التقويم والعدالة
التقويم والعدالة
2022/04/09
إسلام الدروع | مُحاضرة وباحثة في مجال تكنولوجيا التعلّم

مدخل

تُعدُّ عمليّة التقويم ركيزة أساسيّة في جميع مناحي الحياة: في العمل، في العائلة، في التعليم، في الإدارة وغير ذلك، فهي ضرورة من الضروريّات التي لا غِنى عنها لضمان سير الأمور على الوجه الصحيح، وضمن المسار المناسب في سبيل تحقيق الهدف والوصول إلى راية النجاح لغرسها بكلّ موثوقيّة، فالتقويم توجيه وقرار وحتميّة لا بُدّ منها في جميع الجوانب والتفاصيل لجني الثمار على الوجه الصحيح وتحقيق الأهداف المنشودة.

ونجد أنّ عمليّة التقويم، على اختلاف أنواعها ومراحلها، ساهمت على وجه الخصوص في المجال التربويّ التعليميّ، وألقت بفوائدها على هذا المجال، إذ إنها ساعدت على الإرتقاء بالمنظومة التعليميّة التعلّميّة، وكانت عمادًا ومكمّلًا لباقي المراحل من تخطيط وتحليل و تصميم وتطوير وتنفيذ، مترابطة ومتسلسلة ومتكاملة مع هذه المراحل، والتقويم يُكمّلها ويؤكّد على مدى نجاحها وصحّتها. إنّ هذه المراحل، جميعها، تخضع لعمليّة التقويم لكون هذه العمليّة من الأسس المهمّة التي تُسهم في تحسين العمليّة التربويّة وتطوّرها، وتُساعد المُعلم والطالب على معرفة مدى تقدم، كلّ منهم، نحو تحقيق وبلوغ الأهداف.

 

عمليّة التقويم: تعريفات متعدّدة لمفهوم واحد

نجد أنّ تعريفات التقويم تعدّدت، ولو اختلفت بالصياغة، ولكنّها تلتقي بالمضمون الأساسيّ؛ فالتقويم عبارة عن مسألة مركزيّة مُهمّة لصحّة النظام التربويّ والتعليميّ، وجميع الإجراءات التربويّة تحتاج إلى عمليّات تقويم مُكثّفة ومتعدّدة، وربما غير متوقّعة وإصدار تقارير خاصّة بها. كما يجب أن يدرك المُعلم والطالب، على حدٍّ سواء، الفهم العميق لعمليّة التقويم وأغراضه. ومن التعريفات، كذلك، لعمليّة التقويم هي إصدار حكم على الأمور التربويّة كاملة من طرق تدريس وموادّ واستراتيجيّات وأفكار ووسائل ومنهاج وأساليب وغيرها. ويعتبر بعض التربويّون التقويم بمثابة مفتاح لتحديد نجاح أو فشل البرنامج للأهداف الموضوعة له. وكل هذا من شأنه أن يرفع قيمة التقويم ويؤكّد على أهمّيّته.

ونجد أن عمليّة التقويم هي، بالطبع، مُمارسة هادفة من شأنها تحقيق العدالة في التعليم، والسبب يعود في ذلك على أنها كالميزان الذي يضمن ويؤكّد كلّ مدخل وكلّ مخرج في العمليّة التعليميّة؛ فالتقويم يعني ضبط ويعني إصدار حكم وهو يعني، أيضًا، تصليح وإعادة للمسار الصحيح، وهذا جميعه يحقّق العدالة على الوجه الصحيح. وإذ يُشارك في العمليّة التربويّة والتعليميّة كلّ من المعلّم والمتعلّم ووليّ الأمر ومدير المدرسة والمرشد التربويّ وغيرهم، فإنّ العدالة تتحقّق وتتوازن بين جميع هذه الأطراف. من خلال التقويم يستطيع المُعلم تحديد الوضع الحاليّ للطلاب وصياغة أهدافه الخاصّة، ليقوم بعدها  باختيار الوسائل التعليميّة الأكثر كفاءة وفاعليّة للتعلّم، وتنفيذ الاستراتيجيّات والطرق المناسبة. وبالنسبة للمتعلّم، فإن التقويم يكون بمثابة التغذية الراجعة له، لتُبيّن وتوضّح له نقاط القوّة والمشاكل أو العثرات والعقبات التي تعرّض لها، أو ما زال يعاني منها، إضافة إلى أنها توضّح أهدافه الخاصّة، وتنمّي قدراته ومهاراته وتفيده في حاضره وترسم خطوط عريضة لمستقبله. وإذا انتقلنا إلى الآباء، أولياء الأمور، الذين يعتبرون عمليّة التقويم هي العملية التي من خلالها تتم معرفة مستويات أبنائهم المعرفيّة والسلوكيّة والعلميّة، إضافة إلى قياس تقدمهم أو تراجعهم، ليتم معرفة المُسبّبات لمعالجتها أو تقويتها والتقليل من أثرها.

 

حول أسس العمليّة وأنواعها

إلى هُنا نصل إلى أنّ عمليّة التقويم في العمليّة التعليميّة التعلّميّة تَهمُّ كلّ عنصر من عناصر العمليّة التعليميّة، فهي مُهمّة للمعلّم والمتعلّم ووليّ الأمر ولمشرف ولمدير المدرسة، ولمخطّط المنهاج ومصمّمه وغيرهم من عناصر العمليّة ككلّ. فالتقويم يعمل كمعزّز لمعرفة مدى فاعليّة البرامج المدرسيّة، والتحقّق من مستوى المُعلّمين  والمتعلّمين والمنهاج.

وهناك عدّة مداخل وأنواع لهذه العمليّة، منها مداخل التقويم العلميّة والإنسانيّة، التقويم الداخليّ والخارجيّ، التقويم التكوينيّ والختاميّ.

وإذا أردنا التركيز على كون التقويم كمُمارسة هادفة إلى تحقيق العدالة في التعليم، فلا بُدّ من تسليط الضوء على أهم وظائف التقويم، وهو جعلها كوسيلة لتحسين عمليّة التعليم وللتشخيص ولزيادة الدافعية نحو التعليم، ولاختبار الفروض وإعطاء الأدلة والشواهد. وبالطبع والتقويم يضمن، بلا شكّ، الحكم على فاعليّة جميع عناصر وتفاصيل العمليّة التعليميّة لضمان العدالة في النهاية، مع التأكيد على أن العدالة تقترن بالتخطيط السليم والمعايير الواضحة  التي تتسم بالشفافيّة.

 ولضمان تحقيق العدالة في العمليّة التعليميّة التعلّميّة باعتبار التقويم ممارسة هادفة، فإنه لا بدّ من أن تكون هذه العمليّة مبنيّة على أسس سليمة وقواعد ومعايير تتسم بالوضوح والشفافيّة كما ذكرنا.

وهُنا مجموعة من الأُسس المُهمّة في عمليّة التقويم، وهي أن التقويم عمليّة مُستمرّة؛ بمعنى أنها لا تبدأ مع نهاية العام الدراسيّ وحسب، بل تبدأ قبل وضع أجزاء المنهاج ومكوّناته لمتابعته وتحسينه، فهي مُلازمة من البداية لنهاية العمليّة التعليميّة. وتبدأ أيضًا بتقويم وتحديد صفات وخصائص الواقع الاجتماعيّ. ومن خلال استمراريّة التقويم، يتم التُعرّف على نقاط القوة والمشاكل  في العمليّة التعليميّة ليتم فيما بعد تقوية وتأكيد مواطن القوّة وحلّ المُشكلات وإيجاد حلول لها، سواء كان ذلك في الوسائل التعليميّة أو في سلوك الطلاب أو حتى عناصر ومكوّنات المنهاج، إضافة إلى الكشف عن بعض المُعيقات التي تَحدّ من سير تحقيق الأهداف المنشودة.

ومن الأُسس شموليّة عمليّة التقويم، إضافة إلى كونها عمليّة تعاونيّة وعلميّة؛ بمعنى أنّ التقويم عمليّة يشترك فيها الطالب والمُعلّم والموجّه التربويّ والمدير، وغيرهم ممن لهم علاقة بالعمليّة التعليميّة التربويّة، ويسهمون في المشاركة الفاعلة والفّعالة في بناء المنهج كخبراء المادّة التعلّميّة ورجال التربية والدين وأولياء الأمور.

وآخر أسس التقويم، وأهمّها، هو أن التقويم يرتبط بالأهداف؛ بمعنى أن التقويم الجيّد يرتبط بمجموعة الأهداف التربويّة التي حُدِّدت، لذلك يجب معرفة أهداف المنهاج ومستوياتها وأنواعها، فإذا كانت هذه الأهداف غير ثابتة وغير واضحة، فإن عمليّة التقويم لن تكون قد حقّقت أهدافها، ولن تصل إلى حالة الثبات والجمود ولن تصل إلى العدالة التي تطمح بها.

 

حول سمات عمليّة التقويم

ولتحقيق العدالة بشكل أوضح يجب أن يتم استخدام أدوات للتقويم، والتي يجب أن تتسم بمجموعة من السمات العلميّة، أهمّها الصدق، الثبات، التميّز، الموضوعية. والمقصود بالصدق هو أن يتم قياس الوسائل المُستخدمة في عمليّة تقويم الشيء المُراد قياسه بطريقة دقيقة دون التأثّر بعوامل أُخرى غير التي وضعت لقياسها. أمّا الثبات فيعني أن تكون النتائج التي تم التوصل إليها شبه ثابتة بحيث إذا تم تطبيق الاختبارات على الطلاب، ثم أعيد تطبيق الاختبار، فإنّ النتائج ستكون في كلا الحالتين متقاربة. والموضوعية تُشير إلى عدم تأثّر تلك النتائج، التي تم التوصل إليها، بالعوامل الشخصيّة التي يتعرّض لها المُعلّم أو من يُشاركه في عمليّة التقويم، مثل الحالة الصحّيّة، الحالة النفسيّة، الضغوطات والمشاكل التي يواجهها وغيرها. وأما بالنسبة للتميّز فهو يعني القُدرة على مُلاحظة وإظهار نقاط القوّة والفروق الفرديّة بين الطلّاب، وهذه العمليّة مُهمّة جدًّا في المُساعدة في الكشف عن قُدرات وميول واتجاهات الطلاب، وبالتالي يتم التوجيه دراسيًّا ومهنيًّا بناءً على ذلك. ولا بدّ أن ننوه على أنه يجب تقويم كامل العمليّة التعليميّة التعلّميّة من أهداف وعناصر بشريّة ومادّيّة وغيرها.

 

خاتمة

وهكذا نجد أنّ عمليّة التقويم عمليّة مُهمّة وضروريّة ومتكاملة للوصول، في النهاية، إلى حُكم سليم مُتكامل مُنظّم في ضوء أهداف يسعى النظام التربويّ والتعليميّ لتحقيقها، ولم تأتِ عمليّة التقويم من فراغ، بل انطلقت من مُبرّرات عديدة، أهمّها الحاجة للتحسين وللتوجيه وللتنظيم.

 كما ويجب التأكيد على ضرورة أن تسير هذه العمليّة ضمن نهج مبني على أساس علميّ صحيح، وأن تكون مبنيّة على معلومات وبيانات كافية لتشمل كافّة الأطراف المعنيّة، وذلك لتحقيق العدالة، فيجب أن نختار التقويم المناسب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، لنجني ثمار جُهد سلسلة طويلة من الخطوات والعمليّات، التي تم التسلسل بها بجهدٍ واضحٍ من أجل تحقيق أهداف العمليّة التعليميّة التعلّميّة، لنجاري الحاضر ونعالج الماضي ونستكشف بضع من غموض المستقبل ونُحضّر له.