الإشراف التربويّ وتأثيرهُ في أداء المعلّمين: واقع الحال في المدارس مختلف
الإشراف التربويّ وتأثيرهُ في أداء المعلّمين: واقع الحال في المدارس مختلف
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

مقدّمة

لعلّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر ضرورة اعتبار الإشراف التربويّ من الأقسام الإداريّة المهمّة في مجال التربية والتعليم، إذ يلعب دورًا مباشرًا في تحسين عناصر العمليّة التربويّة، وذلك وفق سعيه إلى تحقيق التعاون الفعّال مع الهيئتين الإداريّة والتعليميّة في المدارس عامّة، الأمر الذي يؤدّي به إلى التأثير المباشر في أداء المعلّمين، لما يستند إليه من أدوات تساعدهم على تحقيق رسالتهم التربويّة، وفي توجيههم الوجهة السليمة للارتقاء بالتعليم، والتقدّم به خطوات من شأنها أن تحفّزهم على إنجاز أهدافهم، وإعداد جيل كفؤٍ من الطلّاب المتميّزين. من أجل ذلك، من المفترض أن يشكّل كلٌّ من المشرف والمعلّم طرفًا رئيسًا في العمليّة التعليميّة، ولا بدّ أن يشكّل التعاون بينهما حلقة متكاملة لا يمكن فصلها، غير أنّ واقع الحال في المدارس مختلف عمّا نفترضه نظريًّا.

 

يطرح هذا المقال، من ناحية نظريّة، ما يجب أن يكون عليه الإشراف التربويّ في المدارس من ناحية التأثير في الأداء التعليميّ، فيبدأ بتحديد المفهوم وما يعتريه من اختلافات، عارضًا مراحل تطوّره من مستوى الرقابة والتفتيش إلى مستوى التفاعل والمشاركة، ثم ينتقل إلى توضيح أثر الإشراف التربويّ في أداء المعلّمين ومناقشة كيفيّته بالاستناد إلى بعض الدراسات، مع الإشارة إلى المتطلّبات الأساسيّة التي يتوجّب على المشرف اتباعها لتحقيق الغاية المرجوّة، ويختم بتقييم مدى تمكّن المشرفين التربويّين من تحقيق مهمّاتهم وفق الواقع التعليميّ في المدارس.

 

مفهوم الإشراف التربويّ ومراحل تطوّره

ثمّة عدّة مفاهيم ومصطلحات تستعمل لتوضيح ماهيّة الإشراف التربويّ، فيُعرّف بأنّه عمليّة تعاونيّة تساعد على تحسين التعليم، وتُنفَّذ مباشرةً بين المشرف والمعلّم، حيث لا يمكن أن تتحقّقَ بصورةٍ صحيحة دون الجهود المشتركة بينهما، والمبنيّة على مجموعة من الملاحظات حول مجريات الحصّة الصفّيّة والأداء التعليميّ فيها، بالاستناد إلى أساليب متنوّعة من الإشراف (سالم، 2011). كما يمكن أن يشير مفهوم الإشراف التربويّ إلى الأدوات التي يوظّفها المشرف أثناء تواصله مع المعلّم، كالزيارة والملاحظة وتقويم الأداء، فضلًا عن متابعة آراء المعلّمين في محتويات الدرس والبيئة التعليميّة والطلّاب، بهدف مساعدتهم على تحقيق النتاجات المطلوبة بكفاءة وفاعليّة. يتمّ ذلك بما يدوّنه المشرفون من انطباعات وملاحظات حول الأداء الفعليّ للمعلّمين، وحول الخطط الفصليّة والسنويّة المُعدّة (Behlol et al., 2011).

 

أشارت بعض الدراسات إلى تطوّر مفهوم الإشراف التربويّ وفق المعطيات والمتطلّبات التي واكبها، نذكر من بينها دراسة شحادة (2020) التي أوضح فيها مراحل التطوّر التي واكبها المفهوم إلى أن وصل إلى الشكل الذي اتّخذه حديثًا، والذي اختلف من خلاله عمّا كان يُعرَف به سابقًا. فحسب الدراسة، بدأ الحديث عن الإشراف التربويّ والتباحث في مفهومه بالتزامن مع زيادة عدد المدارس، ووجود ضرورة ملحّة للتعرّف إلى المعلّمين، من أجل تحديد طبيعة استراتيجيّات التدريس ونوعيّة أساليبه المطبّقة. أدّى ذلك في البداية إلى تشكيل ما عُرف باسم "قسم التفتيش" الذي يعدّ النوع الأقدم من بين أنواع الإشراف التربويّ، حيث كان يُطلق على المشرف اسم المفتّش.

 

كما أشارت سالم (2011) إلى الارتباط الحاصل بين مراحل تطوّر مفهوم الإشراف التربويّ ومسيرة تطوّر نظريّات الإدارة التربويّة، إذ تبيّن الباحثة ذلك بتفصيل المراحل الأربعة التي تعاقب عليها المفهوم. ففي المرحلة الأولى تمثّلت مهمّة المشرف بـ"التفتيش"، أي بتحديد جوانب التقصير لدى المعلّم وكشف أخطائه وكتابة تقرير عن أدائه، لاتخاذ القرار بإمكانيّة استمراره في عمله، أو ترقيته، أو إنهاء خدمته. ثمّ أصبح تعامل المشرف مع المعلّمين في المرحلة الثانية أكثر إنسانيّة، حيث يهدف إلى زيادة دافعيتهم نحو العمل، فيهتمّ بحاجاتهم ويسعى إلى إدراك قدرات كلّ منهم والفروقات الفرديّة بينهم. نتج عن ذلك إشراك المعلّم في عمليّة الإشراف، بعد أن كان مُنفّذًا لتوجيهات المشرف وتعليماته في المرحلة السابقة. أمّا المرحلة الثالثة فهي مرحلة السعي نحو تحقيق الأهداف التعليميّة بصورة عامّة، إذ انحصر فيها دور المشرف التربويّ في مشاركة المعلّمين ومتابعة مدى تمكّنهم من تحقيق أهداف مادّة دراسيّة محدّدة. انتهى المفهوم في المرحلة الرابعة إلى دمج المرحلتين الثانية والثالثة، فازدادت الشراكة التفاعليّة بين المشرف التربويّ والمعلّم، حيث يتابع المشرف من جهته العوائق والمشكلات التي تواجه المعلّم، فيشاركها معه ليحدّد أسبابها، وليضعَ بعد ذلك الحلول المناسبة في ضوء الاستنتاجات التي توصّل إليها (سالم، 2011).

 

يبدو أنّ التطوّر الذي واكبه مفهوم الإشراف التربويّ أسهم في تعزيز دوره المحوريّ في العمليّة التعليميّة، فنجد أنّ الانتقال من المرحلة الأولى التي ارتكزت على الرقابة والتفتيش، إلى المرحلة الأخيرة التي تمحورت حول تعزيز التفاعل والمشاركة بين المشرف والمعلّم، أظهر أهمّيّة دور المشرف في دعم المعلّم ومساندته، بدل مراقبته ومحاسبته على كلّ تصرّف يصدر عنه، دون الاهتمام بتوجيهه ومساعدته على اتخاذ المسار الصحيح في تأدية دوره التربويّ التعليميّ.

 

تأثير الإشراف التربويّ في أداء المعلّمين

يبيّن أبو شملة (2009) في دراسته أهمّيّة عمل المشرف التربويّ ودوره الذي يفترض تطبيقه في إعداد الأبحاث التربويّة الهادفة إلى تنمية البيئة التعليميّة، والمشاركة في تطوير استراتيجيّات التعلّم السائدة، وتدريب المعلّمين الجدد وإعدادهم مهنيًّا وفق دورات وورشات عمل. كما يشارك المشرف التربويّ في تعزيز النموّ المهنيّ للمعلّمين القدامى، ولا سيّما الذين لم يتسنَّ لهم الاطّلاع على طرق التدريس الحديثة والمعاصرة. أمّا فادن (2004) فترى أنّه من المفترض أن تظهر توقّعات إيجابيّة من المعلّمين تجاه العمل الإشرافيّ عندما تتحقّق الأهمّيّة المرجوّة من دور المشرف التربويّ، وذلك بتطبيقه المهامّ المطلوبة منه وفق الخطط الإشرافيّة، والتي تشمل التعاون الدائم مع المعلّم وتشجيعه على أداء وظيفته، ونقل خبراته إليه، وعدم التضييق عليه، وحثّه على الإنجاز والإبداع، ومشاركته في توفير مناخ تربويّ ملائم لتطبيق الممارسات الفضلى في التدريس.

 

تقتضي أهمّيّة الدور الذي يلعبه الإشراف التربويّ تحديد المتطلّبات اللازم توافرها في المشرف، حتّى يستطيع أن يكون مؤثّرًا بالفعل في أداء المعلّمين. تعرض هذه المتطلّبات فادن (2004) في دراستها، موضّحةً أنّه لا بدّ للمشرف التربويّ أن يهتمّ بجميع المؤثّرات التي تؤثّر في البيئة التربويّة التعليميّة، فيكون مُتعاونًا ومُشاركًا في تحسين التعليم، وتحقيق أهدافه، كما عليه أن يتحلّى بشخصيّة قياديّة يستطيع من خلالها التأثير في المعلّمين، فضلًا عن ضرورة سعيه إلى تنمية العلاقات الإنسانيّة، فيترجم مبادئ الإرشاد والتفاعل والتعاون، ويحوّلها من مجرّد مفاهيم نظريّة إلى وقائع ملموسة، ويحترمُ كذلك الفروق الفرديّة لدى المعلّمين ويقدّرها، ويتقبّل اختلاف شخصيّاتهم. كلّ ذلك يجعل المشرف التربويّ مستحقًّا العمل في وظيفة الإشراف.

 

واقع الإشراف التربويّ في المدارس

مقابل ما قرّرناه نظريًّا حول القيمة الإداريّة التي يجب أن يتّخذها الإشراف التربويّ في المدارس، وأهمّيّة توافره وتطوّره وفق المراحل المتدرّجة، ومدى تأثيره إيجابًا في أداء المعلّمين ونتائج المتعلّمين، نجد الواقع التعليميّ مختلفًا، حيث تظهرُ فئة من المشرفين التربويّين غير المؤهّلين تمامًا لممارسة الوظيفة، إذ يكتفي هؤلاء بما حصلوا عليه من شهادات أكاديميّة عليا، ومن خبراتهم السابقة في التعليم كي ينخرطوا في مجال الإشراف التربويّ. إنّ عددًا من المشرفين التربويّين عملوا في بداية حياتهم المهنيّة في مجال التعليم المدرسيّ، وخاضوا تجربة إدارة الغرفة الصفّيّة، ثم قرّروا الانتقال إلى مجال الإشراف التربويّ، وذلك لسببين، حسبما نرى. أمّا الأوّل فيكمن في الرغبة في التطوّر الوظيفيّ والمهنيّ، بالإضافة إلى زيادة الخبرات والمهارات الشخصيّة. وأمّا السبب الثّاني فهو الضعف في أداء وظيفة التعليم، وليس المقصود هنا عدم التمكّن من أساسيّات التخصّص الأكاديميّ، وإنّما الخلل الظاهر في إدارة الصفّ أو عدم امتلاك المهارات الكافية للتعامل مع الطلّاب. لذلك يفضّلون الخروج من مجال التعليم والانخراط في مجال الإشراف، في سبيل التخلّص من الضغوط أو المشكلات التي قد تواجههم في المدرسة. رغم أنّه لا يمكن تعميم هذه الصورة، ولكنّنا نعتقد أنّها أسباب حقيقيّة يعاني منها الواقع التربويّ.

 

خاتمة

بناءً على ما تقدّم، نجد أنّه من الأهمّيّة بمكان أن توجد عناية مستمرّة بالإشراف التربويّ، مع ضرورة السعي إلى تطوير هذا الجانب الرئيس في العمليّة التعليميّة لما له من أثر عظيم في تحسينها، إذ إنّ الإشراف التربويّ، ولا سيّما في مراحله المتأخّرة التي اتّخذ فيها دور المشاركة والتفاعل بين المشرف والمعلّم، من شأنه أن يحقّق نقلة نوعيّة في عمليّة التربية والتعليم، وذلك بما يستطيع إحداثه من تأثير إيجابيّ يسهم في تحسين أداء المعلّمين، ويكون ذلك بتوجيههم وتدريبهم وإدراك حاجاتهم والسعي إلى حلّ المشكلات ومعالجة الأزمات التي يواجهونها، بغية تعزيز نتاجات التعلّم لدى الطلّاب. الأمر الذي يستلزم تحلّي المشرف بعدد من المتطلّبات المستحقّة لوظيفة الإشراف التربويّ وللدور التوجيهيّ الذي تقتضيه، من أجل تجاوز ما يشهده الواقع التعليميّ من بعض نماذج الإشراف السلبيّة.

 

 

المراجع

Behlol, M. et al. (2011). Concept of Supervision and Supervisory Practice at Primary Level in Pakistan. International Education Studies. (4). 28-35. https://files.eric.ed.gov/fulltext/EJ1066533.pdf