مهمّات استقصائيّة في المختبرات الافتراضيّة
مهمّات استقصائيّة في المختبرات الافتراضيّة
أمل أبو زايد | معلمة علوم- فلسطين

يتطلب تعلّم العلوم بفاعليّة طالبًا نشطًا، يعمل بوصفه باحثًا صغيرًا يفكّر كعالم على قدر مكتسباته العلميّة. ويتطلّب أيضًا ممارسةً عمليّةً لمهارات العلم كالاستقصاء، والاستقراء، واستخراج البيانات، وتسجيل الملاحظة، وتفسير الظواهر، وضبط التجربة، ويحدث هذا كلّه عن طريق توظيف المختبرات العلميّة.

في زمن الجائحة وفي ظلّ التعلّم عن بعد، ابتعد الطلّاب عن مدرستهم، ولازموا الشاشات الإلكترونيّة. على مستوى تعلّم العلوم، كان التحدّي قائمًا بسبب البعد عن المختبر، وأصبح من الصعب تطبيق هذه المهارات مع الطلبة، لكن مع توفّر بعض المختبرات الافتراضيّة على شبكة الإنترنت تكوّنت نقاط الالتقاء بين الهدفين، فالمختبر الافتراضيّ متوفّر على الشبكة المعلوماتيّة التي يستخدمها الطالب في ظلّ التعلّم الإلكترونيّ، التعلّم الذي أصبح ضرورةً من ضرورات العصر، وطريقةً لمواجهة الظروف الصعبة أو الطارئة.

 

يهدف هذا المقال إلى:

1.    تسليط الضوء على الممارسات الطلّابيّة الصحيحة في المختبرات الافتراضيّة، وذلك من خلال جعل المعلّم ميسّرًا يساعد في تحقيق عمليّة التعلّم القائمة على نشاط الطالب، والنظريّة البنائيّة، والاستقصاء الموجّه، بعيدًا عن التلقين والعرض العلميّ الذي يجعل الطالب مجرّد مستقبل.

2.    تقديم نموذج ناجح للمعلّمين في كيفيّة تصميم المهمّات المخبريّة بطريقة تجعل اكتساب مهارات العلم أثناء ممارسة التجارب أمرًا ممكنًا.

تعرّف المختبرات الافتراضيّة بكونها بيئات تعليم وتعلّم إلكترونيّةً افتراضيّةً، تحدث فيها محاكاة المختبرات ومعامل العلوم الحقيقيّة، وذلك بتطبيق التجارب العلميّة افتراضيًّا، بصورة تحاكي التطبيق الحقيقيّ، وتكون متاحةً للاستخدام من خلال الأقراص المدمجة أو من خلال موقع على شبكة الإنترنت (الراضي، 2008).

أكّد  Kirchner and Huisman (1998) أنّ استخدام المختبرات الافتراضيّة يسهم في تنمية عمليّات العلم الأساسيّة لدى الطلّاب كالملاحظة والقياس، كما يساعد الطلّاب على اكتساب مهارات التفكير العلميّ، خاصّةً المهارات العقليّة العليا مثل التحليل والتركيب والتقويم. ولأنّ المختبرات الافتراضيّة توجد في فضاءات وبيئات التعلّم الإلكترونيّة، كان لزامًا علينا أن نحسن استخدامها بما يتناسب مع مبادئ التعلّم النشط والنظريّة البنائيّة، إذ إنّ النظرة التربويّة الحديثة (البنائيّة) تنادي باستخدام التدريس الإلكترونيّ لتحقيق التعلّم الذاتيّ، واكتساب الخبرات بإتاحة الفرصة للطلّاب لاكتساب معرفتهم الخاصّة وبنائها بأنفسهم (الأنصاريّ، 1996).

 

بذرة وفكرة

بدأ التحدّي مع أوّل درس من وحدة "الكهرباء في حياتنا" من منهاج العلوم للصفّ التاسع، وهي وحدة تتضمّن مفاهيم وقوانين ومبادئ فيزيائيّةً، وتتطلّب إتقانًا لمهارات العلم لدى الطلّاب. مع بداية الدرس الأوّل على الصفّ الافتراضيّ، وقد كان يتناول الدارة الكهربائيّة البسيطة، تكون لديّ شعور بعدم الرضا؛ فليس هكذا تعلّم العلوم! إنّ الفيزياء إذا علّمت بصورة نظريّة دون تطبيق عمليّ تواجه صعوبةً في الاستحواذ على اهتمام الطلبة. فكّرت: إن استمرّ الحال هكذا فستفقد طالباتي الدافعيّة، ثمّ أبحرت لحظةً في خيالي وتساءلت: أين مختبرنا الواقعيّ بأدواته وإمكاناته وروحه؟ هل يمكننا أن نتحلّى بالمرونة لنجد البديل في العالم الرقميّ؟

بعدها، في أثناء تصفّحي لمجتمعات التعلّم المهنيّة لمعلّمي العلوم، لاحظت استخدامًا لتطبيقات المحاكاة والمختبر الافتراضيّ من قبل بعض المعلّمات القديرات، لكن كان استخدامها ما زال قائمًا على فكرة العرض العلميّ، أو التجريب غير المنظّم الذي يفتقر إلى تصميم موقف تعليميّ مخبريّ قائم على نشاط الطلبة ومهارات العلم. من هنا جاءت بذرة المشروع الذي يتمثّل في إنشاء مهمّات مختبر قائمة على تنمية مهارات العلم والتعلّم التفاعليّ النشط باستخدام المختبرات الافتراضيّة والمحاكاة.

 

كيف نصمّم مهمّةً تعليميّةً للمختبر الافتراضيّ عن بعد؟

تتطلّب المهمّة تصميمًا موائمًا للمختبر الافتراضيّ، يكون قائمًا على الاستقصاء، وتوظيف مهارات العلم، ومهارات التجربة العلميّة مثل: (الملاحظة، التجريب، ضبط متغيّرات التجربة، تدوين البيانات، تنظيمها، الاستقراء، إيجاد العلاقة بين المفاهيم المختلفة) بشرط أن يمكن توظيفها في التعلّم عن بعد عبر الصفوف الافتراضيّة، ويجب أن تتضمّن المهمّات تعليمات واضحةً حول إمكانات المختبر، وتعليمات التجربة، وتقارير قائمةً على التجريب والاستقصاء الموجّه، وذلك عن طريق ما يأتي:

1. استكشاف مواقع أو برمجيّات المختبر الافتراضيّ الموجودة على الشبكة المعلوماتيّة، وثمّة العديد من المواقع المجّانيّة أو المدفوعة.

2. اختيار المناسب من المختبرات الافتراضيّة للموضوع المراد تناوله في الموقف التعليميّ.

3. البحث في إمكانات المختبر الافتراضيّ لتحديد صورة عامّة لكيفيّة تصميم موقف الاستقصاء الموجّه خلال المحاكاة.

4. تحديد عناوين التجربة العلميّة من الوحدة الدراسيّة في المنهاج "الكهرباء للصفّ التاسع في مادّة العلوم".

5. إعداد تقرير قائم على نشاط الطالبة، يبدأ بطرح تساؤل يتطلّب بحثًا ضمن استراتيجيّة الاستقصاء الموجّه، ويحتوي التعليمات والموادّ اللازمة، والجداول اللازمة لتدوين البيانات الناتجة وكلّ من الملاحظة والاستنتاج. وقد أعددت تقارير بمهارات متقدّمة مثل: الرسم البيانيّ، وحساب الميل، والتنبّؤ بالقيم. وكانت تستهدف الطالبات الموهوبات والمتفوّقات، وفي بعض التجارب البسيطة التي لا تحتوي الكثير من البيانات لتدوينها وتحليلها، أعددت تقارير تفاعليّةً لزيادة الدافعيّة والتشويق أثناء ممارسة العمل المخبريّ الافتراضيّ.

6. تسجيل فيديو تقوم فيه المعلّمة بتوضيح إمكانات المختبر، وتعليمات العمل، وتلميحات بسيطةً. يستهدف الشريط التجربة المراد تنفيذها من قبل الطالبات، وهو إحدى وسائل التعلّم الإلكترونيّ غير المتزامن. تستعين الطالبة بالفيديو لتنفيذ التجربة في أيّ وقت تختاره، يمكن للمعلّم أيضًا أن يشرح إمكانات المختبر الافتراضيّ بصورة متزامنة عبر اللقاءات المباشرة مع الطلبة في الصفّ الافتراضيّ.

7. إرفاق كلّ من الفيديو والتقرير ورابط التجربة ضمن الصفّ الافتراضيّ، لتقوم الطالبات بعدها بممارسة العمل المخبريّ بطريقة الاستقصاء الموجّه مستعينات بالمرفقات، ليصلن من خلالها إلى المفهوم أو القانون الخاصّ بالتجربة.

8. تقديم التغذية الراجعة حول ما يخصّ الأداء ونتائج التجربة عبر الصفّ الافتراضيّ من قبل المعلّمة على خانة المهمّة الخاصّة بكلّ طالبة.

 

تجربة واستقصاء موجّه عن بعد

بعد قيام الطالبات بتنفيذ التجربة، وممارسة الاستقصاء الموجّه، تغيّر وجه التفاعل في صفّنا الافتراضيّ، وزادت حماسة الطالبات، وكُسر جمود المادّة العلميّة، حتّى إنّ بعض الطالبات بادرن بشرح التجارب، وعرض النتائج في حلّة تكنولوجيّة باستخدام فيديو قدّمنه تطوّعًا لمساعدة زميلاتهنّ الأخريات، كما بادرت بعض الطالبات بطرح تساؤلات أثناء تقديم التغذية الراجعة.

 

مسوّغات المختبر الافتراضيّ

1.     أدّى غياب الطلّاب عن المختبر العلميّ في ظلّ جائحة كورونا إلى انخفاض في ممارسة مهارات العلم التي اعتاد الطلّاب اكتسابها عند ممارسة عمليّة التعلّم وإجراء التجارب في المختبرات الواقعيّة.

2.    يواجه توظيف المختبر العلميّ في مدارسنا تحدّيات كثيرةً، منها محدوديّة الأدوات والموادّ المخبريّة وزيادة عدد الطلّاب في الفصل الدراسيّ، ممّا يعوق انخراط الطلّاب الكامل في العمل المخبريّ، ويزيد من ميل معلّمي العلوم إلى اللجوء إلى توظيف العروض العلميّة بدلًا من الاستقصاء والتجريب على يد الطلبة.

3.    في ظلّ استخدام المعلّمين للكثير من التطبيقات المصاحبة للتعلّم عن بعد، لوحظ أنّ معظم التطبيقات تقوم على مراجعة المحتوى التعليميّ المدرَّس للطالب بطريقة التلقين البعيدة عن عمليّة بناء المعرفة تدريجيًّا، وهذا لا يجعل تعلّم الطالب تعلّمًا نشطًا، ولا يدعم النظريّة البنائيّة في عمليّة التوصّل للمفاهيم وتفسير الظواهر واستنتاج القوانين.

 

خاتمة

في ظلّ المتغيّرات العالميّة التي تفرض نفسها على عمليّة التعلّم، من الواجب علينا التأقلم لجعل التعلّم مناسبًا للجيل المرتبط بالعالم الرقميّ، لكي نوفّر الدافع المستمرّ لعمليّة التعلّم. إنّ هذا الجيل قد يبهرنا بإمكاناته في توظيف المعرفة رقميًّا، وحبّه للتحدّي، واقتحام الجديد من التطبيقات والبرامج.

لا أنسى أبدًا فكرة إحدى الطالبات في أثناء خوضهنّ هذه التجربة الممتعة، إذ تأكّدت من حلّ إحدى المسائل عن طريق تطبيق بيانات المسألة في محاكاة على المختبر الافتراضيّ. هكذا يمثّل المختبر الافتراضيّ للطالبة مصدرًا للتغذية الراجعة تستعين به بنفسها، فتألف التعلّم الذاتيّ الذي أصبح من ضرورات العصر.

 

 

المراجع

  • الأنصاريّ، محمد. (1996). استخدام الحاسوب كوسيلة تعليميّة. مجلّة التربية (116). قطر.
  • الراضي، أحمد. (2008). أثر استخدام تقنية المعامل الافتراضيّة على تحصيل طلّاب الصفّ الثالث ثانويّ (قسم العلوم الطبيعيّة) في مقرّر الكيمياء في منطقة القصيم التعليميّة. رسالة ماجستير في كلّيّة التربية. جامعة الملك سعود.
  • Kirchner, P., & Huisman, W. (1998). Dry Laboratories in Science Education; Computer – Based Practical Work. International Journal of Science Education, 20(6), 665-682.