إدارة المعرفة في المجال التربويّ
إدارة المعرفة في المجال التربويّ
جميلة حسن الغول | اختصاصيّة اجتماعيّة ومشرفة ميدانيّة- فلسطين

تعدّ إدارة المعرفة من أهمّ المفاهيم الإداريّة وأحدثها التي حظيت باهتمام متزايد من المنظومة التربويّة، والتي دعت إلى تبنّيها وسيلةً تساعدها على مواجهة التحدّيات التربويّة المبنيّة على المعرفة ومتطلّباتها التنافسيّة والإبداعيّة؛ حيث أدركت أهمّية وجود المعرفة الاستراتيجيّ الذي يسهِم في استثمارها استثمارًا أمثل في تحسين الخدمات وتطويرها بأفكار جديدة ومبتكَرة.

تُدرِك المؤسّسات التربويّة، حسبما يوضح الكبيسيّ (2005)، أنّ عليها أن تفيد ممّـا تعرفـه وتتعلّمـه كي تكون منافِسة. ولا يكون التحدّي الذي تواجهه المنظّمة المعاصرة في توليد المعرفة ذاتهـا، وإنّما في كيفيـّة تفعيلها وتطبيقها، لإضـافة قيمـة إليهـا في الدور الذي تؤدّيه في تحـوّل المنظّمـة إلى الاقتصاد المعتمِـد عـلى المعرفـة. كما يشير الرشيديّ (2020) إلى ضرورة تبنّي مفهوم إدارة المعرفة، إذ تكمن مشكلة العصر في كثرة المعلومات والمعارف والعلوم، بما يصعّب إدارتها وتصنيفها. لذلك، ظهر مصطلح "إدارة المعرفة" حلًّا للتغلّب على هذه المشكلات.

يسلّط هذا المقال الضوء على أهمّيّة إدارة المعرفة وأهدافها التربويّة، مبيّنًا مصادرها والعمليّات اللازمة لتحقيقها والإفادة منها في المجال التربويّ.

 

مفهوم إدارة المعرفة

يعرِّف الكبيسيّ إدارة المعرفة بأنّها المصطلح المعبِّر عن العمليّات والأدوات والسلوكيّات التي يشترك في صياغتها وأدائها المستفيدون من المنظّمة، لاكتساب المعرفة وتخزينها وتوزيعها، بغرض الوصول إلى أفضل التطبيقات للتكيّف وتحقيق المنافسة طويلة الأمد. أمّا الشيخ (2018) فيعرّفها بأنّها نظام متكامل من العمليّات والممارسات والخبرات التي تساعد المديرين والمعلّمين في المدارس على إنتاج المعرفة وتوليدها، والبحث عن مصادرها المختلفة، لتوظيفها في تحقيق أهداف المدرسة، وإدامتها لخدمة العمليّة التعليميّة. يعرِّفها الباحثان كذلك بأنّها الوعي بثقافة المُنظَّمة، والمقدرة على كَسْب الخبرة الجماعيّة ومشاركتها، لتحقيق أهداف المُنظَّمة ورسالتها.

بالإضافة إلى هذه التعريفات، يمكن تعريفها بأنّها مجموعة من العمليّات التي تتمّ داخل المنظَّمة، فتساعد على إيجاد المعرفة وتوليدها واستخدامها وتنظيمها ونشرها، فضلًا عن توظيفها في النشاطات الإداريّة المختلفة واتّخاذ القرارات وحلِّ المشكلات.

 

أهمّيّة إدارة المعرفة

يمكن إجمال أهمّيّة إدارة المعرفة بالنقاط الآتية:

1. تعدّ إدارة المعرفة فرصة كبيرة أمام المؤسّسات التربويّة، لتخفيض التكاليف وتوفير المعلومات في الداخل، لتوليد الإيرادات الجديدة.

2. تعدّ إدارة المعرفة عمليّة نظاميّة تكامليّة لتنسيق نشاطات المؤسّسات التربويّة المختلفة لتحقيق الأهداف.

3. تعزِّز إدارة المعرفة قدرة المؤسّسات على الاحتفاظ بالأداء المؤسّسيّ المعتمِد على الخبرة والمعرفة وتحسينه.

4. تتيح إدارة المعرفة للمؤسّسات التربويّة تحديد المعرفة المطلوبة، وتوثيق المتوافر منها، وتطويرها والمشاركة بها وتطبيقها وتقييمها. 

5. تعدّ إدارة المعرفة أداة فاعلة لاستثمار رأسمالها الفكريّ، بجعل الوصول الى المعرفة المتولِّدة عنها عمليّة سهلة وممكنة للأشخاص الآخرين المحتاجين إليها. 

6. تعدّ إدارة المعرفة أداة تحفِّز القدرات الإبداعيّة لدى مواردها البشريّة، لخلق معرفة جديدة، والكشف المسبَق عن العلاقات غير المعروفة، والفجوات في التوقّعات.

7. تسهِم إدارة المعرفة في تحفيز المؤسّسات التربويّة في تجديد ذاتها، ومواجهة التغيّرات البيئيّة غير المستقرِّة.

8. تدعم إدارة المعرفة الجهود للإفادة من جميع الموجودات الملموسة وغير الملموسة، بتوفير إطار عمل لتعزيز المعرفة وتطويرها. 

9. تسهِم إدارة المعرفة في تعظيم قيمة المعرفة ذاتها بالتركيز على المحتوى.

10. توفِّر إدارة المعرفة الفرصة للحصول على الميزة التنافسيّة الدائمة، بإسهامها في تمكين المنظومة التربويّة من تبنّي المزيد من الإبداعات المتمثِّلة في طرح أساليب وطرائق وخدمات جديدة.

 

أهداف إدارة المعرفة

تهدف إدارة المعرفة إلى تحديد المقاصد التي تؤدِّي بمجملها إلى تميّز المنظّمة التربويّة وريادتها، والتي تتمثّل بالآتي:

1. توفير المعرفة دائمًا وتطبيقها، وتخطيط الجهود فيها وتنظيمها تنظيمًا يؤدّي إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجيّة. 

2. الارتقاء بالأداء المعتمِد على الخبرة والمعرفة وتحسينه. وذلك بدعم الممارسات الأفضل للعمل، والمتمركزة حول المعرفة.

3. الارتقاء بعمليّة صنع القرار وتنفيذه بصورة أفضل.

4. مأسسة المعرفة، حيث تعمل إدارة المعرفة على تنفيذ استراتيجيّة تشجِّع الإدارات وأقسامها على توليد المعرفة وتطبيقها وتبادلها ومشاركتها ونشرها، بما يعود بالمنفعة العامّة ويزيد من مكانتها التنافسيّة. 

5. زيادة الإنتاجيّة بإتاحة الفرصة أمام المعلّمين للوصول إلى المعرفة التي تساعدهم على القيام بمهمّاتهم بفاعليّة وإتقان. 

6. زيادة النموّ الذي تسعى المؤسّسات التربويّة إلى تحقيقه في أعمالها، هدفًا استراتيجيًّا رئيسًا. ويقصد بالنموّ هنا الزيادة المستدامَة في أيّ من مقاييس الأداء المعتمِدة على المعرفة، لمواكبة التطوّرات وتجويد التعليم. 

7. إيجاد حلول إبداعيّة للمشكلات التي تواجهها المؤسّسات التربويّة، بابتكار المعرفة الجديدة، واستقطاب الأفراد والخبراء.

8. تجذير ثقافة الإبداع والابتكار. 

9. إيجاد قيمة الأعمال بالتخطيط لها، والجودة المعلوماتيّة، وإدارة الموارد البشريّة وتنميتها، وتقييم المستفيدين. 

10. الارتقاء برضا المعلّمين والطلّاب وأولياء الأمور، بتجويد الخدمات المقدَّمة اليها. 

11. إيجاد قيادة فاعلة وقادرة على بناء مدخل إدارة المعرفة وتطبيقه.

 

مصادر المعرفة

تتنوّع مصادر المعرفة في عصرنا الحاليّ، ورغم أنّه لا يمكن حصرها، يمكن تناول بعضها وفق صنفين:

مصادر داخليّة

تعدّ المعرفة الضمنيّة من المصادر الداخليّة لاكتساب المعرفة، وتشمل خبرات الأفراد ومعتقداتهم، وافتراضاتهم، وذاكرتهم، وحقوقهم. هذا النوع من المعرفة صعب النقل أو الشرح، وفي الوقت ذاته، قد تكون له منافعه الكثيرة لصالح المنظّمة. تتمثّل المصادر الداخليّة في ثلاثة عناصر:

1. الإنسان: هو مصدر المعرفة، ويشمل العاملين الذين لديهم معارف وخبرات في كيفيّة إنجاز الأعمال ذات الطبيعة الخاصّة، والتي تتطلّب إبداعًا في العمل، بمهاراتهم وخبراتهم. 

2. فرق العمل: يمثّل هؤلاء مجموعة من العاملين ضمن مجال وظيفيّ معيّن، أو ضمن مجالات مختلفة. يتميّزون بقدرات إبداعيّة ويعملون معًا لابتكار معارف جديدة في مجال عملهم. 

3. البحوث والدراسات: تعدّ مصدرًا مهمًّا لإنتاج المعرفة، مثل بحوث تطوير العمل وتحسينه، حيث تسهِم في إيجاد معرفة جديدة، يكون لها دور فعّال في تطوير الخدمات المقدَّمة وتحسينها. 

مصادر خارجيّة

هناك عدد كبير من المصادر الخارجيّة التي يمكن تحصيل المعرفة بها. من هذه المصادر الاقتداء بالمؤسّسات الأخرى والمشاركة بالمؤتمرات، واستئجار الخبراء ومتابعة الصحف والمجلّات والمواد المنشورة على شبكة المعلومات العالميّة. فضلًا عن مشاهدة أفلام الفيديو ومتابعة الاتّجاهات الحديثة والاجتماعيّة والتقنيّة. بالإضافة إلى جمع المعلومات والبيانات والتعاون مع مؤسّسات المجتمع، وانشاء تحالفات ومشاريع مشتركة، وغير ذلك من المصادر (غبور، 2012). 

 

عمليّات إدارة المعرفة

تعدّ المنظومة التعليميّة مصدر المعرفة الأوّل، فهي أكثر المؤسّسات الاجتماعيّة ملاءمة لتبنّي إدارة المعرفة، لما لها من أهمّيّة في عدّة مجالات، منها التخطيط والتنظيم والمتابعة والتنسيق والتقييم. من المهمّ أن تفيد المنظومة التعليميّة في تبنّي إدارة المعرفة بتطبيق عمليّاتها التي يحدّدها الشيخ (2018) بالآتي:

توليد المعرفة

تُولَّد المعرفة بتشخيصها، من تحليل احتياجات الطلبة والمعلّمين، داخل المدرسة وخارجها، كالحصول على جوائز مشاركة في مسابقات ومؤتمرات، وجذب المعلّمين إلى المعرفة في عمليّة التعلّم بالمشاركة وتعليم الأقران. وكذلك، بتشجيع المعلّمين على البحث عن المعرفة المرتبطة بأنشطة المدرسة، وإنشاء فرق عمل، فضلًا عن وضع حوافز ماليّة ومعنويّة لتشجيع المعلّمين على تحويل المعرفة الضمنيّة إلى معرفة صريحة، ونشر ثقافة المبادرة بين المعلّمين.

تشارك المعرفة

تشجيع المعلّمين للاستفادة من خبرات الآخرين بتشارك المعرفة، وتسهيل وصول المعلومات إليهم لتحسين أداء المدرسة التعليميّ. بالإضافة إلى التواصل مع مدراء آخرين لتشارك الخبرات والأفكار، وتوظيف شبكة الإنترنت لتحقيق ذلك.

تنظيم المعرفة

وضع أهداف تتّسم بالوضوح، وتهدف إلى تحسين العمليّات. القدرة على المنافسة القصيرة وطويلة الأجل، وتمكين المدرسة من المقدرة على الابتكار، والوصول إلى النجاح، وتحقيق رضا المستفيدين في المجال التربويّ. توثيق التجارب والخبرات، بتخزين المعرفة تخزينًا مناسبًا، وتوفير الوقت والجهد للعاملين. تنظيم المعرفة في المدرسة بصورة تجعلها قادرة على التعامل مع المشكلات التي تواجهها. 

تطبيق المعرفة

يُدعَم فيها الأفراد لتطبيق المعرفة باستخدام التكنولوجيا المسانِدة، ونقل المعرفة المناسبة إلى الشخص المناسب في الوقت المطلوب من خلال تكنولوجيا المعلومات وشبكات الإنترنت. مثال ذلك استخدام تكنولوجيا التعليم والمعرفة المتاحة للإفادة من المعارف والخبرات المتوفِّرة، لوضع خطط تطويريّة للمدرسة. 

إدامة المعرفة

تخزين المعرفة في عقول الموظّفين الذين يعملون في المنظّمة، أو الوثائق والتقارير وقواعد البيانات. 

 

* * *

في الختام، تعدّ إدارة المعرفة أمرًا مهمًّا في المؤسّسات التربويّة، حيث تسهِم في تحسين جودة التعليم وتعزيز الابتكار والإبداع في المجال التربويّ، بالاستفادة من خبرات الأفراد ومعرفتهم داخل المؤسّسة التربويّة. الأمر الذي يؤدِّي إلى التحسين المستمرّ في الأساليب والطرائق التعليميّة، للوصول إلى بيئة تعليميّة، تُناسِب المعلّم والطالب وتحقّق فائدة للمجتمع.

 

المراجع

- الرشيدي، نايف. (2020). إدارة المعرفة كمدخل لتطوير الإدارة التعليميّة بدولة الكويت. المجلة العربيّة للتربية النوعيّة. 4(11)

- الشيخ، عادل. (2018). درجة ممارسة عمليّات إدارة المعرفة في المدارس الثانويّة المطبِّقة لنظام المقرّرات بمدينة الرياض من وجهة نظر مديري المدارس والمعلّمين. مجلّة العلوم التربويّة والنفسيّة. 2(14)

- غبور، أماني. (2012). استخدام مدخل إدارة المعرفة في تطوير الأداء المؤسّسي بمؤسّسات التعليم العالي في مصر: تصوّر مقترَح. مجلة كليّة التربية. 36(1). 497-584. 

- الكبيسي، صلاح. (2005). إدارة المعرفة. المنظّمة العربيّة للتنمية الإداريّة. 

- الهمشري، عمر. (2013). إدارة المعرفة: الطريق إلى التميّز والريادة. دار الصفاء للنشر والتوزيع.