لطالما تكرّرت مسألة الغياب الجماعيّ لطلبة المدارس خلال العام الدراسيّ الواحد، ما يجعلها مدعاة للقلق، وتستدعي إجابات لمجموعة من التساؤلات حولها. لا سيّما أنّها بدأت تتبلور بصورة أقرب إلى الظاهرة التي تتزايد حدّتها إذا ما فُهمت وحُلّلت وعولجت.
وما لا شكّ فيه، أنّ هذه المشكلة عقبةٌ إضافيّة للقطاع التعليميّ في عالمنا العربيّ، والذي ما زال يصارع مجموعة من التحدّيات على المستويات المحلّيّة والإقليميّة والعالميّة؛ كالفجوة الرقميّة، وتحقيق مضامين التعليم الجيّد كأحد أهداف التنمية المستدامة، وتفاوت الإنفاق على التعليم، والمناهج التي تحاكي المهارات الحياتيّة، لا سيّما أنّ الطلبة هم محور العمليّة التعليميّة وغايتها الرئيسة التي تَظهر كافّة عمليّاتها مؤشّراتٍ للقياس والتقدير، بصورة لا يمكن التغافل عنها. وفي هذا الصدد، يسهم غياب الطلبة حتمًا في عرقلة تجاوز أبسط تلك التحدّيات، وهذا دليل واضح على وجود خلل في المنظومة التعليميّة.
ويمكن القول إنّ الغياب الجماعيّ يتمثّل في عدم حضور عدد كبير من طلبة المدارس للدوام المدرسيّ في أيّام محدّدة، وبشكل مُنسّق بينهم. وذلك لأسباب مشتركة، لعلّ أبرزها:
1. أسباب نفسيّة: كشعور الطلبة بالملل من شكل التعلّم، وذلك نظرًا إلى رتابة الحصص الدراسيّة، وتكرار أساليب التعليم المتّبعة، وتقليد الزملاء لبعضهم بما يُشكّل مبرّرًا لهذا الغياب.
2. أسباب تتعلّق بالمدرسة: كضعف الرقابة وقلّة الانضباط والتساهل من قِبل الإدارة المدرسيّة، تجاه الطلبة المتغيّبين. والقصور في التواصل مع أولياء الأمور، والعلاقات السلبيّة بين المعلّمين والطلبة، وتشجيع بعض المعلّمين طلبتهم على الغياب الجماعيّ.
3. أسباب تتعلّق بالمناهج الدراسيّة: يعدُّ عدم تلبية المقرّرات الدراسيّة لاحتياجات الطلبة وفقًا لمراحلهم النمائيّة، وضعف قدرتها على تنمية ميولهم، وتوجيه مواهبهم، وكذلك صعوبة مستوى المناهج الدراسيّة، مُبرّرًا إضافيًّا للغياب الجماعيّ.
4. أسباب تتعلّق بالتقويم المدرسيّ: حيث يعدّ طول أيّام العام الدراسيّ، وقلّة فترات الإجازات سببًا مؤثّرًا في غياب الطلبة، خصوصًا إذا لم يُراعَ فيه التوازن بين الدراسة والراحة.
5. قصور دور أولياء الأمور وعدم متابعة أبنائهم الطلبة بسبب انشغالهم بضغوطات الحياة، والذي يؤثّر حتمًا في دافعيّة الطلبة نحو الالتزام بالدوام المدرسيّ. فعندما لا يهتمّ أولياء الأمور بمراقبة انتظام أبنائهم في الحضور المدرسيّ ومتابعتهم، ولا يتابعون أداءهم الأكاديميّ وسلوكهم، يجعل ذلك الأبناء أكثر عرضة للتغيّب.
آثار الغياب الجماعيّ لطلبة المدارس
تنعكس الآثار السلبيّة للغياب الجماعيّ بصورة واضحة على:
- - تدنّي مستوى التحصيل الدراسيّ، ما يفاقم الفجوة التعليميّة بين الطلبة.
- - تراجع مستوى المخرجات التعليميّة، وتدنّي مستوياتها في الاختبارات الدوليّة.
- - ضعف الانضباط المدرسيّ العامّ، وزيادة عدم الالتزام بالقوانين والتعليمات الناظمة للعمليّة التعليميّة.
- - السمعة السلبيّة عن القطاع التعليميّ، وترسيخ فكرة غياب دوره في إعداد الفرد وبناء المجتمع السليم.
- - تعزيز السلوكيّات السلبيّة بين الطلبة، كثقافة الهروب من تحمّل المسؤوليّة، وغياب الرقابة الذاتيّة.
- - زيادة العبء على معلّمي المدارس، حيث سيضطّر المعلّم إلى إعادة شرح الدروس للطلبة المتغيّبين، ومراعاة الفروقات بينهم.
الحلول والتوصيات المقترحة للحدّ من الغياب الجماعيّ لطلبة المدارس
لمعالجة هذه المشكلة، تبرز جملة من الخطوات الواجب اتباعها وفقًا للأدوار الآتية:
1. دور أولياء الأمور: إذ لا يمكن إخلاء دور أولياء الأمور من ضرورة توعية أبنائهم بمخاطر الغياب عن الدوام المدرسيّ، وحثّهم نحو الحضور الفاعل، وكذلك التواصل المستمرّ مع الإدارة المدرسيّة، وحضور الاجتماعات واللقاءات.
2. دور المدرسة: ويتمثّل في تطبيق القوانين والتعليمات المرتبطة بغياب الطلبة، وبصورة واضحة وصارمة ومن دون تهاون. وتفعيل مجالس الطلبة وأولياء الأمور، لما لها من أهمّيّة في تعزيز التشاركيّة، والاستماع إلى مشاكلهم، ومشاركتهم بحلّها بصورة جماعيّة ومرضية لكافّة الأطراف. وضرورة تفعيل الأنشطة المدرسيّة التي تشكّل عاملًا جاذبًا لحضور الطلبة وتفاعلهم. كذلك لا بدّ من ضبط قنوات وسائل التواصل الاجتماعيّ الخاصّة بأولياء الأمور، والتي قد تُبثّ عن طريقها حملات تشجّع على غياب الطلبة الجماعيّ.
3. دور وزارة التربية والتعليم: على وزارة التربية والتعليم أن تُعيد النظر في محتوى المناهج التعليميّة، وتجعلها مُلبّية لحاجات الطلبة، ومنسجمة مع قدراتهم، ومثيرة لشغفهم نحو التعلّم، وصياغة تقويم دراسيّ لا يتّسم بطول مدّته، كأن يصبح في ثلاثة فصول دراسيّة مع مراعاة الإجازة بينها.
وختامًا، يجب إمعان النظر في مشكلة الغياب الجماعيّ لطلبة المدارس ووضعها تحت عدسة المجهر، كونها تمثّل مؤشّرًا لوجود خلل في المنظومة التعليميّة، يؤثر بصورة مباشرة في طبيعة مخرجات أفراد المجتمع. وهو ما يتطلّب تكاتف أعضاء المجتمع المدرسيّ للحدّ منها، وصولًا إلى بيئة تعليميّة جاذبة وصحّيّة وآمنة، تدفع الطلبة نحو التفوّق والنجاح.