ندوة: كيف غيّرت غزّة مفهوم الحقوق؟
ندوة: كيف غيّرت غزّة مفهوم الحقوق؟

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر آذار/ مارس 2024، بعنوان "كيف غيّرت غزّة مفهوم الحقوق؟". وركّزت على محاور مختلفة، هي:

1. مفهوم الحقوق بشكلٍ عامّ، ونشأتها وعلاقتها بالقانون الدوليّ.

2. مناقشة عجز القانون الدوليّ ومفاهيم الحقوق وفشلها في سياق الحرب على غزّة، خصوصًا الحقّ في الحياة الكريمة والغذاء والحماية والتعليم.

3. كيف غيّرت غزّة مفهوم الحقوق في غزّة وحول العالم؟

4. ما تعريف هذه المفاهيم اليوم في ضوء ما حدث ويحدث في غزّة؟ وكيف نفهم مفهوم الحقّ في التعليم في غزّة؟

5. كيف نسير إلى تطبيق هذه المفاهيم الجديدة، خصوصًا الحقّ في التعليم في ضوء ما يحدث في غزّة؟

6. ما دور المعلّمين والأكاديميّين والحقوقيّين والمنظّمات في هذا الفهم والتطبيق؟

7. كيف نصدّر هذا الفهم الجديد للعالم؟ وما دورنا جميعًا؟

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين: هُمّ: د. سائدة عفّونة، مساعدة رئيس جامعة النجاح الوطنيّة للرقمنة والتعلّم الإلكترونيّ، وعضو الهيئة الاستشاريّة لمجلّة منهجيّات؛ أ. أيمن قويدر؛ مستشار في التعليم وقت الطوارئ؛ أ. رائدة الشعيبي، رئيسة مجلس إدارة مركز إبداع المعلّم، ومعلّمة مرحلة ثانويّة ومُشرفة تربويّة؛ د. مؤيّد حطّاب، أستاذ مشارك في كلّيّة القانون في جامعة النجاح الوطنيّة، ومستشار قانوني غير متفرّغ في شركة آردن للمحاماة في لندن، المملكة المتّحدة.

أدارت الندوة د. جُمانة الوائلي، باحثة ما بعد الدكتوراه، وعضو الهيئة الاستشاريّة لمجلّة منهجيّات. وقدّمت الندوة بأنّها صُمّمت لتُعالج سؤالًا يدور في أذهان معظمنا يومًا بعد يوم، ونحن نشهد ما يجري من فظائع في غزّة الحبيبة وفي فلسطين عمومًا: ما حقوق الإنسان؟ وهل تغير هذا المفهوم اليوم؟ وهل ما زلنا قادرين على أن ننادي بهذه المفاهيم في ظل ما نراه من إجرام مغلّف بالصمت والتواطؤ؟

وأكملت د. الوائلي "ولأنّنا في منهجيات نعنى بكلّ ما يخصّ التعليم، فإنّنا ندرك أنّه لا يمكن فصل حال التعليم عن السياقات السياسيّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والقانونيّة الأوسع؛ إذ إنّ التداعيات المستقبليّة لكيفيّة إعادة سير التعليم في غزّة ستكون مختلفة تمامًا عن أيّ تجارب سابقة تخصّ استمراريّة التعليم في حالات الطوارئ، وذلك نظرًا إلى حجم الفظائع، والدمار الكامل، والخسارة الشاملة التي تعانيها غزّة. هذه ليست الحرب الأولى التي تشهدها غزّة، وهذا بدوره يعني أنّ جميع التدخلات التعليميّة، والنهج المستخدم من قِبل الجهات الفاعلة الدوليّة لم تعد ذات جدوى. ولا يمكننا ببساطة نسخ الأطر النظريّة والمفاهيميّة التي كنا نستخدمها، أو إعادة استخدامها أو تكييفها".

وتطرّقت إلى أنّ "الافتقار إلى الاستجابة المعنويّة من جانب المجتمع الدوليّ، من حكومات وهيئات قانونيّة، قد شكّل تجربة غير مسبوقة؛ بل قد نجرؤ على القول إنّها تجربة مؤلمة من الإهمال، والتخلّي والتي تتطلب استجابة جذريّة، إذ لا يمكننا استخدام ما يمكن أن يُنظر إليه الآن (من قِبل أهل غزّة وفلسطين) على أنّه نظرية لا تؤدّي الهدف المرجوّ. وهنا نسأل: هل نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الحقوق عمومًا، بما يتناسب مع ما نراه من تحييد وصمت كاملين، عن مبادئ حقوق الإنسان والعدالة؟"

 

ما حقوق الإنسان وحقوق الطفل قبل هذه الحرب؟

بدأ د. حطّاب مداخلته بأنّ حقوق الإنسان ليست وليدة لحظة ما، وليست وليدة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، إنّما هي مسألة وفكرة. وأكمل أنّ الحقوق امتيازاتٌ تُمنح للإنسان بصفته إنسانًا، وهذه الحقوق والامتيازات تعزّزت عبر التاريخ، ومقابل كلّ حقّ هُنالك واجب. وبالتالي، عند الحديث عن أيّ حقّ للإنسان، نتحدّث عن حقوق تعكس التزامات على الدول أو الحكومات.

وأضاف د. حطّاب أنّ الحقوق فكرة تشمل كرامة الإنسان، وتتعلّق بذاته وكينونته: الحقّ في الحياة؛ الحقّ في التعليم؛ الحقّ في الملكيّة؛ الحقّ في الخصوصيّة؛ الحقّ في التعبير عن الرأي؛ الحقّ في المساواة، وغيرها. وهُنا، نتحدّث عن منظومة كاملة تراعي كينونة الإنسان، وتراعي حقّه في أن يكون قادرًا على الحياة بشكلٍ كريم. وأشار د. حطّاب إلى أنّ فكرة الحقوق، والتي نشأت قديمًا مع اليونان، مستمرّة التطوّر. وقدّم مثالًا هو الحرب العالميّة الثانية، والتي قامت بعدها الجمعيّة العامّة بإعلان وثيقة حقوق الإنسان، والتي وقّعت عليها معظم دول العالم، كما اتّفقت على أن تكفل للإنسان الحقوق الأساسيّة، والتي لا يمكن أن يعيش الإنسان من دونها بكرامة وإنسانيّة. وركّزت هذه الوثيقة على أنّ الحقّ في التعليم لا بدّ أن يكون مُصانًا حتّى في مناطق النزاع. والحقّ في التعليم حقّ مكفول للإنسان من دون أن يتعلّق بمرحلة معيّنة، بما في ذلك المرحلة الجامعيّة. وأمّا في مناطق النزاع، فعلى الدول والعالم أن تكفل الحقّ في التعليم للشعب تحت النزاع.

 

هل كانت هذه الحقوق موجودة قبل هذه الحرب في فلسطين؟

تحدّثت د. عفّونة عن تغيير غزّة مفهومَ الحقوق، والإنسان بشكلٍ عامّ. إذ بات أطفال غزّة يتساءلون "هل نحنُ بشر؟" وهذا السؤال يعكس تساؤلًا أعمق: هل وُضعت حقوق الإنسان لمجموعة خاصّة من الناس، أم هي عامّة لجميع البشر؟ ومن الواضح أنّ هذه الحقوق، وفقًا لما يحصل في غزّة الآن، ليست للجميع. وأكملت د. عفّونة أنّ حقوق الإنسان لم يتمّ المساس بها فقط في غزّة، بل إهدارها وانتهاكها، وليسَ فقط من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، إنّما من سنة 1948، وهذا انعكس في أنّ نسبة كبيرة جدًّا من الفلسطينيّين قد عانوا فقدان حقّ من الحقوق على الأقلّ، بطريقة أو بأخرى، وهو ما جرّدهم من الإيمان بتطبيق هذه الحقوق، وباتت موضع تساؤل وشكّ عندهم.

وفي بحثٍ قامت به د. عفّونة، بمناسبة اليوم العالميّ للطفل، مع أطفال فلسطينيّين، كان السؤال "ماذا يعني لك اليوم العالميّ للطفل؟" أجاب الأطفال: "يعني أنّنا قد نموت بعد قليل، أو في هذا اليوم". وكانت الإجابات بمجملها أنّه لا يعني شيئًا، خصوصًا في زمن الموت والمجاعة. وأشارت إلى أنّه من الضروريّ نقاش الحقّ في الحياة وفي الأمان أساسًا وبدءًا، لنقاش الحقوق.

 

كيف ترى تغيّر غياب الحقوق قبل الحرب الجائرة على أهلنا في غزّة وبعدها؟

أجاب أ. قويدر بأنّ الإنسان الفلسطينيّ بحاجة إلى التمتّع بحقوقه، مثل أيّ إنسان في العالم. ولكنّ السؤال هُنا، وانطلاقًا من أنّ كلّ الحقوق عالميّة، ما العوائق التي تحول دون تطبيق هذه الحقوق في مناطق مُختلفة من العالم، وخصوصًا غزّة؟ هذا السؤال وغيره، يمثّل قصورًا وعجزًا تامّين في المحاسبة، ويكشف كيف يتمّ استخدام سياسة الجنائيّة الدوليّة بشكلٍ يعطّل المحاسبة على هذه الجرائم، وهذا ليسَ فقط من تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، بل عبر الزمن. وأشار إلى حراك عالميّ يجري الآن يطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم، وهذا أمر مهمّ أن ننادي به، لمواجهة هذه الانتهاكات.

 

كيف ترى غياب هذه الحقوق، خصوصًا حقّ التعليم؟ وهل يُمكننا الحديث عن الحقّ في التعليم في ظلّ غياب الحقّ في الحياة والأمان؟

استهلّت أ. الشعيبي مداخلتها بالإشارة إلى اتفاقيّة جنيف الرابعة، المادّة 50، والتي تقضي بتسهيل عمليّة التعليم في الحروب، معنى ذلك أنّ الإنسان موجود ليتعلّم، وبالتالي الحرب على غزّة قضت على الإنسان، فكيف نكفل الحقّ في التعليم وصاحب الحقّ ما عادَ موجودًا. وهُنا، أشارت إلى أنّ التعليم في غزّة وكلّ فلسطين يواجه أزمة غير مسبوقة، وهذا اعتداء ممنهج ضدّ كافّة الحقوق المكفولة من قِبل المؤسّسات الدوليّة، والتي لا تطبّق بالمُطلق في فلسطين.

وأكّدت أ. الشعيبي أنّ الشعب الفلسطينيّ خارج الأطر القانونيّة والإنسانيّة المتّفق عليها عالميًّا، حيث تنتهك في فلسطين كلّ المنظومة الإنسانيّة الأخلاقيّة القيميّة، وبالتالي تنتهك المنظومة التعليميّة، وانتهاك الأخيرة نتيجة للانتهاكات السابقة؛ طالما الإنسان ينتهك فما بالك بالتعليم؟ والحقيقة أنّنا في فلسطين نعيش أزمة تعليميّة، خصوصًا في خضمّ إبادة جماعيّة تستهدف الإنسان أساسًا، ومن ثمّ المؤسّسات والمباني. أمّا في الضفّة الغربيّة، فأيضًا المعلّم يعاني تحدّيات صعبة جدًّا، على غرار الحركة المحدودة والمخاطرة بفعل الحواجز العسكريّة، وانقطاع الرواتب لفترات طويلة، والاقتحامات اليوميّة لجيش الاحتلال، وتعرّض الكوادر التعليميّة للاعتقال. وفي غزّة يُضاف إلى ذلك الكثير، مثل فقدان البيت والمدرسة، والعطش والجوع وفقدان الدواء. وعلينا أن ننتبه من كلّ المُنتهزين لفرصة الحرب، ومحاولاتهم لتعديل المناهج لتصبح مناهج تُلغي القيم الوطنيّة والإنسانيّة.

أشارت د. عفّونة إلى أنّ الحقّ في التعليم قد انُتهك. وتحدّثت عن قصّة نزوح الأمّ التي اختارت أن تحمل حقيبة ابنتها المدرسيّة بدلًا من حقيبة نزوح. هذه القصّة ترسم نموذجًا للصمود والبقاء، ومن الضروري الانتباه إلى مثل هذه القصص، والتي تُعيد بناء المعاني، وتكسر الإحساس بالعجز. ونرى اليوم في غزّة كيف يخلقون وسائل جديدة للتعلّم، ومبادرات مختلفة لإيجاد مساحات لبثّ الحياة والأمل.

 

ماذا عن صمت القانون الدوليّ؟

تحدّث د. حطّاب حول السخط على القانون الدوليّ وحقوق الإنسان، وأشار إلى ضرورة الانتباه إلى أنّ القانون الدوليّ أفضل أداة لدينا، وكذلك حقوق الإنسان، التي نضجت وتبلورت عبر الزمن. وأنّ التعاطف الدوليّ اليوم مع غزّة متأثّر بمفهوم حقوق الإنسان، وهو سيتبلور أكثر بعد الحرب. وأشار إلى أنّ تحرّك العالم اليوم، وخصوصًا جنوب إفريقيا، يرجع إلى القانون الدوليّ، وتوظيفه. وبدورنا علينا أن ننقل هذه الحقوق نقلة نوعيّة لخدمة الإنسان، خصوصًا أنّنا أمام فرصة لتحقيق تغيُّر عالميّ في الحقوق.

أمّا أ. قويدر فأكّد على فكرة أنّه لا يوجد لدينا منظومة أُخرى القانون الدوليّ وحقوق الإنسان يُمكننا الاتكال عليها. وأشار إلى ضرورة التركيز على السياسات والممارسات لتحقيق هذه الحقوق، بدلًا من الهجوم عليها، وهي التي تعتبر أداة تربطني مع المُجتمع الإنسانيّ العالميّ، والذي ينتفض اليوم مع غزّة.

وتحدّث أ. قويدر عن كيفيّة إسقاط غزّة القناع العالميّ: في السياسات والممارسات التي أدّت إلى أنّ الحقوق تنتهك بشكلٍ يوميّ؛ وفي أنّ المجتمع الدوليّ يفتقد إلى الاتّساق في تطبيق هذه الحقوق؛ وخصوصًا في أنّ النظام التعليميّ في غزّة دُمّر بطريقة مُمنهجة وغير مسبوقة، فقُتل الطالب وأهله ومعلّمه والأستاذ الجامعيّ الذي يؤهّل المعلّم؛ وفي تدمير البُنية التحتيّة التربويّة، لتجهيل هذا الشعب الذي ما زال واقفًا على قدميه منذ 75 سنة إلى اليوم. وقد رأينا تدمير أكثر من 370 مدرسة، واستشهاد أكثر من 4300 طالب، وأكثر من 200 معلّم، وأكثر من 94 أستاذ جامعيّ، وتدميرًا كبيرًا لمواقع التراث والمكتبات والأرشيف والمراكز التربويّة، وهو ما اقُترح على تسميتهِ من قِبل باحثين بال (Educide: The Genocide of Education)، وهو واحد ضمن مصطلحات عديدة نُحتت من واقع غزّة المؤلم، الواقع المرير الذي بات يُعلّم الطلبة كيف يبنون خيمة، أو كيف يخبزون، نتيجةً للظرف. أمّا عن المعلّمين، فهم يعملون ليلَ نهار على أنشطة تفريغ مع الطلبة، خصوصًا وأنّ المدارس كلّها تحوّلت إلى مراكز إيواء. ومن المثير للاهتمام فِعلًا في وسط هذه المقتلة، أنّ الأهل يشاركون غرفهم، ويعطون مساحة للمتطوّع للقيام بأنشطة تفريغيّة، ثمّ في الليل تُصبح تلك الغرف مساحة لإيواء سبع عائلات. وهنالك خطّة كبيرة للعمل، ولكنّ الأولويّة الآن هي إيقاف هذه الحرب، ومن ثمّ إعادة تعريف التعليم كمعضلة كبيرة ستتطلّب كثيرًا من الإمكانيّات للتعامل معها.

 

أصبح التعليم متعدّد الوجوه، فهل تغيّر مفهوم التعليم عند المعلّم؟

هُنا أشارت أ. الشعيبي عن ضرورة إعادة قيم العدالة والتسامح، بعد ضرب المنظومة القيميّة عندهم. وترتيب المنظومات لن يتمّ من خلال مناهج وكتب كانت موجودة سابقًا. سيحتاج الطلبة إلى دعم كبير في التعليم، ضمن مرونة تعليميّة تبتعد عن المنهج الرسميّ. لذا، علينا إعادة التفكير في المنهج التعليميّ المقدّم للطلبة. وهُنا، يتجلّى البحث عن بدائل من التعليم الرسميّ. ومن المهمّ جدًّا أن تبقى فكرة التعليم موجودة في ذهنيّة الطالب، من خلال التعلّم الذاتيّ. وذكرت أ. الشعيبي المعلّمة أسماء مصطفى، والتي بادرت إلى تعليم الطلّاب، ليبقى الطلبة على تواصل مع فكرة التعليم.

كما ذكرت أنّ هُناك مراكز عديدة تعمل على تقديم دعم نفسيّ اجتماعيّ للطلبة، وأشارت إلى ضرورة تقديم هذا الدعم للمعلّم أيضًا، حتّى يتمكّن من تقديمها ومن مساعدة الطلبة. ومن هُنا، علينا مجموعة من المهام الكبيرة، بما يمثّل تحديًا كبيرًا أمام التربويّات والتربويّين والمؤسّسات الفلسطينيّة، لإعادة بناء غزّة، بكلّ مركّباتها، في وسط الأمل المُستمدّ من العاملين في غزّة، إذ يعملون مع الأطفال في النهار، ويُقصفون في الليل. وهذا يعطي لمحة أمل عن القادم، والذي نحتاج بجميع مركّباتنا، ومن دون تساوق، إلى العمل بجدٍّ وجهد لتعزيز مستقبل أطفالنا في غزّة.

 

ما شكل الدعم المجتمعيّ الذي يحتاج إليه المعلّم للاستمرار في مهامه، في ظلّ هذه التحدّيات القاهرة؟

أشارت د. عفّونة إلى ضرورة تحديد ما الأهمّ اليوم، في ظلّ فقدان 600 ألف طالبٍ حقّهم في التعليم المدرسيّ، وأكثر من 90 ألف طالبٍ في التعليم الجامعيّ، فالمهمّ تعليم الطفل التعبير عن حقّه: حقّه في التعبير عن ألمه؛ في التعبير عن مشاعره؛ في التعبير عن خوفه. وعلينا الانتباه إلى أنّ المدارس في غزّة قد تحوّلت إلى مراكز إيواء، وعاش فيها الطفل والأب والأمّ والمعلّم تحت سقف واحد. بالتالي، هُنالك نظرة مُختلفة عند الطالب إلى المدرسة، ونظرته إلى المعلّم، إذ عاشوا الخوف والصمود والبحث عن الماء والمأكل والغطاء. لذا، فالفترة القادمة بحاجة إلى منظومة تعليميّة جديدة، ليسَ فقط من حيث المكان، إنّما من حيث المفاهيم والفكر والتصوّرات والمُمارسات.

أمّا أ. الشعيبي، فتحدّثت عن أهمّيّة بناء مبادئ الحرّيّة والكرامة الإنسانيّة. وعلينا بناء هذه المبادئ في التعليم من أجل الحرّيّة استلهامًا من باولو فريري، مع ضرورة العمل على التعلّم التحويلي، والاستغناء عن مناهج تلقينيّة، بل نحنُ بحاجة إلى العمل بعمق على مشاعر الأطفال، ومشاكلهم النفسيّة، وهذا دور أساس للمعلّم بمساعدة مؤسّسات شريكة قادرة على الدعم. إلى جانب ضرورة إعادة إيمان الطفل بالمدرسة، خصوصًا في ظلّ تدمير المدارس، وجعل ما تبقّى منها مراكز إيواء. وأشارت إلى القصف المُمنهج لمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وبالتالي العمل على حذف مسألة اللجوء. إذًا، نحنُ بحاجة إلى إعادة بناء مناهج إنسانيّة تُعيد الثقة بالنفس، والكرامة الإنسانيّة، وأن نكون كمعلّمين آذانًا صاغية لطلبتنا، ومحترمين فكرهم، وعاملين على صياغة نظريّة تعلّميّة مُجتمعيّة تكون مقبولة، لا مستوردة ولا مفروضة.

أضاف أ. قويدر أنّنا كمجتمع فلسطينيّ لدينا التزام قويّ تجاه التعليم، وإنتاج المعرفة. وسنعمل على إعادة نظام التعليم في غزّة. وبما تمرّ به غزّة، ستكون هناك ندرة في المصادر، لاحقًا لاستشهاد الأكاديميّين والمعلّمين، والتدمير الواسع للمؤسّسات والأرشيفات، وستأخذ عمليّة الإعمار وقتًا طويلًا جدًّا. ولكنّ شكل التعليم ما بعد الإبادة، سيركّز على النهج النفسيّ الاجتماعيّ، والتعلّم العاطفيّ، ومعالجة الصدمات التي مرّ ويمرّ فيها الطفل الغزّيّ. وأكّد أنّ تركيز جهود المناصرة مطلوب، ضمن أيّ مشروع، سواء في غزّة أو الضفّة الغربيّة أو القدس، لذا، فالتعامل مع الشبكات التعليميّة مهمّ جدًّا، للبناء ولإيصال أصوات المعلّمين والمتعلّمين في فلسطين.

أشار د. حطّاب إلى الأثر المهمّ لتدمير المدارس والجامعات، والذي يندرج تحت مأسسة الإبادة الجماعيّة، إذ أثبت أنّ التعليم الفلسطينيّ مُستهدف، وهذا كفيل بتدمير أجيال. ومن الواضح أنّ الدول تقوم على نظم العدالة والتعليم، والاحتلال يدمّر بشكلٍ منهجيّ هذين المركّبين في غزّة. ومن هُنا تطرّق إلى تحديين أساسيّين أمامنا: الأوّل وطنيّ محلّيّ: عن تنظيم الذات. والثاني عالميّ: كيف يُمكننا التخلّص من الاحتلال؟ وأضاف أنّ المُبادرات التعليميّة بحاجة إلى دعم من هذين الجانبين، خصوصًا وأنّ مسألة القضيّة الفلسطينيّة باتت أوضح اليوم في العالم منه عمّا قبل 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر.

 

ما دورنا؟ وما المبادرة التي قمتِ بها؟

تحدّثت د. عفّونة عن أهمّيّة التعليم الشعبيّ، والذي ما زال قائمًا بأثرٍ كبير. وفي هذا السياق، "أذكر مبادرة قمنا بها في جامعة النجاح، وهي إطلاق مبادرة لتوفير التعليم بشكلٍ إلكترونيّ للطلّاب في غزّة، وقد التحق أكثر من 20 ألف طالبٍ في أسابيع، وهذا يعكس رغبة ودافعيّة الطلبة في التعلّم. وأودّ أن أوجّه الدعوة إلى المشاركة في المبادرة، فالمجال مفتوح للجميع لبذل الجهود وفاءً لطلبتنا في غزّة".

أضافت أ. الشعيبي أنّ وزارة التربية الفلسطينيّة قد ألحقت مجموعة من طلّاب غزّة، مرحلة الثانويّة العامّة، مع صفوف في الضفّة الغربيّة عبر تطبيق (Teams). وهذه مبادرة من مبادرات كثيرة تجري الآن لإدماج طلبة غزّة في الصفوف عبر التطبيق.

 

ما دور المجتمع المدنيّ والمجتمعات الدوليّة؟

أشار أ. قويدر إلى أنّ الحقوق لم تتغيّر. ولكن، أظهرت الإبادة الجماعيّة في غزّة ضرورة المحاسبة، وضرورة إجراء إصلاح جذري لمنظومة المحاسبة، ودور المجتمع أساسيّ ضمن هذا السياق. وأضاف أنّنا بحاجة إلى البناء على حالة التعاطف العالميّة من أجل حماية الحقّ في التعليم.

وداخل د. حطّاب بالتغيُّر على الصعيد الدوليّ، والذي يحدث بشكلٍ بطيء، إلّا أنّه يحدث. وقارن القضيّة الفلسطينيّة بالقضيّة الجنوب إفريقيّة لتوضيح القصد، بالتغيُّر في سلوك الحكومات والدول، وفكرهم. والتغيُّر ضمن السياق الفلسطينيّ، أصبح عالميًّا في هذه اللحظة، ومُحرجًا للعديد من الدول التي تدّعي أنّها راعية لحقوق الإنسان.

وتحدّثت أ. الشعيبي على أنّه بعد 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، تراجعت بعض المنظّمات عن دعم المؤسّسات الفلسطينيّة، لكنّها سرعان ما عادت إلى الدعم بعد تغيُّر الرواية ووضوحها. وأشارت إلى وجوب أن تتكاتف الجهود ضمن رواية قويّة لتعزيز المناصرة العالميّة لدعم المجتمع الفلسطينيّ.

وأشارت د. عفّونة، إلى أنّ أصحاب الحقّ قد رسموا منظومة جديدة لحقوق الإنسان، عندما صعدت أرواحهم إلى السماء، ليسَ فقط لتظلّل فلسطين، إنّما الفضاء العالميّ. وعليه، علينا أن نبني لتوثيق الرواية الفلسطينيّة، لتكون مرجعًا للصمود ومرجعًا لحقوق الإنسان.

واختتمت د. الوائلي، بأنّ غزّة ستبلور حقوق الإنسان، كما لم يحدث من قبل.