هُنا... ذكريات وحبّ لا ينتهي
هُنا... ذكريات وحبّ لا ينتهي
2023/11/14
أسماء رمضان مصطفى | مُعلّمة لُغة إنجليزيّة- فلسطين

هُنا أحلام معلّم عالميّ، آمال وطموحات قُصِفت بيد الغدر الصهيونيّة فجر اليوم السادس بعد الثلاثين في حرب شنّها العدوّ الصهيونيّ ضدّ المدنيّين في غزّة. هُنا نشأتُ وتعلّمت، هُنا سهرتُ الليالي أثناء مرحلة الدراسة الجامعيّة. من هُنا تخرّجت، هُنا أقمتُ احتفالًا بفرحة التخرّج، وأقمت احتفالًا آخرَ بالعالميّة، وبالتميّز على مستوى الوطن، وإنجازات كثيرة في مجال مهنة التعليم التي أحبّ.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

هُنا بنيت أحلامي وآمالي المستقبليّة التي سرقها منّي احتلالٌ لعين بلمح البصر. هُنا أقيم مع عائلتي البسيطة: أبي وأمّي وأخي الأصغر. هُنا ألتقي طفلتَي الصغيرتين يومين من كلّ أسبوع، نلعب ونمرح وأسرد لهنّ الحكايات قبل النوم. هُنا مبيتٌ هادئٌ وعائلة جميلة تحبُّ الحياة.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

هُنا نتجمع كلّ يوم على وجبة الغداء... المذاق الشهيّ من يد أمي الحانية. هُنا ألتقي أخواتي.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

هُنا مكتبي الصغير الذي من خلاله ألتقي طلّابًا وطالبات العالم بأسره، أحدّثهم عن فلسطين المحتلّة، وعن غزّة العزّة التي تحبّ الحياة ما استطاعت إليها سبيلًا.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

من هُنا أخرج كلّ صباح أذهب إلى مدرستي، مكان عملي منذ 16 عامًا. أحبّه ويحبّني. أرتدي أجملَ ما لديّ للقاء بناتي، طالباتي العزيزات. لا أعرف كمّ شهيدة منهنّ، وكم مصابة جريحة حتّى اللحظة. هُنا أعودُ بعد يومٍ شاقّ لأرتاح على أريكتي التي أحبّ، ثُمّ أنام طويلًا.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

هُنا تزورني الصديقات الغاليات، هُنا سمر ودعاء ونهى وسماح، وأسماء التي غادرت البلاد، أشتاق إليهنّ جميعًا من دون استثناء.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

هُنا أشاهد التلفاز وأتسامر مع إخوتي، ونحتسي القهوة ونضحك كثيرًا. هُنا حياة جميلة.

هُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.

قُصِفَ بيتي الصغير، بنقرة واحدة من لوحة تحكّم في طائرة أمريكيّة، وجندي إسرائيلي مرتزق، قد تكون أمّه من بلد، وأبوه من آخر، ويدّعي أنّ هذه الأرض الطاهرة تعود إلى أجداده.

يد الغدر الصهيونيّة طالت كلّ شيء في غزّة، لم يبقَ سوى الذكريات. دمّروا كلّ أحلامنا وآمالنا، نالوا من أحلامنا البريئة، قتلوا الابتسامة شرّ قتل...

 لكنّنا باقون ما بقي غصن الزيتون، فهُنا ذكريات وحبّ لا ينتهي.