ندوة: ممارسة التأمّل في مجتمع التعلّم
ندوة: ممارسة التأمّل في مجتمع التعلّم

نظّمت منهجيّات ندوتها الشّهريّة في 17 من تشرين الثّاني/نوفمبر، تحت عنوان "ممارسة التأمّل في مُجتمع التعلّم". وركّزت النّدوة على محورين هُما: تعريف التأمّل وأهمّيّته؛ مع تشارك تجارب عمليّة من أرض الواقع، والثّاني التعرّف على وجهات نظر مُختلفة تتعلّق بتأمّل المدرّس، والتلاميذ، والقيادة التربويّة.

وشاركَ في النّدوةِ كلّ من: ساندي زيادة، منسّقة برنامج البكالوريا الدوليّة للسنوات الابتدائيّة من فلسطين، وهشام فرغلي، باحث في القيادة التربويّة من مصر، وروان مرعي، معلّمة برنامج السّنوات الابتدائيّة من الأردن، ود. رنا تميم، مستشار مدير جامعة زايد من لبنان. حاورهم علي عزّ الدين، مستشار دوليّ ومدرّب تربويّ في مجالات تربويّة مختلفة من لبنان.

 

تعريف التأمّل، وأهمّيته

استهلّ عزّ الدين النّدوة بالتّفريق بين مصطلح التأمّل، ضمن سياق التعليم، بالعربيّة والإنجليزيّة. فهو "Reflective Practice" بالإنجليزيّة بينما تأويله أو ترجمته تذهب عادةً لمعنى "Meditation" بالعربيّة، مشيرًا أنّ الحوار سيدور، في هذه النّدوة، حول التأمّل بالمُمارسات التعليميّة اليوميّة.

هُنا، بدأت تميم الحديث حول فكرة التعريف بتأكيدها على عدم وجود ترجمة دقيقة أو واحدة للمصطلح، ولكنّ التأمّل، ضمن هذا السّياق، هو نوع من المُمارسات الذي يردّنا إلى التمعّن بتصرّفاتنا وتطوّرنا. ومن منطلق التعليم، يعني التأمّل وقفة مع الذّات بشكلٍ متواصلٍ، وقفة مع العمل التدريسيّ والعمليّ، لملاحظة نقاط القوّة والضّعف، وكيف يُمكن تقييم طريقة الوصول للطلبة بصورة أفضل، فقالت إنّ "التأمّل هو نظرة داخليّة مع الأخذ بعين الاعتبار ما يحدث بالبيئة المُحيطة حولنا".

كما تطرّقت إلى أنّ التأمّل هو مُمارسة موجودة فعلًا عند مُعظمنا، كونه مُمارسة تلقائيّة نقوم بها ضمن سياقات مُختلفة في حياتنا. ولكن أشارت إلى أنّ المُشكلة تكمن بعدم توفّر التأمّل كممارسة مُمنهجة، ذلك لوجود نوع من التخوّف من فتح أبواب الذّات وتعريضها للانتقاد. وغياب التأمّل المُمنهج يحدّ من مساعدتنا لأنفسنا بتطوير الوعي الذاتيّ، وتطوير المعرفة والمهارات، ورفع الثقة بالنّفس.

 

التأمّل بوصفه مُمارسة

افتتح فرغلي حديثه بالتأكيد على أنّ المُمارسات التأمّليّة تعتبر جزءًا لا يتجزّأ من عمليّة التعليم والتعلّم، وإغفال عمليّة التأمّل هو بمثابة هدم لعمليّة التعلّم. وتطرّق لفكرة أنّ المُمارسات التأمّليّة تدخل في عمليّات صناعة القرار وتشكيل المُمارسات والسياسات المدرسيّة، إذ على نهج الإداريّين أن يكون قائمًا على التأمّل.

وذكر فرغلي مُمارسات عدّة لتشجيع التأمّل، منها خلق بيئة آمنة، ليشعر كلّ فرد من أفراد المُجتمع المدرسيّ بالأمان لمُشاركة خبراته وتجربته، ورصد سلوك التغيُّر في التجربة، ومنها كذلك، خلق تواصل جيّد بين أفراد المُجتمع المدرسيّ، ومنها مُمارسة التأمّل بعينهِ ما يُكوِّن نموذجًا تطبيقيًّا أمام أفراد المُجتمع التعليميّ، وشفافيّة النّقد الذّاتيّ، والاعتراف بفضل النّقد في تطوير مسار التعليم والتعلّم، وأهمّية الأسئلة أداة مفتوحة لتعزيز الحوار، وفتح قنوات التّواصل.

أمّا مرعي فداخلت حول التأمّل كمفهومٍ متواصل، بما يؤسّس للتأمّل ليصبح سلوكًا يوميًّا لجميع عناصر المُجتمع التعليميّ. وأشارت إلى طريقتين لتوصيل مهارة التأمّل للطلبة، بصورة علنيّة أو ضمنيّة، فمن المُمكن أن يكون هُناك تعليم واضح للتأمّل، كأن تكون الحصّة، مثلًا، هي حصّة تأمّل عن كيفيّة مُمارسة التأمّل المُمنهج، ما يوصلنا إلى الفعاليّة التي تأتي نتيجة عن فعل التأمّل.

وذكرت مرعي أمثلةً تُساعد على فتح المجال للتأمّل، مثل الأسئلة المفتوحة، والتّواصل، والحوارات، وحضور التقييم (ماذا أعرف، ماذا أريد أن أعرف، ماذا تعلّمت). هذه الأدوات تُساعد على بناء سلوك تأمّليّ لدى الطلبة، سواء على مستوى فرديّ أم جمعيّ، بما يجعل من التأمّل سلوكًا تطويريًّا للمُضيّ قُدمًا.

وأكّدت على أن الأهل هُم شركاء في عمليّة التعليم، وهم موجودون على الدّوام بكلّ تفاصيل العمليّة، عبر إشراكهم من خلال استبيانات عن آرائهم حول موضوعات ومناهج مُعيّنة، وعن تأمّلاتهم حول منصّات مُختلفة تجمع الأهل والمُعلّمين والطلبة، ما يفتح المجال أمامهم لحوار مفتوح ومُباشر ومُساهمات واضحة تصبّ في العمليّة التعليميّة، بما يجعل العمليّة التعليميّة عمليّة تكامليّة. 

 

ماذا عن تأمّل المدرّس والقيادة التربويّة؟

هُنا تحدّثت زيادة حول أهمّيّة أن تكون هُناك بيئة داعمة تتسامح مع الأخطاء، وتساعد على قبولها وتجاوزها سعيًا للتطوير. وركّزت على أهمّيّة مُمارسة التعلّم للقيادة التربويّة بقدر أهمّيّتها للطلبة، للقُدرة على إعادة إنتاج شكل، يتطوّر على الدّوام، للبرامج والاستراتيجيّات، وللقُدرة على تقييم المعايير والأدوات والنتائج، وهذا ما لا يتمّ إلّا من خلال التأمّل.

وذكرت زيادة أنّ التأمّل هو سلوك جذريّ لا يرتبط بموضوع مُعيّن، إنّما علينا أن نتأمّل بكلّ ما هو حولنا، بما يُثري عمليّة التخطيط وعمليّة التعلّم بصورة عامّة. وتطرّقت لفكرة الخوف أو القلق، وأهمّيّة تحويل هذه الفكرة إلى حافز للاستكشاف، لا أن تكون حاجزًا أمام معارفَ جديدة، ومن الضّروري الانتباه لئلّا يُشكّل الخوف عائقًا أمام عمليّة التغيير الناتجة عن التأمّل، ما يجعل عمليّة التأمّل تقف عند مرحلة معيّنة.

 

ختامًا

وفي الجزء الأخير من الندوة، فتح ميسّر الندوة عزّ الدين المجال لطرح أسئلة عديدة وردت من المتابعين على منصّة زووم وعلى البثّ المباشر على فيسبوك، ومنها سؤال يتعلّق بالتردّد أو الخوف من الإقبال على التأمّل عند المعلّمين، وعلّقت تميم بقولها إنّ جائحة كورونا، مع ما فيها من صعوبات، كانت فرصة لتبادل المعلّمين الأسئلة حول استخدام الأدوات التكنولوجيّة، وكانوا أكثر جرأة في السؤال والحديث عن نقاط ضعفهم والتأمّل في ممارساتهم وأثرها على الطلاب ومجمل عمليّة التدريس. وعقّب عزّ الدين بالإشارة إلى دور الطلاب المتمكّنين تكنولوجيًّا أكثر من مدرّسيهم، في إفادة مدرّسيهم في استخدام هذه الأدوات.

وعن إمكانية التدرّب على التأمّل وتوفّره، أجاب فرغلي بالقول إن التشارك بالخبرات التأمّليّة هو أهمّ نوع من التدريب، وقال إن أيّ ورشة أو تدريب أو محاضرة، يجب أن تقفل بنشاط تأمّليّ عمليّ، ونصح المعلّمين بسؤال أنفسهم، دومًا، عن معنى ما يتلقّون من تدريب أو ما يتعرّضون له من معارف.

وأجابت زيادة عن سؤال حول أيّ تأمّل ممكن في حصّة الرياضيات تحديدًا، قائلة إنّ التأمّل يمكن أن يكون في أيّ حصّة، من خلال الاستراتيجيّات المختلفة، كونها تساعد في معرفة احتياجات الطالب، ثم تطوير ما يقدم للطالب ويلبّي هذه الاحتياجات، ولا بد أن يكون المعلّم ممارسًا للتأمل بالشكل الصحيح حتى يتمكّن من نقله إلى الطلاب. وعقّب عزّ الدين بالقول إن التأمّل مهارة من المهارات التي تتجاوز حدود الموضوعات الدراسيّة.

ووجّه عز الدين سؤالًا لمرعي عن عمل المجموعات وكيف يساعد على التعلّم، فقالت: إن العمل الجماعيّ وتعلّم الأقران من أهم أساليب التأمّل، وهذا العمل الجماعيّ بحدّ ذاته يوسّع من المدارك، والتأمّل الجماعيّ يعزّز القدرات.

وختم المشاركون بنصائح عامّة لمتابعي الندوة وللمعلّمات والمعلّمين حول التأمّل، فقالت زيادة: "مارسوا التأمّل دون خوف، وحدّدوا نقاط الضعف لديكم حتى تتمكّنوا من التقدّم"، وللمنسّقين تحديدًا قالت: "إنّ التأمّل ضروريّ لمعرفة حاجات المعلّمين من مصادر وورش وغيرها".

أمّا مرعي فقالت: "مارسوا التأمّل حتى تفهموا موقف طلابكم ويكون نقطة للانطلاق إلى فعل إيجابيّ يحسّن ممارساتكم".

من جانبه وجّه فرغلي نصيحته للمستوى الإداريّ قائلًا: "أعطوا المساحة الآمنة التي تسمح بالأخطاء، فليتكلّم المعلّمون عن تجاربهم دون قلق من أي تبعات، إن شاركوا إحباطاتهم قبل إنجازاتهم، فهذا يدل على نجاح القياديّ التربويّ".

واختتمت تميم بالقول: "إنّ التأمّل هو مهارة مفتاحيّة أو بوّابة تقود إلى نجاحات عديدة".