما يلزم هو أن يغتنم القائد الممارسات الفاعلة لتحسين التدريس والتي أثبتتها الدراسات والبحوث وينفّذها في سياق مدرسته لتطوير ثقافة تعاونيّة تدعم التعلّم (City et al., 2009).

إنّ "الوصفة الطبّيّة" التي يعرضها هذا المقال هي نموذج Elisabeth City وزملائها للجولات التدريسيّة، وهو نموذج عمليّ تربويّ لإحداث تغيير حقيقيّ في عمليّة التعليم، يقوم على تحسين ممارسات مجتمع المدرسة من خلال بناء مجتمع تعلّم تعاونيّ، والتركيز على المهمّات التعليميّة، وتشخيص نقاط الضعف والحاجات التعليميّة، وتطوير رؤية مشتركة لتعلّم عالي الجودة.

طريقة "الجولات التدريسيّة" تتضمّن إعطاء الفرصة لملاحظة الغرف الصفّيّة على حقيقتها، حيث يطبّق الفريق بروتوكولات الملاحظة الصفّيّة، ويصقلون مهاراتهم في الملاحظة دون إعطاء أيّ حكم على أداء المعلّم والطالب والمهمّة التعليميّة، حسب وصف البرنامج. إنّها تشخيص لحالة التعليم في المدرسة من خلال ملاحظة الأعراض، أي ما يفعله وما يقوله الطلبة والمعلّمون، بالتركيز على المهمّة التعليميّة في بيئة التعلّم.

 

الجولات التدريسيّة

قبل عرض النموذج لا بدّ من تحديد بعض المصطلحات والمفاهيم كما جاءت حسب تعريف أصحاب النموذج. فالجولات التدريسيّة هي طريقة ممنهجة للتربويّين من أجل العمل معًا لتحسين التعلّم والتعليم، وتقوم على المشاهدات الصفّيّة بوصفها جزءًا من ممارسات التحسين والتطوير في المدرسة. وترتكز على الجوهر التدريسيّ، الذي يعرف بأنّه جوهر العمليّة التعليميّة المكوّن من المعلّم والطالب بوجود المحتوى. وتتمحور الجولات التدريسيّة حول "المشكلة في الممارسة التدريسيّة" والتي تعرف بأنّها المشكلة التي تحدّدها المدرسة، التي تركّز على الجوهر التدريسيّ، وهي قابلة للملاحظة والتطبيق وتتّصل باستراتيجيّة تطوير واسعة المدى. فهل أنتم مستعدّون، أيّها القادة المدرسيّون، لارتداء المعطف الأبيض والانطلاق في جولة تدريسيّة؟

 

السياق وبناء الشبكة

يتطلّب تطبيق هذا النموذج بفاعليّة وجود ثلّة من الخبراء على مستوى القيادة المدرسيّة يتراوح عددهم من 8 إلى 30 (City, 2011). ولبيان خطوات تطبيق هذا النموذج بصورة إجرائيّة، أعرض مراحله من خلال نقل تجربة عمليّة لتطبيقه عبر مجتمع تعلّم مهنيّ (شبكة) نفّذ الجولات التدريسيّة في منطقة تعليميّة في العاصمة الأردنيّة عمّان. تكوّن مجتمع التعلّم من مديري المدارس ومديراتها، الذين أنهوا بنجاح برنامج القيادة التعليميّة المتقدّمة منذ 2016 وحتّى 2019 في المنطقة، وعددهم (9)، تحت إشراف مشرف تربويّ شارك في هذا البرنامج، إذ إنّهم توصّلوا من خلال جلستهم الأولى إلى أنّ ما تعلّموه عن الجولات التدريسيّة، وأثرها لتحسين التدريس، يستحقّ أن يعمّم ليصبح جزءًا من ثقافة مدارسهم ومديريّتهم. وقد تمّ تشكيل الفريق حسب التخصّصات، والخبرة، ومستوى المدرسة (أساسيّ/ ثانويّ). ولأنّ الغاية تكمن في تعزيز العمل التشاركيّ، وجعل الجولات التدريسيّة جزءًا من ثقافة المدرسة والمديريّة، فقد جرى إضافة معلّمة لكلّ مجموعة من المدرسة المستضيفة يكون لها ارتباط وثيق بـ "المشكلة في الممارسة التدريسيّة".

ويعبّر الجدول الآتي عن مخطّط الشبكة:

الجولات التدريسية منهجيات ١

 

أمّا المخطّط التنظيميّ للشبكة فهو كالآتي:

الجولات التدريسية منهجيات ٢

مراحل تطبيق النموذج

يُعِدّ مدير المدرسة المستضيفة جدول أعمال الجولة التي ستقام في مدرسته، والتي تتضمّن الترحيب بالحضور، وتقديم موجز عن سياق مدرسته، وجلسة ما قبل الزيارة، ومواعيد الزيارات الصفّيّة، والجلسة التحليليّة، والمستوى القادم من العمل. كلّ ذلك لا يتجاوز ثلاث ساعات.

 

المرحلة الأولى: لقاء ما قبل الزيارة

لا بدّ أن نعلم أنّ "المشكلة في الممارسة التدريسيّة"، حسب ما ورد أعلاه، هي المشكلة التي يعتقد مدير المدرسة أنّها مشكلته الرئيسة والتي إن جرى تجاوزها سيصبح التدريس في مدرسته أفضل. والمشكلة المحدّدة جيّدًا تتّصف بثلاث صفات: التركيز على الجوهر التدريسيّ، والقابليّة للملاحظة والتطبيق، واتّصالها باستراتيجيّة تطوير واسعة المدى.

ولتعميق فهم "المشكلة في الممارسة التدريسيّة" للمدرسة المستضيفة يجب أن يجتمع الفريق قبل الزيارة بوقت كاف لأخذ الملاحظات، وعلى مدير المدرسة المستضيفة إعطاء معلومات تفصيليّة عن سياق مدرسته، وعن المشكلة في الممارسة التدريسيّة لديه. وخلال الاجتماع يطرح الميسّر الأسئلة الآتية على مدير المدرسة المستضيفة، بينما يسجّل بقيّة أعضاء الشبكة الملاحظات:

- اشرح لنا كيف ترتبط المشكلة في الممارسة التدريسيّة المقترحة بخطّة التطوير في مدرستك؟

- ما هو سياق المدرسة (من منظور متعدّد الأطر)؟

- ما هو الدليل الذي قادك لاستهداف هذه المشكلة؟

- ما هو التحدّي الأكبر الذي يواجه المدرسة، وكيف ترتبط المشكلة باستراتيجيّات التحسين في المدرسة؟

- من يساهم في تطوير حلول للمشكلة؟

- ما الذي أُنجز إزاء المشكلة؟

عندما يتأمّل فريق الزوّار إجابات مدير المدرسة عن الأسئلة السابقة، فإنّه يدخل في سياق المدرسة، ويأخذ فكرةً شموليّةً عن شكل التعليم فيها، حتّى إنّه يستطيع أن يتوقّع طبيعة المشاهدات التي سيسجّلها أثناء الزيارة.

 

المرحلة الثانية: ملاحظة التطبيق في الغرف الصفّيّة

قبل الدخول إلى الغرف الصفّيّة، وأخذ المشاهدات (الأدلّة المرتبطة بالمشكلة في الممارسة التدريسيّة)، يجري إعداد جدول الزيارة من قبل مدير المدرسة المستضيفة، ويوزّعه على أعضاء الفريق. مدّة الزيارة لكلّ غرفة صفيّة هي 15 دقيقةً فقط، ولا يفضّل في الجولة التدريسيّة الواحدة زيارة أكثر من أربع غرف صفيّة (City et al., 2009). خلال ستّين دقيقةً يستطيع الفريق أن يسجّل -مثلًا- ما يزيد على 360 مشاهدةً صفيّةً، على فرض أنّ الفريق مكوّن من 3 مجموعات، بكلّ مجموعة 4 مديرين، واستطاع كلّ مدير رصد 30 مشاهدةً صفيّةً على الأقلّ. ولا بدّ أن يرافق كلّ مجموعة من الفريق من يضبط وقت الزيارات الصفّيّة لكي تنهي جميع المجموعات الزيارات الصفّيّة في الوقت نفسه. عند دخول الغرفة الصفّيّة، تذكّر ألّا تتحدّث مع أعضاء الفريق: لا تثني على ما تشاهد أو تسمع، وكذلك لا تنتقده، واحتفظ بذلك للمرحلة القادمة. فقط احمل معك قلمًا، وورقةً بيضاء لكتابة مشاهداتك حول:

- ما يفعله/يقوله الطلبة؟

- ما يفعله/يقوله المعلّم؟

- ما هي المهمّة التي يعمل عليها الطلبة؟

- ماذا نرى أو نسمع في بيئة التعلّم؟

- عند تسجيل المشاهدات/الملاحظات الصفّيّة من المهمّ الحرص على:

- أن تصف ما تراه/ تسمعه.

- أن تكون محدّدًا.

- أن تكون مراعيًا للجوهر التدريسيّ.

- أن تركّز على الدليل المرتبط بالمشكلة في الممارسة التدريسيّة.

وعلى أعضاء الفريق أن يتذكّروا أنّهم باحثون، لا محقّقون (City, 2011).

 

ومن الممكن استخدام أداة الملاحظة الصفّيّة الآتية:

الجولات التدريسية منهجيات ٣
                                                                                                  أداة الملاحظة الصفّيّة كما أعدّها فريق من أكاديميّة الملكة رانيا لتدريب المعلّمين

 

المرحلة الثالثة: الجلسة التحليليّة للمشاهدات الصفّيّة

بعد انتهاء الزيارات الصفّيّة، يتوجّه الفريق إلى مكان يستطيعون أن يعقدوا فيه الجلسة التحليليّة التي تتكوّن من عدّة مراحل ضمن بروتوكول (صف – حلّل – توقّع). وهنا تدرس جميع المشاهدات التي لاحظها الفريق داخل الغرف الصفّيّة بوصفها أدلّةً على المشكلة في الممارسة التدريسيّة، وتتشكّل مرحلة التحليل بالانتقال التدريجيّ من الفرد إلى المجموعة عبر الخطوات الفرعيّة الآتية المسبوقة بالوقت اللازم لإتمامها:

(10 دقائق) بمفردك:

  • - اقرأ ملاحظاتك.
  • - ضع نجمةً بجانب الملاحظة التي تعتقد أنّها مهمّة، وترتبط ارتباطًا مباشرًا بالمشكلة المتعلّقة بالممارسة التدريسيّة.
  • - اختر 5 – 10 ملاحظات، واكتب كلًّا منها على ورقة لاصقة (عادةً يكتب كلّ شخص 8 ملاحظات على الأقلّ)، وقد يبلغ مجموع الملاحظات التي تكتب في 10 دقائق 96 ملاحظةً صفّيّةً (3 مجموعات * 4 أشخاص * 8 ملاحظات صفّيّة).

(20 دقيقةً) مع مجموعتك:

  • - شارك ملاحظاتك حول الغرف الصفّيّة التي زرتها جميعًا.
  • - على ورقة لوح قلّاب يوزّعها الميسّر، اجمع الأدلة على ملاحظاتك وضعها في مكان مخصّص.
  • - ضع عنوانًا لكلّ مجموعة من الملاحظات.
  • - حدّد الأنماط.

(10 دقائق) مع الفريق:

  • - يبدأ دور الميسّر باستخلاص النتائج.
  • - قارن اللوحات للمجموعات الثلاث.
  • - اجمع الأدلّة معًا، ولخّص.

قد يأخذ تجميع الملاحظات وتحليلها الصورة الآتية:

photo

(5 دقائق) دور الميسّر:

  • - حلّل ما تعلّمه الفريق.
  • - حدّد الأنماط.
  • - حدّد الملاحظات الحرجة (الأكثر أهمّيّةً)، ثلاث نقاط على الأكثر.

 

المرحلة الرابعة: النتائج ومجالات التركيز والخطط

تعدّ هذه مرحلةً خاصّةً بمدير المدرسة، وتتطلّب تأمّلًا عميقًا في ما تمّ التوصّل إليه من نتائج بعد تحليل الملاحظات الصفّيّة. ونظرًا لوجود تحدّيات مشتركة بين المدارس، أعرض هنا مجالات التركيز التي خرجنا بها من تجربتنا بعد الانتهاء من تطبيق النموذج، فقد تجد بعضها في مدرستك:

  • - نوع المهمّات التي يصمّمها المعلّم، وجودتها.
  • - تضمّن المهمّات مهارات التفكير العليا ومستوياتها.
  • - أداء المعلّم في التقويم التكوينيّ.
  • - مدى وضوح غاية الدرس للمعلّم وتبنّيه للتعليم.
  • - إعطاء المعلومة للطلبة بطريقة (الملعقة).
  • - البحث عن مؤشّر للنجاح.

 

بهذا، يصل مدير المدرسة إلى نهاية رحلته في الجولة التدريسيّة التي تأمّل فيها ممارسات معلّميه كما لم يرها من قبل، لقد جعلت الجولة التدريسيّة مناطق التحسين تطفو على السطح (City, 2011)، وتكون لها الكلمة الأخيرة التي قد تتمثّل بعمل خطّة إجرائيّة تتضمّن: تدريب المعلّمين، ومتابعة تقدّم الطلبة، وتحسين كفاءتهم، وتحسين ثقافة المدرسة نحو التشاركيّة.

 

الخلاصة

تستخدم النماذج الفعّالة في تحسين الممارسات التعليميّة بوصفها أنموذجًا يعاد تخطيطه وتنفيذه في سياق المدرسة التي تتطلّع لتحسن تعلّم طلبتها، ويمتاز قائدها بعقليّة نامية تسعى للتغيير الفعّال، وتؤمن بالجهد مقابل الخبرة المركونة جانبًا. ولا بدّ أنّه ثمّة فرق بين من ينظر من نافذة الإشراف والتقييم، وبين من يمسك مرآة الجولات التدريسيّة (City, 2011). من خلال تجربتنا أثبت النموذج فاعليّته في الوقوف على المشكلة الأخطر، التي إن وضعت خطّةً لمعالجتها، تحسّنت بسببها العديد من الممارسات التدريسيّة. في هذا النموذج يتقمّص القائد المدرسيّ دور الطبيب الذي ينظر بدقّة إلى الممارسات التدريسيّة (الأعراض) جميعها، ثمّ يمرّ بعد وصفها بمرحلة التحليل، ثمّ يضع التوقّعات للوصول إلى "تشخيص" حالة التدريس في مدرسته. ولكنّ نجاح تطبيق هذا النموذج يتوقّف على اعتماده جزءًا من ثقافة المدرسة، ومديريّة التعليم لتحسين الممارسات التدريسيّة، وتحسين تعلّم الطلبة.

 

 

المراجع:

-  City, E., Elmore, R., Fiarman, S., Teitel, L. & Lachman, A., (2009). Instructional rounds in education. Harvard Education Press.

- City, E. (2011). Learning from Instructional Rounds. ASCD. [Internet]