ندوة: الشبكات المهنيّة في العالم العربيّ.. تأمُّل في تجارب حيّة وناجحة
ندوة: الشبكات المهنيّة في العالم العربيّ.. تأمُّل في تجارب حيّة وناجحة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر حزيران/ يونيو 2022 بعنوان "الشبكات المهنيّة في العالم العربيّ: تأمُّل في تجارب حيّة وناجحة"، ركّزت على محاور مُختلفة، منها:

1. مجتمعات الممارسين التربويّين: أنواعها وأهمّيّتها.
2. تجارب حيّة من العالم العربيّ.
3. عوامل استدامة الشبكات المهنيّة.
4. تحدّيات تواجه الشبكات المهنيّة.

استضافت الندوة مجموعةً من المتحدّثات والمتحدّثين، هُم: د. ريما كرامي، أستاذة مُشاركة في الإدارة والسياسة التربويّة. والأستاذ عبد الله يوسفي، مفتّش اللغة الإنجليزيّة في وزارة التربية الوطنيّة في المغرب. ود. أليس عبّود، مديرة مدرسة الأهليّة والمُطران. والأستاذ جمال عرفات، مشرف عامّ لمادّة التاريخ. حاورتهم د. نورما غمراوي، أستاذة في القيادة التربويّة.

وبدأت غمراوي مقدّمتها بالإشارة إلى معايشة العالم لمنعطفٍ تاريخيّ في التعليم، تجسّد بتحدّيات فرضها القرن الحادي والعشرين، لاحقًا لتطوّر تكنولوجيا المعلومات وتحدّيات جائحة كورونا، التي أظهرت هشاشة المنظومة التعليميّة وضرورة النّظر في طرق جديدة لدعم المعلّمين.

 

ما هي الشبكات المهنيّة؟

استهلّت كرامي المحور بتعريف الشبكات المهنيّة، إذ، وفقًا للأدبيّات، أشارت إلى أنّ هُناك الكثير من المسمّيات التي تُطلق للتعبير عن هذه الشبكات، منها: مجتمع الممارسين التربويّين، ومجتمعات تشبيكيّة للتطوير، ومجتمع التعلّم المهنيّ. وداخلت حول التشابه والتقاطع بين هذه التعريفات، الذي يتمثّل بأنّ هناك مجموعة من المهنيّين يتفاعلون ويتعاونون من أجل غرض يتمحور حول التعلّم، لتجويد وتحسين ممارساتهم أو التحاور لحلّ مُشكلة معيّنة. كما قالت إنّ هذه الشبكات المهنيّة تمثّل مظلّة واسعة، يُمكن أن تتخلّق، ضمنها، مساحات تشبيكيّة مُختلفة، تهتمُّ بمواضيعَ بحثيّة مختصّة.

ورسمت كرامي إطارًا تاريخيًّا لمصطلح الشبكات المهنيّة، من خلال مقاربة أنّ هذه الشبكات تمثّل ما عادةً تقوم بهِ النقابات والروابط المهنيّة، التي تسعى لتطوير المهن، كما ظروفها. ووجود هذه الشبكات، في القطاع التعليميّ، انطلق من ضعف وجود مثل هذي النقابات ضمن هذا القطاع والتي إن وجدت كانت تسعى لأمور مطلبيّة، وحاولت، بعد انطلاقها، ربط المهنة، أي مهنة التعليم، بالقاعدة المعرفيّة. وعملت ضمن أُطر لحمل مسؤوليّات توليد المعرفة وجودتها لأعضاء هذه المهنة.

ومن هُنا، عرّفت كرامي مُجتمع الممارسين التربويّين بأنّه عمليّة تحتضن التعلّم الاجتماعيّ لمصلحة مُشتركة للأشخاص المُنتمين، ونِتاج هذه العمليّة يتمحور حول إيجاد حلول لمشاكل تربويّة مُختلفة.

 

تأمّلات حول الشبكات المهنيّة: تجارب حيّة ونماذج

افتتحت غمراوي هذا المحور بالتعبير عن قدم وتجدّد هذه الشبكات المهنيّة في آنٍ، وتحدّثت حول الدور المهمّ لهذه الشبكات خصوصًا أثناء جائحة كورونا، كما قدّمت الهيئة اللبنانيّة بوصفها تجربة انتقلت من الخاصّ؛ لبنان، إلى العامّ؛ العالم العربيّ.

 

الهيئة اللّبنانيّة للتاريخ: من الخاصّ إلى العامّ

شارك عرفات تجربة الهيئة اللبنانيّة للتاريخ، وهي مجموعة من معلّمي التاريخ يسعون إلى النهوض بعمليّة تعليم وتعلّم التاريخ في لبنان. وأشار إلى أنّ تأسيس الهيئة جاء نتيجةً لرفض تسييس التاريخ وتعليم التاريخ، وفشل في صناعة منهج للتاريخ، وتهميش تدريس المادّة، فاجتمعت، نتيجةً لذلك، مجموعة من المعلّمين أخذت على عاتقها العمل للتغلّب على هذه المُشكلات. وتحدّث عرفات عن مساهمة الهيئة اليوم ببناء مجتمع تعاونيّ بين مدرّسي التاريخ، وتطوير قدراتهم، وتعزيز المعرفة التاريخيّة، ودعم بناء السلام من خلال تعليم التاريخ، كما نشر نهج التفكير التاريخيّ، وإنشاء منصّة لتبادل الخبرات والموارد لتُساهم في بحوث حول تعليم التاريخ في لبنان، للتأثير على صانعي القرار والرأي العامّ للتفكير مُجدّدًا في تعليم التاريخ.

وعرض عرفات الأهداف التي سعت الهيئة لتحقيقها، وهي: تطوير القدرات الذاتيّة لمعلّمي التاريخ، واتباع آليّات وطرائق جديدة ومتجدّدة في تعليم التاريخ، والتعامل مع الماضي من مناظير متعدّدة، والتشبيك مع مؤسّسات تُعنى بدراسة الماضي وإنتاج الذاكرة الجماعيّة، والبحث عن كلّ ما لهُ علاقة بدراسة الماضي. كما أشار إلى أنّ تحقيق هذه الأهداف يتمّ من خلال نشاطات وندوات وحوارات مُجتمعيّة وورش عمل وبرامج ومشاغل تدريبيّة وتوفير مصادر، كما يتمّ كذلك من خلال إنتاج موارد تعليميّة إضافيّة لمعلّمي التاريخ، وتعزيز مهارات معلّمي التاريخ.

 

تجمّع مدارس البكالوريا الدوليّة - الأردن: من العامّ إلى الخاصّ

قدّمت غمراوي تجمّع مدارس البكالوريا بوصفهِ تجربة فريدة في المنطقة، وهو معكوس تجربة الهيئة اللبنانيّة تطبيقًا لفكرة الانتقال من العامّ؛ من منظّمة على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى الخاصّ؛ تجمّع مدارس البكالوريا في الأردن.

وشاركت عبّود تجربة تجمّع مدارس البكالوريا الدوليّة في الأردن، التي هدفت لتحقيق رؤى مُختلفة، منها البناء على خبرات ومعارف سابقة، والإيمان بقدرة المعلّمين على إحداث التغيير، وبضرورة التعلّم المستمرّ للمعلّمين، الذي يحقّق وجودهم ضمن شبكات مهنيّة أهدافًا فكريّة واجتماعيّة ومهنيّة.

وتحدّثت عبّود حول أهداف التجمّع، التي تتمثّل بدعم وتطوير ونماء المعلّمين الشموليّ في المعرفة والاتجاهات والمُمارسات، كما السعي لتغطية احتياجات المعلّمين الإدراكيّة والنفسيّة والتفاعليّة والاجتماعيّة، من خلال ندوات خلال جائحة كورونا عن مواضيع تربويّة عامّة، ولقاءات تدريبيّة لبرنامج السنوات الابتدائيّة والمتوسّطة، وإدماج معلّمين من مدارس خارج نظام IB.

 

الجمعيّة المغربيّة لأساتذة اللّغة الإنجليزيّة

هُنا، تحدّثت غمراوي حول عراقة تجربة الجمعيّة المغربيّة، التي يعود تأسيسها لأواخر سبعينيّات القرن الماضي، وما تزال قائمة إلى الآن، مُحقِّقةً شروط الاستدامة، داعيةً المهتمّين في موضوع الاستدامة إلى التركيز على عرض الأستاذ يوسفي.

خلال عرضهِ، شارك يوسفي تجربة الجمعيّة المغربيّة لأساتذة اللغة الإنجليزيّة، التي أُنشأت عام 1979 من لدن مجموعة من الأساتذة الجامعيّين، وطوّرت عملها الذي وصل اليوم إلى برامج شراكة مع وزارة التربية ومنظّمات دوليّة لإنشاء برامج تعليميّة شموليّة تستهدف المجتمع التربويّ في المغرب.

وتحدّث يوسفي حول أنّ الجمعيّة كانت بمثابة قاطرة للتواصل والانفتاح على العالم، وعلى المُجتمع من خلال إشراك مُجمل المجتمعات التربويّة، على غرار مجتمع الممارسين التربويّين، وأساتذة الثانويّ الإعداديّ، وأستاذة الثانويّ التأهيليّ، والمفتّشين التربويّين، وأساتذة الجامعات، والاستجابة لمتطلّباتهم والتحاور معهم لخلق حلول لمختلف التحدّيات والمشاكل في مختلف المناطق، عبر برامج متنوّعة تسعى لإدماج تكنولوجيا المعلومات والتواصل، والتأهيل الأكاديميّ، والعمل بالمشاريع، والتمركز حول المتعلّم، وبناء قيم المواطنة.

 

تمام: التطوير المُستند إلى المدرسة

قدّمت غمراوي مبادرة "تمام"، بأنّها الآن من أشهر المبادرات التربويّة. وفي قصّة شخصيّة، قالت: "في حديثي مع كرامي، أشارت لي أنّه لم يكن من قصد القائمين على المبادرة أن تصبح شبكة كبيرة، إنّما مبادرة تربويّة تسعى لتحقيق أهداف معيّنة"، فكيف وصلت "تمام" لتكون شبكة قويّة تجمع الكثير من التربويّين في المنطقة العربيّة؟

ضمن ذات السّياق، وللإجابة عن السؤال، شاركت كرامي تجربة "تمام"، مُشيرة إلى أنّ المُختلف في هذه التجربة أنّها لا تقع ضمن إطار قانونيّ، إنّما ضمن إطار بحثيّ تطويريّ. وأشارت إلى أنّ الشبكة تضمّ تربويّين؛ ممارسين على مستوى المدرسة، وباحثين تربويّين، ومعنيّين بالشأن التربويّ. وتحدّثت كرامي حول مهمّة الشبكة بأنّها باتت المُحرّك الأساسيّ للمجموعة، التي بدأت بمشروعٍ بحثيّ ووصلت لحركةٍ تطويريّة، وحول الأهداف التي تجمع المجموعة والتي تتمثّل بفكرة الإصلاح التربويّ، ودور الممارس التربويّ في هذا الإصلاح والمدرسة كمركز للتطوير، والرؤية المشتركة للمدرسة التي نطمح للوصول لها؛ مدرسة مُتجدّدة ذاتيًّا تُعدّ طالبًا مُشاركًا وفاعلًا في مجتمعهِ.

وأشارت كرامي إلى هيكلة الشبكة الديناميكيّة، والتي تقوم على التفاعل والتواصل باستمرار مع الأعضاء، الذين يشتركون معًا لعقد نشاطات مُختلفة تهدف للتطوير المهنيّ، وبشكلٍ خاصّ بناء القدرات القياديّة اللّازمة للتطوير المستند إلى المدرسة، من خلال ورش عمل وندوات، ونشاطات أُخرى تهدف لمُشاركة وتبادل الخبرات عن طريق المزاملة بين المدارس والمُمارسين التربويّين، لمُناقشة قضايا راهنة يوجد حولها تساؤلات وتحدّيات، ونشاطات للاحتفاء ولتعزيز جوّ اللُّحمة بين الأعضاء وتبادل النجاحات، بالتركيز على التفاعل الإنسانيّ، والانخراط في الشّبكة.

 

مُجتمع الممارسين التربويّين الافتراضيّ- تشبيك بلا حدود

وبدورها، شاركت غمراوي تجربة مجتمع الممارسين التربويّين الافتراضيّ في المنطقة العربيّة- تربية 21، وهي مبادرة أطلقتها اليونسكو بهدف دعم المعلّمين خلال جائحة كورونا. ومع انتهاء الأزمة نسبيًّا، رأى القائمون على التجربة أنّها في طور يمكن الاستثمار بهِ وأخذه لأبعاد جديدة، فانطلقت التجربة لطورٍ جديدٍ بمسمّى مجتمع الممارسين التربويّين الافتراضيّ- تشبيك بلا حدود. يوفّر المجتمع مساحة المُنتديات، والتي تُشكّل مساحة مفتوحة أمام الممارسين التربويّين للحوار والحديث حول أسئلة وتحدّيات مُختلفة، كما يوفّر تجربة موارد المُشاركين، وهي تجربة تجعل المعلّم شريكًا حقيقيًّا في رفع مصادر وموادّ لا فقط تنزيلها، وأيضًا يوفّر المجتمع مصادر مُختلفة للممارسين التربويّين لدعم اطلاعهم وتطويرهم في مجالات مُختلفة.

 

في الختام

وفي كلمة ختاميّة وجّهها المتحدّثون والمتحدّثات خلاصتها دعوة لجمهور التربويّين في العالم العربيّ للاطلاع على هذه التجارب، والمُشاركة ضمنها، من كون هذه التجارب هي أوعية لتشارك الأفكار والتشبيك وبناء الجسور بين المعلّمات والمعلّمين والتربويّات والتربويّين والمعنيّين بالشأن التربويّ، تهدف للاستمرار في عمليّة التعلّم بوصفها عمليّة بنيويّة مُستمرّة.