علي عزّ الدين- مدرّب ومستشار تربويّ- لبنان/ الإمارات
علي عزّ الدين- مدرّب ومستشار تربويّ- لبنان/ الإمارات
2022/02/10

كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وكيف ترى مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

التعليم قبل وجود المدارس كان عبارة عن عمليّة مرتبطة بالحياة اليوميّة وبثقافة وعادات الشعوب، فكان الوالد يعلّم ابنه مهنة معيّنة، أو حرفة معيّنة، تنتقل من جيل إلى جيل: الصيد، صناعة الخزف أو الفخار، صناعة السجّاد والبسط، وغيرها من الأمور. كلّنا يعلم أن عددًا كبيرًا من المجتمعات ما يزال يعتمد على نفس طريقة العيش والتعليم، فالمدرسة لا تتوفّر للجميع في المناطق النائية، وفي حال توفّرت، فهي لا تنفصل عن الحياة اليوميّة للتلميذ. لقد قابلت حديثًا مُرشدًا سياحيًّا في وادي رم في الأردن، وأخبرني عن أن التعليم في حياة البدو ما زال مرتبطًا بأسرار الصحراء، علم الفلك، الأعشاب الطبّيّة، وأن كل تلك المعرفة التي يمتلكها "شيخ القبيلة" لا تدرّس في المدرسة التي نعرفها في يومنا هذا، بل هي أمور يتعلّمها الطفل من خلال الممارسة اليوميّة، ومرافقة والده في رحلة الصيد أو رعي الأغنام.

حديثي مع المرشد وجائحة كورونا وكلّ التطوّر الذي يحصل من حولنا جعلني أسأل نفسي: هل ما زلنا بحاجة إلى المدارس الكلاسيكيّة والصفوف والمدرّسين والكتب المدرسيّة والامتحانات التقليديّة؟ أم نحن بحاجة إلى هيكليّة جديدة تدمج فيها المعارف والمهارات والمفاهيم والقيم ويتم تدريسها من خلال مشاريع ووحدات مرتبطة بالواقع والحياة؟

لقد تغيّر كل شيء من حولنا بشكل سريع إلّا المدرسة، وقد حان الوقت لظهور مدارس جديدة بمبانٍ وتقنيّات وفلسفة جديدة.

 

كيف تصف تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

دعني أجيب عن السؤال بسؤال: هل ما زلنا بحاجة إلى التعلّم الحضوريّ/ الوجاهيّ بعد تجربة التعلّم عن بُعد؟ أم نحن بحاجة إلى تجربة جديدة؟

اسمح لي أن أقول إنّ كلّ مدرسة، مدير، مدرّس، ولي أمر، تلميذ يرغب بالعودة فقط إلى التعلّم الوجاهيّ، الذي كان سائدًا قبل كورونا، هو شخص لم يستفد من تجربة كورونا، ولم يكتشف الفرص الجديدة التي ظهرت، والتي قد تُغيِّر كلّ النظام المدرسيّ التقليديّ السائد. التعلّم والتعليم قبل كورونا شيء، وبعدها يجب أن يكون شيء آخر. وهذه، على سبيل المثال، بعض الأفكار التي أصبحت من الماضي بالنسبة لي:

1. التعلّم والتعليم محصوران بجدول من الساعة الثامنة صباحًا ولغاية الثالثة عصرًا على مدى خمسة أيّام في الأسبوع.        
2. المدرّس يجب أن يكون في نفس البلد وفي نفس المكان والزمان مع التلاميذ.
3. التلميذ يتعلّم فقط مع تلاميذ من عمره وفي نفس البلد وفي نفس المكان.

 

اختر شيئًا واحدًا تودّ تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

أودّ تغيير الجداول الأسبوعيّة التي صيغت من أجل تسهيل حياة المدير والمدرّس وليس من أجل عمليّة التعلّم والتعليم. تقتل تلك الجداول الحرّيّة والإبداع وعمليّتي البحث والاستقصاء... لا أعرف من حدّد أنّ التلميذ يجب أن يُمضي حوالي 24 ساعة في المدرسة خلال الأسبوع، يُخصّص منها فقط حصّتين للرياضة وحصّة للفنون التشكيليّة أو الموسيقى، وباقي الوقت للّغات والرياضيّات والعلوم.

 

برأيك، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

نستطيع أن نعلّم كل شيء من خلال الفنون والموسيقى والرياضة أيضًا، فهذه موادّ تُطوّر التعاون والتفكير الإبداعيّ والناقد. هذه المواد قد تكون مصدرًا لمشاريع مرتبطة بالحياة، وتخدم مفاهيم الرياضيّات واللّغة والعلوم.

دعونا نأخذ مثال هُنا هو فنّ الهندسة الإسلاميّة، فمن خلال هذا المفهوم نُدرّس رياضيّات، تاريخ، ثقافة، ولغة... أو هيّا نفكر بكأس العالم في مجال كرة القدم، فيُمكننا من خلاله أن نُدرِّس الإحصاء، الاقتصاد، أهمّيّة الدعاية والإعلان، وغيرها من المفاهيم.

 

إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

سأطلب من كل تلميذ ملفًّا تراكميًّا إلكترونيًّا (digital portfolio)، تحفظ بداخله نماذج تعبير كتابيّ، ونماذج من أعماله الفنّيّة، ونماذج من مشاريع قام بتنفيذها، وغيرها من الأعمال الملموسة، والتي تُظهر تفكيره وتأمّلاته. سيحتوي هذا الملفّ على أعمال مصوّرة، سمعيّة بصريّة تُظهر مهارات التلميذ بشكلٍ واقعيّ.

 

كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

يجب أن تكون تفاصيل الحياة اليوميّة الأساس في عمليّتيّ التعلّم والتعليم؛ فهذه التفاصيل عبارة عن مشاكل يجب أن نجد حلولًا لها: مشكلة الكهرباء، والماء، وغيرها من المصادر المحدودة، مشكلة الفقر، والمساواة، والحروب... باختصار، كلّ القضايا التي نسمعها في الأخبار اليوميّة المحلّيّة والعالميّة يجب أن تكون مصدرًا من الواقع يتم تدريسه والتفكير به والبحث عن حلول مُختلفة له.

 

ما هو التعبير الذي تُحبّ أن تراه على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّ أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

أرغب بأن أرى الفضول على وجوه الطلبة ورغبتهم بالعودة في اليوم التالي إلى الفصل الدراسيّ، إلى مختبر العلوم، إلى غرف الفنون والرياضة للبحث عن إجابات الأسئلة التي تدور في عقلهم والتي تثير تفكيرهم.

 

من هو الطالب المُلهم؟

الطالب الذي يشعر بالآخرين، ويفكّر كيف يستطيع مساعدتهم.

 

كصديقٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

تعلّم مدى الحياة.

 

إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختار؟

رحلة إلى الذات نكتشف فيها من نحن وما هو دورنا في هذه الحياة.

 

Tags