هل ما زلنا بحاجة أدوات التقويم التقليديّة؟
هل ما زلنا بحاجة أدوات التقويم التقليديّة؟
2022/06/25
مجد مالك خضر | كاتب ومدوّن- الأُردن

تتميّزُ العمليّة التعليميّة بأنّها تكامليّة؛ أي تقوم على مجموعة من المكوّنات التي تتكاملُ مع بعضها بعضًا، من أجل تحقيق عدد من الأهداف المُخطّط لها وفق خطّة زمنيّة مُحدّدة. كما أرى أنها تُمثّلُ خطوات ومراحل، تبدأ من نقطة انطلاق، وتنتهي في نقطة وصول، ويجبُ اجتيازُ كل مرحلة منها بوقت معيّن وفق المعايير والتعليمات المنصوصة من قبل وزارة التربية والتعليم. وأيضًا، لا أنسى العنصرين الرئيسيّين اللذين تتكوّنُ منهما هذه العمليّة، وهما: العنصر البشريّ، الذي يُعدُّ الطالب أهمّ طرف فيه، ثم العنصر المادّيّ، الذي يتكوّن من المدرسة كمبنى، وكتب المناهج الدراسيّة، والوسائل المساندة للتعلّم، وجميعها تهدف إلى دعم الطلّاب عن طريق توفير ما يُحقّق حاجاتهم الأكاديميّة والتعليميّة بناءً على المرحلة الدراسيّة لكلّ منهم.

 

أدوات التقويم

لا تقتصر متابعة الطلاب أكاديميًّا وتعليميًّا على توفير المتطلّبات المادّيّة لهم فقط، بل تحتاجُ إلى توظيف أدوات تُحدّدُ مدى اكتسابهم للمهارات، والمعارف، والمعلومات المطلوبة من دراستهم، ويُطلقُ على هذه الأدوات اسم "أدوات التقويم". وخلال بحثي في الكُتب والمراجع التربويّة، وجدتُ لها عددًا من المفاهيم والتعريفات، ولكلّ منها مفردات تختلفُ عن غيرها، فمنها المبنيّة على النتائج، ومنها المعتمدة على المقارنة، وأخرى ترتبطُ بالتخطيط للتعليم. وعمومًا، تُعرّفُ بأنها الوسائل التي تُستخدمُ في تحديد مدى تمكّن كل طالب من امتلاك المعلومات والمهارات المطلوبة، خلال فترة تقييم مقترنة بزمن معيّن، ومن واقع خبرتي في العمل كمعلّم، أُعرّفها بأنّها الأدوات التي يستخدمها المعلّم في قياس وبيان مستوى الفهم، والإدراك الحقيقيّ لدى كل طالب، وهي متنوّعة في أشكالها، ويستطيعُ كلّ معلّم توظيف واحدة أو أكثر منها، بما يتوافق مع طبيعة مادّته الدراسيّة وحاجاتها التقييميّة.

 

أهمّيّة أدوات التقويم في تقييم أداء الطالب

تُعدُّ أدوات التقويم من أهم العناصر المستخدمة في تقييم أداء الطالب، فتُمثّلُ جميعها وسائل مساعدة ومساندة للتعلّم، وأدوات في يدّ المعلم لتشخيص مدى تمكّنه من تحقيق نتاجات الدروس في ضوء الخطّتين الفصليّة واليوميّة، والمنعكسة نتائجها بالطبع على الطلاب، ومن هُنا تأتي أهمّيّة هذه الأدوات، التي تُقيّمُ إدراك وفهم واستيعاب الطالب للنتاجات والمعلومات والمفاهيم، وتُحدّدُ نقاط القوّة والضعف لديه، والذي يُرتّبُ على المعلّم تعزيز كل نتاج مكتسب، وتحفيز الطالب على الإنجاز، كما يجب عليه معالجة التقصير أو الضعف الظاهر؛ من خلال بناء خطة علاجية متكاملة، وأيضًا تدفع أدوات التقويم الطالب على الاستمرار بالتعلّم، ذلك عن طريق توفير مُعزّزات مقترنة بالأداء، فكلّما تحسّنت مهاراته، يحصلُ على تقييم أفضل، مثل زيادة العلامات أو تقديم مكافآت رمزيّة من قبل المعلّم، والذي يرفعُ حماسة نسبة كبيرة من الطلاب للمشاركة، وإثبات نفسهم في بيئة التعليم، سواء الوجاهيّة أو عن بُعد أو أثناء تنفيذ أنشطة معيّنة.

 

الفرق بين أدوات التقويم التقليديّة والحديثة

إن التقويم، وأدواته، ليس من المفاهيم التربويّة المستحدثة، بل من أساسات العمليّة التعليميّة وعناصرها المادّيّة، لذلك ظهر منذ بدايات التعليم، وواكب التغيرات التي أثّرتْ فيه، وتطوّر بما يتوافقُ معها، فصار أكثر مرونة في اتخاذ أشكال جديدة وحديثة وقابلة للتطبيق في أي زمان ومكان. ومن خلال خبرتي في العمل في التعليم، أُصنِّفُ أدوات التقويم إلى قسمين أحدهما تقليديّ والآخر حديث، وكلاهما يستخدمان، سواء في آنٍ معًا، أو بناءً على الموقف التقييميّ التعليميّ، والحاجة الفعلية لكلٍ منهما، وبما تفرضه طبيعة العمليّة التعليميّة، والظروف المحيطة بها.

وأبدأ من القسم الأوّل "التقليديّ"، والذي يشملُ أدوات التقويم التقليديّة، وهو الشكل النمطيّ والمعروف للتقويم في الواقع التربويّ والتعليميّ، ويُقيّمُ أداء الطلاب خلال فترات زمنية مُحدّدة، شهريًّا وفصليًّا، وأحيانًا قد يكون تقويمًا مستمرًّا، باستخدام استراتيجيّات متنوّعة، مثل: القلم والورقة، والتقويم المعتمد على الأداء، والملاحظة التي تُبنى على مجموعة من الاختبارات، وتحتوي أسئلة مبنيّة على المعلومات والأفكار، التي درسها الطالب خلال فترة تدريس معيّنة، وقد تكون اختبارات قبليّة تُنفّذ قبل دراسة الطالب للمادّة، ثم اختبارات بعديّة تُجرى بعد دراسة الطالب للمادّة، وما زالت هذه الطريقة هي الأكثر شيوعًا في تقييم الطلاب.

أما القسم الثاني "الحديث"، فأرى بأنه يتضمّن مسارين من التقييم، الأوّل التقويم العمليّ بعيدًا عن الورقيّ؛ أي الاختبارات، والثاني التقويم باستخدام التكنولوجيا وأدواتها. يعتمد المسار الأوّل يعتمد على متابعة أداء الطالب باستخدام الملاحظة أو التطبيق العمليّ لمهارة معيّنة أو تنفيذ أنشطة متنوّعة، وتُوزّع نسب العلامات بين التقويم الورقيّ التقليديّ، والتقويم العمليّ الذي يأخذ حيّزًا أكبر من عملية التقييم. أمّا المسار الثاني، الذي ظهر حديثًا بالتزامن مع انتشار الإنترنت وأجهزته، وعزّزته جائحة كورونا، والتحوّل إلى التعليم عن بُعد، فيعتمدُ على الاختبارات الإلكترونيّة، ووسائل التعلّم الرقميّة، التي باتت جزءًا من منظومة التعليم، وأداة حديثة من أدوات التقييم، وقد حجزت لها مكانًا ملحوظًا في الميدان التعليميّ، بعدما ساهمت في توفير خيارات جديدة، لم تتوفّر في التقويم التقليديّ.

 

بعد أن وضّحتُ أدوات التقويم التقليديّة والحديثة مثلما صنّفتها، صار لا بُدّ من الإشارة إلى سلبيّات كلّ منها، فالتقويم التقليديّ وأدواته قد يواجه صعوبة في تنفيذه أحيانًا إذا كان عدد الطلاب كبيرًا، كما يحتاجُ إلى جهد ووقت من المعلّم لرصد العلامات. أما التقويم الحديث وأدواته، فيتطلبُ توفير أجهزة حاسوبيّة أو رقميّة ذكيّة كافية لجميع الطلاب، وغالبًا لا يُعدّ عادلًا؛ بسبب سهولة تزييف نتائجه في حال نفّذه الطلاب خارج المدرسة، مع غياب الرقابة الذاتيّة من الطالب والأسريّة من عائلته، وهكذا يصعبُ تحديد مستويات الطلاب بالاعتماد عليه، وأيضًا تنعدمُ، تقريبًا، القدرة على تحديد الفروقات الفرديّة بينهم.

 

الحاجة إلى أدوات التقويم التقليديّة

لقد أكدّتُ في الفقرات السابقة على حاجة التعليم إلى أدوات التقويم، وأهمّيّتها في متابعة الطلاب، والفرق بين التقليديّة والحديثة منها، ومن خلال ما سبق وتجربتي في العمل في التعليم، أستطيعُ أن أُجيبَ على سؤال "هل ما زلنا بحاجةٍ إلى أدوات التقويم التقليدية؟"، والإجابة نعم، فلا يمكن التخلي الآن عن الاختبارات الورقيّة، والسجلّات الأدائيّة الجانبيّة، وغيرها من الأدوات التقويميّة التي يستخدمها المعلّم من أجل رصد أداء الطلاب، وتحديد مستوياتهم أكاديميًّا وتعليميًّا؛ وذلك بسبب غياب البنية التحتيّة والموارد اللازمة في كثير من المدارس لتنفيذ التقويم بأدواته الحديثة، والتي تحتاجُ إلى استخدام شبكة الإنترنت والأجهزة الذكيّة، فيصير من الصعب توظيفها بالشكل المطلوب منها، مع عدم وجود المتطلّبات الداعمة لها.

وأيضًا، إن الواقع التعليميّ يفرضُ توظيف أدوات التقويم التقليديّة في تقييم أداء الطلاب، والتي لا يُمكنُ بالطبع استبدالها أو تغييرها دفعة واحدة، بل تحتاجُ إلى خطوات متلاحقة ومتعاقبة، ومقترنة بخطّة زمنيّة وتطويريّة، ووجود موارد كافية تُوفّرُ أدوات جديدة غيرها. وما لا شكّ فيه، أن البيئة التعليميّة الحديثة قادرة على استقبال جميع التغيّرات الإيجابيّة، التي تدعمُ من تطوّرها، وتزيد من قدراتها لتكون أكثر تفاعليّة وكفاءة، لتوفير محتوى تعليمي مميّز ومبدع وشيّق للطلاب، ومتزامن مع توظيف واستخدام أدوات تقويم غير تقليديّة، ومهما اختلفت أدوات التقويم القديمة والحديثة، إلا أنها ستظلُّ جزءًا مهمًّا من أجزاء التعليم، ووسائل قادرة على إبرار الفروقات الفرديّة بين الطلاب، وتشجيعهم على المنافسة من أجل تحقيق التفوّق والنجاح.