نهج عباءة الخبير التعليم بين الدراما والاستقصاء
نهج عباءة الخبير التعليم بين الدراما والاستقصاء
سحر معين درويش | باحثة في المجال التربوي والنفسي-فلسطين

في ظلّ نظام تعليم ينأى بالأطفال عن أيّ دور اجتماعيّ، ويشعرهم بأنّهم عديمو الفائدة، ويضعهم في منطقة تعليميّة تعتمد اعتمادًا كليًّا على المقولة المعطِّلة: "ذات يوم، ستكون جيّدًا بما يكفي للقيام بذلك، ولكن ليس اليوم"، تكون الغرف الدراسيّة قاعات انتظار، تبدو النشاطات فيها مجرّد تدريب لأجل مستقبل بعيد المنال، وليس لذلك أيّ معنى لدى الطلّاب.

يقلب نهج عباءة الخبير هذه المقولة المعطِّلة، إذ تجعل التعلّم مجديًا وهادفًا في الحاضر وفق سياق مُتخيَّل، يعتمد المعلّم فيه عمليّة بناء تشاركيّة. يقتضي ذلك توفير المواد والمصادر والنصوص التي تتطلّبها إسهامات الأطفال بما يؤدّونه من أدوار، ممّا يجعل أفكارهم ومعارفهم ومهاراتهم ذات فائدة آنيّة (تايلور، 2018). 

يسلّط هذا المقال الضوء على الاستراتيجيّة المتّبَعة في نهج عباءة الخبير، وعناصره، وخطوات التخطيط وفقه، بتقديم أنموذج تطبيقيّ.

 

استراتيجيّة نهج عباءة الخبير

يقوم نهج عباءة الخبير على استراتيجيّة الدراما المشوِّقة في عمليّة التعليم والتعلّم، إذ تكمن فكرته في تعلّم الطلبة باعتبارهم مجموعة متخيَّلة من الخبراء، يكتشفون تعلّمهم ويتحمّلون مسؤوليّات خاصّة. هو مقاربة تعليميّة قائمة على الاستقصاء الدراميّ، تجعل التعلّم مفعمًا بالحيويّة والإثارة، ودافعًا نحو استكشاف وجهات النظر المختلفة، ذلك أنّ لمخرجات هذا النهج علاقة بالنموّ المعرفيّ والاجتماعيّ والمهارات الحياتيّة. 

يتعلّم الأطفال، وفق هذا النهج، مجالات المنهاج الدراسيّ كلّها، حيث يمكن توظيفها في تدريس اللغة العربيّة والرياضيات والمواد الاجتماعيّة والعلوم، فضلًا عن تعليم القيم والمهارات. يتّم ذلك وفق استراتيجيّة يتّخذ فيها الطلبة أدوار خبراء ينخرطون في مشروع، لأجل زبون مُتخيَّل، أي صاحب الفكرة الذي يعمل معه الخبراء لتحقيق الهدف. يتعاون المعلّمون مع طلّابهم، لتوليد أوضاع مُتخيَّلة، توظِّف المنهاج الدراسيّ، وتطوِّر المعرفة والمهارات والفهم عبر نطاقات واسعة الموضوعات، بغية جعل دراسة المنهاج عمليّة جذّابة وذات معنى، ووضع مجتمع الصفّ الدراسيّ في مركز عمليّة التعلّم. من هنا، لا يحتاج الطلّاب إلى امتلاك تجربة، وإنّما إلى التركيز على تأدية المهمّة بجدّيّة ومسؤوليّة، كما يفعل أيّ مهنيّ.

 

عناصر نهج عباءة الخبير الرئيسة

 

- فريق الخبراء

فريق من الطلّاب يُكلَّفون بعدد من المسؤوليّات والقيم، ويعملون كخبراء في مجال ما. عندما يقبل الطلّاب الدخول إلى عالم مُتخيَّل، يظهَرون بدور أناس لديهم السلطة والمسؤوليّة. يمثّل ذلك عباءة خبرتهم المتمثّلة بعبء الواجبات التي يقترن بها دورهم في الخيال القصصيّ. ومع تطوّر التزام الطلّاب بدور فريق الخبراء، تتطوّر عباءة خبرتهم أيضًا، ليس باعتبارها عرضًا منحه المعلّم لهم، بل تميّزًا ناله الطلّاب بالعمل الجاد والمثابرة. 

- الزبون

الشخص الذي يعمل الفريقُ لصالحه في الخيال القصصيّ، والذي يحدّد للفريق النشاطات والهدف والمعنى والاتّجاه. من وظائف دور الزبون: 

  • - تعيين المطالب. 
  • - تحديد معايير مهنيّة عالية في معظم الأحيان.
  • - تقييم جودة عمل الطلّاب، وتوفير التغذية الراجعة. 

من أجل تلبية مطالب الزبون، على أعضاء الفريق حلّ المشكلات وخلق المنتجات وأداء المهمّات المحدّدة. يصمِّم المعلّم هذه المهمّات بما يتناسب مع متطلّبات المنهاج الدراسيّة واحتياجات الطلّاب. يمكن للمعلّم، بهذه الطريقة، استخدام دور الزبون لتوجيه طلّابه وتحفيزهم ودعمهم، فضلًا عن دفعهم إلى اكتشاف المقرّر الدراسيّ عبر سياق تخيّليّ.

- التفويض

سلسلة من المهمّات والنشاطات التي يوكلها الزبون إلى الفريق في السياق المتخيَّل. وهي يجب أن تكون متماسكة ومفيدة للطلّاب في الخيال القصصيّ، ومحفِّزة وذات مغزى في غرفة الصفّ الحقيقيّة. يشدِّد التخطيط لنهج عباءة الخبير على إعداد المهمّات إعدادًا دقيقًا، بحسب مستويات الانخراط المطلوبة والالتزام بمضمون المنهاج الدراسيّ.

 

نماذج التخطيط وفق نهج عباءة الخبير

يتحدّث (Abbot (2010 عن ثلاثة نماذج مُتَّبعة في تخطيط الدروس وفق نهج عباءة الخبير: 

التخطيط الخطّيّ

كأن تقرأ قصّة أمام الأطفال، وتطرح عليهم أسئلة بعد قراءتها، ثمّ تطلب إليهم اختيار كلماتهم ورسوماتهم المفضَّلة.

- تخطيط المشهد الطبيعيّ

يجب التفكير هنا في السياق، حيث يختار المعلّم سياقًا يجذب اهتمام الأطفال، مثل "حماية النمر من الانقراض". يلي ذلك تحديد الأهداف، أي الإجابة عن سؤال: ماذا نريد أن نعلِّم من السياق؟ قيمًا، مثل الاهتمام والنظافة والصدق واتقان العمل... أم موضوعات في الجغرافيا والتاريخ والعلوم... أم مهارات، مثل استخدام أدوات، كالقفص والمنظار والفأس...

يقول Abbot: "قد يسألك الأطفال، في قصّة النمر الهارب، إن كنّا نحتاج إلى منظارٍ لنرى النمرـ هنا، إمّا أن ترسم المنظار، أو تحضره مسبقًا لكي يجرِّبوه. وقد يسألونك كيف يعمل؟ فتقول: دعونا نجرِّب، من يريد أن يعرف عنه أكثر؟ وهكذا... أسئلة تجرّ أسئلة، تتّجه نحو البحث والاستقصاء" (Abbot, 2010, P. 49). يلي ذلك عمل تقاطعات بين حلقات نظام عباءة الخبير، أي بين الدراما والاستقصاء. 

- التخطيط التقنيّ

يقول Abbot: "لا نتحدّث، اليوم، عن هذا التخطيط ولا نريده أبدًا في تعليمنا. في هذا التخطيط، تبدأ بدرس، ثمّ تنتقل إلى درس آخر، ثمّ تعقد نشاطًا، ثمّ تضع امتحانًا. هذه طريقة مثلى لخلق طفل طيِّع، أو جنود من الأطفال. ليس هناك مساحة لكي يكتشف الطفل ويسأل ويفكِّر، ولا مجال لنا- نحن المعلّمين- أن نبني خططنا في ضوء أسئلته" (Abbot, 2010, P. 49).

أمّا الخطّة الجيدّة في نظام عباءة الخبير، فهي التي تقود إلى:

1. الجذب 
2. الانتباه 
3. المنفعة أو الاهتمام 
4. الحافز أو الدافعيّة 
5. القلق 
6. الاستثمار 
7. الاستحواذ أو الهوس 

 

أنموذج تخطيط عيّادة حيوانات

إذا أردنا أن نخطِّط لتجربة عباءة خبير مع الأطفال حول عيّادة علاج الحيوانات المريضة، علينا أوّلًا تحديد السياق: ما أفضل مكان لبناء مثل هذه العيّادة؟ أهو المدينة، أم القرية، أم الغابة، أم المزرعة؟ ذلك أنّ لتحديد المكان دلالات وتوابع للتجربة. إذا كانت العيّادة في القرية مثلًا، أي بعيدة عن معظم الناس، نحتاج إلى خارطة القرية للعثور على موقع العيّادة، وبوسترات على الطرق تدلّ الزائرين على المكان. وفيما يلي دلالات أنموذج التخطيط المُتَّبع:

1. آليّات الجذب: صورة حصان مريض في إسطبل- طريقة الحديث معه واللغة المستخدمة- حركات الجسد- الإيماءات. 
2. الانتباه: كأن نقول للأطفال: "دعونا نرسم حصانًا مريضًا". هذه وسيلة تجذب انتباه الأطفال إلى التفاصيل. لا يهمّ ماذا يرسم الطالب في سياق الدراما، طالما أنّه يعرف الشكل الذي رسمه. إذا حدّد الطالب شكلًا غير واضح المعالم بأنّه قط، فلا يجب الإشارة إلى أنّه ليس قطًّا، وأنّ شكل القطّ مختلف. هو يرسم لنفسه وليس للكبار، ولكن أستطيع أن أطوِّر الرسم لديه في الوقت المناسب.
3. الاهتمام: إظهار جوانب الضعف أو القوّة في الموضوع، يمكن أن يثير الاهتمام. لو كان من آليّات جذب الاهتمام وجود أدوات خاصّة في العيّادة، مثل القفّازات، وأدوات تنظيف، وأسرَّة مريحة، فهي أدوات لبناء الاهتمام. 
4. الدافعيّة: يمكن أن نثير دافعيّة الطلبة بلفت انتباههم إلى أنّ مكان العيّادة يجب أن يكون آمنًا ونظيفًا. وبالتالي، أطلب إليهم رسم جميع الأدوات اللازمة التي تجعل المكان مناسبًا.
5. القلق: يمكن أن نتحدّث في السياق عن مزارع دجاج مصاب بإنفلونزا الطيور، ونحن بحاجة إلى فريق عمل ماهر لحلّ المشكلة. إن لم يتصرّف الفريق بالسرعة الممكنة فستنتقل العدوى إلى الجميع.
6. الاستثمار: يطرح الأطفال أسئلة كثيرة، يجدون إجابات بعضها دون بعضها الآخر.  
7. الهوس: يذهب الأطفال إلى البيت، وكلّ معه قصّته. يخبرون الأهل عمّا رسموه، وعمّا فعله زملاؤهم.

 

* * *

خلاصة القول، علينا أن نعمل معًا على تغيير طريقتنا في تعليم الأطفال، وأن نخلق سياقات تتكامل فيها الدراما مع الاستقصاء، ومع تحقيق عناصر المناهج في الوقت نفسه. وهذا يتحقّق في نهج عباءة الخبير؛ عباءة الخبير تسهّل على المعلّم أن يتطرّق إلى المنهاج ومواضيعه مهما كانت، وفي الوقت نفسه يتناول القيم والمواقف عبر الدراما، ويجعل الطلبة يخطّطون لما يريدون تعلّمه، ويقودون تعلّمهم عبر الاستقصاء. والمعلّم الجدّي في هذا النموذج هو الذي يتقن مهارة التساؤل وطرح الأسئلة، وأيضًا مهارة بناء السياق والمواقف التعليميّة المناسبة التي يحدث فيها تعلّم حقيقي ذو معنى.

 

المراجع

- تايلور، تيم. (2018). دليل المعلّمين إلى دراما عباءة الخبير- نهج في التعلّم التحوّليّ. برنامج البحث والتطوير التربويّ. مؤسّسة عبد المحسن القطان. 

- Abbot, Luke. (2010). Mantle of the Expert in New Zealand. Journal of Drama in Education. 26 (2).