ندوة: غزّة في عيون المتعلّمين والمعلّمين: ماذا نفعل؟
ندوة: غزّة في عيون المتعلّمين والمعلّمين: ماذا نفعل؟

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، بعنوان "غزّة في عيون المتعلّمين والمعلّمين: ماذا نفعل؟" وركّزت على محاور ثلاثة رئيسة، هي:

1. كيف نتعامل مع ردود أفعال المتعلّمين وأسئلتهم؟

2. المعلّم إنسانًا وحاملًا لرسالة.

3. أولياء الأمور والمُجتمع المُحيط.

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين: هُم: أ. ميس حسيبا الكخن، مرشدة اجتماعيّة، فلسطين؛ د. أليس عبّود، مديرة مدرسة الأهليّة والمُطران في عمّان، الأردن؛ أ. مرسال حطيط، معلّمة تاريخ في التعليم الثانويّ، لبنان؛ أ. الهادي الحريزي، معلّم مرحلة ابتدائيّة، تونس.

أدارت الندوة د. ريام كفري أبو لبن، مستشارة تربويّة من فلسطين. وقدّمت الندوة بالآتي:

"بعد اعتكافنا عن تقديم ندوة الشهر المنصرم احترامًا لدماء أهلنا في فلسطين، تعود مجلّة منهجيات إلى ندوتها الشهريّة، وهي تراعي الشعار الذي رفعته سابقًا: أيّ شيء إلّا الصمت.

من هُنا، تنعقد اليوم ندوتنا تحت عنوان: "غزّة في عيون المتعلّمين والمعلّمين: ماذا نفعل؟" بهدف أن نتشارك تجاربنا التربويّة في التعامل مع الأطفال الذين يشاهدون جريمة ذبح أقرانهم في قطاع غزّة، وهي تبثّ مباشرة أمام أعينهم على مدار الساعة. وتأتي هذه الندوة لتؤكّد أن دور المعلم، والقيادة التربويّة والمرشد، وكلّ من يطلق على نفسه صفة تربويّ في العالم العربيّ والعالم، أكبر بكثير من تخطيط الدروس وتعليم المفاهيم، إنّما هو حمل رسالة فكريّة مبدئيّة عميقة حرّة، قادرة على إعادة صياغة المفاهيم والمعرفة انطلاقًا من واقعنا وثقافتنا.

نلتقي اليوم والإبادة في غزّة تصل إلى يومها الستّين، فتبدو الكلمات خاوية، غير مسعفة أمام كلّ ما نراه يتمخّض أمامنا من بشاعة المشهد. ولكنّنا كتربويّين نحملُ رسالةً، لنا مسؤوليّاتنا التي لا تتوقّف تجاه طلبتنا مستقبل بلدنا. وكنّا نتمنّى أن تكون ندوتنا عن أهل غزّة ومعهم، عن معلّميها ومتعلّميها، لكنّ ذلك غير متاح حاليًّا، حيث إنّنا لا نريد الآن أكثر من قطرة ماء وضمادة، تزيلان آلام الأطفال، وتكفكفان دمع الأمّهات والآباء الواقعين تحت صلف القوّة والفجور والنفاق العالميّ الرسميّ، إلّا في ما ندر".

 

المحور الأوّل: كيف نتعامل مع ردود أفعال المتعلّمين وأسئلتهم؟

 

حدّثونا عن الأيّام الأولى من العدوان، كيف كانت الأجواء في مدارسكم؟ ما كانت ملاحظاتكم عن ردّات الفعل، وهل كان هناك تفاوت بين الفئات العمريّة المختلفة؟

أجابت أ. الكخن على هذا السؤال، مُتحدّثةً عن مزيجٍ من مشاعر الفخر والنصر والأمل في البداية، إذ منح الحدث أملًا بإحياء القضيّة الفلسطينيّة. وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينيّة بعدها بساعات عن حالة طوارئ، لتوفير الأمن، ما استطعنا إليه سبيلًا، للطلّاب. تحوّلت، في الأيّام اللّاحقة، هذه المشاعر إلى مشاعر صمت وصدمة نفسيّة، انعكست بقلقٍ وغضب، من دون القدرة على التعبير عنها، وهذا كان ملاحظًا بين المعلّمين أنفسهم، وبين الطلبة، وبين أولياء الأمور. وهُنا، أشارت الكخن إلى محاولات بذلوها كمرشدين تربويّين لاستيعاب المشاعر ومزيجها، تجهّزًا وتحضيرًا للعمل مع الطلبة.

أمّا د. عبّود فتحدّثت عن مُلازمة القضيّة الفلسطينيّة للمواطنين والمؤسّسات في الأردن، وخصوصًا مدرسة الأهليّة والمُطران، والتي كانت مركزَ إيواء بعد نكبة عام 1948، ونكسة 1967. وذكرت أنّ المدرسة تُحيي دائمًا يوم الأرض ويوم الأسير ويوم التضامن مع الشعب الفلسطينيّ. وأشارت إلى مشاعر الفرح في بداية الأحداث، وكانت المشاعر مُقادة بالأمل إذ عادت القضيّة الفلسطينيّة إلى الواجهة والنصر بات قريبًا. أمّا بعد هجمة الاحتلال الوحشيّة، فقد شعرنا بالألم والوجع والصدمة من بشاعة الاحتلال منقطعة النظير. ومن هُنا بدأت التساؤلات عند الطلبة، ماذا حدث للإنسانيّة؟ في وسط مشاعر متضاربة وأسئلة تُشكّك بمسلّمات كنّا اعتقدنا أنّ نقاشها قد انتهى.

 

وفي مداخلتها، تحدّثت أ. حطيط عن تشابه المُشاعر كما أشارت إليه الزميلتان أ. الكخن ود. عبّود، ولكنّها أضافت أنّ هُناك تحدّيات كبيرة في بداية العدوان على غزّة، إذ تصادف الوقت مع بداية العام الدراسيّ في لبنان، باتت مشاعر القلق والصدمة تُخيّم على الظروف، والخوف من الآتي، خصوصًا أنّ العدوان الإسرائيليّ طالَ الجنوب اللبنانيّ، فبتنا، كما كنّا، جسدًا واحدًا مع فلسطين، نشعرُ بما يشعرون، سواء من الطلبة أم من المعلّمين أم من الأهل. وبرزت هُنا أسئلة، مثل كيف سنستطيع أن نواجه هذا السيل من المشاعر؟ سواء مشاعر الفرح والعزّة والكرامة، ولاحقًا مشاعر القهر والظلم والغضب. وأشارت أ. حطيط إلى أنّ الحلّ كان تحويل هذه المشاعر إلى مجموعة أفعال تساند الشعب الفلسطينيّ.

وشارك أ. الحريزي بأنّ فِعل المقاومة أرجع الأمل في نفوس الطلبة والتونسيّين جميعًا، وأنّ الأمل عادَ إلى هذا الجيل بعد زمن من الانكسارات، خصوصًا أنّ الطلبة الصغار لم يشهدوا مثل هذا الحدث سابقًا. وكما تحدّثت الزميلات، تحدّث أ. الحريزي عن تغيّر المشاعر بعد الهجوم الوحشي الذي قام بهِ الاحتلال، والبدء بالتفكير بتصوّرات جديدة لكيفيّة المساعدة والمساندة.

وهُنا، أشارت د. كفري أبو لبن إلى أنّ مركز الحديث هو عن صدمة، والصدمة تتركنا مع مجموعة أسئلة مُقلقة. والصدمة درجات، من غزّة إلى الضفّة إلى الجنوب اللبنانيّ إلى العالم العربيّ.

 

ما الخطوات التي قمت بها استجابةً إلى احتياجات المتعلّمين في هذه الفترة؟

داخلت أ. الكخن عن أنّ المرشدين التربويّين قد بدؤوا بأنفسهم، خصوصًا أنّ دورهم سيتجلّى في منح الأطفال مشاعر الأمن والطمأنينة، وهي مشاعر مفقودة لدينا، إذ لم نستطع التعبير عن أنفسنا. وأشارت إلى تجاوز هذا الأمر اقتضى عمليّة فهم لما يحدث، وتخطيط لما سيقومون به مع الطلبة. وكان البدء بفتح المجال أمام الطلبة للتعبير عن أنفسهم، من مرحلة الروضة إلى الثانويّة، والتعبير كان مختلفًا وفاقًا للفئة العُمريّة؛ فتعبير أطفال الروضة كان عن طريق الرسم والكلمات، مثل "أنقذوا أهلنا في غزّة". هذا التعبير عن المشاعر وهذه الكلمات باتت تكبرُ مع المرحلة المتوسّطة، فكتب الطلّاب مقالات إلى العالم لإيصال صوت من لا صوتَ لهم، وأيضًا كانوا يقتبسون صحفيّين من غزّة، إذ باتوا أبطالهم. أمّا في المرحلة الثانويّة، فكانت مشاعر العجز واضحة وكبيرة، فقاموا بعمليّة تفريغ من خلال الحوارات والنقاشات، وقُدّم إليهم دعم معنوي كون هؤلاء الطلبة هُم مستقبلنا.

وأشارت أ. حطيط إلى أنّ الوضع في الجنوب كان يشبه الوضع في غزّة، وإن كان أقلّ كثافةً، ولكنّ الطلبة كانوا في السّاحة وطائرات الاحتلال فوق رؤوسهم. وأشارت إلى أنّ الطلبة كانوا أكثر شجاعة من المعلّمين والمرشدين، ومشاعر الخوف عندهم سرعان ما تحوّلت إلى نشاطات فاعلة إيجابيّة. وكان دور المعلّمات والمعلّمين إعطاء الطلبة دفعة أمل إيجابيّة، وإيلاء أهمّيّة لدور التعليم في حياتهم وفي تغيير الواقع إلى الأفضل، وأكّدنا على أهمّيّة دور المبادرة. وفي هذا السياق، عرضت أ. حطيط فيديو مؤثّر وضّح مجموعة من الأنشطة والفعاليّات والمبادرات التي قام بها الطلبة في ثانويّة أنصار الرسميّة.

 

في تونس كان هناك موقف على أعلى المستويات التربويّة، حدّثْنا أ. الحريزي عن التوجيهات التي وردت وما تلاها من أنشطة في المدارس.

وضّح أ. الحريزي أنّ هُناك تماهيًا كبيرًا بين الموقفين الرسميّ والشعبيّ في تونس. وأشار إلى أنّ وزارة التربية التونسيّة أوعزت برسائل رسميّة، بأن تكون القضيّة الفلسطينيّة ضمن أولويّات البرامج الرسميّة، والتعريف بها يندرج ضمن مهام المدرّس. وأيضًا كان هُناك مرسوم من وزارة التربية برفع العلم الفلسطينيّ برفقة العلم التونسيّ في المدارس، وأداء النشيدين الوطنيّين. وأشارت إلى أنّ مواقف دعم المقاومة في تونس على المستويات كافّة؛ الرسميّة والنقابيّة والشخصيّة. وذكرت أنّ وزارة التربية أوعزت بأن يكون يوم التضامن مع الشعب الفلسطينيّ الموافق 29 تشرين الثاني/ نوفمبر، يومًا مخصّصًا للتوعية بالقضيّة الفلسطينيّة. كما أضاف أنّ طلبة المدارس كانوا موجودين في كافّة المُظاهرات المُساندة والمتضامنة مع الشعب الفلسطينيّ، وقاموا بحملات عديدة لجمع التبرّعات لدعم غزّة تحت إشراف الهلال الأحمر التونسي. ورأى الطلبة، ابتداءً من الصفّين الأوّل والثاني، يتبرّعون بمصروفهم الشخصيّ المخصّص للأكل والشرب لصالح القضيّة الفلسطينيّة. وأضاف أ. الحريزي أنّ الطلبة نظّموا حملات مقاطعة لكلّ المنتجات الداعمة للاحتلال، ويُسهم الطلبة في إدارة هذه الحملات الكبيرة اليوم.

 

في الأيّام ما بعد الصدمة الأولى، هل تشكّلت تساؤلات عند المتعلّمين أعمق من ردّ فعل عاطفيّ؟ ما هذه التساؤلات، وكيف تعاملتم معها؟ 

أجابت د. عبّود بأنّه بعد الصدمة الأولى، انتشرت المواقف العالميّة بين الطلبة، خصوصًا وأنّنا ندرّس في المناهج نصوصًا لمفكّرين عالميّين وغربيّين، وبدأت هُنا التساؤلات عند الطلبة أنّ هذا الغرب الذي يدّعي الديمقراطيّة والإنسانيّة، كيف يقبل بكلّ هذه الوحشيّة وهذا الدمار؟ وقد أحسّ الطلبة أنّ هُناك قناعًا و"غشاوة قد انقشعت" عن وجه الغرب، فور ما كشفته غزّة، رأينا بشاعتهم. وقد عملنا، كمؤسّسة تربويّة، مع الطلبة على تعزيز تفكيرهم النقديّ، وتذكيرهم بالتاريخ والحضارة العربيّة، وأيضًا بقيمنا وعاداتنا، ودعوتهم إلى الحفاظ على هذا التاريخ. وأخذ الحديث منحى أنّ الأمل موجود دائمًا، وأنّ الشعوب الحرّة التي انتفضت حرّكها ما حرّكنا من ضمير حيّ وقيم إنسانيّة، وأنّنا نطلب العدالة والحرّيّة ولسنا وحوشًا، وكانت فُرصة مهمّة للتأكيد على مبادئنا وقيمنا ومشروعنا العربيّ.

 

نحن نتعامل مع جيلٍ واعٍ لما يحدث حوله، كيف استغلّت مدرستكم أ. الكخن هذا الوعي لتعليم الأقران من خلال نظام البيوت في المدرسة؟

عرّفت أ. الكخن نظام البيوت، وهو عبارة عن أنشطة تفريغيّة لتلبية احتياجات الطلبة. وتحدّثت أنّ الاحتياج الذي كان حاضرًا هو التعبير عن المشاعر. ومن هُنا، بدأ طلبة الثانويّة بتثقيف أقرانهم من المراحل المتوسّطة والابتدائيّة أكثر عن القضيّة وأبعادها المُختلفة، وغيرها من التعبيرات المُختلفة الموازية التي شكّلت دورًا داعمًا للمعلّمات والمعلّمين، خصوصًا وأنّهم، أي المعلّمين، قد تشجّعوا كثيرًا بهذا الجيل الواعي والفاعل، وذلك أنّ الطلبة، من الروضة إلى الثانوي، قاموا بحملة كبيرة فاعلة ومؤثّرة لمقاطعة منتجات الاحتلال.

 

التفريغ يساعد في التعبير عن المشاعر، وقد يأتي هذا التعبير على شكل فعل، ما النشاطات والمبادرات التي قامت بها مدرستكم؟

أجابت أ. حطيط أنّ أحاسيس ومشاعر الطلبة تحوّلت إلى حسّ بالمسؤوليّة. وقد نظّمنا معرضًا حول الفلكلور الفلسطينيّ والجنوب اللبنانيّ، إضافةً إلى أعمال فنّيّة حول فلسطين. وأيضًا تشجيع الإدارة على تنظيم وقفات تضامنيّة بشكلٍ يوميّ، إلى جانب تخصيص حصّة دراسيّة عن فلسطين، وتقديم العون والمساعدات للنازحين، ويوميًّا هُناك أنشطة مختلفة لكلّ المراحل، كلّها تصبّ في دعم فلسطين، والتضامن مع الشعب الفلسطينيّ. وعبّرت أ. حطيط أنّهم في الجنوب اللبنانيّ يشعرون بما يشعرُ به أهل غزّة والضفّة الغربيّة، لأنّهم ضمن الظروف ذاتها بشكلٍ يوميّ.

 

ما الإعداد النفسيّ الذي تقومون به في مدارسكم في تونس أ. الحريزي؟ وكيف تُفعّل هذه المعرفة أو النشاطات في أوقات الحرب؟

أشارَ أ. الحريزي إلى أنّ المتعلّمين اليوم هُم أبناء الثورة التونسيّة، ووعيهم تشكّل، بالتالي، في ظلّ قضايا كُبرى كالقضيّة الفلسطينيّة. وبعد الأحداث، وجد الطلبة أنفسهم أمام صدمة كبيرة. وقد تدخّل الإطار التربويّ للإعداد النفسيّ، والتحفيز ودعم الصمود من أجل الاستمرار بدعم القضيّة الفلسطينيّة، فعلينا في هذه اللحظات القاسية نشر الأمل والتفاعل الإيجابيّ، والمشاركة في المبادرات وتعزيز العلاقات بين الطلّاب. وتحدّث عن تعلُّم المعلّمين من الطلبة ووعيهم الذي نضج أكثر، وأهمّيّة المقاطعة ومتابعة الأخبار، والتعاطف مع الشعب الفلسطينيّ، إلى تبنّي موقف سياسيّ من الحدث، وهو موقفٌ مُساند للمقاومة. كما أرسل الطلّاب برقيّات احتجاج إلى الصليب الأحمر والسفارات.

 

الفعل يأتي بأشكال مختلفة، ولعلّ من أهم البرامج المساندة للمناهج برنامج مؤتمر محاكاة الأمم المتّحدة، كيف أثّرت الأحداث في غزّة على مجريات هذا النشاط في مدرستكم؟ وكيف ترون د. عبوّد كقيادة تربويّة، دور مثل هذه النشاطات في إثراء المنهاج والعمليّة التعلّميّة؟ 

أكّدت د. عبّود، قبل الإجابة على السؤال، على أنّ الحزن شعور ليسَ سيئًّا، كونه يخفي في داخله محبّة وتعاطف مع من يحبّونهُ. وهذا الشعور نركّز مع الطلبة على أن يقدّروه، هُم بالتالي يحافظون على إنسانيّتهم ومحبّتهم وتعاطفهم مع الآخرين.

وأشارت إلى تحويل كلّ الأنشطة المدرسيّة إلى أنشطة داعمة للقضيّة الفلسطينيّة، ومنها نشاط مؤتمر محاكاة الأمم المتّحدة، وكان العنوان المفترض هو "الثغرة في النظام العالميّ والإبحار في متاهة من عدم اليقين"، وحوّلناه من مؤتمر يناقش قضايا عالميّة إلى مؤتمر يناقش العدوان على غزّة بعنوان "إنّا باقون ما بقي الزعتر والزيتون"، والمعايير العالميّة المزدوجة ودور العالم ودور الأمم المتّحدة، وناقشت لجانه الفرعيّة حقوق الإنسان والطفل. وقدّمت د. عبّود عرضًا عن الأنشطة الكثيرة المُختلفة التي عقدتها مدرسة الأهليّة والمُطران.

 

المحور الثاني: المعلّم إنسانًا وحاملًا لرسالة

 

ما التحدّيات التي تواجه المعلّم في أوقات الحرب؟ وهل يمكن الحديث عن أساليب لدعم المعلّم على مستوى مدرستكم؟

هُنا داخلت أ. الكخن حول تحديّات المعلّم المختلفة، إذ يؤدّي، في خضمّ الأحداث، أكثر من دور، خصوصًا أنّه كإنسان يشعر بمشاعر مختلفة من حزن وقهر وغضب، ومع ذلك عليه أن يدعم طلبته. كما تتنوّع أدوار المعلّم من معلّم ومستشار ودليل اجتماعيّ ومرشد، وهذا كان تحدّيًا كبيرًا لأنّ عليه أن يكون أذنًا صاغية للطلبة، ويحاول منحهم أملًا للاستمرار. إضافةً إلى معاناتنا في الضفّة لأنّ المعلّمين يأتون من مدن مختلفة، في ظلّ انتشار الحواجز والمعاناة وساعات الانتظار الطويلة والتفتيش، وفي ظلّ هذه الظروف الصعبة أصرّ المعلّمون على الحضور لتأدية دورهم مع الطلبة.

وأشارت أ. حطيط إلى أنّ المعلّم إنسان قبل كلّ شيء، يشعر بالخوف والقلق على المستقبل وعلى أطفاله وعلى طلبته. والمعلّمون في الجنوب اللبنانيّ انقسموا إلى نصفين: نصف بقي في مدارسهِ، ونصف نزح من قراهم ومدارسه الواقعة على الحدود مع فلسطين المحتلّة، إذ بلغ عدد النازحين 55,000 نازح من بينهم عدد كبير من المعلّمين والمتعلّمين. واليوم، ومع الظرف الاقتصاديّ الصعب، والظرف الأمني والنزوح، يواجه المعلّم كلّ هذه التحدّيات، محاولًا دعم طلبته ومنحهم الأمان والأمل.

 

كيف يمكن للإدارة التربويّة أن تعتني بمعلّميها؟ حدّثينا د. عبّود عن متابعتك للمعلّمين في هذه الفترة وعن دورك كقيادة تربويّة في الاستجابة لاحتياجات المعلّمين على مستوى المؤسّسة وعلى مستوى الفرد.

استهلّت د. عبّود حديثها بالإشارة إلى العلاقات القويّة في المجتمع المدرسيّ، في مدرسة الأهليّة والمُطران. كما تحدّثت عن أهمّيّة بناء العلاقات القويّة مع المعلّمين نقطةً جوهريّةً في الحفاظ على صحّتهم النفسيّة. وقالت: "بهذه العلاقات يزيد الإحساس بالمعلّمين، ونُشجّعهم على التعبير وفي الوقت ذاته، نحافظ على الاستقرار العاطفي في المدرسة". وأيضًا شاركت فكرة أنّ الغضب والخوف مشاعر علينا أن نُحرّكها لنُنتج منها أفعال إيجابيّة، بالحفاظ على قيمنا وإنسانيّتنا. وكما يقول د. منير فاشه "العربيّة هي اللغة الوحيدة التي تضمّ فكرة المثنّى"، بالتالي المثنّى هُنا يعكس ثنائيّة العلاقة وأهمّيّة المجاورة بين المعلّمين والطلبة، وهذا شيء أصيل في المدرسة وفي طريقة تعلّمنا.

 

في تونس تعلَّم القضيّة الفلسطينيّة من الصفّ السادس إلى الصفّ الثاني عشر، حدّثنا أ. الحريزي عن أهمّيّة تعليم القضيّة الفلسطينيّة، خصوصًا في ظلّ حرب المعلومات التي نعيشها اليوم.

أكّدت أ. الحريزي أنّ القضيّة الفلسطينيّة تُدرّس ويُمتحن الطلبة فيها؛ وهي تُدرّس ضمن حركات التحرّر الوطنيّ والعالميّ، وضمن ثيمة التضامن والتعاطف مع الشعب الفلسطينيّ، وكونها ضمن الوعي الجمعيّ للشعب التونسيّ. كما تُدرّس ضمن مساقات في الجامعة، لأنّ القضيّة الفلسطينيّة ضميرنا الحيّ.

 

حدّثينا أ. حطيط عن أهمّيّة تعليم التاريخ ولا سيّما أنّنا نتعامل مع طالب واعٍ ومطّلع، كيف يمكن أن يحارب الخطاب الغربي عن طريق تعليم التاريخ وأنسنته؟

تحدّثت أ. حطيط عن أهمّيّة أنسنة التاريخ، بصفة الإنسان فاعلًا أساسيًّا يُحرّك الحدث، ومن ثمّ تكون السرديّة والرواية. وأشارت إلى أنّها تقسم التاريخ المُعاصر اليوم إلى قسمين: ما قبل غزّة وما بعد غزّة، فنربط الواقع بالحدث. خصوصًا وأنّ التسلسل التاريخيّ ليسَ منقطعًا إنّما متواصل، ويحتاج إلى كيفيّات لتدريس الطلّاب هذه المادّة، وبالتالي يتمكّنون من كيفيّة قراءة هذه الأحداث، ونقدها والربط بينها، ويحتاج أيضًا إلى مهارات التفكير لتساعدهم على الفهم وفصله عن الوهم.

 

نعيش نقطة اللا عودة في تاريخ المنطقة والعالم، وهذا التغيير يتطلّب إعادة النظر في مناهجنا لإعداد طلبتنا للمستقبل، كيف يمكن أن نحرّر المنهاج والمعلّم من الفكر الاستعماريّ ليصبح لدينا طالب محرّر من الفكر الاستعماريّ؟ ما هي برأيك د. عبّود بعض الخطوات التي يمكن أن تأخذها المدرسة؟

بدأت د. عبّود بالحديث عن أهمّيّة الوعي للوضع الراهن؛ المدرسة والمنهاج نتاج الفكر الغربي والذي أُسقط علينا كأنّه الشكل الوحيد للتعلّم والتعليم. وعلينا أن نعي أنّ الغرب قد قرّر ما نكون وما لا نكون. وتحرير أنفسنا ومناهجنا خطوات أوليّة في الوعي، ومن ثمّ البحث عميقًا في أساليب تعلّمنا وطرائقنا قبل المدرسة الحديثة. علينا تعليم الأطفال وتربيتهم على حبّ الأرض وحبّ الوطن، وأن نتفكّر بعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وهي ليست وحشيّة ورجعيّة كما يسوّق الغرب. ولا أعتقد أنّ تحرير المناهج أمر سهل، ولكن هُناك "شقوق" من المُمكن الدخول منها إلى مساحات تعديل وتغيير من الداخل، خصوصًا المناهج المفتوحة، والتي يُمكننا إدراج محتوى يُناسبنا وقريب منّا. وعلينا أن نستمرّ في المقاومة، وعلينا أن نقول لا، ورفض أيّ محتوى غير أصيل ولا يُضيف إلينا.

 

المحور الثالث: الأهل والمُجتمع المُحيط

 

واجه أولياء الأمور تحدّيات يوميّة في التعامل مع الواقع السياسيّ والاجتماعيّ والمادّيّ، كيف ترون دور المدرسة في دعم أولياء الأمور؟

تحدّثت أ. الكخن عن أنّ وليّ الأمر كانَ موجودًا في التخطيط وتنفيذ الأنشطة. هُنا في الضفّة العلاقات قريبة من غزّة، وكان هُناك توجّه من الأقارب والأهل والأصدقاء، برفقة المدرسة والطلبة، لتكثيف الفعل والدعم. ولا أنسى الطفلة التي أتت تخبرني أنّها خائفة على صديقتها من غزّة. وبالتالي، نحاول كثيرًا أن يكون الدور تكامليًّا مع الأهل، ونقوم بالدعم النفسيّ للأهل والأطفال، ونستمدّ قوّتنا من قوّتهم.

أمّا د. عبّود فأشارت إلى دائرة العافية الشموليّة في مدرسة الأهلية والمطران، والتي يعمل من فيها مع الأهل مباشرةً أو من خلال استشارات، لمساندة الأهل، وإعطائهم إرشادات مختلفة لدعم الطلبة.

وتحدّثت أ. حطيط عن الأهل النازحين والذين عملنا معهم لمدّهم بمشاعر الجسد الواحد، والدعم. والأهالي الموجودين الذين لم ينزحوا، والذين دعموا المدرسة وقاموا بأنشطة مختلفة، منها جمع تبرّعات لأهالي غزّة وللنازحين، وحوّلوا الخوف ومشاعر القلق إلى فعل مهمّ ومؤثّر. وأكّدت أنّ المعلّم ووليّ الأمر جنبًا إلى جنب والدعم متبادل.

 

وقام أ. الحريزي بسرد بعض أسماء الطالبات والطلبة الذين يدرسون في المدارس التونسيّة، يافا؛ حيفا؛ القدس؛ الخليل؛ الصمود؛ كنان؛ جليل؛ فيروز؛ مرسيل؛ محمود؛ فلسطين؛ بيروت؛ جنين، وإلى آخره. الأهل، في هذا السياق، يسكنون في القضيّة الفلسطينيّة، وفلسطين موجودة في منازلهم وعائلاتهم، والأهل هم من يحتضنون المدرسة فعلًا، وهم وفّروا لنا الدعم عبر فعاليّات مختلفة.

واختتمت د. كفري أبو لبن بأنّ الحديث اليوم يُثبت أنّ دور المدرسة ورسالتها أكبر من الرسالة الأكاديميّة فقط، وقد مرّ وقت على المشهد المدرسيّ العربيّ الذي طغت عليه النتائج الأكاديميّة، ونسينا أهمّيّة الرسالة الوطنيّة والإنسانيّة المحوريّة. من يعمل في الحقل التربويّ، يداه مشغولتان بالحاضر وعيناه تتطلّعان إلى المستقبل.

 

وطلبت جُملةً أخيرة من المتحدّثين.

أشادت د. عبّود بأهمّيّة الندوة، وعبّرت عن أمنياتها بأنّ تُزال الغمّة عن أهل غزّة، وأكّدت على أنّهم سيقومون بكلّ ما هو متاح للدعم والتضامن والتآزر، وأنّ غزّة وشعبها في قلوبنا وأذهاننا.

وشارك أ. الحريزي بعض الكلمات التونسيّة وهي: "هيلا هيلا يا مطر... والهلال يصبح قمر. هيلا هيلا يا مطر... والحلم متل الورد بيكبر. هيلا هيلا يا مطر".

وقالت أ. الكخن: "في عتمة الحرب، يعطينا التعليم بصيص أمل. رسالتي تعزيز الهويّة الفلسطينيّة، والجانب الإنسانيّ والوقوف إلى جنب أهالينا في غزّة، وسعدتُ بالمشاركة لإيصال رسالة بسيطة هي الدعم المستمرّ، وشكرًا منهجيّات لأنّ دوركم يرفع من معنويّاتنا أيضًا".

أمّا أ. حطيط فشكرت منهجيّات، وقالت: "الرحمة لكلّ الشهداء؛ شهداء فلسطين ولبنان وكلّ العرب".