نحو إدارة صفّيّة فاعلة
نحو إدارة صفّيّة فاعلة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر أيلول/ سبتمبر 2022 بعنوان "نحو إدارة صفّيّة فاعلة"، ركّزت على محاور مُختلفة، منها:

1. مفهوم الإدارة الصفّيّة.
2. الأنظمة والسياسات ودورها في فعاليّة الإدارة الصفّيّة.
3. العلاقات داخل المدرسة والقدرة على إدارتها.
4. التنوّع في أساليب التدريس.
5. الأسباب والدوافع للسلوك غير المرغوب داخل الصّفّ.

استضافت الندوة مجموعةً من المتحدّثات والمتحدّثين، هُم: محمّد الزعبي، خبير تطوير أساليب تدريس اللغة العربيّة. وجلال عودة، مدرّب ومستشار تربويّ. وأيشين محمّد، مدرّبة أكاديميّة، ومطوّرة مناهج وأساليب التعليم والإدارة الصفّيّة. وعبد الرزّاق حمّود، مدرّب تربويّ ومتخصّص في الأنشطة اللّامنهجيّة. وأدار الندوة محمود عمرة، مدير عامّ الأكاديميّة العربيّة الدوليّة، وعضو الهيئة التأسيسيّة لمنهجيّات.

 

ما هي الإدارة الصفّيّة؟

استهلّ عمرة الندوة بسؤال حول مفهوم الإدارة الصفّيّة، ذلك للوقوف على أرضيّة مفاهيميّة صلبة مُشتركة ينطلق منها نقاش المحاور المُختلفة.

أجابَ الزعبي عن سؤال المفهوم بقوله: "المفهوم الخاصّ بي للإدارة، أو الثقافة الصفّيّة، هو التدريس؛ بمعنى أنّ الطالب حتّى يحقّق أهداف التعلّم وأهداف نتاجات المناهج الدراسيّة، لا بدّ أن يكون ملتزمًا بتعليمات الإدارة الصفّيّة ومعاييرها التي تحدّدها المدرسة، أو يحدّدها المعلّم"، مُضيفًا "أنّ التزام الطالب بهذه المعايير وتجنّبه السلوكيّات غير المرغوبة وغير المُنتجة في الغرفة الصفّيّة، إشارة واضحة إلى أنّ المعلّم قد نجح في تحقيق الإدارة الصفّيّة".

وعبّرت أيشين محمّد عن مفهومها للإدارة الصفّيّة بأنّها "كلّ ما هو مرتبط بالتّعامل مع الطلبة؛ ما يستقبلونهُ وما نستقبلهُ منهم داخل الصفّ، سواء تعلّم أو مشاعر أو مفاهيم". أمّا عودة فقال: "أرى أنّ الإدارة الصفّيّة هي اتّصال وتواصل بين أطراف يجمعهم مكان وزمان". وأجاب حمّود عن مفهومه للإدارة الصفّيّة بقوله "إنّها الأنشطة والاستراتيجيّات التي يسعى المعلّم لتنفيذها داخل البيئة الصفّيّة. تهدف هذه الأنشطة إلى تحقيق التواصل بينه وبين الطلبة من جهة، وبين الطلبة أنفسهم من جهةٍ أُخرى". وأضاف "لا بدّ من توفّر معايير أربعة لتحقيق هذا الهدف، هي التنظيم، والتخطيط، والتقييم، والمعلّم هو المُحور".

هُنا، لخّص عمرة مفهوم الإدارة الصفّيّة بأنّه مجموعة متنوّعة من المهارات التي يستخدمها المعلّم، لجعل الطلبة أكثر تنظيمًا وإنتاجًا وانتباهًا داخل الصفّ المدرسيّ، لأنّ الهدف الأسمى من هذا المفهوم هو أنّ يتحقّق التعلّم عند الطلبة.

 

حول الأنظمة والسياسات ودورها في فعاليّة الصفّ

أشار الزعبي  إلى أنّ وجود أنظمة شاملة على مستوى المدرسة، أمرٌ يُساعد المعلّم على إدارة صفّهِ. يتحقّق ذلك من خلال تعميم الإدارة المدرسيّة أنّ السلوكيّات المرغوبة مطلوبة في مرافق المدرسة كافّة، والعكس صحيح. تُساعد هذه السياسة الشاملة المعلّم وتُمكّنه من إدارة صفّه بفعاليّة، ذلك لكون الطلبة قد تأسّسوا على سلوكيّات مُختلفة، يطبّقونها في كافّة المرافق. إنّ هذه الأنظمة الشّاملة تدعم وتراعي الفروقات الفرديّة بين المعلّمين، كما الطلبة، وبهذا تتكوّن ثقافة مدرسيّة، وصفّيّة بطبيعة الحال، داعمة للمُعلّم وللعمليّة التعليميّة.

وتحدّثت أيشين محمّد، ضمن هذا المحور، حول مفهوم بيئة التعلّم الذاتيّة كمفهوم مُعزّز للإدارة الصفّيّة. يقوم هذا المفهوم على تأسيس بيئة آمنة للمتعلّم ليشعر بالحرّيّة وعدم الخوف من التعلّم والتعبير. وأوضحت محمّد أن لبيئات التعلّم خصائص عديدة، منها التفاعليّة والإبحار، والمرونة، والتطوّر الذاتيّ، والتكيُّف، والوصول والإتاحة. وأشارت إلى فروقات عدّة بين بيئات التعلّم الذاتيّة ونظم إدارة التعلّم، منها على مستوى المحتوى، مثلًا، ضمن إدارة التعلّم، يقوم أشخاص متخصّصون بإعداد المحتوى التعليميّ فيها، أمّا المحتوى ضمن بيئات التعلّم الذاتيّة فيمتاز بالمرونة؛ يقوم المتعلّم بجمعه والحصول عليه من مصادر المعلومات الإلكترونيّة المُختلفة بحسب احتياجاته. كما ذكرت مبادئ هذه البيئات، ومنها التعلّم كعمليّة ربط بين مصادر المعرفة المُختلفة، والتعلّم كعمليّة خلق المعرفة لا استهلاكها.

 وداخل حمّود حول فكرة وضع سياسات مع الطلبة على مستوى الصفّ، لإشراكهم في عمليّة تعلّمهم. وأشار إلى أهمّيّة فكرة "الروتين اليوميّ"، عبر خطّة واضحة منذ بداية العامّ، تُساهم بجعل الطلبة يعرفون ما سيقومون بفعله خلال العام، وخطّة يوميّة تفتح المجال أمام الطلبة للمُشاركة في تخطيط عمليّة تعلّمهم، فيصبحون حريصين على تحقيق أهداف هذا التعلّم.

أمّا عودة، فتحدّث حول الطلبة كمركز للإدارة الصفّيّة، وأشار إلى أهمّيّة التعامل معهم ومع احتياجاتهم بتوجّه شموليّ، سواء كانت احتياجات أكاديميّة أو نفسيّة أو اجتماعيّة. وأشار، كذلك، إلى أهمّيّة إدراك المعلّمين وتصنيفهم لسلوكيّات الطلبة، وتحديد ما إذا كان سلوك ما لدى طالب، يؤثّر في البيئة الصفّيّة، بحاجة إلى تدخّل من قِبل الإدارة أو الإرشاد بمنطقٍ يدعم المعلّم داخل البيئة الصفّيّة ويدعم الطالب كما العلاقة بينهما.  ودعا، في نهاية حديثهِ، إلى أهمّيّة التكامليّة بين عناصر العمليّة التعليميّة من أجل تحقيق بيئة صفّيّة آمنة ومُنتجة تتغلّب على التحدّيات والمشاكل بفعاليّة وإبداع.

 

حول العلاقات داخل المدرسة

استهلّ عمرة المحور بتقديم توجّهين للعلاقات داخل المدرسة: الأوّل يقترح علاقة رسميّة قائمة على الاحترام المُتبادل بين المعلّم والطالب. أمّا الثاني فيقترح علاقة ودّيّة تصل إلى الصداقة بين المعلّم والطالب.

وداخلت أيشين محمّد حول العلاقة بين الطلبة والمعلّم في الصفّ، وذكرت نقاطًا مُختلفة لبناء العلاقة بين الطالب والمعلّم، منها الاحترام المُتبادل، والثقة، والحُبّ. وأشارت إلى أنّ توفّر هذه النقاط يُحقّق استقرارًا نفسيًّا لدى الطالب والمعلّم على السّواء، كما أنّها تُشكّل ضوابطَ داخليّة لدى الطلبة تُساعد في بناء بيئة صفّيّة تقوم على ثلاثيّة ستشكّل أساسًا للتعامل مع زملائهم الطلبة، وفي الوقت ذاته، مع معلّميهم.

تحدّث حمّود، هُنا، عن التربية الإيجابيّة في الصفّ؛ وهو منهج يعلّم الطلبة مهارات أساسيّة ضروريّة لاكتساب مهارة الشُّكر والتقدير. وأشار إلى أنّ هذه المهارة يجب أن تكون موجودة بالأساس لدى المعلّم، وإلى استراتيجيّات تُمكّن هذا المعلّم من تعزيز التربية الإيجابيّة، منها الاجتماعات الصفّيّة الدوريّة التي تمثّل فُرصة لشكر الطلبة على إنجازاتهم، وتعزيز هذه الثقافة لديهم.  

ضمن المحور ذاته، داخل عودة حول فكرة ما وراء كلّ طرف، سواء الطالب أو المعلّم؛ بمعنى أنّ شخصيّة كلّ فرد تحتوي مجموعة من القيم والمعتقدات والأفكار والمبادئ. هذه التراكيب قد تُساعد على بناء علاقة متينة بين الطالب والمعلّم، أو قد تُسبّب في قطع هذه العلاقة. ومن هُنا، على المعلّمين والإرشاد التعاون لفهم ما وراء بعض الطلبة، لما تمنحه هذه المعرفة من مفاتيح تُمكّن من تعزيز العلاقة بين المعلّم والطالب.

ووضّح الزعبي أنّ العلاقة بين المعلّم والطالب عنصر مهمّ وأساسيّ، وشدّد على أنّها يجب أن لا تُبنى على أُسس عاطفيّة أو تنازليّة، إنّما يجب أن تُبنى من خلال تعليم المعلّم للطلبة وفقَ حاجاتهم. هُنا، أشار الزعبي إلى أنّ مزاجيّة المعلّم يجب ألّا تؤثّر في اتّفاقاته وخططه مع الطلبة. كما أشار إلى أنّ العلاقة بين المعلّم والطالب يجب أن تحكمها مؤشّرات أداء واضحة، بحيث يعرف الطالب أين حدوده، ويعرف المعلّم أين حدوده.

 

أساليب التدريس ودورها في الإدارة الصفّيّة

استمرّ حمّود في البناء على مفهوم التربية الإيجابيّة ضمن هذا المحور، ولكن عبر توظيف هذا المفهوم في أساليب التدريس، فوضّح تقنيّات تربويّة، مثل استخدام التشجيع بدل المدح، كأساليب لتعزيز الإدارة الصفّيّة. ودعا حمّود المعلّمين إلى القراءة في أساليب التدريس الإيجابيّة ومُشاركتها مع زملائهم، وتوظيفها في الحصّة الصفّيّة للتغلّب على تحدّيات ومشكلات تواجههم.

وشاركت أيشين محمّد مجموعة من الأساليب التي من شأنها تعزيز الإدارة الصفّيّة، بما لا يتناقض وحدود التعامل القائمة على الاحترام والثقة والحبّ، مثل الحثّ على التفكير. مشيرة إلى أنّ هذا الأسلوب يفتح المجالات أمام الطالب لتعزيز مهارة التفكير الناقد، فيصبح باحثًا عن إجابات مغايرة، ومُنتجًا لمعرفة جديدة.

ووضّح الزعبي أنّ أساليب التدريس تُسهم بتحقيق إدارة صفّيّة فاعلة في حالات مُختلفة، منها عندما تراعي حاجات الطلبة المُختلفة في الغُرفة الصفّيّة، وتلبّي التمايز في التعليم عند الطلبة، وتُعزّز المُشاركة المستندة إلى التفكير، وتفتح المجال للطلبة لمعرفة أين يقف من هدف المعلّم والعمليّة التعليميّة. وتحدّث الزعبي حول محور من محاور برنامج "علّم بثقة"، الذي تقدّمه أكاديميّة الملكة رانيا لتدريب المعلّمين، هو التأكُّد من الفهم والاستيعاب، فقال: "علينا تزويد المعلّم بأدوات وتقنيّات تجعلهُ يتأكّد من أنّ استجابة الطلبة نابعة من فهم واستيعاب لا ضربة حظّ أو غشّ"، وأضاف "إذا كانت أساليب التدريس أعلى من مستوى الطالب، ستسبّب إرباكًا للمعلّم".

 

الأسباب والدوافع للسلوك غير المرغوب داخل الصفّ

داخل عودة، هُنا، حول الدوافع للسلوك غير المرغوب، ومنها الإرث الاجتماعيّ للطالب، إذ تمثّل المدرسة، في هذه الحالة، مساحةً للتعبير عن هذا الإرث، خصوصًا إن كان يتركّب من مشاكل أو صراعات داخل الأُسرة أو المُجتمع. وعرَّجَ على مشاكل الطلبة الصحّيّة، إذ يحملون أوجاعهم معهم، أحيانًا، إلى المدرسة، ما يتسبّب بردّات فعل نفسيّة على مُحيطهم خصوصًا إذا شعروا بالغُربة أو الاختلاف السلبيّ. وذكرَ أخيرًا الجوانب الاجتماعيّة، وقضايا، مثل القبول والرفض من قِبل بيئته نتيجة للتفاعلات الاجتماعيّة بين الطلبة. وأشار عودة إلى ضرورة الانتباه إلى حالات نفسيّة، وأمراض، في بعض الحالات لدى الطلبة، تستوجب تدخّلات مع جهات مختصّة، لكونها مسؤوليّة كبيرة، تدعو، في نهاية المطاف، إلى التعامل مع كلّ طالب على حدةٍ، كونه مجموعة مُختلفة من التراكيب الاجتماعيّة النفسيّة العاطفيّة.

وضّح الزعبي فكرة مسؤوليّة المعلّم في تحقيق التوازن؛ بمعنى مراعاة شعور الطلبة القادمين من بيئات مليئة بالمشاكل والاضطرابات لأيّ سبب كان من جهةٍ، وتحقيق إدارة صفّيّة فاعلة من جهةٍ أُخرى. وأشار إلى أنّ التعليم هو الحلّ لتحقيق هذا التوازن؛ التعليم عبر تصميم أنشطة تعليميّة تُحقّق الأهداف التعليميّة، وتتيح للطلبة التعبير عن مكنوناتهم في الوقت نفسه.

 

أسئلة الحضور

كيف نُدير صفًّا يحتوي على 60 طالبًا بفعاليّة؟

أجاب الزعبي عن هذا السؤال بالتركيز، أولًا، على أهمّيّة توظيف الإشارة في تمرير التعليمات، وذلك عبر تدريب الطلبة على إشارات مُختلفة تقترنُ بأفعال، فتصبح أداةً للتواصل وتساهم في استغلال الوقت لإدارة أمثل. وثانيًا، على أهمّيّة توظيف العمل الثنائيّ.

وأضافت أيشين محمّد فكرة تقسيم الطلبة لمجموعات عمل، هذه المجموعات ستعمل بطريقة تفاعليّة، وعلى المعلّم أن يتابع هذه التجربة وأن يقيّمها ويحسّنها.

وذكّر حمّود، ضمن سياق السؤال ذاته، أهمّيّة عدم كون المعلّم مركزًا للعمليّة التعليميّة، ذلك لأنّ العمليّة التعليميّة عمليّة تشاركيّة بين الطلبة. هُنا، تمثّل البيئة الإيجابيّة والروتين اليوميّ أساسًا لبناء عمليّة تشاركيّة، على المعلّم أن يقسّم أدوارها بمهارة ومسؤوليّة، فعلى كلّ فرد في المجموعة، في نهاية المطاف، أن يحمل على عاتقه مهمّة مُختلفة ويحقّقها.

ما نوع العقاب الذي له دور فعّال في الإدارة الصفّيّة؟

أجابت أيشين محمّد عن هذا السؤال بقولها "علينا، كمعلّمات ومعلّمين، فهم فكرة أنه ليسَ هناك من عقاب، وعلى الطالب أن يفهم أنّه لا يتعاقب، إنّما لكلّ فعل ردّ فعل. فعند وقوع سلوك ما غير مرغوب، سنتناقش فيه لتقويمه، وهذا ليفهم الطالب أنّ كلّ سلوك لهُ نتائج وعواقب، لا عقاب".

 

في الخِتام

اختتم عمرة الندوة بقوله "المعلّم ليسَ شخصًا خارقًا نطلب منه تحقيق أشياء كثيرة، إنّما هُناك أدوار مُختلفة تقع على عاتق إدارة المدرسة والمؤسّسات الرسميّة، خصوصًا عند الحديث عن وجود عدد كبير من الطلبة في داخل غرفة صفّيّة غير مُهيّأة لاستيعاب هذا العدد الكبير. والخُلاصة أنّ على إدارة المدرسة والمؤسّسات الرسميّة دعم المعلّم للقيام بمهامه النبيلة".