د. أحمد الدقس- موجّه مادّة اللغة العربيّة- قطر
د. أحمد الدقس- موجّه مادّة اللغة العربيّة- قطر
2022/08/19

كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم تكن هُناك مدارس؟ وكيف ترى مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

جائحة كورونا، وما تبعها من آثار، ألقت بظلالها على كافّة مناحي حياتنا، ومنها التعليم، ففرضت نمطًا جديدًا من التعلّم وهو نظام التعلّم عن بُعد، وأخرجت التعليم من مكانه المعهود، المدرسة، إلى البيت. وعلى الرغم من نجاعة هذا النمط في إثبات جدواه وفاعليّته في فترة الأزمة التي مرّ بها العالم أجمع، إلا أنّ حقبة التعليم النظاميّ ما زالت مستمرّة، خصوصًا بعد عودة الطلبة إلى مدارسهم. وهذا يقودنا إلى أن نفكر بجديّة في شكل التعليم مستقبلًا وصورته، في ظلّ ثورة التكنولوجيا والاتصالات والتحدّيات التي يمكن أن نواجهها في قادم الأيّام.

أعتقد أنّ التعليم مستقبلًا سيتمرّد على حيّز المكان، لينطلق إلى آفاق رحبة واسعة بعيدًا عن قيود المكان، بل والزمان، وتلك القوانين والأنظمة الصارمة في الحضور والانصراف، والجلوس لساعات طويلة في الغرف الصفّيّة، إلى نظام تعلّم ذاتيّ، يوفّر للطالب مسيرة تعليميّة تحقّق أهدافه الأكاديميّة والعمليّة في منزله أو في المكان الذي يحبّه، في ظلّ بيئة تعليميّة نشطة ومحفّزة، تثير شغف الطالب للتعلّم الذاتيّ، بعيدًا عن الجمود والإجبار والتقييمات الجامدة والاختبارات النمطيّة.

وأرى أنّ نظام الشبكات التعليميّة هو النمط التعليميّ صاحب الحظّ الأوفر في السيادة مستقبلًا، فمن المحتمل ألّا تكون هناك مدارس تقليديّة مستقبلًا، بل أكاديميّات عامّة، تضمّ مجتمعات تعلّم متنوّعة، بحيث يُقبل الطلبة ذاتيًّا على التعلّم، ليشبعوا احتياجاتهم من العلم والمعرفة.

 

كيف تصف تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

لا شك أنّ للتعليم الوجاهيّ رونقه الخاصّ ومزاياه التي لا ينكرها أحد. ولكننا، ونحن في الثلث الأوّل من القرن الواحد والعشرين، نحتاج إلى النظر بجدّيّة في تحديث أساليب تعليمنا للطلبة، وتعزيز المهارات الحياتيّة الرئيسة والتفكير النقديّ، ومهارات صنع القرار لدى الطلبة؛ فمستقبل التعليم يحتاج إلى أنظمة رقميّة لإدارة التعليم والمحتوى، لجعل بيئة التعلّم أكثر فاعليّة. وهذا ما عملت عليه دولة قطر منذ عقود، في حرصها على دمج التكنولوجيا بالتعليم. ومن المؤكّد أنّ عودة التعليم الوجاهيّ جعلت المعلّمين أكثر اقتناعًا بضرورة الاستمرار في تطوير أنظمة التعليم الرقميّة، والمراوحة بينها وبين التفاعل الحيّ للمعلّم مع طلبته، فكورونا اختصرت الزمن اللازم للتحوّل إلى التعليم الرقميّ.

 

اختر شيئًا واحدًا تودّ تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

طرائق التدريس التقليديّة لم تعد تناسب التحوّل الرقميّ الذي يشهده العالم حاليًّا. وأعتقد أنّه من المفيد التفكير بإدخال تقنيّات تفاعليّة في التعليم، كالروبوتات التعليميّة التفاعليّة، والتكنولوجيا الرقميّة ثلاثيّة الأبعاد؛ لما تتمتّع به هذه الوسائل والأساليب من طرائق مختلفة ومبتكرة في العرض والتقديم والتفاعل مع المتلقّي، من خلال الأنشطة التي تقدّمها تلك الروبوتات وتلك المجسّمات الإلكترونيّة. ناهيك عن مزاياها العديدة في توفير الكثير الوقت والجهد والمال، إضافة إلى ما تتمتّع به هذه التقنيّات من وسائل مبتكرة للإيضاح والتسهيل في وصول المعلومة للطالب.

 

برأيك، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

في ما يتعلّق باللغة العربيّة، هناك حقيقة راسخة مفادها أنّ الشّعر العربيّ والموسيقى توأمان، وبين الصورة والشعر العربيّ والموسيقى علاقة وطيدة لا تُمحى. فقد ارتبط الشّعر قديما عند العرب بالغناء والخيال، حتّى غدا الغناء ميزان الشعر، فقد اهتمّ الشعراء بالإيقاع في شعرهم، ما سهَّلَ أن تُغنّى قصائدهم.  

ومن خلال تجربتي الشخصيّة في تدريس قصائد الشعر العربيّ، وجدت أن هناك علاقة مباشرة بين التعلّم السريع والموسيقى والتصوير اللذين يشكّلان في السياق التعليميّ الاعتياديّ لغة تواصل أخرى، وذلك لأنّ للموسيقى تركيبة مثاليّة من القدرة على تحفيز عناصر التأثير والإدراك وإثارتها، ما يزيد القدرة على التفاعل مع النصّ والتأثّر به، وبالتالي تحسين المقدرة العقليّة للطالب.

 

إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

الهدف الرئيس من عمليّة التقييم تحسينُ تعلّم الطلبة، فالتقييم يركّز على إعلام الطالب بمستوى تقدّمه في عمليّة التعلّم، لتمكينه من اتّخاذ الإجراءات الضروريّة لتحسين هذه العمليّة. ومهما يكن من أمر فإنّ علينا، بوصفنا تربويّين، تفهّم جميع جوانب عمليّة التقييم، والتمكّن من ممارسته بالشكل المطلوب بسلاسة ومهارة، بعيدا عن أنماط التقييم التقليديّ القائم على أساس نظام الاختبارات ورصد الدرجات. لذلك، لا بدّ من ابتداع منظومة تقييم مستمرّ، تراعي التنوّع في طرائق التقييم، والتمايز والفروق الفرديّة بين الطلبة، وتراعي أيضًا إشراك الطلبة أنفسهم في عمليّة التقييم.

 

كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

ربط المنهج بخبرات الطلبة وواقعهم يحقّق مفهوم "التعلّم بالحياة". وهذا النمط من التعليم يتمحور حول الطالب، إذ يقوم الطلبة بالتعلّم من خلال الأنشطة والتجريب والبحث والاستقصاء. كما يتيح إمكانيّة التعلّم الذاتيّ والعمل ضمن فريق لتحقيق الأهداف المرجوة. من ناحية أخرى، يرسّخ هذا المفهوم استراتيجيّة التعلّم مدى الحياة، التي تقوم على أنّ البيئة منشأ التعلّم؛ فقد كانت هذه البيئة منشأ الطالب، ومنها جاء إلى المدرسة، ومن واجب المدرسة أن تفيد من هذا الوسط وتفعلّه جيّدًا، فيتابع الطفل تعلّمه رابطًا بين المدرسة والبيئة ليتفاعلا معًا من أجل خلق جيل مفكّر ومتفاعل ومبتكر.

 

ما هو التعبير الذي تُحبّ أن تراه على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّ أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

التعبيرات التي أحبُّ أن أراها على وجوه طلبتي عندما ألقاهم كثيرة، أهمّها البسمة الصافية في وجوههم، والشعور بالامتنان والرضا في عيونهم. وهذا لن يرتسم على محيّاهم إلّا إذا استطعنا أن نؤمّن لهم نظامًا تعليميًّا يوفّر بيئة تعلّم آمنة وجاذبة ومثيرة للتحدّي، خالية من أي ضغط نفسيّ، أو جسديّ، أو فكريّ، أو اجتماعيّ.

 

من هو الطالب المُلهم؟

الطالب الملهم هو الطالب دائم التعلّم، هو الطالب الذي لا يسعى للنجاح وحده، وإنما يسهم في تحقيق النجاح للآخرين. الطالب القادر على التكيُّف مع واقعه وظروفه. الطالب المتّسم بالقدرة على الإبداع، والابتكار. الطالب المتمتّع بالحيويّة، والإيجابيّة، والنشاط.

 

كصديقٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

كنت أقول دائمًا لطلبتي إنّ عيون وطنكم ترنو إليكم، وقلوب آبائكم وأمهاتكم متعلّقة بكم دومًا، وإن أملنا بكم كبير، فكونوا مخلصين لوطنكم، بارين بوالديكم. كونوا مثالًا يحتذى به علمًا وعملًا، وخُلقًا، وأمانة، وأداء. كونوا لنا مصدر فخر واعتزاز، كونوا مناهل للعطاء، وأنهارًا تتدفّق عزمًا، وهمّة، وإرادة، ومروءة. كونوا مواطنين نافِعِين لأنفسكم ومجتمعكم ووطنكم وللإنسانيّة جمعاء، وآمنوا بمهاراتكم وإمكاناتكم وقدراتكم التي تؤهّلكم للتميّز والإبداعِ في كلّ مجال تخوضونه.

 

إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختار؟

إلى إسبانيا، أرض العراقة والحضارة والجمال، كي أنعش ذاكرة طلبتي ووجدانهم بمثال حيّ على تاريخ أمّتهم المجيد وإنجازاتها العظيمة، مقدّمًا لهم نموذجًا واقعيًّا على أنّنا أمة حضارة وريادة، تستحق أن تتبوّأ مكانة تليق بإرثها الحضاريّ التليد.